ولاية الفقيه تعني‮ »‬استمرار النبوة‮« ‬ومنحت المرشد صلاحيات تعدت نيابته للإمام‮.. ‬:
أكد د.عبد الستار الراوي،‮ ‬أستاذ التاريخ بجامعة بغداد سابقاً،‮ ‬وآخر سفير عراقي‮ ‬في‮ ‬إيران،‮ ‬أن ولاية الفقيه بنظر الإمام الخميني‮ ‬تعني‮ ‬استمرار ahmadinejad_khamenei_khatami_304x17khamenei

آخر سفير عراقي‮ ‬بإيران‮:‬ إيـران أوكـلــت لحــزب الـلـــه ترتيـب أوضــاع حلفـائهـــا بالمنطقـة

النبوة باستثناء الوحي‮ ‬والتبليغ،‮ ‬ولم‮ ‬يعد المرشد بنظره نائباً‮ ‬للإمام فقط،‮ ‬بل‮ ‬يرتقي‮ ‬إلى مقام الرسل والأنبياء،‮ ‬وأن الخميني‮ ‬أوّل النصوص الشرعية وتخطى الانتظار وأوجب إقامة الدولة في‮ ‬عصر‮ ‬غيبة الإمام،‮ ‬مثبتاً‮ ‬عدم جواز انتظار الإمام الغائب الذي‮ ‬قد تطول‮ ‬غيبته آلاف السنين‮.‬
وأضاف الراوي‮ ‬إن الفكر الإخباري‮ ‬لنظام ولاية الفقيه،‮ ‬حصر مهمة الإمامة بالأئمة المعصومين المعينين من قبل الله،‮ ‬وأن نظام الولاية جاءت من الحاجة الدنيوية التي‮ ‬قضت بوجود إمام حي‮ ‬متفاعل‮ ‬يقود الناس ويقضي‮ ‬بأحكام الدين،‮ ‬وبموجب هذا النظام فإن دكتاتورية المرشد التي‮ ‬أسسها الخميني‮ ‬نزعت حتى صلاحيات رئيس الجمهورية،‮ ‬وجعلت منه موظفاً‮ ‬صغيراً‮ ‬يتلقى الأوامر والتعليمات من السيد القائد،‮ ‬وبذلك رفع منزلة الفقيه الحاكم إلى المطلق والإلهي‮ ‬وخلع عليه من مناقب المعصوم عن الخطأ وجعل منه ملاكاً‮ ‬طاهراً،‮ ‬ومنح المرشد صلاحيات مطلقة وحرره من قيود الفيزياء ومشاق المسافة وعاديات الزمن،‮ ‬وبذلك فإن إيران التي‮ ‬دفعت ثمناً‮ ‬باهظاً‮ ‬لنيل حريتها،‮ ‬وبذلت من أجل ذلك طابوراً‮ ‬من الشهداء،‮ ‬استبدلت الإمبراطور البهلوي‮ ‬بالعمائم المتبجحة بسلطتها الإلهية المطلقة،‮ ‬فالفقيه صاحب القول الفصل بجميع قضايا الدولة،‮ ‬وهو من‮ ‬يحدد الإطار العام لسياساتها الداخلية الخارجية،‮ ‬وغليه ترجع مقاليد الأمور العسكرية‮. ‬
وقال الراوي‮ ‬إن الخلافة والإمامة أو فلسفة الحكم السياسي‮ ‬في‮ ‬الإسلام،‮ ‬كانت إحدى الجدليات الفكرية التي‮ ‬حظيت بعناية علماء الأمة،‮ ‬من الفقهاء والفلاسفة وأصحاب الكلام ومؤرخي‮ ‬الفرق والمقالات،‮ ‬فيمن‮ ‬يتولى شؤون الحكم،‮ ‬وقيادة المجتمع،‮ ‬فالضرورة الشرعية تقضي‮ ‬شروطاً‮ ‬لازمة في‮ ‬عقد الرئاسة للحاكم الأعلى للدولة،‮ ‬ومن هذه الشروط الواجبة كمال العقل،‮ ‬وسلامة البدن،‮ ‬والعلم والتقوى والنزاهة،‮ ‬وكرم النفس،‮ ‬وأصالة الرأي‮ ‬ورجاحة التفكير الخ،‮ ‬وبغير اجتماع هذه الصفات الملزمة،‮ ‬أو بنقص واحدة منها،‮ ‬لا تنعقد الرئاسة‮. ‬
