وذكرت الانباء أن مصطفى أحمدي روشان، الاستاذ في جامعة طهران التقنية، قتل في الحال في سيارته فيما أصيب آخران كانا معه وقد توفي احدهما لاحقا متاثرا بجراحه.
ونقلت وكالة انباء “فارس” شبه الرسمية أن الانفجار نجم عن قنبلة لاصقة وضعها شخص كان يستقل دراجة نارية. وسارعت السلطات الإيرانية باتهام إسرائيل بالوقوف وراء عملية الاغتيال التي وقعت صباح اليوم الاربعاء في منطقة “سيد خندان” وسط العاصمة طهران.
وروشان كان يعمل في موقع “نطنز” لتخصيب اليورانيوم بمحافظة اصفهان كجزء من برنامج ايران النووي الذي تشك الولايات المتحدة بسلميته وتتهم ايران بانها تسعى من خلاله لتصنيع اسلحة نووية، وهو ما تنفيه ايران وتصر على انه فقط للاغراض السلمية وتوليد الطاقة الكهربائية. ويأتي هذا ضمن سلسلة اغتيالات طالت علماء نوويين واكاديميين ايرانيين يعملون في برنامج ايران النووي او اشخاصاً كان لهم علاقة به.
فقد اغتيل أستاذ الفيزياء الرياضية مسعود علي محمدي في جامعة طهران في عملية انفجار قرب منزله في العاصمة طهران في كانون الثاني (يناير) عام 2010. وسارعت إيران حينها الى اتهام الولايات المتحدة وإسرائيل بالضلوع في اغتيال العالم النووي الإيراني.
وقالت مصادر غربية حينها ان محمدي كان يعمل عن قرب مع محسن فخر زاده محبتي وفريدون عباسي ديواني (الذي نجا في السابق من محاولة اغتيال) اللذين يخضع كل منهما لعقوبات الأمم المتحدة بسبب عملهما في ما يشتبه أنه تصنيع لأسلحة نووية.
واغتيل العالم الفيزيائي داريوش رضائي (35 عاما) الموظف في هيئة الطاقة النووية الايرانية برصاص قاتل مجهول قرب منزله في العاصمة طهران يوم السبت 23 تموز (يوليو) من العام الماضي.
اما مجيد شهرياري فقد اغتيل هو الاخر في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 الماضي في طهران حينما ألصق مجهولون يستقلون دراجات نارية قنبلة بسيارته. ونجا المسؤول النووي الايراني الراهن فريدون عباسي دواني من محاولة اغتيال مماثلة في اليوم ذاته.
وكتبت “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية أنه بعد اغتيال شهرياري تم الكشف عن أنه كان له دور في تطوير أزرار تفعيل للقنبلة النووية، وأنه كان يعمل في مركز أبحاث نووية في شمال طهران.
غير أن وكالة أنباء “فارس” الإيرانية، قالت في وقت سابق أن “الشخص الذي اغتيل في طهران هو أحد الطلبة الجامعيين ممن يدرسون للحصول على الماجستير في مجال الكهرباء في جامعة الخواجةه نصير الدين الطوسي نافيا أن يكون عالم ذرة”.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “صنداى تايمز” البريطانية: “فإن عملية الاغتيال أضيفت في سجل رئيس “موساد” الذي سيغادر منصبه قريبا مائير داغان”. وأوضحت: “أن عملية تصفية العالم النووي الإيراني تمت من قبل وحدة (غيدون) التابعة لجهاز (موساد) الاسرائيلي”.
وتعلن السلطات الايرانية بين الحين والاخر عن كشف خلايا سرية وشبكات تجسس مرتبطة بالخارج تعمل داخل ايران. فقد أعلن تلفزيون إيران الرسمي في كانون الثاني (يناير) من العام المنصرم أن السلطات ضبطت “شبكة جواسيس” ذات صلة بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي “موساد” كانت وراء اغتيال عالم نووي إيراني أواخر العام الماضي. لكنها لم تعط مزيدا من التفاصيل.
