images
كتب شريف عبدالغني مقالا بعنوان "سبوبة" اسمها إيران!" جاء فيه: كانت الساعة تقترب من منتصف الليل عندما رن هاتفي. الرقم المتصل غريب. على غير عادتي في مثل هذا الوقت المتأخر قمت بالرد. كان الطرف الآخر. صوت نسائي نبراته ليست مجهولة على مسامعي.

“سبوبة” اسمها إيران!

– إزيك يا أستاذ شريف..

= أهلاً مين؟

– أنا “…..”.. زميلة صحافية، بكلمك من تهران “هكذا نطقتها بدلاً من طهران”.

= خير.. بتعملي إيه هناك؟

– بشارك في الثورة.

= ليه.. هي الثورة قامت في إيران؟

– لأ.. أنا أمثل الثورة المصرية في مؤتمر بتهران. ملاحظة: زميلتي لم تكن أبداً يوماً لا ثورجية ولا صحافية، بل هي أشهر من يطبخ الملوخية بشهادة كل الزملاء الذين أكلوا من يديها.

= أي ثورة؟ ثورة 1952؟!

– لأ.. ثورة الشباب.

= طيب إحكيلي.. بتعملي إيه بجد عندك.

استمر الحوار قرابة الساعة، وزميلتي تواصل “الرغي” كعادتها. خشيت أن تتكلف ما لا طاقة لها به من سعر المكالمة، فأخبرتني أن الهاتف أعطته إياها الجهة المنظمة، وحصل على مثله المشاركون في المؤتمر “قرابة الألفين”، وأن كل الاتصالات مجانية لإثبات أن إخواننا الفرس يفوقون جيرانهم العرب كرماً، وأنهم الأحفاد الأصليون لحاتم الطائي!

أسهبت زميلتي في الحديث عن كرم الإيرانيين معهم في إقامتهم الكاملة المجانية وجولاتهم السياحية العديدة، بل وأيضاً في “البوكت مني” الذي يعطونه لهم لشراء بعض المستلزمات الشخصية للأولاد عند العودة. وأوضحت أنها تشارك في مؤتمر يسمى “ثورات الربيع العربي والصحوة الإسلامية.. واستلهام التجربة الخومينية”، ومعها أكثر من ألفي مشارك من دول الربيع العربي وغيرها “طبعاً باستثناء سوريا التي تشهد مؤامرة عربية غربية لإطاحة نظام الرئيس المقاوم الممانع، حسبما ترى تهران.. قصدي طهران”.

لن أطيل في الحديث عن المؤتمر، فعنوانه ينضح بما فيه.

ما لفت نظري هو الحضور المصري الذي ضم شخصيات متناثرة ليس بينهم واحد فقط له علاقة بثورة “25 يناير”. أحدهم مذيع فاقد المصداقية من “فلول” نظام مبارك، سبق واتهم قبل سقوط النظام الشهيد خالد سعيد “أيقونة الثورة” بأنه تاجر مخدرات، وأن رجال الأمن -وبتوفيق الله- خلصونا منه لتنظيف المجتمع من أمثاله. وآخر نجل قيادي إسلامي طرده الثوار مؤخراً من “ميدان التحرير” أرسله والده للفسحة بطهران، وثالث صحافي يصدر جريدة ممن يطلق عليها في مصر “صحف بئر السلم”، وهو ليس عضواً بنقابة الصحافيين وسبق أن سخر صحيفته كلما أصدر عدداً منها “حين يجد الدعم” للحديث عن “القائد الملهم، بطل القادسية الجديدة، قائد حائط الصد العربي ضد الفرس الغزاة صدام حسين”، وهو نفسه وباعترافه أحد الحاصلين على “كوبونات النفط” التي كان يوزعها صدام. وهكذا بقية المشاركين.

الطريف أن زميلتي عند عودتها سالمة غانمة من “تهران” روت لي قصة سفرها. قالت إنها تعرفت على صحافي من نوعية أخينا “بتاع بئر السلم” يقوم بتوريد صحافيين ومدعي الثورة إلى السفارة الإيرانية بالقاهرة، لتسفيرهم باسم “ثورة 25 يناير” إلى إيران التي فتحت أبوابها على مصراعيها لناشطين مصريين، على أن يقتسم معهم الـ “بوكيت مني” أو “السبوبة” حسب تعبيره، وهذا اللفظ يعني عند المصريين المكسب الإضافي السريع.

لجوء هذا الرجل إلى “توريد” كل من يجده في طريقه إلى مؤتمرات طهران، جاء بعد رفض العديد من نشطاء الثورة الحقيقيين من الشباب فضلاً عن القيادات السياسية المعروفة السفر مجدداً إلى إيران. جربوا ذلك عقب الثورة مباشرة وكتب بعضهم عند عودته أنه أحس بالغبن والضيق لما شاهده ولمسه في إيران من ظلم وفقر وديكتاتورية، كما أن السفارة الإيرانية جربت حظها من قبل مع بعض الصحافيين المعروفين والمهنيين فكانت الضربة أكبر وقررت عدم تكرار التعامل معهم، فبعضهم دخل في جدال وتلاسن لفظي مع بعض كبار المسؤولين الإيرانيين عندما تحدثوا عن الثورة المصرية وأنها تقليد للثورة الإيرانية، أو أن مفجرها هو سماحة المرشد “خامنئي” بكلمته الموجهة بالعربية للشعب المصري إبان اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد مبارك. ولعلنا نذكر هنا النقاش الحامي الذي دار في هذا الشأن بين الزميلة نشوى الحوفي الصحافية القديرة بـ “المصري اليوم” والرئيس محمود أحمدي نجاد في لقاء سابق مع وفد إعلامي مصري ونشرته صحف عدة حينها.

