لان احداث مؤلمة و مؤسفة وقعت بين البلدين من بينها الهجوم العسكري الذي شنه الكويتيون عام 1782 على امارة عربستان، حيث تحمل اثناءها الكعبيون خسائر باهضة وقد استمرت مثل هذه الهجمات عندما تقابل الجانبين مرة ثانية عام 1783في منطقة تسمى الرقة حيث هاجم الكعبيين الكويتين بواسطة البواخر الحربية والزوارق ، الا ان الكويتين استطاعو صد هذه الهجوم حيث انسحب الكعبيين الى مدينة الفلاحية بعد ان الحقت بهم خسائر فادحة.
وتكررت مثل هذه الاحداث المؤلمة عندما قامت الكويت عام 1827 في عهد الشيخ جابر الصباح( 1814- 1859 ) و بمساعدة والي البصرة ” عزيز اغا ” الذي قدم مساعدته عبر البحر من مهاجمة عربستان الامر الذي مكن البواخر الحربيو الكويتية من احتلال مدينة ” البريم ” في عبادان ونهبوا كل مخازن التمر الموجودة فيها ، ولم يخرجوا منها الا بعد ان عقد ” داوود باشا ” والي بغداد معاهدة سلام بينه و بين الكعبيين ، و لكن تكررت هذه الهجمات فيما بعد حيث هاجم عام 1873 الشيخ جابر الصابح تسانده قوات ” علي رضا ” والي بغداد مدينة المحمرة و الفلاحية وقد انسحبوا منهما بعد ان دمروا هاتين المدينين تدميرا شاملا . ومع مجيء حكومة قوية ومقتدرة في اقليم عربستان بقيادة الشيخ جابر ين مردوا الكعبي تحسنت العلاقات بين الجانبين الكويتي و العربستاني . وكان اميرها انذاك الشيخ عبد الله الثاني الصباح ( 1866 – 1892 ) قدم مساعدات كبيرة الى الشيخ جابر امير عربستان . من بينها ارسال مساعدات عسكرية من بنها 20 زورق شراعي تحمل اسلحة هدية من شيخ الكويت الى الشيخ جابر . وذلك اثناء حربهم مع ابناء عمومتهم من ال ناصر وبعد ان انتصر الشيخ جابر على خصومه “البوناصر ” في عام 1868 قرر الشيخ جابر ان يرسل كل عام 70 زورق شراعي محملة بالتمور هدية منه الى الكويت و ذلك بسبب دعمها العسكري له .
وفي عام 1869 عندما تمردت قبيلة النصار مرة اخرى على الشيخ جابر سارع الشيخ عبد الله الثاني الصباح لتقديم الدعم و الاسناد له ، واستطاع جابر عبر هذا الاسناد ان ينتصر على النصار واحتل اماكن سكناهم في منطقة شط العرب وقصبة النصار ، وفي عهد الشيخ مبارك الصباح تطورت العلاقات بين امارة عربستان ” المحمرة ” و الشيخ مزعل وصلت الى درجة مستويات عاليةوفي عهد الشيخ خزعل تطورت العلاقات السياسية بين الكويت وعربستان الى درجة كبيرة جدا . لان كل الامارتين كانتا تسعيان للخروج من سيطرة النفوذ العثماني وفي المقابل ابديا رغبة شدية للتقارب مع بريطانية لاقامة علاقات سياسية معها ، لانهما كانا يعتقدان ان لديها من القوة والامكانية مما يجعلها ان تحافظ على استقللالهما السياسي و العسكري . خاصة وان عربستان كانت تخشى التهديدات الايرانية و العثمانية و الكويت كانت تخشى تهديدات المملكة السعودية وخاصة الحركة الوهابية المتنامية داخل هذه المملكة . كما ان كل الامارتين كانت ترغبان ايضا باقامة علاقات مماثلة مع السيد طالب النقيب حاكم الجنوب العراقي والاستفادة من وجوده من اجل الحفاظ على ممتلكاتهما في العراق .
