ففي كل مواقفه كان يقفل الابواب أمام أي بصيص أمل في تحسين العلاقات الذي سعت اليه طويلا هذه الدول, فهو رفض الانسحاب من الجزر الاماراتية الثلاث المحتلة, كما لم يقبل بالحوار السلمي حولها, وأرسل مجموعاته الارهابية الى المملكة العربية السعودية لاثارة الشغب في الحج وتفجير المجمعات السكنية, فيما راح يزرع شبكات التجسس والخلايا التخريبية النائمة في الكويت, أما قصته مع البحرين فطويلة وتبدأ من تغذيته للفتنة الطائفية فيها ولا تنتهي عند التفجيرات او محاولات تفجير بعض المواقع العامة, وإثارته للقلاقل الأمنية, ومحاولة قلب نظام الحكم فيها, وتحريكه لأتباعه في سورية والعراق و”حزب الله” في لبنان لمهاجمة هذه الدول من خلال ما كيناتها الاعلامية او خلاياها في الخليج.
مرة جديدة يضيِّع”الشبيح” الفارسي البوصلة, ويوجه عنترياته الى جاراته العربيات التي لا علاقة لها بأزمته مع الغرب, عبر عمله الدائم لجر الويلات على نفسه, واستدعاء العالم الى عزله بسلسلة التهديدات التي يطلقها مسؤولوه يوميا بدءا من التهديد بمنع القوات البحرية الاميركية من التواجد في الخليج, الى التهديد باغلاق مضيق هرمز, وصولا الى مناورات قواته الاستفزازية في بحرالعرب والخليج, وتصدير الوعيد الى العالم بالحساب العسير إن هو لم يسمع تعليمات ” شبيح” المنطقة المتوهم قدرته على فرض الأتاوة التي يريد على من يشاء.
ما يغيب عن بال قادة طهران ان دول الخليج العربية لن تكون طرفا في صراع لم تنفك قيادة طهران تعمل بقوة لجر ويلاته عليها, ولن تخالف أيضا الشرعية الدولية نزولا عند الرغبة الايرانية, وهو ما كان على نظام الملالي معرفته مسبقا استنادا الى التجربة مع القرارات الدولية السابقة, وهو ما ستكون عليه الحال عندما يقر مجلس الأمن الدولي سلسلة العقوبات الجديدة فعندها لا تملك دولة خليجية او غير خليجية, منتجة للنفط, الا الانصياع للشرعية الدولية, وهو ما يجب ان لا ينساه أبدا من سعوا الى حتفهم بأقدامهم.
يبدو ان التهديدات الايرانية ليست إلا تعبيرا عن مدى الازمة التي تعانيها طهران التي كلما استحكمت دائرة عزلتها دوليا, وسقط المزيد من الاتباع والحلفاء اقليميا, تعاظمت فورة عش دبابير فيها على أمل ان يؤدي خلط الاوراق الى حوار مع القوى العالمية الكبرى تفتح عبره طهران كوة في جدار أزمة نظامها لتخفيف دوران عجلة انهياره, لاسيما بعدما ضربته العقوبات الاخيرة في مقتل, في وقت يستعد فيه لخوض انتخابات مؤشراتها كافة تدل على أنها لن تكون كمثيلاتها السابقة بعد ان قال الشارع الايراني كلمته في العام 2009 ونزع بثورته الخضراء ما تبقى من شرعية على نظام بات يرتعب من اي تظاهرة تخرج في شوارع طهران.
حل أزمة نظام الملالي ليس في التهديد باغلاق مضيق هرمز الذي لن يجرؤوا على مخالفة أبسط قواعد الملاحة الدولية فيه, ولا في تحريك الاتباع في لبنان او غزة, ولا حتى العراق العائد الى الغرق في بحر الدم الارهابي مجددا, إنما في أروقة الحكم حيث يجب ان تُسمع كلمة المجتمع الدولي وتتخلى ايران عن “الشنفخة” التي أودت بكل من تعاظمت عنده الى الهاوية, وأقرب الامثلة على ذلك نظاما صدام حسين ومعمر القذافي.
ان أكثر ما يطمئن في كل هذه المعمعة ان”البلطجة” والعربدة الايرانية ليست دليل قوة بل هي الضعف بعينه, فمنذ 30 عاما نسمع اللغة نفسها, ولم تجرؤ ايران على تنفيذ أي تهديد مما أطلقته, وآخرها تعهدها حماية نظام دمشق من أي تدخل خارجي, فيما الأولى بها ان تحمي نظامها من طوفان الغضب الداخلي والخارجي الذي يضرب جدرانه بقوة, فالآتي أعظم!
أحمد الجارالله؛ ” نقلا عن السياسة الكويتية”