وأوضح مجتبى أماني، على هامش الاحتفال الذي أقامه في منزله في القاهرة لمناسبة ذكرى رجوع خميني من المنفى إلى إيران، وذلك رداً على سؤال عن الخلاف بين السنة والشيعة إن “إيران لا تسعى لنشر المذهب الشيعي”، مؤكداً أن “نشر المذهب الشيعي في دول أهل السنة حرام، وفق فتوى المرشد خامنئي، وهي فتوى صدرت منذ عشر سنوات”.
جاءت هذه الفقرة في صدر بعض الصحف المتلهفة لعودة العلاقات المصرية الإيرانية، الأمر الذي أثار استغرابي كمتتبع للشأن الإيراني.
غريب الأمر! وتصريحات رئيس مكتب حفظ المصالح الإيرانية في مصر بحضور الصحافيين تزيدني عجباً! حيث لا وجود لهذه الفتوى، ولم نسمع أي زعيم شيعي يتفوه بكلمة حول هذا الموضوع. بل نرى عكس ذلك؛ فإيران تدعم تدريس اللغة الفارسية والتشيع جنباً إلى جنب على أساس نظرية تحمل عنوان “الفارسية لغة الشرق الأوسط وإيران قدرة الشرق الأوسط” حيث وضعت هذه النظرية بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية في مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه هاشمي رفسنجاني، وتنفّذ هذه النظرية عبر مؤسسة تقريب المذاهب الإسلامية برئاسة آية الله محمد علي تسخيري وعبر المراكز الثقافية الإيرانية في البلدان العربية وسفاراتها وقنصلياتها وأوكار أخرى كالحوزات (المدارس المذهبية)، التي أنشئت في بعض البلدان العربية بدعم من طهران عبر أصحاب الأقلام المأجورة.
يزيد عجبي حيث يتكلم الرجل بحضور عدد من الصحافيين، وأتساءل لماذا لم يسألوا هذا الموظف الإيراني كيف أن طهران منذ ثمانينيات القرن المنصرم حتى بداية الثورة في سوريا تدفع لكل متشيع سوري 5 آلاف ليرة سورية شهرياً؟ لماذا لم يذكّروه أن بلاده تدعم التشيع بموازاة تدريس اللغة الفارسية في البلدان العربية مثل لبنان وسوريا و اليمن وجزر القمر وبعض دول الخليج العربي والعراق وبلدان أسلامية أخرى.
كما حاول أزلام إيران في العراق أن يمرروا مادة في الدستور العراقي تنص على تدريس اللغة الفارسية إلى جانب اللغة العربية في هذا البلد العربي. لماذا هذا الصمت المريب؟ لماذا لم يسألونه كيف تسعى طهران بكل ما لديها من إمكانيات إلى تشييع أهل السنة في إيران والذي يقدر عددهم أكثر من 18 مليون نسمة؟ وكيف تمارس البطش في حق الشعب العربي في عربستان (الأحواز) وتطمس الهوية العربية في هذا الإقليم؟
ولماذا لم تسمح بلدية طهران ببناء مسجد لأهل السنة في العاصمة؟ إذ إن أهل السنة في طهران يقيمون صلاة الجمعة في سفارة المملكة العربية السعودية والسفارة الباكستانية، وتم منعهم أخيراً من فعل ذلك. ا
لأكثر وضوحاً كيف لم يذكّروا الرجل عن سبب اعتقال أحد أعضاء البعثة الدبلوماسية الإيرانية في مصر إبان ثورة 25 يناير؟ والأهم، كيف تستمر طهران بمشروعها العسكري النووي في الوقت الذي أفتى خامنئي سنة 2005م “أن صنع السلاح النووي حرام”، وأكد حينها في صلاة الجمعة وبعدها مراراً أن لا نية لدى إيران لصنع السلاح النووي!!
وفي الوقت نفسه نرى أن تقارير اللجان التابعة لوكالة الطاقة الذرية التي تزور بعض المنشآت النووية الإيرانية تؤكد توجه طهران لتصنيع السلاح النووي، الأمر الذي أثار حفيظة روسيا المشرفة على بناء بعض المنشآت النووية في إيران.
إن كان هنالك وجود حقيقي لهذه الفتوى فإنها تذكرني بفتوى أحد آيات الله الفرس الذي كان مقيماً في النجف آنذاك حيث أفتى وبعث فتواه إلى الشيخ خزعل أمير عربستان (1862-1936م) محذراً الأخير فيها “إياك أن تحارب الشاه، حيث إن الشاه يرحب بقدوم الإمام المهدي المنتظر”. حتى يومنا هذا لم نعرف كيف أن الشاه العلماني يرحب بقدوم المهدي المنتظر!! لكن ما عرفناه كيف تم اقتطاع عربستان (الأحواز) من أمتها العربية ثم تلتها الجزر الإماراتية الثلاث وضمت لإيران، واليوم نرى كيف أن الحرس الثوري الإيراني يصول ويجول في سوريا يداً بيد مع الشبيحة والمخابرات الأسدية ليمارس البطش في حق المواطن السوري، وشهدنا بالأمس كيف أصبح العراق نهر دم بدعم إيران للقوى الإرهابية.
وشهدنا كيف تم تصفية العقول في هذا البلد العربي على يد قوات القدس الفارسية، وعلى نفس المنوال نرى التلاعب بالأمن القومي اللبناني وإثارة القلائل في البحرين واليمن والخ.. سبب صمت الصحافيين الذين حضروا اجتماع الدبلوماسي الإيراني واضح لي تماماً، لكن أريد أن أوضح للقارئ أن من يلجأ إلى الصمت في قضايا تهم الأمة كلها، هو المستفيد من علاقات تقوم على أساس “البزنس”، وليس لديه باب رزق إلا عبر حبر القلم الذي يجب أن يتوقف عن الكتابة إلا مدافعاً عن الحقيقة.
لم نسمع صرير أقلامهم تدافع عن القيم البشرية المنتهكة في عربستان (الأحواز) وفلسطين والعراق وأفغانستان وتلك التي تنتهك اليوم في سوريا. في النهاية نرى أن جميع هؤلاء يلتقون على مائدة التومان الإيراني، ويعملون على عودة العلاقات الدبلوماسية المصرية – الإيرانية المنقطعة منذ أكثر من ثلاثة عقود، آملين الحصول على كمية أكبر من الأموال وإن كانت تلك الأموال مسروقة من أرض عربية احتلها الفرس منذ تسعة عقود وملطخة بدماء المواطن الأحوازي.
نوري حمزة
الوطن البحرينية