وفي الحرب العالمية الثانية اعلن كل من امير عربستان و امير الكويت وقوفهما الى جانب بريطانيا ضد العثمانيين ولكن في 29 نوفمبر من عام 1915 توفي الشيخ مبارك و خلفة على امارة الكويت ابنه الشيخ جابر وفي عهده تراجعت العلاقات بين الجانبين الى حد كبير .
وفي عام 1919 عندما اراد المستر بيل البريطاني منح امير الكويت الشيخ سالم احد الاوسمة لدوره في تقديم المساعدات الى القوات البريطانية في حربها ضد العثمانيين اثناء الحرب العالمية الاولى دعت الكويت الشيخ خزعل الى حضور هذا الحفل الذي اقيم بهذه المناسبة وفي عام 1920 قام الشيخ خزعل بمساندة الشيخ سالم في خلافاته مع خصومه و قدم له 55 بندقية بالاضافة الى المعدات العسكرية الاخرى ، كما لعب الشيخ خزعل وبحكم علاقاته الجيدة مع ابن سعود في تحسين و تلطيف الاجواء بين امير الكويت و ملك المملكة العربية السعودية ، و هنا لابد من الاشارة على مسالة على قدر كبير من الاهمية وهي بين الشيخ خزعل و الكويت في عهد الشيخ احمد الصباح لم تكن على ما يرام ، على سبيل المثال عندما طلب الشيخ خزعل عام 1924 مساعدته لم يتلقى من الشيخ احمد جوابا ايجابيا اي انه امتنع من تقديم اي مساعدة تذكر .
علاقات الشيخ خزعل السياسية – الاقتصادية مع العراق .
بما ان اقليم البصرة الذي يقع الى الجوار من مدينة المحمرة و يتمتع باهمية استراتيجية هامة قام العثمانيين عام 1545 م باحتلاله وذلك من أجل مواجهة النفوذ الاستعماري البرتغالي في منطقة الخليج ، وقد عينوا لها واليا يتبع مباشرة للامبراطورية العثمانية ، من جهة اخرى ومع الاخذ بعين الاعتبار الخصائص التاريخية – الثقافية و الدينية وحتى الاقتصادية في هذه المنطقة مع امير عربستان حيث كان للشيخ خزعل املاك كثيرة في الجهة الاخرى من شط العرب المواجهة لمدينة المحمرة كما تربطها علاقات جيدة مع العشائر و القبائل القاطنة هناك ، وباختصار يمكننا تقسيم العلاقات بين ” امير المحمرة ” مع حاكم البصرة الى مرحلتين ، الاولى قبل تدوين دستور الامبراطورية العثمانية ، حيث كانت علاقات الشيخ خزعل مع ولاة البصرة وخاصة في عهد السيد طالب النقيب تتمتع باهمية خاصة ، لان السيد النقيب يحتل مكانة مرموقة بين اوساط العشائر في جنوب العراق ، من هنا كان الشيخ خزعل يستفيد من هذه الشخصية للحفاظ على ممتلكاته هناك، لذلك وازاء هذا العمل قرر له راتبا يقدر به 50 لير عثمانية شهريا .
اما المرحلة الثانية فكانت بعد تدوين دستور الامبراطوية العثمانية عام 1908 حيث ساءت العلاقات بين طالب النقيب و الشيخ خزعل من جهة وولاة البصرة من جهة اخرى و لعلل السبب يعود الى وصول ” الحزب القومي التركي ” المعروف باسم ” الاتحاد و الترقي ” الى دفة الحكم ، حيث تتجلي اهداف هذا الحزب بتحكيم سلطة الامبراطورية الاستعمارية العثمانية على جميع المناطق الواقعة تحت نفوذها وطرد العناصر الو طنية من المستعمرات من امثال السيد النقيب وابعادهم عن الحكم .
من جهة اخرى كانت جريدة ” الطنين ” لسان حال حزب الاتحاد تهاجم بشدة و على الدوام الشيخ خزعل وقد كتب مفتش دائرة المعارف التركية انذاك ” اسماعيل حقي ” مقالات هاجم من خلالها الوطنيين والاحرار من مختلف الشعوب الواقعة تحت السيطرة العثمانية ومن بينهم الشيخ خزغل والسيد طالب النقيب .
