abo-nazar
بقلم الكاتب حامد الكناني - كلام مأثور وحكمة قديمة استخدمها رجال السياسة والدين والقضاء في إيران مراراً وتكراراً، حتى تصدرت هذه الحكمة صفحات الدستور والصحف اليومية، وزينت جدران المحاكم والدواوين ”العدل أساس الملك”، حكمة قديمة أثبت التاريخ جمال صدقها، وحاول الفلاسفة والعقلاء في كل العهود أن يحثوا الحكام على تطبيقها، وكانت هذه الحكمة جوهر رسالة الأنبياء والمرسلين،

إيران‮.. ‬الكذب أساس الملك

ولتنفيذها أو عدم تنفيذها تأثير مباشر على حياة وسلوك المواطنين في أي دولة، فإذا ساد العدل في أي مجتمع يحل الأمن النفسي والسلام الروحي، ويصبح التسامح والتآخي والتكاتف من أبرز ميزات وصفات ذلك المجتمع، والعكس صحيح؛ أي بمعنى إذا تعرض أي مجتمع للظلم والتنكيل والفقر والحرمان من قبل الحاكم والساسة، فلا تجد للأمن والسلام والطمأنينة في نفوس المواطنين أي أثر. ورغم إنني سمعت هذه الحكمة وشاهدتها مكتوبة ومعلقة على الجدران خلف كراسي معظم رجالات السلطة والقضاء في إيران، لكنني وجدتها غائبة في سلوك وتعامل هذه السلطات مع العامة من الناس، ولم تظهر النتائج الإيجابية التي يتركها الالتزام بتطبيق مثل هذه الحكمة في الشارع الإيراني. قبل أكثر من ثلاثة عقود، ومن ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، خاطب آية الله الخميني أبناء الشعوب في إيران بكلام معسول، ووعدهم بنشر العدالة وترسيخها في البلاد في حال مناصرته، وأنه ليس له أي طمع بالسلطة، وسوف يترك السياسة لأصحابها من أهل الخبرة في حال سقوط النظام الشاهنشاهي. ولكن بعدما رحل الشاه الإيراني ونزل الخميني في طهران منتصراً، لم يستمر ”ربيع الثورة” في إيران إلا ثلاثة أشهر فقط، الربيع الذي عرف فيما بعد في الأوساط السياسية بـ”ربيع طهران”، فسرعان ما تنصل الخميني من وعوده، وانقلب الكلام المعسول إلى خطابات و”فرامين” عنيفة أثارت الرعب والخوف في نفوس الناس، وبدأت الاعتقالات في صفوف أبناء الثورة، حتى غصت السجون بالمحتجين، ونفذت الآلاف من عمليات الإعدام بأوامر من الخميني مباشرة. فأكلت الثورة أبناءها حسبما يقال، ودخلت إيران في نفق مظلم طال سنوات، وقبل رحيله في الرابع من يونيو ,1989 سلم مفاتيح الدولة الإيرانية ومصير شعوبها لأصحاب العمائم، فأصبح هاشمي رفسنجاني رئيساً للجمهورية، واعتلى خامنئي عرش الولاية ليصبح الولي الفقيه المطلق في الجمهورية الإسلامية. وبعد تعديل المادة 110 من الدستور الإيراني، فاقت صلاحيات المرشد خامنئي صلاحيات الملك محمد رضا شاه البهلوي، الذي أطاحت به الثورة الإسلامية، وأصبح مجلس صيانة الدستور تحت رحمة المرشد وصمام أمان بيده، حيث أجاز له هذا التعديل تعيين جميع أعضاء المجلس المذكور، الأمر الذي يمنحه حق الاعتراض على القوانين التي لا يحبذها، وهكذا سيطر المرشد علي خامنئي على مفاصل الدولة الإيرانية. وجاء الرئيس أحمدي نجاد عام ,2005 واستخدم الأسلوب الذي تعود عليه النظام، أي الكذب، وسيلة لحث الجماهير على المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، فأطلق الوعود على طريقته الخاصة، وقال للناخبين الإيرانيين إنه سوف يوزع الأموال من عائدات البترول على موائدهم، وتعهد بتحسين معيشة الناس، ومكافحة الفساد، وفسح المجال للشباب، وإعطاء المزيد من الحريات. ولكن بعد قرابة ست سنوات من استلامه لرئاسة الحكومة، ماعدا مشروع الإعانات الحكومية الذي تسبب بإغلاق المئات من الشركات التجارية والصناعية، فإنه لم يتحقق أي من هذه الوعود، حيث ازداد الفقر، وارتفع معدل الجريمة، وتضاعفت عمليات تنفيذ أحكام الإعدام في إيران، وتدهورت علاقة إيران بجميع الدول، خاصة الدول العربية المجاورة.  