أكد المفكر والمحلل السياسي العراقي نزار السامرائي أن الفتنة في مملكة البحرين كان يراد لها أن تجر المملكة إلى شفا حفرة من النار، لولا وعي الشعب وتحرك سلطاته في الوقت المناسب، ولولا دخول قوات درع الجزيرة لاندلعت النيران في طول الخليج العربي وجزيرة العرب وعرضهما، مشيراً إلى أن دخول قوات درع الجزيرة أدى إلى إحباط مشروع رأس الجسر الاستراتيجي الذي أرادت به إيران القفز إلى منطقة الخليج العربي، ولكانت إيران نجحت في تحقيق قفزتها الكبرى إلى ضفاف الخليج العربي الغربية، ولاستطاعت تحقيق هدفها القديم والذي فشل عام 1987 باحتلال الكعبة المشرفة، والذي لو تحقق حينها لتمت مبايعة الخميني من هناك إماماً للمسلمين ولكانت الحرائق لم تطفأ حتى اليوم، ولكن من أفشل ذلك الحلم الخرافي عام 1987 هو الذي أفشل الحلم المجنون الثاني بضم البحرين إلى إمبراطورية الولي الفقيه عام .2011 وأشار نزار السامرائي في مقال خص به ”الوطن” حول ”قصة تاريخين”، إلى أن إيران بعد أن دخلت قوات درع الجزيرة إلى البحرين أصدرت أوامرها لمقلدي الولي الفقيه لإعادة النظر بطرق تحركهم والعمل تحت الأرض لحين تغير الظروف، ولو أن واحداً قتلته القوات السعودية لكان الإعلام الإيراني الذي ينطلق من داخل الأراضي الإيرانية ومن مدن تتحدث بالعربية قد جعل من كل جزء منه مزاراً في المدن والقرى الباحثة عن طقوس الأحزان والمراثي كلها. وفيما يأتي نص المقال: ليس في قراءة التاريخ فسحة للخروج من الملل فقط، وليس فيها قضاء وقت الفراغ أو التخلص من الأرق فحسب، أو من أجل حفظ الحوادث بتفاصيلها لمجرد الحفظ وترديدها في المجالس للمباهاة، وإلا سيتحول الإنسان إلى مجرد جهاز للتسجيل دون زيادة أو نقصان، على أهمية هذا النوع من القراءة لتوسيع المدارك. لقراءة التاريخ أهداف أخرى تهتم الأمم والشعوب بتطوير أساليب التعاطي معها، وفي فهم حركته والعوامل المؤثرة فيه والتطورات التي غيرت مساره، من أجل أخذ دروس الأمس ونقلها إلى مطبخ اليوم ووضعها على مائدة الغد، أحداث التاريخ واحدة لا نستطيع أن نحذف منها ما لا يعجبنا، أو ما يجعلنا نشعر بشيء من الخزي مهما كان طعمه مراً تحت ألسنتنا، فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت، كما إننا لا نستطيع إضافة سطر واحد أو جملة واحدة إلى تلك الأحداث مما نرغب أن نضيف، صحيح أننا نترك لأمنياتنا أن تتعامل مع الأحداث التي توقفت ولكن تداعياتها ماتزال مستمرة، ونقول ليت هذه المفردة لم تقع أو ليتها كانت على النحو التالي، يقابلنا على الدوام طرف آخر هو تحديداً الجانب المضاد الذي يقدم أمنيات متصادمة مع أمنياتنا، لكن ما نتمناه غير قادر على تبديل بيت واحد أو شطر بيت من المعلقات المعروفة أو حذف واحد منها أو إضافة بيت آخر. ولكن التاريخ ومهما كان مشرقاً، لا ينبغي أن يكون مزاراً للنواح، ولا متحفاً للتنابز بالألقاب وإلقاء قصائد المديح والفخر، فما بناه الأجداد أو خربوه تم تسجيله بأسمائهم، ولا نستطيع أن نسطو على إرثهم إلا بقدر ما نجسد من قيمهم بالفعل والقول على أرض الواقع تماماً، كما إننا لا نتحمل وزر ما فعله السابقون لمجرد أننا ننتسب