وعلى اثرها تدهورت العلاقات بين الشيخ خزعل و والي البصرة ” سليمان نظيف ” وذلك اثر الاتهامات الواهية التي اطلقها و القائلة بتدخل رجال خزعل في دعم الانتفاضات واشاعة الاضطرابات في البصرة وما جاورها ، وقد استغل والي البصرة سفر الشيخ خزعل الى مدينة الاهواز وارسل الباخرة الحربية ” مرمريس ” الى سواحل شط العرب بغية قصف المنطقة الساحلية الواقعة بالقرب من ” كوت الزين ” ، كما هدد والي البصرة انه في حال عدم اتعاض الشيخ خزعل وتكرار تدخلات رجاله فانه سوف يقصف المناطق الساحلية الاخرى بما فيها منطقة الفيلية ومدينة المحمرة ، الا ان تهديدات ” سليمان نظيف باءات بالفشل لان نفسه تعرض للتهديد من قبل ثلات جهات وهي :
1- مؤيدوا واصداقاء الشيخ خزعل في البصرة .
2- طالب النقيب الحليف القوي للشيخ خزعل .
3- التدخل الذي حصل من قبل بريطانياعبر قنصلها الذي ارسل مذكرة الى والي البصرة سليمان “نظيف ” بلمها فيها ان نصف اموال الشيخ خزعل الموجودة في البصرة هي لي ، واذا ما صودرت هذه الاموال او تم التجاوز عليها فانه سيواجه برد فعل شديد من قبل القنصلية البريطانية ، وقد ادت هذه التهديدات بوالي البصرة الذهاب الى بغداد لتقديم استقالته ، والتي حضيت بالقبول من قبل ” طلعت بيك ” المفتش العام بوزارة الداخلية ومنحت ولاية البصرة الى ” سعادة بيك ” حاكم نجد .
وقد ترافقت هذه الاوضاع مع انتفاضة اهالي البصرة عام 1910 ضد الحاكم العثماني والتي ادت الى الاعلان عن تأسيس ” حزب الحرية والاتحاد ” من قبل السيد” طالب النقيب ” وذلك في 16 اب من عام 1911 وذلك بدعم مباشر من قبل الشيخ خزعل حاكم اقليم عربستان والشيخ مبارك امير الكويت حيث يسعى هذا الحزب الى الاطاحة بالولاة العثمانيين في العراق . الا انه لم تمر الا فترة وجيزة حتى تم الاعلاان عن حل الحزب المذكور وحل محله في 28 فبراير من 1913 “جمعية الاصلاح في البصرة ” وذلك برأسة ” طالب النقيب ” ايضا وكان هدف هذه الجمعية هو السعي لتشكيل اقليم البصرة وتوابعه ذات الحكم الذاتي .
مؤتمر الفيلية :
و لعل اهم المؤتمرات الذي عقده الزعماء العرب في المنطقة بعد الاعلان عن هذه التنظيمات السياسية هو مؤتمر” الفيلية ” الذي عقد في مارس من عام 1913حيث شارك في هذا المؤتمر كل من الشيخ خزعل امير المحمرة والشيخ مبارك امير الكويت والسيد طالب النقيب احد اهم وجهاء مدينة البصرة والعراق وقد تناول المؤتمرين الطرق والاساليب التي من شأنها ان تحرر بلدانهم من السيطرة العثمانية ، حيث اتخذت بعض القرارت الهامة وقد اعلنت نتائجها مع بداية الحرب العالمية الاولى ، و لعل اهم ما اسفر عن ذلك المؤتمر ان القادة الثلاث قرروا الوقوف الى جانب بريطانيا ، حتى يتوصلوا الى استقلال بلدانهم وسيادتها وبالفعل تحقق ما كان يسعون اليه الى حد ما .
انتهت الحلقة الثالثة – الفصل العاشر من كتاب تاريخ الاهواز- عربستان- منذ عصر الافشار حتى الوقت الراهن ، تأليف الكاتب موسى سيادة – عرض وترجمة الباحث : جابر احمد