وقد تحدثت منظمة هيومن رايتس وتش وعدة منظمات حقوقية ايرانية في الخارج عن اعتقال 65 شخصا في هذا الاقليم الغني بالنفط والذي تقطنه اغلبية عربية. لكن العدد ارتفع الي 70 شخصاً خلال الاسبوع المنصرم ومرشحاً للارتفاع بسبب الحاح العرب في مدينة الاهواز العاصمة وسائر مدن الاقليم علي طرح مطالبهم القومية التاريخية ومقاطعتهم للانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها في الثاني من آذار المقبل. كما استشهد اثنان من المواطنين العرب، الاول، بتاريخ 30 يناير الماضي في احد السجون السرية بمدينة الاهواز وهو ناصر ألبوشوكة (درفشان) 19 عاما، والثاني، بتاريخ 2 شباط الجاري في السجن التابع للاستخبارات في مدينة الشوش وهو محمد جاسم الكعبي 35 عاما. الاول اعتقل بتهمة كتابة الشعارات التي تقاطع الانتخابات التشريعية وكذلك تغيير مذهبه من الشيعي الي السني. وتعد هذه التهم في ايران ــ خلافا لمعظم دول العالم ــ جرما يعاقب عليها القانون بشكل او اخر، لكن الموت تحت التعذيب هو من هوايات المحققين الذين يحقدون علي العرب ويكرهون كل شيء له صلة بالعرب. هذا ما ذكرته لجميع وسائل الاعلام التي تحدثت معي حول الاحداث الاخيرة في اقليم عربستان واكدت لهم ان المحقق الفارسي عندما يحقق في سجون طهران مع المعتقلين يحمل خصومة سياسية ضدهم فقط أيا كان اتجاههم السياسي، لكن عندما يحقق مع المعتقلين العرب في سجون عربستان يحمل علاوة علي ذلك حقد عنصري. يجب ان اشير الي ان في آذار الماضي تعرض ناشط عربي آخر في مجال حقوق الإنسان هو رضا مغامسي إلي الموت تحت التعذيب في سجن دزفول. كما تعرض أحد الشبان العرب وهو حامد العساكره إلي الموت في أيلول الماضي بعدما دهسته سيارة إحدي الدوريات العسكرية في مدينة خلف آباد (رامشير الرسمية). وهو حادث شبيه بما حدث في طهران أثناء مراسيم عاشوراء في عام 2010 خلال المظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في إيران. وقد نقلت وكالات الأنباء تفاصيل الحادث، في حين لم يبث أي خبر عن حادث خلف آباد بسبب الجدار الذي أحيط بإقاليم عربستان لمنع تسرب أية معلومة عن ما يجري فيها. إن الحكومة تريد من ذلك أن تؤكد أن كل شيء هادئ في الاقليم الذي يحتل مكانة ستراتيجية وجيوبوليتيكية، علماً أنه وبآباره النفطية يؤمن معظم ايرادات السلطة الايرانية. ونتيجة لذلك يتعرض العرب لضغط وإيذاء مضاعف، بحيث قتل أربعة من العرب في خلال سنة واحدة. ومن الممكن أن يكون عدد المقتولين أكثر من ذلك لأن بعض العوائل تلتزم الصمت بسبب الخوف أو بسبب عدم تمكنهم من اللغة الفارسية أو بسبب وضعهم الاقتصادي المتدني مما يضع العراقيل أمامهم للاتصال بوسائل الإعلام.
وقالت مديرة مجموعة “العدالة لإيران” السيدة شادي صدر في لقاء مع قناة بي بي سي الفارسي ان المحققين القتلة في الاهواز والشوش يشعرون بالحصانة ولم ترد علي اسئلتنا ــ لا السلطات الامنية ولا القضائية ــ حول المتورطين في هذه الاغتيالات التي تمت تحت التعذيب. وابدت الحقوقية الايرانية عن خشيتها من وقوع اغتيالات اخري لم يتم الكشف عنها وذلك نقلا عن اسر المعتقلين الذين يجتمعون كل يوم امام محكمة الثورة الاسلامية في الشوش دون جدوي بل يواجهونهم بالاهانات والاذلال والتحقير.
