دبلوماسية البوارج البحرية كانت في الماضي لغة مهمة في النزاعات السياسية في القرن التاسع عشر، ويبدو أنها لا تزال حتى اليوم، على الأقل إيرانيا. البارجة «خارك» وسفينة الإمداد «الشهيد قندي» أرسلتهما إيران لتبحرا بعيدا من الخليج العربي، إلى بحر العرب، فالبحر الأحمر، وعبرتا قناة السويس، وأخيرا البحر الأبيض المتوسط حيث يفترض أن ترسيا في ميناء طرطوس السوري، الذي يعتبر أيضا محطة إمداد وصيانة للأسطول البحري الروسي المتحالف مع نظام الأسد. دبلوماسية البوارج كانت تعني استعدادا حقيقيا للقتال إن لزم الأمر، فهل إيران فعلا تنوي أن تفيدها بارجة وسفينة إن حدث قتال في هذه المنطقة المضطربة؟ بالتأكيد لا، الأسطول الإيراني هزيل مقارنة بالقوى البحرية الكبرى الموجودة في البحر المتوسط، أميركيا وفرنسيا، وكذلك تركيا وإسرائيليا. الرسالة الوحيدة هي نفسية، للتأكيد على دعم النظام السوري الذي يزداد عزلة.
إذن، نتساءل عن مدى التزام النظام الإيراني بدعم حليفه شبه الوحيد اليوم، النظام السوري؟ الأخبار تتوارد بإرسال 12 ألف مقاتل مدرب للمشاركة إلى جانب النظام، كلهم ينتمون للحرس الثوري، عبروا من العراق إلى سوريا على طريق الرطبة العراقية إلى بوابة النتفة السورية، وصولا إلى دمشق. وسبق ذلك التزام بدعم مالي واقتصادي وسياسي، وبالتالي لم تترك طهران وسيلة إلا وقدمتها لنظام الأسد، لكن حتى مع هذا الدعم السخي، فإن النظام يتهاوى، فإن صور المظاهرات الحاشدة التي انتقلت من ريف دمشق إلى قلب دمشق فاجأت الجميع، وكانت الرد الشعبي السوري على حصار حمص وحماه ودرعا وغيرها من مراكز الثورة، وكانت أيضا التأكيد على أن ثورة الداخل أهم من سلحفاة العمل السياسي الدولي، وأبلغ رد على الروس والإيرانيين. لا تستطيع إيران بأسطولها الصغير المكون من سفينتين إيرانيتين أن تغير ميزان القوى في البحر، ولن ترجح كفة النظام على الأرض، وبالتالي لا أعرف كنه الرسالة من دبلوماسية البوارج هذه سوى التأييد المعنوي. هل تريد إيران أن تقول إنها، على الرغم من الحصار الاقتصادي الشديد الذي تعاني منه، قادرة على أن تمخر بوارجها آلاف الكيلومترات وأمام أعين البحارة الأميركيين والمصريين والإسرائيليين. وهذا التصرف ينسجم مع روح الدعاية التي تغلب على السياسة الإيرانية منذ قيام الثورة قبل ثلاثة عقود.
الصراع في داخل سوريا وخارجها يدور على مستويات متعددة؛ دبلوماسيا، واقتصاديا، ودعائيا، وعسكريا، وهي جميعا مرهونة بما يحدث على الأرض داخليا، باتساع حجم الانشقاقات بين أفراد الجيش وارتفاع وتيرة المواجهات المسلحة، واستمرار المظاهرات في ظروف صعبة، هذا من جانب الشعب السوري الثائر، أما من جانب النظام، فإنه يمارس حصارا اقتصاديا عكسيا على المناطق الثائرة، وهجمات أمنية وعسكرية ممنهجة، وحملة دبلوماسية خارجية لمنع قرار التدخل الدولي الذي يصاغ تحت عناوين مختلفة، حاليا يسمى «الممرات الآمنة»، وربما «أصدقاء سوريا». وبالتالي، فإن إيران تريد القول من خلال دعم سوريا بحريا إن الحصار التركي لن يمنعها، والممر العراقي المحدود لن يعوق نشاطها. إنما إيران نفسها هدف تحت المتابعة غربيا، ولن يفلح استعراض القوة البحرية في دعم صورتها ولا أخبار تصعيد التخصيب النووي. بسقوط النظام السوري ستزيد عزلة إيران ومحاصرتها.
للكاتب عبدالرحمن الراشد نقلا عن “الشرق الاوسط اللندنية”