وهنا لابد من الاشارة الى حقيقة مرة قد لا يدركها الاخوة العرب خارج اقليم عربستان كونهم لا يتابعون عن كثب الخطاب القومي العنصري الايراني وذلك لعدم المامهم باللغة الفارسية ولكن هذا الخطاب يضرب كل يوم ودون رحمة بسياطه وجدان ومشاعر الشعب العربي الاهوازي رغم ان اصحاب الضمير من امثال السيد مبلغ وغيره يتصدون بشدة لهذا الخطاب العنصري المقيت .
الخطاب القومي العنصري الايراني بعد الحرب العالمية الاولى :
انتشر الخطاب القومي العنصري الايراني “الفارسي” بعد الحرب العالمية الاولى انتشارا واسعا بين المثقفين الحداثيون الفرس نافذا عبر “مشاعر جياشة قوية مؤيدة لألمانيا” وفي هذا المجال يكتب كاتوزيان قائلا :
“لعل من اهم الاسباب التي حملت القوميين الايرانيين “الفرس” على تأييد المانيا ابان الحرب العالمية الاولى عبر مشاعر جياشة وعامة هو كرههم للروس من جهة وشعورهم بأنعدام الثقة بينهم وبين البريطانيين من جهة اخرى. على سيبل المثال نظم الاديب البيشاوري (شاعر فارسي من اصل هندي كان يقيم في طهران) قصائد عصماء في مدح ويلهام الثاني و كذلك آلة الحرب الالمانية يندب لها الجبين وهي تماثل تلك القصائد التي نظمها قبل تسعة قرون الشاعران عنصري و فرخ السيستاني بحق السلطان محمود الغزنوي وفتوحاته في الهند والعراق ، كما ان السيد حسن تقي زادة كان يدير مجلسه الادبي وينشر جريدته المعروفة باسم ” كاوه” عبر الدعم المادي و المعنوي الالماني ” .(1)
وحول انتشار نظرية افضلية العرق الآري بين مثقفين من امثال صادق هدايت يكتب كاتوزيان قائلا :” اثناءها كانت اوروبا مشغولة بوضع النظريات الايدلوجية العرقية العنصرية ومقارنة مع استلام السلطة من قبل النازيين انتشرت نظرية افضلية العرق الآري على نطاق واسع وقد ترافق ذلك مع سنوات سفر صادق هدايت الى اوروبا والذي كتب خلالها رواياته ذات الطابع القومي الرومانطيقي وفي الحقيقية نرى ان صادق هدايت يطلب عام 1931م (في رسالة بعثها من طهران الى باريس) من رضوي ان يبعث له كتاب معتبر وموثق حول القومية الجرمانية (Pangemanisme) وذلك تزامنا مع ادعاءات النازيين على افضلية العرق الآري ، في الوقت نفسه تزايد الحديث في ايطاليا من قبل الفاشيين عن عظمة وقوة الحضارة الامبراطورية الرومانية القديمة ، ويبدو ان الايرانيين تبنوا “افضلية العرق” من النازيين ووجود مرحلة من الحضارة الامبراطورية العظيمة من الفاشيين”. (2)
وهنا لابد من اشارتين نقديتين الى ماورد اعلاه حول استخدام مفهوم “القومية الرومانطيقية”. الاولى خلافا لما يقوله كاتوزيان ” بأن اوروبا اثناءها كانت مشغولة بوضع ونشر النظريات الايدلوجية العرقية العنصرية ” وانما اروبا قد انتهت من هذا العمل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وليس عبثا ان يتحدث ليون بلياكف (Le on Poliakof ) في كتابه المعروف عن ” العصر الآري” وذلك ( في الفصل الخامس ) بعدها طرحت ” الاناجيل الآرية ” الى السوق واحد بعد الآخر . (3)
ولم يقتصر الآمر على هذا الكاتب وحسب و انما هناك كتاب اخروين حذو حذوه ومن بينهم روبرت كنوكس ( Knox Rober ) في كتابه ” عرق البشر (1850) ، ارنست رنان ( Ernest Renan ) وكتابه المعروف “حول عدم تساوي الاعراق ” ( 1854 ) وصديقه الآخر عالم اللغات و المتخصص باللغة السنسكريتية ماكس مولر ( Max Müller ) ونظريته اللغوية عن الانبياء الاوائل حيث تعتبر اول اسطورة عن افضلية العرق الآري واخير كتاب “اساسات القرن العشرين” من تأليف جمبرلين ( Chamberlain) الذي يعتبر اكثر الكتب مبيعا ، مما يجعل هذه المرحلة هي اوج هذا النوع من اناجيل الاسطورة الآرية .
كما ظهرت انذاك نوعين من فروع العلوم الجديدة كعلوم مستقلة وهما علم اللغة و علم الانتربولوجيا (Antropologi) و اصبحتا في خدمة العنصرية الارية.
اذا يمكن القول “اثناء ذلك” )1931) لم تكن أوروبا مشغولة بانتاج النظريات والايدلوجيات العنصرية كما يقول كاتوزيان وانما كانت مشغولة بكيفية تطبيقها ، لقد انجز هؤلاء هذه النظريات في النصف الثاني من القرن التاسع العشر ، اما الاشارة الثانية هي مفهوم استخدام “القومية الرومانطيقية ” من قبل كاتوزيان وكأنما كل القوميين هم رومانطقيين اوكأنما لا توجد قومية دون رومانطيقية .
معاداة الاتراك الآذريين .