إليهم، فإذا كنا نسعى لإثبات براءتنا من بعض الصفحات الرمادية وهذا من حقنا، فليس من حقنا قطعاً أن نفخر بشيء لم يكن لعقولنا وأقلامنا وأيدينا وسيوفنا فضل في إنجازه، لأن الجلوس على أرصفة المجد لن يضيف مجداً جديداً للجالسين. فلترة التاريخ العربي العقلية في تاريخنا العربي الكثير من المحطات المشرقة والمشرفة، وهناك من الصفحات التي تمنى الكثيرون لو أنها تمزقت من ذاكرة الزمن، ومع ذلك حينما يتم تناولها فإن من يفعل ذلك يغض بصره استحياء لأنها حصلت، وكثير من أسباب ما نعانيه اليوم من أزمات ومحن، ابتلينا بها من نتاج الصفحات المؤلمة من تاريخنا، وخاصة أننا كنا متسامحين أكثر مما ينبغي مع الدخلاء على أرضنا والذين يحملون ما نسميه بلغة هذه الأيام أجندات البلدان التي جاءوا منها، ولأن التاريخ مضى في طريقه فإننا لا نستطيع تصحيح الأخطاء التي ارتكبت في الماضي، ولكننا إن درسنا التاريخ دراسة منهجية وموضوعية وبأعصاب هادئة أو كما يقال بدم بارد مثل الإنكليز، فإننا نستطيع قطعاً منع تكرار ما يلحق الضرر بنا كأمة لها من نفسها عداء لا يقل أثراً عن أثر ما يريد أعداؤها إلحاقه بها من ضرر. من العسير التأكد من الوقائع التاريخية كلها التي مرت على البشرية، لاسيما تلك التي وقعت قبل عصر التدوين، وخاصة التي مرت في الوطن العربي منذ فجر الرسالة الإسلامية والمحطات التي عبرتها قاطرة التاريخ العربي، فقد سمحت بدخول قوى تضررت من الإسلام ضرراً مميتاً حينما أسقط إمبراطوري ات قائمة أو حجّم بعضها الآخر، فتمت كتابة التاريخ انطلاقاً من الغرض السياسي أو الانتماء الفكري لمن تصدى لمهمة الكتابة، ثم إن بغداد حينما احتلها المغول عام 1258 ونتيجة لما كانوا يحملون من همجية وتخلف، تعرضت لمجزرتين كانت صفحتها القاتمة تلك التي اصطبغ ماء دجلة بلونها وهي المدونات التي كانت عصارة جهد العقل العراقي والعربي الإنساني المبدع لزمن طويل في إبداع مضامينها وجهد الوراقين الذي سهروا طويلاً في كتابتها في ذلك الوقت مع نقص الإمكانات، وفي لحظة طيش التخلف رمى المغول بعطاء المبدعين لقرون طويلة، وكان هذا الحدث سبباً جوهرياً في الوضع والنحل، فغرقت الكتب فيما بعد بما يعرف بالإسرائيليات وما بات يعرف اليوم بالإيرانيات، ليخنقوا جهداً نقياً صادقاً بذله عروبيون حفاظاً على ألق تاريخ أمتهم ونقائه ونظافته من التزوير وفعل الأيدي الملوثة بحبر دجلة المختلط بالماء والدم بعد فعلة هولاكو. ولذا فترديد القصص المنسوبة إلى التاريخ العربي ينبغي أن يخضع لفلترة عقلية هادئة قبل الأخذ بها، ويمكننا القياس بالروايات المتناقضة لحدث واحد مع توافر أجهزة التسجيل بالصورة والصوت، مما يفترض أن يقطع دابر التأويل وتعدد النصوص المطروحة، ومع ذلك فإننا اليوم نعيش هواجس الخوف القديم نفسها من دور المزورين الكبار المتخصصين في تزوير تاريخ الأمم الكبيرة بدينها، الغنية في فكرها والثرية بعقول رجالها، فالمزورون متخصصون في تهميش دور هذه الأمة التي من دونها لن تستقيم مسيرة البشرية، فكيف يمكن أن نثق بصدق الكثير مما ينسب لأمتنا من صفحات بعضها فيه مبالغات واضحة في إظهار مناقبها، والتي