تخطط الدولة اليهودية بجانب العم سام لما بعد الثورة في محاولة تريد منها ضمان أمن حدودها اللاشرعية في الجولان السوري المحتل. صرح كل من كلينتون وإشتون وزيرا الخارجية لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة بتصريحات متباينة والجميع يراقب تطورات الحدث عن كثب.
بدورها فتحت أنقرة بوابتين ”باب سلامة” و”باب الهوى” الحدوديتين للمشردين من بطش الشبيحة ورصاص الجيش الذي كان من المفروض أن يوجه فوهات بنادقه إلى العدو، إلا أن إرادة الحاكم في دمشق شاءت أن تصيب صدور أبناء الشعب السوري العزل. أقامت المعارضة السورية ندوات ومؤتمرات على الأراضي التركية حيث أصبح الأتراك ينافسون الإيرانيين رويداً رويداً في بلاد الشام وتزامناً مع هذا الحدث نشرت بعض المقالات عن الثورة السورية في صحف كلا البلدين لتذكر صناع القرار في كل من طهران وأنقرة بضرورة التدخل والوقوف إلى جانب أحد الطرفين في السلطة أو الثورة.
يأتي اهتمام تركيا بالشأن السوري من خلال رؤية أنقرة المستقبلية لإعادة رسم مصالحها وهنا تصطدم أنقرة بطهران الأمر الذي دفع إيران إلى تحذير تركيا مباشرة وذلك عبر مقال نشر في أسبوعية ”صبح صادق” المتحدث الرسمي للحرس الثوري وجاء التحذير تحت عنوان: ”الموقف الإيراني الجاد تجاه أحداث سوريا”، والذي أوضح ”لو استمرت تركيا في مواقفها على هذه الوتيرة سيؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة، الأمر الذي سيرغم إيران على التفاضل بين تركيا وسوريا، وفي هذه الحالة منطق المصالح الاستراتيجية والمعرفة العقائدية سيدفع إيران نحو اختيار سوريا”.
تزامناً مع انطلاق الثورة الشعبية في سوريا تم تغيير قائد وحدة الحرس الثوري في الشام ليحل محله اللواء”محمد رضا زاهدي”. كان زاهدي يشغل منصب قائد الفرقة 14 للحرس الثوري في أصفهان ومن ثم قائد القوات البرية في الحرس منذ سنة 2005 حتى سنة 2008 وتم تعيينه فيما بعد قائداً لقوات ”ثار الله” المختصة في حرب الشوارع وقمع المتظاهرين حتى بداية اندلاع الثورة السورية حيث تم نقله من طهران إلى الشام بصفته قائداً لوحدة قوات الحرس في سوريا المؤلفة من 400 ضابط برتب عسكرية عالية يتمتعون بخبرات تفيد النظام السوري في التعاطي مع الأزمة المتفاقمة التي يعاني منها ويتم تعيين قيادة وحدة الحرس في سوريا بحكم مباشر وسري من المرشد الأعلى علي خامنئي القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية. وكانت صحيفة ”ليز أكوز” الفرنسية، قد نقلت أن المرشد الإيراني علي خامنئي خصص مبلغ 8,5 مليارات دولار لدعم نظام بشار الأسد، على أن يستلم الدفعة الأولى من هذا الدعم، وهي 5,1 مليار دولار فوراً، ويستلم المبلغ المتبقي على دفعات خلال 3 أشهر. وكشفت الصحيفة عن تزويد إيران للنظام السوري بـ290 ألف برميل من النفط الخام يومياً، ابتداءً من الشهر المقبل، وستدعم مراقبة الحدود المشتركة بين سوريا ولبنان للحيلولة دون هروب الأموال والاستثمارات.
وفي الوقت الذي يتخذ حزب الله اللبناني موقفاً مشابهاً لموقف خامنئي تجاه الأحداث في بلاد الشام، تعيش العواصم العربية صمتاً مطبقاً . لو نجح دعم خامنئي المباشر للأسد في إبقاء الأخير على رأس هرم السلطة في دمشق سيؤدي ذلك إلى تكريس دائرة النفوذ الفارسي في العالم العربي مما سيحقق نصراً استراتيجياً لطهران على حساب الأنظمة العربية قبل الشعب السوري. طالما كانت تعمل على تنفيذ خططها الواضحة المعالم لبسط سيطرتها عبر أدواتها المذهبية والمادية في المنطقة. أما الأطراف التي ليست لديها استراتيجية محددة تجاه الانتفاضة الشعبية العارمة في سوريا هي الأنظمة العربية التي كان من باب أولى أن تكون معنية بذلك أكثر من غيرها.
ونرى نبيل العربي الذي جاء به دماء شباب الثورة المصرية إلى كرسي جامعة الدول العربية لم يتفوه حتى يومنا هذا ببنت شفة ضد سياسة القمع اللاإنساني في سوريا ولم يحرك ساكناً إزاء تدخلات إيران المفضوحة في شأن بلد عربي عضو في الجامعة. وبهذا يترك الشعب السوري وحيداً أمام آلة القمع الوحشية المدعومة من قبل نظام طهران في حين نشاهد التنافس التركي الفارسي على أشده حيث يتبلور بين الحين والآخر في تصريحات الساسة في البلدين. تريد طهران إبقاء نظام الأسد لتستمر في مد سيطرتها حتى البحر الأبيض المتوسط أما أنقرة تتحين الفرص لسحب البساط من تحت أرجل المصالح الإيرانية في سوريا.
إذا ما نجح الفرس في إبقاء الأسد ونظامه على سدة الحكم في الشام نستطيع القول إن دمشق سوف تصبح مدينة فارسية بامتياز. وإذا انتصرت الثورة سوف تقطف ثمارها أنقرة بالكامل. إن العرب يقفون اليوم أمام مسؤولية تاريخية تفرض عليهم الوقوف بقوة إلى جانب الشعب السوري ودعمه بشتى الوسائل والسبل وأن يكون لهم موقف واضح وشفاف تجاه مجريات الأحداث في سوريا، وينبغي على جامعة الدول العربية كسر الصمت المطبق للحيلولة دون إراقة المزيد من دماء الأبرياء العزل من أبناء الشعب السوري حتى لا يخسرون الساحة السورية البالغة الأهمية ولا يتركونها ملعباً للصراع التركي الفارسي فقط.
* نقلا عن “الوطن” البحرينية