ماذا جري في الشوش؟
في ليلة الأربعين الحسينية (13/14 يناير) اجتمع عدد غفير من الشباب العرب الوافدين من مختلف مدن عربستان في حرم النبي دانيال في الشوش وذلك بالتنسيق مع الناشطين العرب في المدينة. وفي حوالي الساعة السادسة مساء يوم الجمعة 13 يناير انطلقت المظاهرات بشعارات وهوسات أهوازية تؤكد علي الهوية القومية العربية، وعند اتساعها قامت قوات الامن بمحاصرتها وضرب المشاركين فيها واعتقال نحو 25 منهم. غيران المظاهرات انتقلت من وسط المدينة الي احياء اخري مثل حي النخيل (احمد آباد) والخضيرة والدوار واستمرت حتي الساعة الرابعة صباح يوم السبت باشكال متفرقة. والشعارات كانت: “حرية حرية، شعب الاحواز ينادي” و”بالروح بالدم نفديك يا احواز” و” خائن خائن كل من ساكت” و”لا مجلسكم لا دولتكم كلها اتكذب ما نتبعكم” وهتافات وهوسات اخري.
وهذه الشعارات إن دلت علي شي الا وهو خشية المواطنين العرب علي هويتهم المهددة وارضهم المباحة لعمليات المصادرة منذ عهد رفسنجاني وحتي الساعة. كما ان هناك توق للحرية والانعتاق من الاضطهاد القومي والمستمر منذ تسعة عقود اي منذ سقوط آخر حاكم عربي للاقليم الشيخ خزعل بن جابر في 1925. وايضا مقاطعة الانتخابات المسرحية التي يقوم بها النظام الديني الاستبدادي في طهران دون مشاركة اي احزاب اخري وهو الذي قمع حتي شركائه في الحكم واعني الاصلاحيين.
وفي الحميدية
مدينة الحميدية التي تبعد 25 كلم غرب العاصمة الاهواز تعد من المراكز الاساسية للثورة الاهوازية منذ وقوع انتفاضة نيسان 2005 حيث لم تهدأ بها جذوة الاحتجاحات والمظاهرات المطالبة بالحقوق القومية للشعب العربي في اي مناسبة دينية او وطنية. وقد تم اعتقال نحو 30 شخصا في هذه المدينة خلال الاسابيع الست المنصرمة معظمهم من طلبة الجامعات ومدرسي وتلاميذ المدارس والثانويات في الحميدية. يبدو انهم يحضرون للذكري السنوية لإنتفاضة الشعب العربي في 15 نيسان او مقاطعة الانتخابات التشريعية. ولم تتفوه الحكومة الايرانية باي شيء رغم كل الضجة التي اثيرت حول الاعتقالات والاغتيالات الاخيرة في عربستان. لكن لدينا معلومات بانها تنوي توجيه تهم ملفقة ضدهم مثل التجسس لدول غربية واجنبية او الاتجار بالمخدرات وما شابه ذلك لتسهل عملية اعدامهم ان لم تقتلهم تحت التعذيب. وهذا التهم جاهزة تحسم في محاكمات سرية سريعة بعيدة كل البعد عن العدالة والانصاف. واستمرت الاعتقالات لتشمل مدينة الاهواز وخاصة احياء الملاشية وكريشان. اذ تم اعتقال نحو 15 ناشطا حتي الان. وقد انعكست اخبار الاحداث الاخيرة بشكل واسع في الاعلام الايراني المعارض في الخارج وكسب عطف العديد من الشخصيات والمنظمات الحقوقية والسياسية خاصة القوي اليسارية والليبرالية والمتعلقة بالقوميات غير الفارسية. كما كان لها انعكاس في الاعلام العربي لكن لم يكن في المستوي المطلوب. ومع الاسف لم تنبس اي منظمة حقوقية او انسانية عربية ببنت شفة نحو اشقائهم المضطهدون في عربستان رغم صدور بيانات من منظمتين دوليتين في هذا الخصوص وهما: هيومن رايتس واتش والعفو الدولية. كما ان معظم وسائل الاعلام العربي اهملت هذه الاحداث بما فيها قناة الجزيرة وقنوات وصحف ومواقع اخري وهي اكبر بكثير من الاعلام الفارسي. وعتبنا اكثر علي اشقاءنا في العراق الذي نشترك مع جنوبه باللهجة الواحدة والثقافة المشتركة.