هي ليست بها حاجة إلى هذه المبالغة بكل تأكيد، ولكن الخطر مما هو متداول بين أيدينا هو ذلك الحرص على البحث عن أي نقطة سوداء في صفحة بيضاء لامعة، وبالتالي البناء عليها لغرض الإساءة فقط، هناك أسباب كثيرة تدفع بالإنسان إلى إجراء مراجعات بين آونة وأخرى للمسلّمات كلها التي نشأ عليها وعاشت معه وكأنها جزء من تكوينه العقلي والنفسي، ليس من باب الشك، وإن كان الشك بطبيعته هو الطريق نحو اليقين، ولكن من باب الاستدلال لمعاينة الشواهد وتمحيصها، تأكيداً لمنهج إسلامي حث على الدوام على إخضاع الظواهر كلها التي تحيط بنا لمحاكمة عقلية. حدثان لا رابط بينهما استوقفني حدثان لا رابط بينهما: الأول ندوة سياسية بامتياز عقدها (مركز يافا للدراسات والأبحاث) والذي أخذ هذا الاسم من أجل تمرير الكثير من برامجه وأهدافه من بوابة يافا المحتلة، ولكن الندوة لم تكن مكرّسة لا ليافا ولا لفلسطين ولا لحصار غزة، بل لإعادة كتابة التاريخ المعاصر للمنطقة وكأننا ما زلنا نستورد الورق من الصين ونصنع الحبر بشق الأنفس. لقد ألغت الندوة من حساباتها أن العالم يوثق كل شاردة وواردة بالكاميرا ومسجل الصوت ولم يستطع أحد حذف هذا المواد من المشهد والافتئات على الأحداث، ونسيت الندوة أن الفضائيات تلاحق الأحداث صغيرها وكبيرها دون ملل، هناك من يسمع ويرى إلا من فقد بصيرته بتأثيرات الغرض السياسي أحادي العين. في واحد من الموضوعات التي طرحت والتي لا يمكن أن أطلق عليها وصف بحث أو دراسة بأي حال، لأنه طرح بنحو منفعل جداً من زاوية نظر إيرانية أيقنت أنها خسرت أهم معركة لها منذ احتلال العراق عام ,2003 موضوع الفتنة في البحرين والتي كان يراد لها أن تجر البحرين إلى شفا حفرة من النار، ولولا وعي الشعب وتحرك سلطاته في الوقت المناسب، ولولا دخول قوات درع الجزيرة لاندلعت النيران في طول الخليج العربي وجزيرة العرب وعرضهما، ولكانت إيران نجحت في تحقيق قفزتها الكبرى إلى ضفاف الخليج العربي الغربية، ولاستطاعت تحقيق هدفها القديم والذي فشل عام 1987 باحتلال الكعبة المشرفة، والذي لو تحقق حينها لتمت مبايعة الخميني من هناك إماماً للمسلمين ولكانت الحرائق لم تطفأ حتى اليوم، ولكن من أفشل ذلك الحلم الخرافي عام 1987هو الذي أفشل الحلم المجنون الثاني بضم البحرين إلى إمبراطورية الولي الفقيه عام .2011 الموضوع المنفعل الذي طرح في ندوة مركز يافا وردت فيه فقرة لا أعرف كيف امتلك قائلها هذه الشجاعة على تزوير التاريخ يقول النص لشخص لا أعرف إلى أي كوكب ينتمي حينما قال: (أما البحرين فالقصة فيها مختلفة، إذ إننا أمام احتلال سعودي مسلح ودموي، فاق في إجرامه الاحتلال الصهيوني لفلسطين)، لو أن المتحدث توقف عند عبارة (احتلال سعودي) وترك الأوصاف الأخرى التي أطلقها على دخول القوات السعودية ضمن قوات درع الجزيرة، لقلنا إن للرجل موقفاً سياسياً وهذا من حقه أن يتبناه، سواء اتفقنا معه أم اختلفنا، وهو يرى في دخول قوات درع الجزيرة عملاً أدى إلى إحباط مشروع رأس الجسر الاستراتيجي الذي أرادت به إيران القفز إلى منطقة الخليج العربي، ولكن أن يوصف بأنه احتلال عسكري دموي فذلك دخول إلى