فعدد كبير من الصحافيين في عهد الرئيس خاتمي أدرجت أسماؤهم في قائمات بذريعة انتمائهم إلى تيارات توصف على أنها مناوئة للثورة الإسلامية ومعادية لولاية الفقيه. وبات كثير منهم نزلاء في سجن أيفين سيِّء الصيت بالعاصمة طهران أو سجون محافظات أخرى. من بين هؤلاء سعيد حجاريان الرئيس الأسبق لقسم الحرب النفسية في وزارة الاستخبارات (اطلاعات) الإيرانية والذي أصبح لاحقاً مستشاراً سياسياً للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. وكان حجاريان صحافياً بارزا آنذاك أخذ نصيبه من بطش النظام على شاكلة رصاصة أطلقت من مسدس على وجهه وذلك في شارع بهشت على يد أحد أعضاء الباسيج يدعى سعيد عسكر ليعيش حجاريان ما تبقى من حياته على كرسي متحرك. لا أريد أن أتطرق لمعاناة الصحافيين والصحافة في إيران لأن الأمر جلي للجميع وأكتفي بهذا النموذج كديباجة لابد منها. تقوم السلطات في إيران بفرض هيمنتها على الإعلام بغية التحكم فيه فتعاقب من يخالف هذه السياسة دون رحمة. أما الإعلاميون الأجانب، وخاصة الصحافيين العرب المقيمين في طهران، البعض منهم من أصبح بوقاً للإعلام الحكومي وانصهر تماما في هيكلية النظام الإيراني القومي والطائفي المتشدد وتابعاً له كي يكون أداة لتحسين وتلميع صورة إيران عبر الإعلام العربي. أما من خالف الأمر، فإنه في أفضل الأحوال، يتم طرده بأسلوب غير لائق من البلد. وأشير هنا إلى عدد من هؤلاء وهم حسن فحص رئيس مكتب قناة العربية في طهران وعبد السلام عقل رئيس مكتب قناة أبو ظبي ونجاح محمد علي مراسل قناة أبو ظبي وصحيفة الاتحاد الإماراتية ومندوب قنوات أخرى الذي سجن بمجرد ما اختلف مع النظام وخرج من إيران متوجهاً إلى الخليج باحثاً عن الأمان كي يعمل فيما بعد في قناة العربية. كما حاولت الاستخبارات الإيرانية تجنيد عبدالسلام عقل، حيث طلبت منه مباشرةً أن يتعامل مع قسم الاستخبارات الخارجية ويكون جاسوساً يعمل لصالح إيران في البلدان العربية وبعد رفضه لطلب الاستخبارات الإيرانية تم سحب بطاقته الصحافية وإنهاء إقامته وطرده من البلد خلال أيام. ويمكن ذكر نماذج أخرى من الضحايا مثل المصورة الصحافية زهراء كاظمي الكندية من أصول إيرانية والتي قتلت تحت التعذيب في عام .2003 ولا ننسى تعرض بعض الصحافيين العرب الأحوازيين كمحمد حسن فلاحية وأمير نيسي ويوسف عزيزي ومحمد حزبايي وعبدالهادي طرفي للسجن والتهديد المباشر. حيث سجن محمد حسن فلاحية أكثر من أربع سنوات في سجن أيفين بالعاصمة طهران وأمير نيسي سجن سنتين في سجن الاستخبارات في الأحواز ومروى كلاهم بأشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي ومحمد حزبايي الذي أغلقت صحيفته ”همسايه ها” الناطقة بالفارسية ومورست ضده أشد أنواع الضغوط النفسية في أيام اعتقاله في الأحواز والكاتب الصحافي يوسف عزيزي الذي تعرض لمختلف الاتهامات والتهديدات والضغوط الشديدة التي كانت قد مورست ضده إلى أن زج به في زنزانة لأكثر من شهرين وفي نهاية المطاف حكم عليه بالسجن خمسة أعوام فاضطر إلى الهروب من إيران ليحل في منفاه ببريطانيا والقائمة تطول في هذا المجال. كانت وما تزال عقلية المؤسسة الدينية التي تتحكم في إيران تعادي من يعبر بشكل أو بآخر عن رأيه حول السياسة الإيرانية أو يتناول نوايا طهران المستقبلية، أو يرفع الستار عن الخطط السياسية الإيرانية عبر التحليل، أو كتابة المقالات السياسية أو يلقي كلمة هنا أوهناك يكشف تراكم الحقد والعداء تجاه العرب المتجلي في بعض الكتابات بالأدب الفارسي وصولاً إلى السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية وتسليط الضوء على أنشطة طهران الإعلامية المكثفة. معتبرة كل حديث في هذه المجال بـ ”الصوت الشاذ” حسب التعبير الإيراني ومغضوب عليه وسيحاسب عليه عاجلاً أم آجلاً. عندما كنت أعمل في الصحافة الإيرانية بالعاصمة طهران، كان الجدل دائراً وساخناً على الجانب الإيراني حول خبراء في الشأن الإيراني من الإعلاميين العرب الذين لهم تأثير بارز وصدى إقليمي وعالمي، وحسب علمي كانت إيران تراقب هؤلاء عن كثب. أشير هنا إلى بعض الأسماء الأكثر تعقباً في أروقة صناعة القرار الإيراني، حيث تراقب السلطات الإيرانية كل شاردة وواردة وحتى تحاول قراءة مابين السطور في كتاباتهم وتصريحاتهم وتعليقاتهم السياسية، وهكذا كتابات