وكان بمقدمة القضايا التي‮ ‬تناولها الخميني‮ ‬في‮ ‬أطروحاته النظرية حسب الراوي،‮ ‬وجعل منها قضيته الأولى،‮ ‬وأعاد بسطها في‮ ‬كتابه المعروف بـ‮”‬ولاية الفقيه‮” ‬أو الحكومة الإسلامية،‮ ‬في‮ ‬مقابل نظرية‮ ”‬التقية والانتظار‮” ‬التي‮ ‬تحرم إقامة الدولة أو القيام بالثورة أو ممارسة أي‮ ‬نشاط سياسي‮ ‬إلا بقيادة‮ ”‬الإمام المعصوم‮” ‬المعين من قبل الله تعالى‮. ‬
ورفض الخميني‮ ‬النصوص المثبطة التي‮ ‬جاء بها أصحاب نظرية‮ ”‬الانتظار‮”‬،‮ ‬مستعيناً‮ ‬بتأويل النصوص لتخطي‮ ‬الانتظار والقول بوجوب إقامة الدولة في‮ ”‬عصر الغيبة‮”‬،‮ ‬وفي‮ ‬إثبات عدم جواز انتظار‮ ”‬الإمام الغائب‮”‬،‮ ‬الذي‮ ‬قد تطول‮ ‬غيبته آلاف السنين،‮ ‬كما قال الخميني‮.(‬1‮)‬
كما إن الصراع بين الإخباريين والأصوليين‮ (‬2‮)‬،‮ ‬لم‮ ‬يكن صراعاً‮ ‬هامشياً‮ ‬حول أمر جزئي‮ ‬بسيط،‮ ‬إنما كان‮ ‬يتعلق بأمر أساس‮ ‬يدخل في‮ ‬موضوع عقائد الشيعة،‮ ‬وكان في‮ ‬حقيقته صراعاً‮ ‬بين الخط المتمسك بنظرية‮ ”‬الانتظار‮” ‬بالتحديد،‮ ‬وبين الخط الشيعي‮ ‬المتحرر من شروط الإمامة المتصلبة كالعصمة والنص،‮ ‬والمتحرر من نظرية‮ ”‬الانتظار‮”. ‬
وكان الفكر الإخباري‮ ‬يعطي‮ ‬للإمام مهمات كبرى،‮ ‬في‮ ‬مقدمتها التشريع بالمسائل الحادثة التي‮ ‬لا توجد في‮ ‬القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة،‮ ‬ويقول‮ ”‬إن الإمام المعصوم‮ ‬يحصل عليه من الله مباشرة بصفة أو بأخرى‮”‬،‮ ‬وثاني‮ ‬هذه المهمات تنفيذ الشريعة الإسلامية وتطبيق أحكام الدين،‮ ‬وثالثها قيادة المسلمين في‮ ‬شؤونهم الدينية والدنيوية‮. ‬
والفكر الإخباري‮ ‬يحصر مهمة الإمامة في‮ ”‬الأئمة المعصومين المعينين من قبل الله‮”‬،‮ ‬ولا‮ ‬يجيز لأي‮ ‬شخص‮ ‬غيرهم أن‮ ‬يتولى شيئاً‮ ‬من ذلك،‮ ‬وكان من الطبيعي‮ ‬والضروري‮ ‬أن‮ ‬يؤدي‮ ‬الفكر الإخباري‮ ‬إلى حتمية افتراض وجود الإمام الثاني‮ ‬عشر‮ ”‬محمد بن الحسن العسكري‮” ‬والقول بانتظاره،‮ ‬وتحريم العمل السياسي‮ ‬في‮ ”‬عصر الغيبة‮”.‬
