بين الدول العربية في المنطقة، ومن المثير للاهتمام أن هذا المخطط يبدو أنه وضع بعد فترة وجيزة من تدخل قوات درع الجزيرة التابع لمجلس التعاون الخليجي في البحرين، الذي عارضته إيران علنا ولكنها عجزت عن التأثير بمجرياته.
وضعت الخطة سريعا في غضون عدة أشهر فقط، بداية من الربيع الماضي وحتى اعتقال منصور أربابسيار، الأميركي الإيراني في سبتمبر (أيلول) الماضي.
ووفقا لبيان إعلامي صدر عن وزارة العدل الأميركية، صرح أربابسيار لعميل سري في إدارة مكافحة المخدرات (CS-1) ادعى أنه عضو في عصابة مخدرات دولية أن «زملاءه في إيران درسوا إسناد عدد من المهمات العنيفة للعميل CS-1 ورفاقه، من بينها اغتيال السفير». في وقت لاحق، اعتقل أربابسيار واعترف بدوره في المخطط، وأنه كان على اتصال بغلام شكوري، عضو فيلق القدس المتهم أيضا في العملية. وكان شكوري يؤكد له وجوب تنفيذ الخطة في أقرب وقت ممكن. وقال: «نفذ العملية بسرعة. لقد تأخر الوقت».
من المفاجئ أن إيران تخطط لشن هجمات داخل الولايات المتحدة، ليس لأن العملاء الإيرانيين عادة ما يقومون بمثل تلك العمليات في أوروبا أو أميركا الجنوبية أو الشرق الأوسط فقط، بل بسبب الافتراض أنه يجب على إيران أن تتصرف بحذر أكبر في الوقت الذي تتعرض فيه لمزيد من الضغوط الدولية بشأن ما تردد عن سعيها إلى امتلاك أسلحة نووية، وقمعها لحقوق الإنسان في الداخل ودعمها للإرهاب في الخارج. في الواقع، وضعت الحكومة الأميركية فيلق القدس على قوائم الجماعات الإرهابية عام 2007، بسبب تقديمه دعما ماديا إلى طالبان والمسلحين الشيعة في العراق ومنظمات إرهابية أخرى. وكان معظم خبراء مكافحة الإرهاب يتوقعون أن تحدث أعمال الإرهاب الإيراني المستقبلية في مناطق مثل أوروبا حيث كانت تستهدف العملاء الإيرانيين المنشقين، وليس في الولايات المتحدة، لأن ذلك قد يعرضها إلى انتقام عسكري أميركي.
جدير بالذكر أن استخدام إيران للإرهاب كأحد أدوات السياسة الخارجية يرجع إلى فترة قيام الثورة الإسلامية عام 1979. في عام 1989، ذكرت وكالة الاستخبارات الأميركية في تقرير لم يعد سريا تحت عنوان «الدعم الإيراني للإرهاب العالمي» أنه في حين كان المقصود من الدعم الإيراني للإرهاب تعزيز مصالح إيران القومية، فإنه ينبع أيضا من إدراك نظام رجال الدين أن «عليهم واجبا دينيا بتصدير ثورتهم الإسلامية وشن حرب مستمرة، بكل الوسائل، ضد الدول التي يعتقدون أنها طاغية».
في مطلع التسعينيات، فرضت تلك المصالح زيادة في العمليات في الخليج.
وكان عنف المتطرفين في الأساس نتيجة لحسابات جيوسياسية إيرانية واستمرارا لعدائها المستمر تجاه دول الخليج السنية، ولهذا الغرض، كما أشارت السي آي إيه، دعمت إيران عمليات حزب الله وفي بعض الأحيان كانت توجهها، بل وأيضا قامت «بتهريب متفجرات وشنت عمليات إرهابية ضد أهداف في الدول الخليجية».
وفي الوقت الذي تستمر فيه التوترات في المنطقة، ذكرت السي آي إيه أنه في عام 1992 «سوف ترعى إيران هجمات يسهل إنكارها على أهداف أميركية وتسمح لحزب الله بالثأر لاغتيال قائد حزب الله عباس موسوي».
دعم الارهاب
يوضح تقرير صدر عن السي آي إيه عام 1989 إلى عدة عوامل جعلت إيران أكثر إمكانية لخوض مزيد من المخاطر في دعمها للإرهاب، وهي العوامل التي خفتت إلى حد ما بعد منتصف التسعينيات، ولكنها تعود الآن مع رغبة في الانتقام، فقد كان العامل الأول هو هيمنة عناصر متطرفة داخل القيادة الدينية، وهو ما ترجم إلى عداء إيراني كبير ضد الغرب. وكما هو الحال الآن، كانت هناك فرصة ضئيلة لقادة أكثر براغماتية في التقدم لقيادة البلاد، بالإضافة إلى ذلك، كان من الممكن أن تحول إثارة التوترات الخارجية انتباه الشعب عن المشاكل الداخلية، في حين تقدم حرب غير متكافئة لطهران سلاحا قويا في الوقت الذي كان فيه جيشها واقتصادها يعانيان من الضعف.