الكثير من الصحافيين العرب وعلى وجه الخصوص الخليجيين. أحمد جار الله، كويتي، أحد ألد أعداء إيران حسب تعريفها، إذ إن صحيفة ”السياسة” التي يترأسها جارالله تنشر كل صغيرة وكبيرة عن إيران. وهذا الأسلوب من وجهة النظر الإيرانية يهدد الأمن القومي الإيراني ومضر بالسياسة الخارجية لطهران. بناءً على هذا لا تفوت الدبلوماسيين الإيرانيين أي فرصة خلال زيارة الوفود الكويتية لإيران لتقديم الاحتجاج ضد صحيفة ”السياسة” ورئيس تحريرها. دانيل برت، صحافي بريطاني مقيم بلندن وهو ”أحد الأشخاص الخطيرين” بين الإعلاميين البريطانيين حسب الرؤية الإيرانية. حيث شارك برت في تأسيس ”جمعية الصداقة الأحوازية البريطانية” وكتب عدداً من المقالات عن الأحواز في الصحافة الأوروبية. وآخر ما قرأته عن برت في الإعلام الإيراني كان قبل أيام، حيث أشار الكاتب إلى صورة برت مخاطباً الإيرانيين ”علينا أن نتذكر صاحب هذه الصورة إنه عدو!”. داود البصري، عراقي مقيم بأوروبا، صحافي حر يكتب في عدد من الصحف العربية تتجلى اهتماماته الصحافية بالتمدد الإيراني في العالم العربي ولاسيما العراق كما يتناول القضية الأحوازية بين الحين والآخر ويؤكد ضرورة التوجه العالمي لقضية الأحواز. يذكر أن داوود البصري يناهض من خلال كتاباته الفكر البعثي ولكن كلما ذكرته وسائل الإعلام الإيرانية نعتته بالبعثي والصدامي و يوصف البصري بالكبريت. عبدالرحمن الراشد، سعودي، هو ليبرالي مناهض للفكر الرجعي في المنطقة العربية والشرق الأوسط ويرفض الطائفية بمختلف أشكالها. أما إيران ومؤسساتها الإعلامية فتنعته بمعاداة التشيع ومناهضة إيران، وذلك نتيجة لمقالاته في الشرق الأوسط التي يسلط من خلالها الأضواء على المواقف الإيرانية. شاهدت اسم الراشد في صفحة ”تلكس” في مكتب أحد المسؤولين، وتحت الاسم مقال للراشد حول النووي الإيراني، ويفاجئني ذلك المسؤول بقوله متى يرتاح العالم من أمثال الراشد والعرب؟! سألته أي عالم وأي عرب؟ رد علي قائلاً إن هذا الصحافي مزعج للغاية ودائماً يكتب عن إيران ويشوه سياستنا الخارجية. ويضاف إلى ذلك التعاطي المستمر لتلفزيون العربية الذي يترأسه عبدالرحمن الراشد مع الشؤون الإيرانية. عباس ناصر، لبناني، صحافي نشر في عام 2005 سبعة تقارير ميدانية لصالح تلفزيون الجزيرة من إقليم الأحواز. وبعيد هذه التقارير بأيام انطلقت المظاهرات الاحتجاجية ضد سياسات الحكومة الإيرانية في الإقليم بما فيها سياسة ”التفريس” التي تعرف في الأحواز باسم ”انتفاضة 15 نيسان ”2005 غادر عباس ناصر طهران متوجهاً إلى بيروت خشية اعتقاله، وكان الجدل دائراً في المؤسسات الإيرانية عن هذا الحدث وتقارير قناة الجزيرة. وأتذكر تصريحات نواب البرلمان وخاصة أعضاء لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي بخصوص عباس ناصر وتأثير التقارير التي أرسلها إلى الجزيرة وضرورة محاسبته حيث تم إغلاق مكتب الجزيرة في طهران بعد هذا الحدث. علماً أن الصحافيين المذكورين أعلاه عدا دانيل برت وعبدالرحمن الراشد وعبدالسلام عقل، جميعهم من الطائفة الشيعية الكريمة إلا أنهم لا يؤمنون بالنهج الصفوي ومناهضون لسياسات إيران العدائية للعرب وتمدد هذه الجارة على حساب دول الجوار العربي. ومن المفارقات أتذكر عندما كنت في إيران رافقت صديقاً إعلامياً عربياً معروفاً لتصوير تقرير سياسي لإحدى القنوات العربية وفي الطريق طلبت منه أن ينزل مع الكاميرا إلى شوارع جنوب طهران حيث الفقر والبطالة والإدمان، لكن الأخ المراسل رفض ذلك، وبدلاً عن ذلك اتجهنا نحو الشمال حيث الشوارع الجميلة والحارات الراقية التي يقطنها الأثرياء ورجال الأعمال وأصحاب الشركات العملاقة والموظفون الحكوميون رفيعو المستوى. ومن هناك صار يبعث برسالة إلى العالم أن إيران جميلة ولا ينقصها عن أوروبا المتحضرة شيء، مقدما تلك الصورة كحياة عامة لجميع الإيرانيين ثم انفصلت عن زميلي لأكتب موضوعاً في العمود السياسي بصحيفة ”العمال” التي كنت مسؤولا عن القسم السياسي فيها وذلك عن قضية ”عامل شنق نفسه في مصنع الزيت بضاحية طهران نتيجة عدم استطاعته شراء كتب مدرسية لابنته”.
المصدر صحيفة الوطن البحرينية
شاهد أيضاً
فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة
فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة جابر احمد 2024 / …