abo-nazar
للأنظمة الإيرانية تاريخ طويل في ارتكاب أبشع أنواع التصفيات الجسدية التي غالباً ما يتم تنفيذها بدوافع سياسية وعنصرية في حق منشقين عن الأنظمة نفسها، أو في حق معارضين لهذه الأنظمة من أبناء الشعوب الإيرانية أو لمواطني البلاد والأقاليم المجاورة لإيران والتي خضعت وتعرضت لهيمنة الفرس وسلطانهم طوال التاريخ القديم والحديث.

إيران.. تصفيات جسدية بلا حدود ‏

ويذكر لنا التاريخ القديم العديد من الجرائم البشعة التي ارتكبها الحكام الإيرانيون بحق الشعوب المغلوبة، ومن أهم هذه الجرائم وأشرسها تلك الجريمة البشعة التي ارتكبت على يد الملك الفارسي شابور الثاني أو سابور بن هرمز (309-379) الملقب بسابور ذو الأكتاف لارتكابه هذه الجريمة، حيث أمر بخلع أكتاف الأسرى قبل قتلهم و راح ضحيتها عدة آلاف من الأسرى العرب في القرن الرابع الميلادي.

وفي التاريخ الحديث لم تنس الذاكرة الشعبية لسكان الساحل الشرقي للخليج العربي، قصة الأمير مذكور بن جبارة بن محمد النصوري الخالدي عام 1880م، أمير إمارة النصور الذي تم تنفيذ حكم الإعدام في حقه بأوامر من حاكم شيراز بعد خداعه وخطفه من حدود إمارته العربية، ليترك جثمانه لمدة ثلاثة أيام في العراء بمدينة شيراز مركز إقليم فارس الإيراني.

وتبقى صورة جثمان هذا الأمير العربي وهو معلق على المشنقة أقدم صورة توثق عملية الإعدام في إيران، والتي التقطتها كاميرا أحد الرحالة الأجانب الذي صادفت زيارته تنفيذ عملية الإعدام هذه.

وأما أسر الأمير خزعل بن جابر آخر أمراء عربستان عام 1925 بعد خداعه ونقله إلى العاصمة الإيرانية طهران، ومن ثم تصفيته عام 1936م بأوامر مباشرة من رضا خان البهلوي ”والد الشاه” حاضرة هي الأخرى في ذاكرة أبناء عربستان.

وتزامنت هذه التصفية الجسدية مع جريمة نكراء يندى لها جبين الإنسانية، جريمة أخرى ارتكبها حكام طهران ضد شعب الأمير خزعل بن جابر بعد قتله وذلك عندما قاموا بأسر الآلاف من أبناء قبيلة بني طرف الطائية ومشايخها وإجبارهم على المشي سيراً على الأقدام في الجبال والطرقات الوعرة وبمسافة تزيد عن 1300 كيلومتر بقصد تهجيرهم من الجنوب إلى الشمال الإيراني، حيث مات أغلب الناس في قافلة الانتقام هذا والتي يصفها الدكتور عباس الطائي بقافلة الحب والموت، ويقول عنها: هذه ملحمة مأساوية شعرية،عاش بعض أبطالها بيننا، فسمعناها من أفواههم وأخذناها عن مذكراتهم. قافلة الحب والموت تجسيد عنيف للقهر والظلم والتعذيب وشاهد حي على وحشية الإنسان وسبعيته وإجرامه.قافلة الحب والموت ركب أشباح تسير و رحى الموت تدور معه فاغرةً فاها تلتهم البار والصغار، شيوخاً وعجائز وحوامل وأطفالاً وشباباً. في قافلة الموت لا فم يتحرك إلاّ فوهات البنادق ولا صوت يسمع إلا أصوات لسع السياط على المتون. في قافلة الموت تنقلب مفاهيم الحياة فيصبح الموت هو السعادة والحياة هي الجحيم. في قافلة الموت تموت الأجنّة قبل المخاض وتهل الأمهات قبل الولدان.هنا في قافلة الحب والموت تنته الحرمات والأعراض. وأما الحب فينقلب إلى عذاب وهلاك،إذ يرى الحبيب حبيبته تنهش لحمها الكلاب، فيصرخ الحب والإيمان في وجه البنادق، فتكون المأساة.

وعند انتقالنا للسنوات الأخيرة الماضية نجد أن عمليات التصفية الجسدية والانتقامية التي قامت بها المخابرات الإيرانية والميليشيات التابعة لها على الساحة العراقية في حق فئات مختلفة من أبناء الشعب العراقي، كانت من أكبر الجرائم الدولية وأبشعها، حيث قامت الدولة الإيرانية ومخابراتها بالنفوذ والتوسع في العراق فنفثت سموم الانتقام هناك، الأمر الذي أدى إلى مقتل وتشريد الآلاف من العراقيين.