منطقة الحظر الأخلاقي، إذ يجب أن يؤكد كل طرف ما يطرحه بوثائق مؤكدة، وخاصة أننا نعيش عالم الفضائيات والإعلام المفتوح على الأفكار كلها، فلم تذكر التقارير الإعلامية لنا عدد من قتلتهم القوات السعودية هناك، وهل أن البحرين كانت تريد استباحة دماء أبنائها، ولو كانت قد فعلت ذلك لكان هناك أكثر من جهاز إعلامي يتربص بالبحرين والسعودية معاً، ولذهب بعيداً في تكبير الصورة وأدخل جدول الضرب على الرقم، ولكننا لم نسمع ولم نشاهد، بل رأينا كيف أن إيران بعد أن دخلت قوات درع الجزيرة إلى البحرين أصدرت أوامرها لمقلدي الولي الفقيه لإعادة النظر بطرق تحركهم والعمل تحت الأرض لحين تغير الظروف، ولو أن واحداً قتلته القوات السعودية لكان الإعلام الإيراني الذي ينطلق من داخل الأراضي الإيرانية ومن مدن تتحدث بالعربية، قد جعل من كل جزء منه مزاراً في المدن والقرى الباحثة عن طقوس الأحزان والمراثي كلها. هذا ما يتصل بموضوع الاحتلال الدموي، أما المقارنة البائسة بين الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والاحتلال السعودي للبحرين، فهي مقارنة لا يتعدى هدفها منح إسرائيل حكماً بالبراءة وشهادة حسن للسلوك عن تاريخ طويل من القتل والتشريد، ويكفي أن نعرف أن من قتلتهم إسرائيل من الفلسطينيين في شهر رمضان يفوق من مات بصفة طبيعية في البحرين، وأن من شردتهم إسرائيل من فلسطين يفوق عددهم عدد سكان دول الخليج العربي كلها باستثناء السعودية، وقد نستطيع معرفة دوافع هذا المركز من هذه النقطة بالذات. حسناً، إذا كان الكذب يصل هذا الحد من (الشجاعة) في عالم هو أصغر من قرية كبيرة، فكيف كانوا يكذبون عندما كان العالم لا يعرف مصباح أديسون، ولا الكاميرا اليابانية، ولا فضائيات الـ”بي بي سي” و”الجزيرة” والـ”سي إن إن”، فهذه فضائيات تتصيد أحداث البحرين التي يمكن أن تسيء إلى البلاد والعباد. أين سالت الدماء سؤال مطلوب الجواب عنه، وإلا فإن ميثاق شرف ممارسة العمل الصحفي ينبغي أن يأخذ مداه في محاسبة كتبة العرائض. الحسن والحسين أما الثاني فهو القرار الذي اتخذه مجلس النواب الحالي في العراق وبالإجماع، والذي منع الفضائيات العراقية من عرض مسلسل (الحسن والحسين) وملاحقة أي فضائية لا تلتزم بهذا القرار. في البداية أود أن أوضح أنني ومنذ نحو ثلاثين عاماً لا أتابع المسلسلات أياً كانت لغتها أو جنسيتها أو موضوعها، وبالتالي فحينما أتناول هذا الموضوع فإنما أفعل ذلك من زاوية التعامل مع التاريخ والحرص على عدم فرض قراءة نمطية بقينا نجترها فلم تزدنا إلا ابتعاداً عن بعضنا البعض وعن جوهر ديننا، وتلصقنا بممارسات دخيلة على تراث الأمة وتقاليدها، لأنها كانت تشحن الأجواء برسائل الكراهية، وتحاول أن تكره الناس على السير وراء روايات عفا عليها الزمن مغمضي العيون ووضع الوقر في الآذان، وبات البحث بتفاصيلها من منظور علمي بعيداً عن التفسيرات الدينية والطائفية، أمراً تحتمه مصلحة العقل العربي في أن يتحرر من القوالب الجاهزة التي صدّرها لنا الفرس وقبلناها دون وعي منا، وفي زمن التردي العربي نتيجة السبات الطويل الذي خضع فيه العرب للإمبراطوريات الأعجمية، وها