كان واضحا من المعلومات الصادرة عن السلطات في البحرين، أن النظامين في إيران وسورية ليسا بعيدين عن الخلية التي أوقف أربعة من أعضائها في قطر…
لم يعد ممكنا الفصل بين المعركة التي يخوضها النظام العربي ككلّ من جهة مع طموحات الهيمنة الإيرانية وأذرعها الاقليمية، على رأسها النظام السوري من جهة أخرى. هناك معركة واضحة كلّ الوضوح على الصعيد الإقليمي. تأتي هذه المعركة في مواجهة لا هدف لها سوى تفتيت الدول العربية، دولة دولة وربّما زنقة زنقة، وتمكين إيران من لعب دور القوة الإقليمية على حساب كلّ ما هو عربي في الشرق الأوسط.
الأكيد أن إسرائيل ليست بعيدة عن كلّ ما يجري وهي معنية به بشكل مباشر. إسرائيل لم تعد ترغب في تسوية، من أي نوع كان، مع الجانب الفلسطيني نظرا إلى أنها تراهن على تفتيت المنطقة العربية والدول عن طريق الحروب المذهبية في المنطقة. لماذا تتخلى إسرائيل عن أرض فلسطينية أو عربية، ما دامت المنطقة كلها في حال مخاض، وما دامت هناك قوى غير عربية في الشرق الأوسط تعمل ليلا ونهارا على إثارة الغرائز المذهبية التي لا تخدم سوى دولة عنصرية اسم رئيس الوزراء فيها بنيامين نتنياهو؟
كان العراق بداية هذه الحروب التي مكنت النظام في إيران من الانطلاق في مغامرة تنفيذ مشروع الهلال الفارسي الممتد من طهران إلى بغداد مرورا بدمشق وبيروت وصولا إلى غزة. هدف المشروع الوصول إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير وحتى إلى المغرب العربي واليمن. ولذلك ليس هناك بين العرب الشرفاء من ينكر خطورة هذا المشروع الذي يصبّ في نهاية المطاف في تمكين النظام في إيران من عقد صفقات مع «الشيطان الكبير» الأميركي و«الشيطان الأصغر» الإسرائيلي على حساب العرب أوّلا وأخيرا.
ما شهده اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة يوم الحادي عشر من نوفمبر 2011 كان تحوّلا تاريخيا بكل معنى الكلمة. ما أعلنه الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري باسم العرب يتجاوز الوضع السوري.
الأكيد أنه لا يمكن لوم لبنان على اعتراضه على الموقف العربي من النظام السوري. في لبنان حكومة شكّلها «حزب الله» برئاسة شخصية سنّية كان يعتبرها اللبنانيون البسطاء، أي المواطن العادي، شخصية مهمة لها وزنها تستطيع أن تكون في مصاف الذين يعتبرون أنفسهم من المنتمين إلى نادي «رجال الدولة». هؤلاء عملة نادرة في لبنان. يتبيّن اليوم أن الانتماء إلى نادي رجال الدولة أصعب بكثير مما يعتقد وهو يحتاج إلى مواصفات معيّنة لا مجال لذكرها بشكل محدد في هذه الأيام…
الاعتراض على الموقف اللبناني جزء من الماضي. الآن، اختلفت الامور بعدما تبيّن أن من يتحكم بكل شاردة أو واردة في لبنان هو «حزب الله» الذي لم ينف ولن ينفي أنه لواء في «الحرس الثوري الإيراني» عناصره لبنانية. مثل هذا النفي ليس ممكنا نظرا إلى أن الامين العام لـ «حزب الله» يعترف بأن ولاءه هو لمرشد «الجمهورية الإسلامية في إيران» السيد علي خامنئي وليس للدستور اللبناني الذي يفترض أن يكون مرجعية أي مواطن يحمل الجنسية اللبنانية.
ما هو أكيد أيضا أن موقف جامعة الدول العربية من النظام السوري موقف من النظام الإيراني أيضا. بات العرب يعتبرون النظام السوري جزءا لا يتجزأ من المشروع الفارسي في المنطقة. للمرة الأولى قرر العرب قول كلمتهم وتسمية الأشياء بأسمائها، بما في ذلك دعوة الجيش العربي السوري إلى وقف القمع والانضمام إلى الشعب ودعم مطالبه العادلة. كلّ ما يطالب به الشعب هو امتلاك حقه في الانتماء إلى ثقافة الحياة لا أكثر ولا أقلّ. كلّ ما يريده السوري هو بعض الحرية والكرامة. أين المشكلة في ذلك؟
أن يتخذ العرب موقفا صريحا من النظام السوري في العام 2011 خطوة تاريخية حقا. إنها خطوة لا سابق لها منذ تأسيس جامعة الدول العربية في العام 1945. أن يأتي هذا الموقف متأخرا أفضل من ألا يأتي أبدا. السؤال لماذا احتاج العرب إلى كلّ هذه السنوات كي يتخّذوا مثل هذا الموقف الشجاع، هل اكتشفوا أخيرا أن النظام السوري ليس سوى تابع للنظام الإيراني؟
في كلّ الأحوال، ان ما نشهده حاليا معركة ذات طابع إقليمي كان على العرب التنبه لها منذ فترة طويلة، أي منذ أدخل النظام السوري إيران إلى لبنان ومنذ انقلبت المعادلة، بعد العام 2005 الذي صار فيه الوجود السوري في لبنان تحت رحمة النظام الإيراني.
صحّ النوم يا عرب! هل كان على الشعب السوري القيام بثورته، وهي ثورة حقيقية بكل معنى الكلمة، كي تكتشفوا أن هناك خطرا كبيرا على أمنكم وعلى مستقبل دولكم وشعوبكم، وعلى الخليج وثرواته تحديدا، وأن المطروح حاليا هل للعرب مكان في الشرق الأوسط أم لا… أم ان الدول غير العربية في المنطقة، أي إسرائيل وإيران وتركيا هي التي تتحكّم بمصيرها، هل احتجتم يا عرب إلى ست سنوات وبضعة أشهر كي تكتشفوا أن النظام السوري حصان طروادة إيراني، وأنه حلقة أساسية في عملية تنفيذ مشروع الهلال الفارسي؟
نقلا عن صحيفة الرأي الكويتية