، واللعب على وتر القضايا التي تشكل لبّ اهتمام الشارع العربي، ومنها على سبيل المثال القضية الفلسطينية، وحقّ سوريا في استعادة الجولان وغيرها من القضايا الأخرى، ويظهر من جهة أخرى مشاعر الكراهية لسياسات أمريكا والكيان الإسرائيلي، فيما هو يتعامل معهما سراً. هذا بالإضافة إلى معزوفته القديمة الجديدة، أي ما تسمى الدفاع عن مظلومية الشيعة، حيث أصبحت هذه النوتة هي الأكثر إيقاعاً في المعزوفة الإيرانية بعد احتلال العراق، الأمر الذي ساهم، كما هو ظاهر، بإشعال الصراع الطائفي في هذا البلد، الذي لم يسبق أنْ عاش صراعاً طائفياً طوال تاريخه، كما هو حاصل الآن. لقد جعل النظام الإيراني صوت معزوفته على هذه الأوتار تعلو جميع معزوفاته الأخرى، حتى أنه أدخل في أذاهن كثير من البلهاء، أنَّ مشروعه النووي الذي يسعى لإكماله، إنما يهدف من ورائه إلى امتلاك القنبلة النووية الإسلامية، وهذه الدعاية وأمثالها لم يتم نشرها من خلال الوسائل الإعلامية المعهودة طبعاً، إنما يتمُّ نشرها عن طريق سماسرة ودهاقنة متمرسين بفنِّ اللعب على عواطف البسطاء والبلهاء، وهؤلاء يقومون بدور المعلن للمشروع الإيراني وذلك كله طبعاً مقابل ثمن. مثال على ذلك نجد أنَّ إيران التي تدعي أنها تعاني من نقص في الطاقة الكهربائية، وأنَّ مشروعها النووي إنما هو من أجل إيجاد وقود لمحطات توليد الطاقة الكهربائية،علماً أنَّ إيران لا تمتلك إلى الآن محطة واحدة تعمل بالوقود النووي، لكن مع ذلك نجدها تمدُّ كثيراً من المناطق في شمال العراق، والتي يسيطر عليها حلفاؤها من المتمردين الأكراد، وكذلك تفعل في جنوب العراق، فهي تمدُّ مناطق عديدة في محافظات ميسان والبصرة بالكهرباء، حيث تقع تلك المناطق بيد المليشيات الموالية لها، ويتمُّ ذلك طبعاً تحت عنوان مساعدة الشعب العراقي. مع العلم بأنَّ المناطق الحدودية (في الأحواز ومحافظة كردستان الإيرانية) التي يتمّ عبرها مدّ الكهرباء إلى الجانب الآخر، هي مناطق تعاني أصلاً من نقص حاد في التيار الكهربائي، إلا أنَّ النظام الإيراني لا يعير اهتماماً لذلك، ويأخذ من حصة هذه المناطق ويعطيها لمرتزقته في الجانب الآخر، وذلك من أجل تحقيق مكاسب إعلامية وسياسية على حساب حاجة مواطنيه. هناك أمثلة عديدة أخرى أيضاً، فنجد أنَّ إيران تتبرع وبسخاء مذهل لإعمار مناطق القوى الموالية لها في لبنان، علماً بأنَّ مدينة قم الإيرانية التي لحق بها دمار هائل جراء الزلزال، الذي أصابها قبل نحو خمسة أعوام لا تزال كما هي، ولم يتم إعادة إعمارها، رغم أنَّ النظام الإيراني قد تلقى مساعدات مالية كبيرة جداً من المجتمع الدولي تكفي، لإعمار المدينة مرتين ولكنه لم يفعل، كما لا تزال عشرات المدن ومئات القرى في إقليم الأحواز والمناطق الإيرانية الحدودية مع العراق، والتي لحق بها الدمار جرّاء حرب الثمانية سنوات، وعلى الرغم من مضيِّ أكثر من عشرين عاماً على انتهاء الحرب، إلا أنَّ تلك المناطق لا تزال دون إعمار، ولم