هم يبذلون ما في طاقتهم لمنع الصحوة الفكرية العربية وتفعيل دور العقل العربي في مراجعة نقدية لتاريخ طويل من القمع الذي فرضته على الأمة المسلمات الجاهزة والمستوردة من معبد النار في يزد والتي كانت تغلف بأغطية الموالاة لهذا الطرف أو ذاك أو معارضته، وفي كلا الحالتين هي مجرد مواقف تريد توسيع الشرخ بين العرب أنفسهم وفتح جبهة لهم مع بعضهم. هل فكر من دعا إلى القرار ومن هدد الفضائيات العراقية، بأن العالم اليوم لا يقبل إقامة جدار برلين بوجه الفضائيات، وأن أموال العراق حتى في حال لا تخضع للسطو المنظم لن تكون قادرة على إقامة سياج حديدي حول العراق كالذي أقامه ستالين حول الاتحاد السوفيتي، وهل يعتقدون أن الفضائيات المسماة بالعراقية والتي تبث من العراق لها جمهورها حقا إن الجمهور العراقي غادر الفضائيات التي لا تعرف الفرح حتى في المولد النبوي الشريف، أو في عيد الفطر، أو في عيد الأضحى، وتتمنى على كتّاب السير الكاذبة اختلاق حادث موت لأي اسم معلوم كي تتحول مناحة العيد إلى برنامج يغزو عقولنا بالتدريج. من سنوات الأسر في إيران أذكر قصة يمكن أن تجسد عمق المأساة التي يشعرها الفارسي مع نفسه، جاءنا جندي إيراني منعه وضع عائلته المادي من الالتحاق بجبهات الحرب، ودون مقدمات سألنا: ما هو الاستعمار بسرعة بدأنا نفكر مع بعض ماذا يريد من هذا السؤال، وعما إذا كان يحمل جواباً عن سؤاله ويريد إيصاله إلينا. لم نكن نريد الخوض في أمور السياسة مع الجنود الإيرانيين إلا أثناء التحقيقات الرسمية التي نجبر عليها، لم يجبه أحد ولكنه أصر على أن يسمع منا، حينما أجابه أسير يجيد الفارسية إجادة تامة، بأن الاستعمار هو الذي سبب الحرب بيننا وبينكم لأننا جيران وهذا ما لا يريح الاستعمار، حاول أن يستدرج آخرين لأجوبة أخرى، لكن الجميع اقتربوا في أجوبتهم مع الجواب الأول. سأله أحد الأسرى، وما هو تعريفك للاستعمار إذا كنت غير مقتنع بما قلناه لك كله أجاب ببرودة أعصاب وثقة بالنفس، الاستعمار ليس احتلال الأراضي أو البلدان، الاستعمار هو احتلال العقول من أمة لعقول أمم أخرى، وسأل هل فهمتم كلا لم نفهم المقصود، عندما تكون العلاقة بين جلاد مجهز بأدوات التعذيب كلها وضحية أعزل، يكون تقليص هامش الحوار أدعى للسلامة، حينذاك استرسل في كشف مقاصده، فقال جاءنا الإنكليز وخرجوا، وجاءنا الروس وخرجوا، وجاءنا الأمريكان وخرجوا، على الرغم من كل ما يمتلكون من تكنولوجيا متطورة، مع ذلك انتهى استعمارهم وعادت إيران لأهلها، ولكن العرب الذين جاءونا حفاة بلا حضارة دمروا كل ما بنيناه، أسقطوا إمبراطوريتنا التي كانت أقوى مركز استقطاب في العالم في وقتها وتليها إمبراطورية الروم وكانت شعوب المنطقة تعيش تحت أجنحة حضارة فارس، ولكن العرب لم يخرجوا من أرضنا حتى اليوم، مأساتنا (أضاف) أننا وعلى الرغم من تدميركم لحضارتنا فإننا نسمع أذانكم باللغة العربية ثلاث مرات في اليوم وعلينا أن نقبل به، وفوق هذا يخدعوننا عندما يقولون لنا لن تقبل صلواتكم ما لم تتجهوا إلى مكة فهناك الكعبة، وتقرأوا باللغة العربية، هذا الاستعمار الحقيقي، حينما أسمع أمي تردد أدعيتها بلغة عربية