دعي إلى عرس يضبط مشاعر الابتهاج. يفكر في ما بعد العرس. وإذا دعي إلى مهرجان يتأخر في التصفيق. يتكاسل في الترحيب. ويتكاسل في التنديد. يستهجن الإدانات القاطعة. يستغرب الود المحموم. إذا رأى زعيمين يستغرقان في العناق يسأل عن موعد الافتراق بينهما. إذا دعي لحضور إبرام معاهدة يبدأ التكهن عن موعد تمزيقها.
يقول السيد الوزير إننا نسكن الآن في منطقة أخرى. لا تشبه أبداً تلك التي كانت قائمة في بداية السنة الحالية. انظر إلى تونس ومصر وليبيا. حكام أمضوا عقوداً في موقع القرار. ولد الملايين في عهدهم وكبر الملايين. تبخروا فجأة. ذهبت العاصفة بهم وبأحلامهم في الإقامة حتى الرمق الأخير ثم تسليم المشعل لأبنائهم.
هذا ليس بسيطاً. عبر ثورات الربيع العربي أدخلت الشعوب نفسها في امتحان بالغ الصعوبة. لا يكفي إسقاط الحاكم المستبد. السؤال هو عن قدرة هؤلاء الشبان عن تحقيق أحلامهم أو بعضها. عن قدرة القوى التي أطاحت النظام السابق على تأسيس نظام يقوم على احترام الكرامة والتقيد بدستور عصري لدولة ترتكز على مفهوم المواطنة. دولة لا تعيد إنتاج الاستبداد بأسماء أخرى. ولا تكرر لعبة الإقصاء والتهميش ورفض الآخر بزعم امتلاك وصفات نهائية لا تتسع إلا لمن يستسلم لها. يصدق هذا على الدول الثلاث التي جرف الربيع قادتها وركائز أنظمتها. كره المستبد كان الخيط الذي يربط بين المحتشدين في الساحات من إصلاحيين وليبراليين وإسلاميين. فور سقوطه سقطت قصص الحب القصيرة. سقوط المستبد لا يعني بالضرورة قيام الديموقراطية. مجاهرة بعض المحتجين بحب الدولة المدنية وقبول الآخر قد تكون من قماشة قصص الحب القصيرة أو العابرة. المخاض قد يكون طويلاً ومكلفاً وغير مضمون النتائج.
يلفت المتحدث إلى ما هو أخطر. إلى معركة كبرى في الإقليم بين الدول الكبرى فيه وتحديداً تركيا وإيران. اضطراب الحلقة السورية أصاب السياسة التركية بعطب واضح. أصاب السياسة الإيرانية بعطب أكيد. للاستمرار في التصفيق للربيع ثمن. وللتنكر له ثمن مضاعف. الدور السوري نفسه أصيب بأعطاب شديدة.
يقول السيد الوزير إن طهران التي ابتهجت بالربيع يطيح بعض خصومها وزعمت أن بينها وبينه قصة حب تنازلت عن هذه القصة حين تعلق الأمر بحلفها القديم والثابت مع دمشق. وأن أنقرة التي قامت بينها وبين دمشق قصة حب امتدت سنوات وقدمت نموذجاً لنجاح قصص الحب بين الجيران سارعت إلى التضحية بقصة الحب هذه انطلاقاً من قراءتها لمصالحها وبرنامجها الطويل الأمد. أطاح الربيع أيضاً بسنوات من العلاقات الدافئة بين الدوحة ودمشق. كانت قطر مدللة في الإعلام الممانع وكان إعلامها سخياً بوده على محور الممانعة.
يرشف السيد الوزير ما تبقى في فنجانه ويسأل: هل كانت قصص الحب تلك حقيقية أم كانت محطات انتظار؟ هل كانت مجرد تعبير عن الكراهية لطرف غائب أم محاولة لاستدراجه إلى قصة حب؟ هل كانت الصور الموزعة أهم من المشاعر المقيمة تحت الجلد؟ وهل كان كل طرف يحاول توظيف الآخر في لعبته أو أجندته أو يراهن على تغييره؟ وهل تهاوت قصص الحب هذه فجأة أمام ساعة الحقيقة ساعة كشف السياسات التي لا يمكن تبديلها والتحالفات القائمة على تلاحم المصائر؟ وهل يجوز أن يخلي تصدع قصص الحب المجال للمرارات والاتهامات فتسحب المدائح والأوسمة وشهادات الوطنية والاعتدال والإصلاح ولا يبقى غير لغة التنازع كأن قصص الحب السابقة كانت ذنباً يجب محوه من ذاكرة أهل الإقليم؟.