شهد العقد الاول من القرن العشرين دخول عنصر جديد على الخطاب القومي الايراني وهو بالاضافة الى معاداة العرب اضيفت اليه معاداة الاتراك و لغتهم. الا ان موقف القوميين الحداثويين الفرس في تلك المرحلة كان نفس الموقف السابق الذي مثله اخوندزاده و هو كيل المديح الى ايران ما قبل الاسلام وتوجيه الانتقادات المنفلتة من عقالها الى الاسلام والعرب والامل في جعل المجتمع الايراني كالمجتمع الاوروبي بشكل كامل باسرع ما يمكن ، والعنصر الاضافي الذي اضيف الى هذه المرحلة هو معاداة الاتراك و اللغة التركية (4).
ان دخول عنصر معاداة الاتراك الى الخطاب القومي الايراني ” الفارسي ” جاء نتيجة لتأثر المثقفين الايرانيين و مؤسسات دولة رضا شاه بالاسطورة الآرية التي اخذوها من الألمان وعليه يمكن القول ان هذه هي احدى نقاط اللقاء التي كانت قد جمعت بين الخطاب القومي الثقافي مع الخطاب القومي الرسمي الايراني ” الفارسي ” في تلك المرحلة على سبيل المثال يعتبر تقي آراني الأب الروحي المؤسس ” لحزب “التودة” من اشهر النماذج البارزة في هذا المجال (5) .
كان تفي آراني قبل اعتناقه الفكر الاشتراكي شأنه شأن الكثير من مثقفي جيله يعتبر من احد المدافعين المتحمسين عن القومية الايرانية العنصرية ولقد اعترف احد مدوني السير التقدميين في ايران وكتب حوله قائلا :
“كان آراني واثناء دراسته في طهران و في مرحلة النضال القومي ضد بريطانيا يحمل افكارا عنصرية شأنه شأن الكثير من معاصريه و كان يعتقد انه من خلال تطهير اللغة “الفارسية” من المصلحات الاجنبية و احياء الدين الزرادشتي القديم وكذلك اعادة بناء الدولة الساسانية المركزية نستطيع تحرير ايران من التخلف و الامبريالية ” (6)
ولابد وان يكون أراني قد تعرف على الاسطورة الآرية اثناء اكمال دراساته في المانيا هناك وفي مقالة له نشرت في مجلة ” ايرانشهر ” تحت عنوان “كبار الابطال الايرانيين” تحدث آراني عن “زرادشت وابن سينا، الخيام و الفردوسي الى جانب داريوش وكوروش. وفي مقالة اخرى له تحت عنوان “آذربايجان مسألة موت أوحياة بالنسبة لايران” نشرها في مجلة “فرهنكستان” جاء فيها: “تعرضت ايران وبسبب هجمات المغول الوحوش الى ان تفقد آذربايجان لغتها الفارسية ” (7) وطالب بمنع تدوال اللغة التركية – الاذرية – في آذربايجان وكان استدلاله ان المهاجرين المغول قد فرضوا لهجتم على الشعب الاري هناك وطالب القوميين الايرانيين الحكوميين و غير الحكوميين قائلا :
” على جميع الايراينين الوطنيين و بخاصة مسؤولي وزارة الثقافة بذل قصارى جهودهم لكي تحل اللغة الفارسية محل اللغة التركية وعليه يجب ارسال معلمين فرس الى آذربايجان التي هي وطن زرادشت والآريين” (8) .
وعندما عاد اراني في عام 1930 من المانيا الى ايران كان قد تعرف على الافكار الاشتراكية واصبح فيما بعد من اهم رواد الفكر الاشتراكي في ايران حيث بادر في الاربعينات الى المساهمة في تشكيل حزب التودة ” الشيوعي” وبتعرفه على هذه الافكار يكون قد جنب نفسه الوقوع في مستنقع افكار الخطاب القومي العنصري ولم يقتصر الامر عليه وحسب وانما هناك مثقفين ايرانيين قد ساروا على خطاه ولعل من بينهم نور الدين كيانوري الذي اصبح فيما بعد امينا عاما للحزب الشوعي الايراني ولم يعد هذان الشخصان استثناءا بين المثقفين انذاك و لكن كاتوزيان يحاول الايحاء بان ايران لو احتلت من قبل دول المحور بدل دول الحلفاء لتأسس في ايران حزب نازي بدل من حزب الشيوعي “تودة” .
وبذلك يكون قد انتهى القسم الثاني من الخطاب القومي العنصري الايراني المعادي للعرب والاتراك -الآذريين- باعتبارهم ساميين. وفي القسم الثالث سوف نواصل البحث حول هذا الخطاب لنتعرف على الكثير من جوانبه لاسيما موقف القوى الدينية و اليسارية منه .
للبحث صلة في الحلقة القادمة
مصدر المقالة : من بحث مطول بالفارسية للاستاذ احمد حسين مبلغ للاطلاع راجع الروابط التالي :
http://www.topiranian.com/maghalat/archives/003958.htm
http://www.naqd-wa-jaameah.org
المصادر بالفارسية :
1. کاتوزیان، ص 7
2. همان، ص 110-111
3. Poliakov, Le´on: Der arische Mythos. Zu den Quellen von Rassismus und
Nationalismus. Hamburg 1993, S. 237
4 .همان، ص 287
5. کاتوزیان ص 14/ 9-10
6. مقایسه کنید با آبراهامیان: ایران بین دو انقلاب. از مشروطه تا انقلاب اسلامی. 1377 تهران. ص 354
7. به نقل از آبراهامیان، ص 143
7. همان
8. همان،143