ضربة عسكرية (خيار المتشددين بهوس آيديولوجية تبرر مسح دول من على الخريطة)؛ أو الهيمنة على الخليج بابتزاز الدول العربية نوويا والتحكم في تدفق بترولها وأسعاره، وإحلال شمولية ولاية الفقيه محل الحكومات المدنية (خيار المعتدلين من حكام إيران).
ما يواجه العالم المتحضر عامة، والبلدان العربية المستهدفة خاصة، خياران أحلاهما مر: مخاطرة الأمد القصير باستخدام القوة (ليس هناك وقت للوسائل الأخرى التي لم تنفع قبلا) لمنع امتلاك شخص كأحمدي نجاد للقنبلة النووية. ثمن الخيار؟.. انتقام عملاء إيران بأعمال إرهابية أو إشعال حزب الله أو حماس حربا مع إسرائيل.
والخيار الثاني تفضيل البعض وهم “استقرار” الوضع الراهن وقبول “الأمر الواقع” بامتلاك إيران للسلاح النووي. ثمن الخيار؟ مواجهة خطر إملاء الولي الفقيه لسياسته على المنطقة وتخريب الاقتصاد العالمي؛ واضطرار بلدين أو ثلاثة في الجامعة العربية، وتركيا، إلى الحصول على سلاح نووي.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية اتهمت إيران، الأربعاء، بإجراء تجارب سرية لا غرض منها سوى الاستخدام العسكري للذرة. كانت إيران رفضت زيارة مفتشي الوكالة لمركز بارشين، ثم أرسلت بعد ثلاثة أشهر للوكالة بأنها تسمح بالزيارة. صور الأقمار الصناعية للموقع بينت نشاطا غير عادي لنقل معدات وإخفاء آثار التجارب.
كما أن عددا من البلدان التي درس الخبراء الإيرانيون في جامعاتها قبل 2003، قدموا سجلات الدراسة، بناء على طلب وكالة الطاقة الذرية، لتثبت أن الإيرانيين درسوا الاستخدامات العسكرية للذرة، ووسائل توصيل القنبلة للخصوم (من صواريخ وطائرات وغيرها) قبل عام 2003.
وفي شهادته أمام اللجنة البرلمانية لشؤون التنسيق العام، قال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الثلاثاء، إن امتلاك إيران للسلاح النووي يشكل تهديدا مباشرا للمملكة المتحدة. وفي صباح اليوم نفسه، خصص مجلس الوزراء البريطاني أكثر من نصف وقت اجتماعه الأسبوعي (تضاعف إلى ساعتين ونصف الساعة) لإيران، حيث قدم رؤساء مجلس الأمن القومي والمخابرات والأمن العسكري تقارير عن حصول إيران على مساعدات خارجية تمكنها في غضون عامين من تجهيز صواريخ عابرة للقارات تضع لندن والمراكز السكانية البريطانية في مرمى التهديد النووي الإيراني.
وفي تقرير منفصل، أشارت المخابرات الأميركية إلى قدرة الصواريخ الإيرانية على حمل رؤوس نووية قادرة في عام 2015 على الوصول إلى واشنطن والمدن الأميركية.
لإسرائيل مبرراتها الخاصة للقلق من التهديد الإيراني، وهو ما حاول زعيمها بنيامين نتنياهو إقناع باراك أوباما به يوم الاثنين. لكن الأخير عرض مساعدات وأسلحة متطورة مقابل امتناع إسرائيل عن توجيه ضربة استباقية لإيران، بينما لا يبدو الرئيس الأميركي متحمسا لاستخدام القوة العسكرية لتجميد برنامج إيران النووي.
برنامج إيران النووي المعروف موزع على 18 موقعا بالغة التحصين. إسرائيل قادرة على توجيه ضربات جوية على مدى أيام، أي حرب علنية. أقصى نتيجة تعطيل مؤقت للبرنامج، وليس إنهاءه كما حدث بغارة واحدة على مفاعل صدام حسين 1981. إسرائيل لا تمتلك تكنولوجيا تصل لموقع “فودورو” في بطن الجبل.. فقط تدمير معدات المدخل.
فقط القنبلة الأميركية “GBU-57” قادرة على اختراق الجبل. وأميركا لن تقدم أسرار تكنولوجيا استخدام القنبلة (تزن 14 طنا) لإسرائيل، مهما اشتركت المصالح. بدليل ضبط جواسيس إسرائيليين في أميركا هم الآن في السجون.