وانطلاقاً‮ ‬من تجاوز الانتظار‮ ”‬السلبي‮” ‬إلى مبدأ الانتظار‮ ”‬الإيجابي‮”‬،‮ ‬شرع الفقيه الإيراني‮ ‬في‮ ‬تقديم رؤيته لنظام الحكم المرتقب،‮ ‬الذي‮ ‬يصفه بـ‮”‬الحكم الإسلامي‮” ‬بخلاف القدماء من متكلمي‮ ‬الإخبارية الذين كانوا‮ ‬يبررون الغيبة بالقول‮ ”‬إن الإمام موجود كالشمس وراء السحاب‮” (‬3‮)‬،‮ ‬ولذلك كان على الخميني،‮ ‬الذي‮ ‬توقع ساعة الصفر لزوال الإمبراطورية البهلوية،‮ ‬أن‮ ‬يجعل من‮ ”‬الغيبة‮” ‬الماورائية حضوراً‮ ‬مادياً،‮ ‬فالحاجة الدنيوية تقضي‮ ‬وجود‮ ”‬إمام حي‮ ‬ظاهر متفاعل‮ ‬يقود الناس ويطبق أحكام الدين‮”‬،‮ ‬ولذلك جاءت ولاية الفقيه،‮ ‬إيذاناً‮ ‬للتخلي‮ ‬عن الشروط المثالية المستحيلة،‮ ‬باللجوء إلى‮ ”‬ولاية الفقيه العادل‮”‬،‮ ‬تلك النظرية التي‮ ‬تجسدت عملياً‮ ‬في‮ ‬تجربة الجمهورية الإسلامية في‮ ‬إيران‮. ‬
وأضاف الراوي‮ ‬إن الخميني‮ ‬الذي‮ ‬رفض مثالية الانتظار،‮ ‬وعزف عن الترقب السلبي،‮ ‬عاد ليرفع منزلة‮ ”‬الفقيه الحاكم‮” ‬إلى المطلق اللامتناهي،‮ ‬وأسقط على شخصه من مناقب‮ ”‬المعصوم‮” ‬وسجاياه ما‮ ‬يجعل منه ملاكاً‮ ‬طاهراً،‮ ‬ومنحه من الصلاحيات الكونية ما‮ ‬يفوق صلاحيات الرسل والأنبياء،‮ ‬وعلى هذا النحو قدم الخميني‮ ‬مشروع الدولة،‮ ‬وأفتى بتفرد‮ ”‬نظام الولاية‮” ‬عن سائر الأنظمة السياسية في‮ ‬العالم‮.(‬4‮)‬،‮ ‬غير أن هذا الامتياز الذي‮ ‬أضفاه على حكومته المثالية،‮ ‬لم‮ ‬يمس بالواقع وفي‮ ‬التجربة العملية حقائق الحياة اليومية للمواطن الذي‮ ‬يتطلع إلى حقوقه العامة،‮ ‬من الحرية والأمن والرخاء المعيشي،‮ ‬وأهم من ذلك كله،‮ ‬الإحساس بالكرامة الإنسانية،‮ ‬أما على صعيد التطبيقات السياسية،‮ ‬فإن النظرية الولائية بقيت بمنأى عن تطبيق مبدأ الشورى،‮ ‬ودكتاتورية المرشد لم تدع مجالاً‮ ‬للحديث عن القيادة الجماعية،‮ ‬حتى رئيس الجمهورية منزوع الصلاحيات،‮ ‬وهو في‮ ‬الحقيقة،‮ ‬ليس أكثر من موظف صغير،‮ ‬يتلقى الأوامر والتعليمات من القائمين على‮ ”‬مكتب السيد القائد‮”!. ‬
وتابع الراوي‮ ”‬بغض النظر عن حاجات الناس،‮ ‬أو العدالة الغائبة في‮ ‬ظل الدولة‮ ”‬الولائية‮”‬،‮ ‬فالخميني‮ ‬أنشأ تجربة فريدة من نوعها،‮ ‬فالحكومة التي‮ ‬أفاض في‮ ‬الحديث عن عدالتها الأفلاطونية،‮ ‬وعن العقل الرشيد الذي‮ ‬يسير شؤونها،‮ ‬هي‮ ”‬حكومة القانون الإلهي‮.. ‬وإن الحاكم فيها هو الله وهو المشرع وحده لا سواه‮” (‬5‮)‬،‮ ‬حيال هذا التوصيف لم‮ ‬يعد