في الوقت الذي تسببت فيه الانتفاضة العنيفة التي تقوم بها القوى المناهضة للحكومة في سوريا في زيادة الضغوط الملقاة على كاهل الرئيس بشار الأسد كي يتنحى، وجدت إيران، التي تعد أبرز حلفائه بمنطقة الشرق الأوسط، نفسها تحت الحصار، وهو ما أدى لتقويض شراكة كانت قوية في يوم من الأيام وخصم لدود منذ فترة طويلة للولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، أشارت اليوم صحيفة “النيويورك تايمز” الأميركية إلى أن تلك الوضعية تعتبر استثنائية بالنسبة للجمهورية الاسلامية الايرانية، وأن ضعفها في سوريا لم يغب عن الولايات المتحدة، التي تفرض عقوبات اقتصادية صارمة على كلا الدولتين.
وفي إطار التنبؤ بالنتائج السياسية للربيع العربي، يرى بعض المسؤولين الأميركيين والمحللين السياسيين أن السقوط المحتمل للرئيس الأسد قد يزيد من تقويض إيران في الوقت الذي يترنح فيه اقتصادها تحت وطأة العقوبات المفروضة على طهران بغية إرجاء برنامجها النووي.
وأوردت الصحيفة في هذا الإطار عن أحد مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، قوله :” سوف يغير هذا السقوط الجانب الديناميكي في المنطقة”. ويرى المراقبون أن رحيل الأسد لن يهدد فقط بفصل سوريا عن ايران، التي تعد هدفاً منذ مدة طويلة للولايات المتحدة وحلفائها العرب، بل سيعمل أيضاً على حرمان إيران من أدواتها الأساسية لاظهار قوتها في الشرق الأوسط.
وأعقبت الصحيفة حديثها في نفس الجزئية بقولها إنه في حالة سقوط الأسد، سوف تفقد طهران السبل التي تعينها على توفير الدعم العسكري والمالي واللوجيستي لحزب الله في لبنان ولحركة المقاومة الاسلامية “حماس” في قطاع غزة، وهما الجماعتان اللتان يعارضان إسرائيل ويُنظَر إليهما باعتبارهما منظمات ارهابية من جانب واشنطن، ويمتلكان في ذات الوقت ترسانات ضخمة من الصواريخ وغيرها من الأسلحة.
ونوهت الصحيفة كذلك إلى أن العقوبات التي تم فرضها على ايران قد أعاقت بشكل كبير من قدرتها على تزويد الرئيس الأسد بالمساعدات المالية ( ناهيك عن حماس وحزب الله )، بعد نفاذ الأموال لديهما نتيجة الأحداث والعقوبات التي طالت سوريا مؤخراً.
فيما أشار مسؤول بارز آخر من الإدارة الأميركية إلى أن إيران بذلت قصارى جهدها ، على الرغم من هذا كله، لدعم الأسد، مضيفاً :” كنتوا سترون سقوط الأسد بصورة أسرع، لو لم يقف الايرانيون إلى جواره”. ولفتت الصحيفة من جهتها أيضاً إلى الدور البارز الذي تلعبه سوريا بالنسبة للجهود التي تبذلها ايران للتأكيد على نفوذها في المنطقة.
وأضاف في نفس الاطار علي بنوعزيزي، أستاذ العلوم السياسية في كلية بوسطن والمدير المشارك لبرنامجها الخاص بالدراسات الاسلامية والشرق أوسطية :” لنقولها بصراحة، إذا كانت إيران تشكل تهديداً، إذن فهناك طريقة واحدة لاضعاف ذلك التهديد
عن طريق إضعاف سوريا وتقديم يد العون للحركة المناهضة للرئيس بشار الأسد في سوريا”.
وأعقبت النيويورك تايمز بقولها إن إضعاف المحوري السوري – الايراني يمثل تحولاً صارخاً عما كانت عليه الأوضاع العام الماضي، وقت أن كان يمسك الأسد بزمام الأمور بشكل محكم في البلاد ووقت أن كانت تصف ايران نفسها بأنها مصدر الهام انتفاضات الربيع العربي الأخرى واليقظة الاسلامية التي من شأنها تدمير الولايات المتحدة وحلفائها.
وقالت الصحيفة بعدها إنه بات من المؤكد تماماً أن الأسد، الذي سبق وأن رفض مراراً وتكراراً نداءات تطالبه بالتنحي، سيرحل عما قريب، رغم تزايد الضغوطات عليه وعلى الشارع السوري وداخل مجلس الأمن، الذي تبذل فيه جهوداً الآن من أجل ايجاد طريقة لابعاده عن السلطة.
ومع تراجع مستوى شعبيته داخل سوريا على نطاق واسع، فإن إيران واحدة من الحلفاء القلائل الذين مايزالوا يقفون إلى جوار الأسد، وذلك ربما لافتقارها إلى بديل آخر. وفي غضون ذلك، أشار مسؤولون أميركيون إلى وجود أدلة متزايدة على أن ايران تساعد في تدريب وتجهيز القوات الأمنية السورية.
ونقلت الصحيفة عن فيكتوريا نولاند، متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، قولها :” من بين اهتماماتنا حقيقة أن بعض التكتيكات التي يتم استخدامها من جانب النظام السوري تعكس التكتيكات التي تستخدم في ايران ضد المواطنين وكذلك بشأن تزايد الأدلة التي تتحدث عن عدد الايرانيين المتواجدين داخل سوريا وخارجها”. وفي الختام، قال أندرو تابلر، الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والخبير في الشأن السوري :” يوجد لدى نظام الأسد بعض القيود التي تجلعه غير قادر على إصلاح مساره للخروج من أزمته الراهنة”.
المصدر؛ موقع “ايلاف”