ماذا يريد العرب في عربستان؟
وفقا لآخر احصاءات رسمية يصل مجمل عدد سكان اقليم عربستان (خوزستان الرسمي) نحو 7 ملايين نسمة، نصف منهم يعيش في العاصمة الاهواز. ويشكل العرب نحو 70 بالمائة من سكان اقليم عربستان اي 4 ملايين و900 ألف شخص. فاذا ضفنا المناطق المقتطعة من الاقليم والملحقة بالاقاليم المجاورة الشمالية والجنوبية والغربية فيبلغ عدد العربستانيين نحو 6 ملايين نسمة. اي انهم يشكون اكثر من 8 بالمائة من كل نسمة ايران. لكن هناك فئة اخري من العرب يقيمون في الموانئ الجنوبية لإيران وجزر الخليج واقليم خراسان وسائر المدن الايرانية، وهم لايقل عددهم نسبة 2 في المائة من نسمة ايران وبذلك يصل عدد العرب في كل انحاء ايران الي نحو 10 في المائة من عدد سكان ايران. وهذا هو اقل تقدير. ولا يحتل العرب الذي يشكلون 70 بالمائة من سكان اقليم عربستان (خوزستان الرسمي) الا 5 في المائة من المناصب الادارية المهمة في الاقليم بعد ان كانوا يحكمون انفسهم بانفسهم حتي سقوط اخر حاكم عربي لعربستان في العام 1925 وهو الامير خزعل بن جابر. وتحظر السلطات الايرانية اصدار الصحف باللغة العربية ويغلقون اي صحيفة فارسية في الاقليم صاحبها عربي وتهتم بشؤون العرب. هذا ما حدث لزميلنا محمد الحزبة حيث اوقفوا صحيفته “همسايه ها” الفارسية (الجيران بالعربي) لانها نجحت في عملها واخذت تغطي بعض جوانب حياة العرب في الاقليم. فعلاوة علي كل انواع التمييز اللغوي والثقافي والسياسي والاقتصادي يعاني العرب في ايران من التمييز العنصري. فابواب التوظيف تسد بوجه المواطنين العرب بسبب أسماءهم العربية فقط. او يتم احتقارهم في الصحافة والاعلام الايراني بل ويتم سب العرب وشتمهم في الملاعب الكبري عند بعض المباريات الحساسة في الملاعب كما حصل في ملعب اصفهان الرياضي قبل اكثر من عام. وينعتهم الشعراء القوميون الفرس بابشع النعوت كـ “آكلة السحالة” و”الحمير” وما شابه ذلك وهو ينم من روح استعلائية. فالعرب في عربستان لا يستطيعون التكلم في المحاكم بلغتهم الأم، خاصة وإن غالبيتهم لا يجيدون اللغة الفارسية مما يعرض حقوقهم إلي الغبن.انهم يقيمون علي أراضي غنية بالنفط، لكن معظمهم يعيشون في فقر مدقع وفي بيوت الصفيح والعشش ومع الجاموس. نسبة البطالة في هذا الاقليم هي الثاني في ايران. لقد نقل أحد مراسلي وكالة “مهر” للأنباء صوراً عن حياة العرب في الاقليم، وعلق عليها “هنا ليست أفريقيا، هنا الأهواز”. وهذه عبارة تصف بشكل دقيق ما تعانيه عربستان، كما تعبر عن الظلم الذي يلحق بسكانها. أضف الي ذلك التجفيف المتعمد للانهار والاهوار، واهمال السلطة في الحد من الاعاصير الرملية التي تعصف بالاقليم خلال 40 في المائة من ايام السنة وتلوث البيئة ومياه الشرب وتفشي امراض القلب والسرطان (اكثر من سائر الاقاليم الايرانية) بسبب الحروب المتتالية في الاقليم وفي جواره، وهذا ما كان يتكتم عليه النظام الايراني الاستبدادي وتحدثت عنه الوكالة الطلابية للانباء قبل ايام.
ولا ننسي إن هذا الاقليم كان يتمتع بحكم ذاتي واسع ويحكمه حاكم عربي هو امير المحمرة الشيخ خزعل الكعبي حتي أوائل القرن العشرين. ونتيجة لذلك يشعر عرب اقليم عربستان بالغبن، فهم قد فقدوا السلطة السياسية، وحرموا من حقوقهم اللغوية والثقافية والاقتصادية. بل ومعرضون للابادة بوسائل ناعمة تارة وصلبة تارة اخري. فهم يصارعون من اجل الوجود ولسان حالهم “نكون او لا نكون”.
إنهم يقارنون وضعهم المزري مع احوال أقرانهم العرب في دول مجاورة كقطر والامارات والكويت، مما يثير استيائهم من الظروف التي يعيشونها وهذا ما يؤدي الي الاحتجاج والتظاهر رغم علمهم بقسوة السجانين في مواجهتهم.
نقلا عن جريدة الزمان