ومبعث العجب هو التناقض الكبير بين الشعارات الإيرانية المرفوعة في حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي نجدة المستضعفين ! وبين مانراه من موقف إيراني رسمي فاضح يقف بكل قوة مع القتلة و المستكبرين, بل و الأدهى إن الموقف الإيراني يقف مدافعا عن نظام بعثي الهوية شرس في علمانيته, وهو النسخة الأخرى للنظام البعثي الذي قاتله الإيرانيون في العراق لسنين طويلة قبل أن يمكنهم الأميركيون من رقبته ليهيمنوا اليوم على العراق ليحاولوا بناء الإمبراطورية الفارسية الجديدة الممتدة من خراسان الأفغانية حتى النبطية في جنوب لبنان مروراً بعاصمتي الخلافة بغداد ودمشق هل يجهل السيد الخامنئي بأن الرفيق المناضل الدكتور الفريق بشار الأسد هو أمين سر القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث العربي الإشتراكي ؟ و إن هذا الحزب تحديدا بقيادته المتمرسة في عوالم الإرهاب و القتل, قد مارس قتل الشعب السوري منذ عام 1963 وحتى اليوم وبأشكال وطرق مختلفة, وإن من حق الشعب السوري الإنتفاض وإنهاء سطوة ذلك الحزب ؟ فلماذا يهدد خامنئي عن طريق حرسه الثوري الأطراف التي تحاول إنقاذ و مساعدة الشعب السوري ؟ بل لماذا التورط و التدخل المعيب في شؤون السوريين عبر إرسال الأموال و المرتزقة لدعم نظام إنتهت صلاحيته وماعاد ممكنا له الإستمرار بل أن العد التنازلي نهاية النظام قد قرره الشعب السوري بثورته الشعبية العارمة قبل أن يقررها الشرق أو الغرب , فالسوريون ليسوا بحاجة إلى رخصة من أحد في تنظيف بلادهم من أدران الفاشية وفي تحطيم أصنام الهزيمة.
لقد إعتقل الجيش السوري الحر عناصر من الحرس الثوري الإيراني في حمص كانت تقوم بمهمة الدعم اللوجستي لقوات النظام السوري كما كان بيان الجيش السوري الحر في غاية اللياقة و الأدب و الإحترام تجاه المرشد الإيراني الأعلى , ولكن الموقف الإيراني للأسف موقف عدواني محض ينتصر للظالم و مشايع للقاتل و مؤيد للمستكبر وهو ما يتناقض تماما مع الخطاب الديني و الآيديولوجي الإيراني المعروف , فهل يفضل السيد المرشد الدنيا على الآخرة , وهل أنه لا يرى في تضحيات الشعب السوري الرائعة ظاهرة كربلائية جديدة من حيث الإستشهاد من أجل الحرية والكرامة و المبدأ , وهل أن المرشد الإيراني قد إختلطت عليه الأمور لدرجة أنه لم يعد يميز بين القاتل و القتيل ؟ أين تلاشت العدالة المفترضة في الولي الفقيه الجامع للشرائط وهو يرى مصارع السوريين بشبابهم و نسائهم و أطفالهم قد هزت الدنيا بينما يقف الإيرانيون مساندين للباطل ولنظام القتل ؟ وهل في تحدي إرادة وخيار السواد الأعظم من السوريين في الحرية والكرامة وإنهاء حكم الأسرة الذهبية المقدسة ثمة حكمة أو مصلحة إيرانية معلومة ؟وهل يعلم السيد خامنئي وهو سيد العارفين بأن مقارعة ملايين الشعب أمر دونه خرط القتاد ؟ و إن هزيمة النظام السوري ليست سوى مسألة وقت ليس إلا و إن حتمية إنتصار الدم على السيف هي التي ستفرض نفسها في خاتمة المطاف؟ لقد صدع النظام الإيراني الدنيا في صرخات إغلاق مضيق هرمز و تدمير الأساطيل الغربية فإذا بتلك الأساطيل تقوم بإنقاذ السفن الإيرانية الضائعة و الجانحة في مياه الخليج العربي ؟ و إذا بالتهديد الزاعق يتحول إلى مهزلة. لافائدة أبدا من الدفاع عن نظام مجرم وفاسد وبائس قرر الشعب السوري نهايته ! ولاحكمة ابدا في تحدي إرادة السوريين وخلق عداوات مستقبلية لاداعي لها ولا مبرر , ونأمل أن يفهم الإيرانيون بأن الجماهير السورية لا تهمها اي عداوات او حسابات طائفية ضيقة , فالثورة الشعبية السورية في النهاية ليست ثورة طائفية ضيقة بل إنها ظاهرة إنسانية نبيلة ومقدسة تنتصر للإنسان وحريته وهي متسامية على كل الخلافات المذهبية أو الأثنية , لقد إختلطت دماء شهداء الحرية السورية الذين هم من طوائف الشعب المختلفة , فدماء العلويين الكرام قد سفحت ودماء أهل السنة قد سفكت ودماء المسيحيين تنير دروب الحرية أيضا و تعانق العربي و الكردي و الدرزي السوري في مهرجان الحرية المقدسة , فلا فئوية ولا طائفية بل ثورة شعبية سلمية حضارية حتى النصر , نتأمل في أن يتفهم الإيرانيون الموقف و أن يعرفوا بأن نهاية الطغاة حتمية و بأن ثوار الشام الحرة قد رفعوا شعار سيدنا و سيد شهداء أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام”هيهات منا الذلة”.. ولن تخبو أو تفشل ثورة شعب وضع دماءه الطاهرة قربانا لطريق الخلود ولإنتصار ثورته العظيمة… فهل يفهم الإيرانيون حقا دروس الثورة الحسينية الشعبية الجديدة؟.. نتأمل ذلك قبل أن يلوت وقت مندم
للكاتب داود البصري ؛ نقلا عن “السياسة الكويتية”