ويعتمد رجال السلطة في إيران سياسة الغدر والخيانة للانتقام وتصفية أعدائهم ومعارضيهم. ففي عام 1989 حاول علي أكبر هاشمي رفسنجاني الرئيس الإيراني السابق أن يرسل رسائل تصالحية عن طريق دبلوماسيين جزائريين إلى الدكتور عبدالرحمن قاسملو إلى زعيم الحزب الديمقراطي الكردي عندما كان قاسملو يعيش حينها في النمسا، وبعد ما تم تحديد المكان واليوم وساعة اللقاء بين الوفد الإيراني والوفد الكردي، توجهت مجموعة مسلحة من عناصر الاستخبارات الإيرانية إلى المكان الذي تم تحديده من قبل الطرفين لتقوم بتصفية الزعيم الكردي في 17 من تموز 1989م كما تم اغتيال عبدالله شرفكندي امين عام الحزب الديموقراطي الكردي و مساعده في يوم 17 من شهر سبتمبر عام 1992م في مطعم(ميكونوس) في العاصمة الألمانية برلين.

وأفرجت فيما بعد الحكومة الألمانية عن عناصر الاستخبارات الإيرانية المتورطة في مقتل الزعيم الكردي ومساعديه، على خلفية صفقات قامتْ فيها إيران بتسليم جنود إسرائيليين تمَّ اختطافهم عن طريق حِزب الله في لبنان. وسجلت التصفيات الجسدية في إيران أعلى مستوى لها عام 1988م عندما أصدر قائد الثورة الإمام الخميني أوامره بتنفيذ الإعدام في حق جميع السجناء السياسيين القابعين في السجون الإيرانية.

وكان معظم السجناء ينتظر الخروج من السجن بعد قضاء فترة عقوبتهم، لكن السلطات الأمنية الإيرانية قامت بتنفيذ أوامر الخميني، حيث قضت على الآلاف من الرجال والنساء في السجون دون أخذ موافقة رئيس الحكومة السيد مير حسين موسوي، ودون الاستماع إلى معارضة المرجع الديني آية الله حسين علي منتظري الذي كان يشغل منصب نائب قائد الثورة آنذاك، الآمر الذي أدى إلى عزل وفرض الإقامة الجبرية على هذا المرجع الديني حتى وفاته عام 2009م. كما اعتزل رئيس الوزراء مير حسين الموسوي السياسة بعد ما ارتكب نظامه هذه الجريمة. و في عام 2009م عاد و رشح نفسه إلى منصب رئاسة الجمهورية في إيران ولكنه خسر الانتخابات و أصبح أحد قيادات التيار الأخضر المعارض وهو اليوم مسجون في منزله بطهران.

واعترف فيما بعد علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني عندما وجه له مراسل التلفزيون الفرنسي في طهران سؤالاً حول مجزرة السجون الإيرانية لعام ,1988 فقال في رده: أنتم تبالغون في رقم المعدومين من السجناء والواقع أننا لم نقم إلا بإعدام ألف سجين سياسي فقط!. وتوالت التصفيات الجسدية في إيران طيلة العقود الثلاثة الماضية من عمر الثورة في إيران، والتي طالت أعضاء من الحرس الثوري وقيادات من النظام الإيراني والمعارضة وبطرق مختلفة، منها إسقاط طائرات عسكرية وتفجير مبانٍ، وحوادث مرورية مصطنعة عديدة أدت إلى مقتل المئات من الشخصيات السياسية والثقافية والعسكرية في هذا البلد. وفي كل مرة تتسارع وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة والمقربة منها بتوجيه أصابع الاتهام إلى دول غربية و إلى الموساد الإسرائيلي وإلى عناصر ومنظمات إيرانية معارضة.

لكن للشارع الإيراني رأياً آخر، حيث يعتقد الكثير من الإيرانيين أن العناصر الأمنية هي من تقوم بتدبير وتنفيذ معظم هذه الاغتيالات، والتي تصدر أوامر تنفيذها من القيادات العليا في النظام حسب ما جاء في اعترافات قيادات في الاستخبارات الإيرانية بعد الكشف عن فضيحة مسلسل الاغتيالات والمعروف بقتل ”هاي زنجيره اى” في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي1998 ومنهم سعيد إمامي الشخص الذي كان يحتل مركزاً قيادياً في الاستخبارات الإيرانية، وكان المتهم الرئيس في هذه الفضيحة، حيث اعترف بتلقيه أوامر من رموز النظام كانت تهدف إلى تصفية شخصيات منشقة ومعارضة دون أية محاكمة. ومنعاً لانتشار هذه الفضيحة الأمنية وكشف تفاصيلها ومن يقف خلفها، أعلنت السلطات القضائية الإيرانية عن انتحار سعيد إمامي عام 1999م في زنزانته وأوقفت التحقيق و أغلقت الملف نهائياً. و تحوم الشكوك اليوم حول السلطات الأمنية الإيرانية ودورها في تنفيذ مسلسل التصفيات الجسدية الأخيرة للعلماء و الخبراء النوويين الإيرانيين، وتورط عناصر من قوى الأمن الإيراني في هذه الاغتيالات التي طالت إلى حد الآن العديد من أساتذة الجامعات والعلماء النوويين في إيران.

و في اعتقادي، إن منفذي هذه الاغتيالات حتى وإن كانوا قد تلقوا أوامر التنفيذ من جهات أجنبية معادية لإيران فإنهم يحتلون مراكز ومناصب مهمة في جهاز الأمن الإيراني و في الحرس الثوري الإيراني، خاصة أن قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري كان قد أعلن قبل ثلاثة أسابيع أن الحرس الثوري هو المسؤول في الحفاظ على أمن وحياة العلماء النوويين في إيران.

* نقلاً عن “الوسط” البحرينية

شاهد أيضاً

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة جابر احمد 2024 / …