المرشد هو نائب الإمام فقط،‮ ‬فالولاية بمعتقد الخميني‮ ‬تعني‮ ”‬استمرار النبوة‮” ‬باستثناء‮ ”‬الوحي‮ ‬والتبليغ‮”‬،‮ ‬ومن هنا‮ ‬يشكل الخميني‮ ‬مقدمات بناء دولة الفقيه المنتظرة لا بصفته إماماً،‮ ‬وإنما بصفته حاكماً‮ ‬مؤلهاً‮ ‬في‮ ‬زمن‮ ‬غيبة‮ ”‬المهدي‮” ‬ولكنه تجاوز فيها حتى النيابة،‮ ‬بل أصبح بديلاً‮ ‬عنه في‮ ‬تنفيذ الأحكام،‮ ”‬وإذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالم عادل،‮ ‬فأنه‮ ‬يلي‮ ‬من أمور المجتمع ما كان‮ ‬يليه النبي‮ (‬ص‮) ‬منهم،‮ ‬ووجب على الناس أن‮ ‬يسمعوا له ويطيعوا‮” (‬6‮) ‬
ويقول الراوي‮ ‬متابعة لحديثه عن إمامة الفقيه،‮ ‬إنه‮ ‬يمكن ترتيب قراءة النص وفق المعادلة الآتية،‮ ‬ثمة أربع محددات‮:‬
؟ الله تعالى ـ النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم ـ الإمام المهدي‮ ‬ـ الفقيه‮ ”‬الحاكم‮”. ‬
؟ الله الواحد الأحد الفرد الصمد المطلق الثابت الأزل،‮ ‬والنبي‮ ‬محمد عليه الصلاة والسلام،‮ ‬رحل عن الدنيا بعد إتمام الرسالة والإمام الثاني‮ ‬عشر‮ ”‬المهدي‮” ‬غائب،‮ ‬والفقيه المرشد الخميني‮ ”‬موجود‮”‬،‮ ‬والنتيجة هي،‮ ‬بـ‮”‬رحيل‮” ‬النبي‮ (‬ص‮) ‬و‮”‬غياب‮” ‬المهدي،‮ ‬والثابت الله والفقيه‮. ‬
وهذا‮ ‬يعني،‮ ‬أن الفقيه‮ ”‬الخميني‮” ‬هو كائن كلي‮ ‬متعال،‮ ‬حامل العلم الإلهي،‮ ‬ونور النبوة،‮ ‬الجامع لكمالات الدين،‮ ‬والوارث لـ‮”‬عصمة الأئمة‮”‬،‮ ‬فهو في‮ ‬هذه الحال‮ ‬يتلقى إلهاماته النورانية من الحضرة الإلهية مباشرة،‮ ‬فيصبح الناطق باسم السماء ووكيل الله في‮ ‬الأرض‮.(‬7‮)‬
وعد هذا التصور الذاتي‮ ‬اللاتاريخي،‮ ‬يكون المرشد محرراً‮ ‬من القيد الفيزيائي،‮ ‬منفلتاً‮ ‬من مشاق المسافة وعاديات الزمن،‮ ‬بهذا الرؤية المتعالية شيد الخميني‮ ‬دولته الدينية عبر الصلاحيات الآتية‮ (‬8‮): ‬
؟ تعيين الفقهاء المراقبين على صيانة الدستور والقوانين التي‮ ‬يسنها مجلس الشعب‮.‬
؟ تعيين أعلى سلطة قضائية في‮ ‬البلاد‮.‬
؟ نصب وعزل رئيس أركان الحرب‮.‬
؟ نصب وعزل قائد الحرس الثوري‮.‬
؟ صلاحية تعيين أعضاء الدفاع الوطني‮.‬
؟ تعيين قادة القوات المسلحة‮ ”‬الأرض،‮ ‬الجو،‮ ‬البحر‮”.‬
؟ إعلان الحرب والصلح‮.‬
؟ تنفيذ رئاسة الجمهورية‮.‬
؟ عزل رئيس الجمهورية إذا اقتضت مصالح الأمة‮.‬
؟ العفو عن المحكومين في‮ ‬حدود قوانين الإسلام وباقتراح من المحكمة العليا‮.‬