على البلدان العربية وضع مصالح شعوبها قبل الأوهام الآيديولوجية، وألا تدع ردود فعل إسرائيل للتهديدات الإيرانية النووية تشكل ضبابا أمام نوايا إيران امتلاك السلاح النووي، خاصة أن فلسفة الآيديولوجية الخمينية هي وقود التفكير الاستراتيجي الإيراني في عهد آية الله خامنئي.
أثناء وجود مؤسس الجمهورية الإسلامية/ ولاية الفقيه، الراحل الإمام آية الله الخميني في منفاه في النجف بجنوب العراق في منتصف السبعينات، وقعت مشاجرة بين طفلين في السابعة من العمر. الطفل العراقي ألقى بحجر أصاب طفل أسرة إيرانية من حاشية الخميني، بجرح في جبهته. انتهى شجار الأسرتين بالاحتكام إلى الخميني باعتباره أكبر آيات الله مقاما. أمر الخميني باستدعاء الطفلين، وأفتى بتقييد ابن السابعة الذي ألقى الحجر وتمكين المجروح من شجب جبهته بحجر آخر حتى سال الدم. عندها صرف الطفلين باكيين قائلا “تحقق العدل فلا حاجة لخلاف الأسرتين”.
الديكتاتوريات الشمولية تبقي بـ”foundation myth” أو أسطورة تأسيس النظام، لتبرر رفضها المحاسبة أو التخلي عن الحكم عبر صناديق الاقتراع.. أسطورة بتبسيط التاريخ في شعارات، كمسؤولية وعد بلفور عن “ضياع فلسطين”، لتبقى أسطورة معاداة بريطانيا لتأجيل التطور الاقتصادي والإصلاح الديمقراطي حتى تحرير فلسطين عند وصول غودو (في مسرحية صمويل بيكيت الشهيرة).
والأسطورة التأسيسية للجمهورية الإسلامية هي معاداة الغرب الصليبي بزعامة “الشيطان الأكبر” (أميركا) الذي يتربص بها شرا. نظام التعليم، بتفسير ثوري راديكالي ضيق لأحداث مختارة من التاريخ، عثر على الحجر الذي شجب جبهة إيران الثورية في اتهام أميركا وبريطانيا بتدبير الانقلاب الذي أطاح بمحمد مصدق وأعاد الشاه 1953، ولا يمكن التوصل إلى تسوية إلا بتطبيق فلسفة العدل الخمينية “طفلي النجف”. الفارق أن الحجر في يد طفل الثورة الخمينية قد يكون القنبلة النووية.
ما هي الجبهة التي سيشجبها الحجر ليسيل الدم؟
إيران تنافس خيار تركيا كنموذج لتصالح المسلمين مع النظام الديمقراطي المدني المعاصر باقتصاد حرية السوق؛ فتقدم ولاية الفقيه كنموذج الإسلام الثوري في صراع دائم مع الغرب الصليبي.
من أجل توجيه البروباغندا الثورية نحو مظاهرات الشوارع ذات الوعي التاريخي المنخفض لأجيال انتزعت أنظمة التعليم من أدمغتها موهبة التفكير المستقل، والبحث النقدي خارج المناهج، تستخدم إيران صحافة عربية متخلفة، طريقة إثارتها لغرائز مشاغبي مباريات كرة القدم لا تختلف عن تغطيتها المغالطة للسياسة الخارجية، بانتقائية وفبركة أخبار توجه الغرائز العدوانية نحو ما يضر باقتصاد الشعوب، كتدمير البعض أنابيب تصدير الغاز باسم الوطنية. وهي الصحافة نفسها التي تصور بلدان الخليج، والحكومات التي تفضل السلام وبناء الاقتصاد على خيار العداء الدائم للغرب، على أنها تدور في “فلك الإمبريالية الأميركية ولا تتصدى للشيطان الأصغر إسرائيل”.
ولأن إسرائيل تمتلك مخزونا نوويا يمكنها من إعادة إيران إلى زمن ما قبل اختراع العجلة، فيمكننا استنتاج “جبهة الطفل” العربي التي سيصوب الطفل الإيراني الحجر نحوها.