أشعر بالقهر، لقد جردتمونا من أعز ما نمتلك… أنفسنا، ومضى لحال سبيله. وبقيت أسئلتنا دون أجوبة، كيف استطاع العقل الباطن لهذا الجندي أن يقفز من قفصه ويأتي إلى أسرى يصنفهم أعداء لحضارة بلده ويحملهم مسؤولية ما تعيشه إيران، ويبدو أنه ينظر إلينا على أننا امتداد لجيوش الزحف العربي الإسلامي ونريد إعادة واحدة من أنقى صفحات المجد العربي. هذا نموذج عابر في دنيا بلاد فارس التي تسمى اليوم إيران، ولكن من تحكّموا بسلطة صنع القرار أجمعوا أمرهم بليل على أنهم لا يقدرون على مواجهة الدين الجديد بالسيف والرمح والفيلة، ولهذا قرروا مواجهته بالخديعة والوقيعة بين المسلمين وذلك بتحريف تاريخهم واختلاق الكثير مما لم يقع وجلب آلاف من شهود الزور ليقسموا بوقوعه، وحذف الكثير من الوقائع المؤكدة وتسفيهها وشن حملة تضليل بشأن الرموز الكبيرة في تاريخ الإسلام لأنه كما قال شاعرهم مهيار الديلمي دين العرب. مع الاستعراض كله الذي قدمه الجندي لسؤدد فارس، فإنه لن يتمكن من نفي أن معظم ملوكها كانوا قطاع طرق أو قتلة مأجورين أو لصوصاً محترفين، وحينما تحولوا إلى ملوك بحكم خبرتهم بالقتل، دفعت بهم عقدة الوضاعة إلى استئجار شخصية أخرى تعشش داخل الملك ويتعمد إذلال الناس عبر الأبواب المغلقة وعشرات الحجّاب والمئات من أفراد الحاشية المتذللين، فهذا نادر شاه الذي سطا على الملك كان لصاً وقاطع طريق في خراسان، فوجد فيه الملك عوناً له في مواجهة الدولة العثمانية، ومع الوقت صار له نفوذ بين المحيطين بالملك حتى تمكن من القفز إلى القصر الملكي، وكذلك الحال إلى كبير ملوك العائلة القاجارية الذين انحدروا من أحد المغامرين عندما استولى على الملك واتخذ من طهران عاصمة له، وكذلك الحال مع رضا خان الكبير الذي كان سائساً للخيل ولكنه كان طموحاً فقاده طموحه إلى الانقلاب على العائلة القاجارية، وكلنا نعرف أن ابنه محمد رضا الذي أطلق على نفسه لقب بهلوي، كان يسمي عرشه بعرش الطاووس، حينما زار الولايات المتحدة برفقة زوجته، وكان قد طلب في تلك الزيارة معونات أمريكية لأن أسعار النفط كانت في الستينات منخفضة جداً، حينما ظهر الرئيس الأمريكي وزوجته في حفل استقبال الشاه وزوجته بدت زوجة الرئيس الأمريكي وصيفة بدرجة عاشرة لزوجة الشاه، وعلقت الصحف الأمريكية على الواقعة فقالت إن المعونات ستذهب لتضاعف كمية الذهب التي ترتديها الشاهبانو بدلاً من مشاريع التنمية، وقدرت الصحف الأمريكية وزن الذهب الذي كانت ترتديه الشاهبانو بخمسة كيلوغرامات، على الرغم من أن الأمر فيه مبالغة، إلا أنه يعكس الإحساس المدمر بالضعة الذي يعيشه ملوك إيران وخلفاؤهم بصرف النظر عن تغير الأسماء والأوصاف والألقاب، وهو ما دعاهم إلى البحث عن انتقام ميداني من العرب بتخريب دينهم (كما يقولون) من الداخل بإدخال الخرافات والأساطير والأوهام فيه، وهو أسوأ ما نعانيه هذه الأيام كما عانى منه أجدادنا منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً.
شاهد أيضاً
فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة
فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة جابر احمد 2024 / …