وأضاف الراوي‮ ‬إنه بموجب هذه الصلاحيات،‮ ‬وما نشأ عنها ورافقها من إحكام القبضة الثيوقراطية على رقاب المواطنين،‮ ‬أسفرت الثورة عن الجانب العقيم من تجربتها الاستبدادية،‮ ‬فمقابل الثمن الباهض الذي‮ ‬دفعه الشعب الإيراني،‮ ‬للفوز بالحرية،‮ ‬عبر الصفوف الطويلة من الشهداء للخلاص من الإمبراطور البهلوي،‮ ‬كان البديل ولاة طغاة استبدلوا‮ ”‬السموكنغ‮” ‬بالعمائم وهم‮ ‬يتبجحون بالسلطة الإلهية المطلقة‮.‬
وعلى الرغم من هذه الصلاحيات الطليقة فإن الإمام الخميني،‮ ‬قفز على صلاحيات مؤسسات الدولة الأخرى،‮ ‬ففرض هيمنته على مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية،‮ ‬فأقال أبو الحسن بني‮ ‬صدر رئيس الجمهورية الأول عام‮ ‬1981‮ ‬لأنه فقط حاول أن‮ ‬يخرج من عباءة السيد،‮ ‬فعد خائناً‮ ‬ومتآمراً،‮ ‬ومتمرداً‮ ‬على صاحب المقام الإلهي‮.‬
وحدث الشيء نفسه لعدد من المسؤولين،‮ ‬وبسبب فرديته المتسلطة،‮ ‬والقداسة المتوهمة،‮ ‬قام المرشد الأعلى أيضاً‮ ‬بتقريع‮ (‬خامنئي‮) ‬برسالة شديدة اللهجة عام‮ ‬1988‮ ‬وكان خامنئي‮ ‬يشغل آنذاك منصب رئيس الجمهورية،‮ ‬عندما اعترض الأخير على بعض ممارساته حين أجاز قانون العمل بعد أن عارضه مجلس المحافظة على الدستور‮. ‬
في‮ ‬هذه القضية بالذات،‮ ‬دشنت ولاية الفقيه مرحلة تعد الأخطر في‮ ‬تاريخ الثورة الإيرانية،‮ ‬بإعلان الخميني‮ ‬الحازم،‮ ‬بأن ولاية الفقيه ولاية مطلقة،‮ ‬كولاية الرسول‮ (‬ص‮)‬،‮ ‬فالولي‮ ‬الفقيه،‮ ‬معين من قبل‮ ”‬الإمام المهدي‮ ‬الغائب‮”‬،‮ ‬ولذلك لا‮ ‬يجوز الاعتراض على قراراته،‮ ‬بناء على الحديث المنسوب إلى المهدي‮ ‬الذي‮ ‬يقول فيه‮ ”‬إن الراد على الفقهاء كالراد علينا كالراد على الله‮” (‬9‮). ‬وإذا كان الفقهاء هم مرجع الأمة الأول والمسؤولون عن تصريف أمور المسلمين،‮ ‬فإنهم أيضاً‮ ”‬منصوبون للحكم،‮ ‬وإليهم فوضت الحكومة ولاية الناس وسياستهم،‮ ‬وكل من‮ ‬يتخلف عن طاعتهم فإن الله‮ ‬يؤاخذه ويحاسبه‮”! (‬10‮). ‬
وبفضل الحاكمية المطلقة رفعت الأقلام وجفت الصحف،‮ ‬فكانت بمنزلة التذكرة السحرية التي‮ ‬شرعت باب‮ ”‬العصمة‮” ‬أمام المرشد الثاني،‮ ‬وأصبح كما معلمه الأول،‮ ‬لا‮ ‬ينطق عن الهوى‮!.‬