وكانت تصريحات الرئيس محمود أحمدي نجاد التي أدلى بها بعد رجوعه من نيويورك في عام 2005 عندما قال إنه شعر بأنه محاط بـ”هالة من الضوء” وهو يلقي كلمة من على منبر الأمم المتحدة، مثيرة للسخرية في إيران. وشجب آية الله يوسف صانعي، رجل الدين الإيراني الإصلاحي المعروف، ما أسماه ”نشر الكذب والخرافات لتحقيق أهداف سياسية”، وذلك في رسالة مبطنة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد. إنّ الكذب هو وحده من أوصل رجال الدين إلى السلطة في إيران، لأنهم استغلوا معتقدات الناس وصدقهم، فخاطبوا الشعوب بلغتهم، ودغدغوا مشاعرهم، ووعدوهم بحياة أفضل، ورزق أوفر، وعدل أوسع. ولأن رجال الدين لا يفقهون في السياسة وفنونها، ولا يفهمون في الاقتصاد والصناعة والتخطيط وبرامج التنمية، كان نصيبهم الفشل في إدارة الدولة، ولم يتمكنوا من تحقيق الوعود التي قطعوها على أنفسهم، فتعكر صفو مزاجهم، وظهرت العصبية في تعاملهم مع المحتجين من أبناء الشعوب، ولجأوا لاستخدام العنف في معالجة الاحتجاجات المطالبة بتنفيذ مواد الدستور التي كتبت بأيدي رجال الدين أنفسهم، فكذبوا واستمروا بالكذب حتى ”أصبح الكذب والتزوير هما المحوران الأساسيان في السياسة الإيرانية”، كما جاء على لسان آية الله علي محمد دستغيب عضو مجلس الخبراء وخطيب الجمعة في مدينة شيراز مركز إقليم فارس. قبل بضعة أسابيع، اجتمع رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني السيد هاشمي رفسنجاني بمسؤولين وعلماء إيرانيين وقال ”الكذب هو الذي أدى لاتساع دائرة الفساد والمنكر في المجتمع الإيراني، فحبل الكذب قصير للغاية”، وتابع رفسنجاني ”إن الإنجازات الوهمية، ونشر الإحصاءات المزورة، ومصادرة أصوات الناخبين، وسرقة المال العام، هي التي وراء فقدان ثقة المجتمع الإيراني بالنظام”. وبعد هذا التصريح، تعرض رفسنجاني لهجوم عنيف من قبل خطيب صلاة الجمعة المتشدد والمقرب من المرشد خامنئي في طهران السيد أحمد خاتمي، حيث قال: هذا كذب وافتراء، والمجتمع لم يفقد ثقته بالنظام الإسلامي أبداً!  ولم يسلم هاشمي رفسنجاني من هجوم آخر جاء في سياق مقابلة صحافية للدكتور أبوالحسن بني صدر، وهو أول رئيس جمهورية لإيران لجأ إلى فرنسا عام 1981م بعدما تآمر عليه هاشمي رفسنجاني وخامنئي المرشد الحالي، حيث قال بني صدر لصحيفة ”خود نويس” الناطقة باللغة الفارسية: ”إن رفسنجاني هو أول من أسس للكذب والتزوير في النظام الإيراني!”. ما أردت أن أصل إليه هو أن الكذب السياسي في إيران أدى إلى شرعنة العنف، وبدل أن يكون ”العدل أساس للملك” في الجمهورية الإسلامية، أصبح ”الكذب” هو المحور الأساسي لهذه الجمهورية، التي تحاول أن تصدّر نموذجها الفاشل للدول العربية، حتى ولو اضطرت لاستخدام ”الكذب النووي” في المستقبل

نقلا عن صحيفة الوطن البحرينية

شاهد أيضاً

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة جابر احمد 2024 / …