يتم حتى تنظيفها من الألغام وغيرها من المخلفات الأخرى، التي تحصد سنوياً أرواح أعداد كبيرة من الرعاة والمزارعين الأبرياء من أبناء تلك المناطق. يعمل النظام الإيراني وبسخاء حاتمي غير معهود في الثقافة الفارسية، على بناء الحوزات العلمية (الدينية) في سوريا ولبنان وباكستان والعراق وأفغانستان وغيرها من الدول الأخرى، وذلك بحجة نشر مذهب أهل البيت حسب زعمه، متناسياً الأرقام المذهلة التي تنشرها وزارة التربية والتعليم، وكثير من المراكز التعليمية الإيرانية الأخرى، والتي تتحدث عن حاجة كثير من المناطق والقرى في المحافظات والمدن الإيرانية إلى المدارس، حيث ما تزال أغلب تلك المناطق تفتقد إلى المدارس، أو أنَّ المدارس التي فيها لا تصلح لتكون زريبة لبهائم، فما بالك بمدارس. فأغلب قرى إقليم بلوشستان تفتقد أصلاً إلى مدارس، والحال كذلك في مناطق التركمان في الشمال، حيث أغلب مناطقهم لم تر نور الكهرباء بعد، أما في الأحواز وبحسب الإحصائية التي نشرتها مديرية التربية والتعليم في الإقليم قبل عامين، فقد أكَّدت أنَّ أغلب مدارس الأحواز عمرها يتجاوز الأربعين عاماً، وأنَّ أغلب مدارس قرى والأرياف في الأحواز إما من خيام وإما أكواخ طينية وتفتقد لدورات المياه والإنارة الكهربائية ووسائل التدفئة. وهذا حال المدارس في أغلب مناطق الأقليات غير الفارسية وكذلك المناطق الفارسية النائية. إنَّ النظام الإيراني -ومن أجل غايات دعائية وسياسية بحتة- يعلن بين فترة وأخرى عن قيام منظَّماته (الإنسانية) كمنظمة الهلال الأحمر ومؤسسة الخميني الخيرية وغيرها، بالتبرع للمتضررين والمعوزين في جنوب السودان وجنوب لبنان وجنوب العراق وغرب أفغانستان ومناطق أخرى في القوقاز وجنوب آسيا، فيما يتجاهل هذا النظام الفقراء والمعوزين من أبناء الشعوب الإيرانية، الذين ما يزال أغلبهم في مناطق الشرق والجنوب الغربي يطحنون نوى التمر ليصنعوا منه خبزاً، لكن هذا النظام يتجاهل العمل على حلِّ مشاكل البطالة في المجتمع الإيراني، الذي تعج شوارع مدنه الكبرى بالشحّاتين. وبحسب الإحصائية التي أعلنها مدير دائرة الشؤون الاجتماعية في محافظة طهران قبل أقل من أسبوعين، فإن أكثر من 12% من الشحّاتين الذين تمَّ القبض عليهم هم من حملة شهادة الثانوية العامة ومافوق، وأن أعمار أغلب هؤلاء الشحّاتين تتراوح بين 32 و41 عاماً، هذه الحالة المذهلة إذا ما أضفنا إليها أرقام ضحايا الجرائم البشعة وضحايا مسلسل الإعدامات الجماعية الجارية في إيران، إضافة إلى أعداد السجون وأرقام المسجونين، عند ذلك سوف يتبين لنا حال المتجمع الذي يحكمه نظام الملالي. فمن الأحقُّ بالتبرعات السخية؟ ومن الذي يستحقُّ أنْ تبنى قراهم ومدنهم وتُحَلُّ مشاكلهم المعيشية والخدماتية؟ هل هم أبناء الشعوب الإيرانية أم الجماعات والمليشيات المرتزقة، التي تعمل على دمار أوطانها ومجتمعاتها خدمة للنظام الإيراني؟
للكاتب صباح الموسوي
نقلا عن” صحيفة الوطن البحرينية”