وقال الراوي‮ ”‬بعد وفاة الخميني‮ ‬في‮ ‬حزيران‮ ‬‭,‬1989‮ ‬أجري‮ ‬تعديل جزئي‮ ‬على الدستور،‮ ‬وكانت المادة‮ ‬112‮ ‬من دستور عام‮ ‬‭,‬1989‮ ‬من أهم المواد التي‮ ‬أضيفت إلى دستور‮ ‬1989‮ ‬ولم‮ ‬يكن لها ولا للمؤسسة السياسية التي‮ ‬تتحدث عنها‮ ”‬مجمع تشخيص النظام‮” ‬وجود في‮ ‬دستور‮ ‬‭,‬1980‮ ‬الذي‮ ‬صدر في‮ ‬بداية الثورة وفي‮ ‬عهد الخميني،‮ ‬وتعكس هذه المادة أيضاً‮ ‬تكريساً‮ ‬دستورياً‮ ‬ومؤسساتياً‮ ‬لنظرية ولاية الفقيه،‮ ‬وهو أمر لم تدع الحاجة إليه في‮ ‬عهد الثورة ربما بسبب شخصية الخميني‮ ‬الطاغية،‮ ‬أو بسبب شدة معارضة المرجعيات الدينية لنظرية ولاية الفقيه في‮ ‬بداية عهد الثورة حتى مع وجود الخميني،‮ ‬في‮ ‬الأحوال كلها تجسد هذه المادة في‮ ‬الدستور الإيراني‮ ‬التوجه الثيوقراطي‮ ‬لنظام الثورة الإسلامية في‮ ‬إيران،‮ ‬وسيطرة النخبة الدينية الحاكمة،‮ ‬مما‮ ‬يقف عائقاً‮ ‬أمام أية محاولة حقيقية للإصلاح حتى لو جاءت من النخبة الدينية الحاكمة نفسها،‮ ‬وهذه واحدة من أشد العقبات وعورة التي‮ ‬تواجه التيار الإصلاحي‮ ‬الذي‮ ‬يقوده الرئيس محمد خاتمي‮ ‬هذه الأيام‮”.‬
وأضاف إن المادة‮ ‬112‮ ‬عززت موقع الرئيس أيضاً،‮ ‬من خلال دمج رئاسة الوزراء برئاسة الجمهورية،‮ ‬لكن هذا التعديل لم‮ ‬يمنع خاتمي‮ ‬الذي‮ ‬شعر بتبعيته الصارمة للفقيه،‮ ‬من السعي‮ ‬إلى تمرير قانون في‮ ‬الشورى من أجل منح الرئيس صلاحيات أكبر،‮ ‬إلا أن المجلس رفضه،‮ ‬ويمزج الدستور الإيراني‮ ‬من حيث الشكل بين المشاركة الشعبية المطبقة في‮ ‬الغرب باسم الديمقراطية،‮ ‬والحكم الديني،‮ ‬فالرئيس المنتخب والمسؤولون في‮ ‬السلطة التنفيذية‮ ‬يخضعون إلى مساءلة البرلمان،‮ ‬لكن سلطتهم لا توازي‮ ‬سلطة الولي‮ ‬الفقيه،‮ ‬بينما‮ ‬ينتخب رئيس الجمهورية لـ4‮ ‬سنوات،‮ ‬فإن الولي‮ ‬الفقيه‮ ‬ينتخبه أيضاً‮ ‬مجلس الخبراء لمدة‮ ‬غير محدودة ويمكن عزله إذا فقد أحد الشروط المؤهلة،‮ ‬ولكن منصبه أصبح أبدياً‮. ‬
ويمنح الدستور الرئيس مسؤولية تنفيذ السياسة الاقتصادية،‮ ‬وإدارة الشؤون السياسية للبلاد من خلال مجلس وزرائه،‮ ‬وهو أيضاً‮ ‬رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي‮ ‬الذي‮ ‬ينسق الدفاع الوطني‮ ‬والسياسة الأمنية،‮ ‬ويوقع الرئيس مذكرات واتفاقيات مع حكومات أجنبية وله حق الموافقة على تعيين السفراء،‮ ‬في‮ ‬المقابل،‮ ‬يمتلك الولي‮ ‬الفقيه القول الفصل في‮ ‬جميع قضايا الدولة،‮ ‬وهو الذي‮ ‬يضع الإطار العام للسياسات الخارجية والداخلية ويسيطر مباشرة على القوات المسلحة والمخابرات،‮ ‬ويعين مجموعة من أصحاب المناصب المهمة في‮ ‬الدولة مثل رئيس الهيئة القضائية ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الحكومية،‮ ‬وله ممثلون شخصيون منتشرون في‮ ‬بعض المؤسسات الحكومية والأقاليم،‮ ‬ومن أهم الإضافات التي‮ ‬جاء بها دستور‮ ‬1989‮ ‬المعدل أيضاً‮ ‬إنشاؤه ما‮ ‬يسمى مجمع تشخيص النظام،‮ ‬الذي‮ ‬أعطى القائد هيمنة مباشرة على مجلس الشورى الإسلامي‮ ‬تتعلق بوظيفته التشريعية عن طريق ممارسة رقابة دستورية على ما‮ ‬يصدره من قوانين وتشريعات،‮ ‬إضافة إلى ما‮ ‬يتمتع به القائد من صلاحيات لتحديد نوعية ومواصفات المرشحين،‮ ‬عن طريق مرجعية مجلس صيانة الدستور له‮. ‬
انظر‮ ”‬الدستور الإيراني‮ ‬طبعة طهران المعدلة‮ ‬1989‮ ‬المادة‮: ‬‭,‬112‮ ‬وراجع الفقه السياسي‮ ‬الإيراني‮ ‬المعاصر ج1‮ ‬ص‭.”‬125

الهوامش والتعليقات‮ ‬
‮(‬1‮) ‬انظر‮. ‬الماوردي‮ ‬‭-‬‮ ‬الأحكام السلطانية‮. ‬طبعة القاهرة الثانية‮ ‬1961‮ ‬ص‮ ‬5‮ ‬وما‮ ‬يليها‮. ‬القاضي‮ ‬عبد الجبار المعتزلي‮. ‬المغني‮ ‬في‮ ‬أبواب التوحيد والعدل‮ (‬الإمامية‮) ‬القاهرة‮ ‬1961‮ ‬ج القسم الأول ص‮ ‬48‮ ‬‭- ‬50‭.‬‮ ‬الأشعري‮. ‬مقالات الإسلاميين‮. ‬القاهرة‮ ‬1954‮ ‬ج2‮ ‬ص‮ ‬‭.‬13
‮ ‬راجع باقر شريف القريشى‮. ‬نظام الحكم والإدارة في‮ ‬الإسلام مطبعة النجف الأولى‮ ‬1966‮ ‬ص‮ ‬218‮ ‬‭ – ‬228‭.‬
2‭ ‬ولاية الفقيه عند الشيعة الإثني‮ ‬عشرية‮. ‬موسوعة الرشيد‮ ‬2010
‮(‬3‮) ‬الإمام الخميني‮ ‬ولاية الفقيه‮. ‬ص‮ ‬‭.‬26‮ ‬
‮(‬4‮) ‬المصدر السابق ص‮ ‬48‮ -‬‭.‬49‮ ‬
‮(‬5‮) ‬المصدر السابق ص‮ ‬‭.‬45‮ ‬
‮(‬6‮) ‬المصدر السابق ص‮ ‬‭.‬47‮ ‬
‮(‬7‮) ‬المصدرالسابق ص‮ ‬47
‮(‬8‮) ‬دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية طهران‮ ‬1980‮ ‬
‮(‬9‮) ‬زين الدين العاملي‮. ‬مسالك الأفهام طبعة‮. ‬قم‮. ‬تحقيق بإشراف السيد مرتضى المهري‮. ‬مجلد‮: ‬2‮ ‬صفحه‮ ‬284
والسيد خامنئي‮ ‬عليّ‮- ‬الإمامة والولاية‮. ‬قم‮. ‬92‮ – ‬93
‮(‬10‮) ‬عبدالستار الراوي‮: ‬الإيديولوجيا والأساطير‮. ‬وزارة الثقافة بغداد‮ ‬1988‮ ‬ص‮ ‬34‮ ‬

شاهد أيضاً

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة جابر احمد 2024 / …