ويبدو ان عمليات الاغتيالات هذه تأتي ضمن خطة منظمة ومدروسة تهدف الى ارباك البرنامج النووي الايراني المثير للجدل
واضعافه و ربما تعطيله. وتشير الطبيعة الحرفية لهذه العمليات الى ان الجهة المنفذة لديها امكانات تقنية وتنظيمية ولوجستية عالية.
وعادة ما توجه ايران اصابع الاتهام الى اجهزة الاستخبارات الاجنبية وبالتحديد الاسرائيلية والاميركية في هذه العمليات لكنها عاجزة لحد الان عن التصدي لها، ولم تقدم ايضا ادلة دامغة تدل على تورط هذه الاجهزة فيها. وقد اعلن المسؤولون الايرانيون في وقت سابق انهم سيضعون برنامجا لتوفير حماية خاصة للعلماء والاكاديميين، لكن هذا عمليا لم ينجح لحد الان في توفير مثل هذه الحماية كما اثبتت عملية اغتيال الاستاذ النووي احمدي روشن هذا اليوم.
وتذكر هذه العمليات بالاغتيالات التي طالت مئات من العلماء العراقيين وكذلك الطيارين والضباط العسكريين طوال السنين الثماني الاخيرة في اعقاب الغزو الاميركي للعراق والتي اتهم جهاز “موساد” وحتى اطراف ايرانية بانها وراءها.
ولم تتوان ايران في ما مضى عن اتهام منظمة “مجاهدي خلق” المعارضة بتورطها بعمليات عنف واغتيالات بسبب ما تمكله من خبرة تقنية وتنظيمية في السابق على تنفيذ مثل هذه العمليات. والمعروف عن المنظمة انها نفذت عمليات عديدة في عهد الشاه ضد جنرالات ومستشارين عسكريين اميركيين في سبعينات القرن الماضي وهو ما يفسر مواصلة الولايات المتحدة وضعها ضمن قائمة “المنظمات الارهابية”.
كما قامت المنظمة بعد صدامها المسلح مع نظام الجمهورية الايرانية بتصفية عناصر عديدة من رموز النظام وعناصره الاستخباراتية في عمليات اغتيالات واسعة في طهران وانحاء اخرى من البلاد. لكن “مجاهدي خلق” اعلنت منذ فترة طويلة انها تخلت عن النهج المسلح وتبنت العمل السياسي من اجل اسقاط النظام.
ولا يستبعد ان تكون هناك مجموعات ايرانية مسلحة تحصل على دعم مالي ولوجستي من الخارج ولا تكون بالضرورة سياسية او ذات توجه ايديولوجي وبرنامج خاص، تضم بينها اشخاصا مدربين جيدا وحرفيين. لا ننسى ان ليس من الصعب القيام بمثل هذه العمليات في مدينة شاسعة ومترامية الاطراف مثل طهران التي تتمتع (خاصة شمالها) بشوارع عريضة نسبيا يسهل فيها التنقل والحركة. لاسيما وان العمليات ينفذها اشخاص يستخدمون درجات بخارية وهو ما يسهل عملهم اكثر.
ومهما يكن من امر وايا كانت الجهة وراء هذه الاغتيالات والجماعات المنفذة لها فان الغرب واسرائيل هما الرابحان منها في ما يتعلق بطموحات ايران النووية. ويبدو ان ايران تواجه تحديات كبيرة بسبب برنامجها النووي وتتلقى ضربات موجعة ليس على صعيد العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية فحسب، وانما على المستوى الاكاديمي والتقني جراء فقدان نخبة علمائها النووين. فهل ستنجح ايران في مواجهة هذه التحديات والتصدي لهذه الاختراقات الامنية الخطيرة التي عادت تهدد سلامة وامن علمائها في وقت يزداد فيه التوتر بينها وبين الغرب على جبهات عدة؟
المصدر؛ موقع القدس العربي