التي يُفترض أن الناخب يدخلها للإدلاء بصوته «سراً»، أي بعيداً عن عيون الحكومة، كانت الكاميرات وعدسات المصورين تنقل المشهد مباشرة وتلاحق الناخبين إلى تلك الغرف، لنشاهدهم وهم يصوتون بـ «نعم» على مشروع الدستور الجديد.
ولمن فاتهم احتفال دمشق، هناك احتفال مماثل سيجرى في طهران نهار الجمعة المقبل، حيث وجهت السلطات دعوة مفتوحة إلى 48 مليون إيراني للمشاركة في أول انتخابات برلمانية منذ الحدث «الديموقراطي» الشهير الذي أعاد أحمدي نجاد إلى الرئاسة عام 2009.
في الحالتين كان لا بد من الاستعداد لمواجهة الحملات المغرضة والأكاذيب عن الوضع في البلدين المذكورين، والتي يمكن أن تشوّه الاحتفال الديموقراطي. ومنها ما يتردد من مزاعم عن انتفاضة يقوم بها الشعب السوري ضد النظام، ومثلها مزاعم عن أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة في إيران وتململ شعبي بسبب العقوبات. في دمشق حرص الرئيس على نشر ابتسامته المعتادة على جمهور التلفزيون، للتأكيد أن كل شيء على ما يرام، أو كما أجاب مرة الصحافية الأميركية باربارا وولترز عندما سألته عن رأيه في الوضع في بلاده، فما كان منه إلا أن باغتها بإجابته الشهيرة: «وماذا يحصل في سورية؟». وفي تأكيد على نجاح الأداء المسرحي لم تكن هناك أي إشارة على قسمات المحتفلين إلى جانب الرئيس بذلك اليوم التلفزيوني يمكن أن تدل إلى أن «شيئاً ما» يحصل على بعد بضعة كيلومترات من دمشق، في حمص مثلاً أو في حلب، أو حتى في كفرسوسة، غير بعيد عن مقر البث المباشر.
على العكس، أكد الرئيس أن هناك سعياً لكسب «معركة الأرض والفضاء»، وترك للمشاهدين أن يحزروا ضد من تخاض هذه الحرب.
أما في طهران، حيث البث التلفزيوني بدأ قبل الانتخابات بأسابيع، فهناك إشادة متواصلة بـ «النعمة الإلهية» الخفية التي «فجرت المواهب والإيمان بالقدرات الذاتية لدى حشود الشباب الإيراني». والمقصود بالنعمة هي العقوبات المفروضة على إيران، والتي أدت إلى خسارة الريال الإيراني نصف قيمته الشرائية منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، فضلاً عن مضاعفة أسعار المواد الغذائية واللحوم نتيجة انحسار الواردات بسبب نقص القدرة الشرائية. غير أن هذا لم يمنع المرشد علي خامنئي من الظهور على التلفزيون ليؤكد: «لقد أغلقوا أمامنا أبواب العلم ورفضوا أن يبيعونا ما نحتاجه من السلع، ومع ذلك حققنا التقدم. وهذا ما يملأ نفوسنا بالأمل». وهو ما رد عليه مواطن إيراني في طهران في تحقيق أجرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية فقال: «في عالمنا فقدت العملة قيمتها وفرضت عقوبات على نفطنا وأصبحنا نشعر بالعار، أما في عالمهم فالبلاد قوية والاقتصاد ينتعش وينتظرنا مستقبل جيد. كل منا يعيش في كوكب مختلف».
مثل كل العروض المسرحية الباهتة حيث خاتمة المسرحية معروفة قبل أن تسدل الستارة، لم يكن هناك ما يثير في العرض السوري ولا في ذلك المنتظر نهار الجمعة المقبل في إيران. في الأول تمخضت حفلة الإصلاح الدستوري عن بقاء الرئيس إياه رئيساً حتى عام 2028! وفي الثاني يستمر العرض على حاله ويحضر الجمهور ذاته للتصفيق كل أربع سنوات، أما الذين يتغيبون فقد ذهبوا إلى القبر أو هم يعيشون في الإقامة الجبرية.
وهل يمكن أن تكون الديموقراطية غير ذلك؟