فاقمت الضغائن الإيرانية الكامنة تجاه الغرب من هذه التوترات في نهاية الثمانينيات تماما كما يحدث في الوقت الحالي، ففي نهاية الثمانينيات، اشتعل الغضب الإيراني نتيجة للإسقاط العرضي لطائرة إيرانية عام 1988 بواسطة يو إس إس فينسنس، بالإضافة إلى الاستياء من نشر «آيات شيطانية» لسلمان رشدي، التي عدتها إيران مسيئة للإسلام.
أما في الوقت الحاضر فغضب السلطات الإيرانية يشتعل بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية بالإضافة إلى اعتقاد إيران بأن الغرب يسعى إلى «إطاحة ناعمة» بالجمهورية الإسلامية باستخدام الاتصالات الحديثة لإثارة المظاهرات، وتعتقد إيران أن الغرب تسبب في خروج مظاهرات عام 2009 في إيران وأنه يقف خلف المظاهرات التي تهز أرجاء سوريا في الوقت الراهن.
يثير تنافس إيران على النفوذ في المنطقة ضد الولايات المتحدة جدلا يشبه على الأقل الموقف في نهاية الثمانينيات والتسعينيات. فإيران تتعرض حاليا لعقوبات دبلوماسية واقتصادية دولية وتحمل الدول الخليجية والولايات المتحدة مسؤوليتها، بداية من فيروس ستوكسنت إلى اغتيال علماء إيرانيين وانشقاق عملاء إيرانيين. كل هذا جعل إيران تشعر بأنها مستهدفة بصورة متزايدة من الاستخبارات الغربية.
فيلق القدس
منذ عدة أسابيع، كنت أناقش مع مسؤول استخباراتي غربي شأن سلسلة الهجمات التي حاول فيها عملاء حزب الله استهداف مصالح إسرائيلية على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.
من أذربيجان إلى تركيا ومن قبرص إلى مصر، تكرر إحباط العمليات الإرهابية التي يشنها وكلاء إيران الإرهابيون، والذين أحيانا ما يعملون بالتنسيق مع أعضاء من فيلق القدس. ولكن في حين انتشر في الماضي اعتبار تلك الهجمات أعمالا انتقامية ثأرا لاغتيال عماد مغنية عام 2008، فإن المسؤول الاستخباراتي اعتبر أن أي هجوم في الوقت الحالي قد يكون مخططا بدوافع إيرانية انتقاما من وقف البرنامج النووي الإيراني. وأشار إلى أن إيران ترجع السبب في ذلك التوقف إلى إسرائيل والولايات المتحدة.
فيلق القدس
تشير جميع الأدلة المتوفرة إلى أن محاولة الاغتيال كانت مخططا على أعلى مستوى من الحرس الثوري الإيراني، على الرغم من أن السلطات كانت حذرة في وصفها بأنها «بتوجيه من عناصر من الحكومة الإيرانية» وليس أكثر من ذلك، ولكن جدير بالذكر أن وزارة الخزانة أدرجت قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليمان على قائمة الإرهابيين الدوليين في 11 أكتوبر، لأنه بصفته قائدا للفيلق «يشرف على أعضاء الفيلق المتورطين في المخطط».
وعلى الرغم من محاولة إيران التغطية على دورها في الخطة بالاستعانة بفريق من القتلة من المكسيك على صلة بإحدى عصابات المخدرات، فإن الاتهام – بالإضافة إلى إدراج وزارة الخزانة المتزامن لعدد من كبار قادة فيلق القدس كإرهابيين دوليين – يفضح إيران بصفتها دولة إرهابية.
ومن المبكر للغاية الحديث عن النتائج التي كان من الممكن وقوعها جراء عملية الاغتيال، فلا شك في أن هذا المخطط كشف عن الوهم بأن تقديم حوافز كافية – من عرض الحوار إلى طلبات بخط ساخن للطوارئ لتخفيف التوترات البحرية في منطقة الخليج – يمكن أن يدفع النظام في طهران إلى التخلي عن دعمه للإرهاب، أو التنازل عن برنامج السلاح النووي، أو احترام حقوق الإنسان.