ما أوجع قلبي هو رواية زميل صحافي استطاع أن يفلت من الرقابة الأمنية على الوفود في المؤتمر الأخير، لينزل إلى التجمعات الشعبية بطهران ليكتشف عالماً آخر حاول النظام الإيراني دائماً التعتيم عليه. عالم يعاني شظف العيش. يريد الحياة بسلام ويحلم أن يكون مثل جيرانه الخليجيين. ولمَ لا، ودخل بلاده النفطي يفوق معظم دول المنطقة. وحسب زميلي فقد روى له مواطن إيراني من الطبقة المتوسطة كيف ارتفعت أسعار السلع الأساسية والأدوية خلال الشهرين الأخيرين بنسبة تصل إلى خمسين بالمائة، وأنه كان يشتري دواء لابنه المريض بما يعادل سبعة عشر دولاراً فأصبح الآن بأربعين نتيجة انخفاض قيمة الريال الإيراني قرابة خمسين بالمائة بعد قرار الاتحاد الأوروبي حظر تصدير النفط الإيراني إلى دوله. بمعنى مبسط فإن دخول المواطنين الإيرانيين قد انخفضت إلى النصف جراء هبوط قيمة الريال وارتفاع الأسعار بنفس النسبة خلال شهرين فقط، كما أن آخرين تحدثوا عن أنهم لم يتقاضوا رواتبهم عن الشهر الفائت جراء الأزمة المالية بالبلاد.

أما عن مجال الحريات فخذ عندك: غالبية مواقع الإنترنت محجوبة في إيران، وفرق أمنية تجوب أسطح المنازل للبحث عن “الأطباق” اللاقطة للقنوات الفضائية فتحطمها، فضلاً عن أن الاعتقال هناك يتم لأتفه الأسباب، والقضايا جاهزة أهمها “مخالفة أفكار الثورة”.

المهم أن زميلي الذي قال إنه فوجئ بمظهر الشارع الإيراني الفقير في عمرانه مقارنة بمدينة مثل القاهرة، وليس بمدينة خليجية، قد عاد وحمد الله أنه يعيش في مصر سواء قبل الثورة أو بعدها.

ما لا يدركه القادة الإيرانيون الذين ينفقون الملايين على مثل هذه المؤتمرات والدعوات من قوت الشعب الإيراني، أن مصر الثورة لن تكون أكثر قرباً من طهران من نظام مبارك، فكبرى القوى السياسية وهي جماعة “الإخوان المسلمين” عينها على النموذج التركي الذي يجمع بين التنمية والحرية والتوافق والتسامح، وأرسلت بالفعل كوادر كثيرة للتعلم من هذا النموذج ودراسته. أما ثاني القوى -بحسب نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة- وهو التيار السلفي فمعروف مدى كرهه لنظام الملالي “وجزء منه أيديولوجي”، حتى أن أحد قادته مؤخراً قال إن “إيران لا تقل خطراً على المنطقة من إسرائيل”، وهو ما نختلف معه فيه. وبالنسبة للتيار اليساري والقومي فلا يقل كرهاً لهذا النظام من التيار السلفي، خاصة مع تدخله في الشأن العربي واستمرار احتلال الجزر الإماراتية. أما الليبراليون فلن يكونوا بأي حال قريبين من دولة تقمع الحريات الأساسية، والأهم أن كل القوى السياسية المصرية تجمع على عدم تطبيع العلاقات مع طهران في وقت قريب، وتراهن على أن تغيير نظام الملالي أصبح وشيكاً لتأثر الشعب الإيراني بالربيع العربي مدعوماً بالحصار الاقتصادي الخانق، أو حتى ضربة عسكرية غير مستبعدة من قبل الولايات المتحدة، لذلك فالجميع في مصر يرى أن الانتظار أفضل من التورط مع نظام يترنح.

ما يجري في إيران لخصه زميل صحافي لبناني كان قد زار طهران قبل سنوات ضمن وفد لإطلاعهم على ما جرى من تقدم عسكري هناك. كانوا يحضرون تدشين غواصة صنعتها إيران، وكان يفترض في البرنامج المحدد أن “تغوص” الغواصة لتعود إلى السطح بعد نصف ساعة، لكنهم انتظروا أكثر من ساعتين ولم تظهر الغواصة. عندها ظهر الحرج على المسؤول العسكري المرافق، وهروباً من المأزق قال لهم: “وماذا تنتظرون من الغواصة.. لقد غاصت والحمد لله”!

المصدر”العرب القطرية”

شاهد أيضاً

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة جابر احمد 2024 / …