بقلم: خلف أحمد الحبتور
دبي، الكويت – – كتب خلف الحبتور، رجل الاعمال الاماراتي، مقالا بالانكليزية والعربية نشر في موقع الحبتور.كوم وفي صحيفة السياسة
الكويتية، عن اقليم الاحواز/الاهواز (خوزستان) وتاريخه. يأتي هذا في ظل تصعيد اعلامي وسياسي بين بلدان الخليج وايران، على خلفية احداث البحرين و”شبكة التجسس” التي اعلن عن كشفها في الكويت مؤخرا. يقول الحبتور، الذي يرأس ايضا مجلس إدارة مجموعة الحبتور العملاقة المعروفة في دبي، في مقاله تحت عنوان “الاحواز ستبقى دائما عربية”:
في الوقت الذي يطالب فيه المواطنون في مختلف أنحاء الشرق الأوسط بالتغيير السياسي, يجب ألا يُسمَح لإيران بأن تستمر في ممارسة القمع والتمييز المنظمَين ضد نحو ثمانية ملايين عربي في الأحواز.
تبلغ مساحة الأحواز/الاهواز، المسماة خوزستان في إيران ¯ نحو 72000 ميل مربع تحدها جبال زاغروس من الشمال والشرق, والعراق من الغرب, والكويت من الجنوب. ومدنها الأساسية هي العاصمة الأحواز وعبادان والمحمرة. وقد أنعَم الله عليها باحتياطات كبيرة جداً من النفط والغاز وبأراضٍ زراعية خصبة, بيد أن سكانها العرب فقراء وأميون في غالبيتهم الساحقة, ويفتقرون إلى المؤسسات التعليمية والطبية الحديثة.
تمارس طهران التمييز بحق عرب الأحواز(عربستان) منذ احتل الشاه رضا شاه وطنهم وضمه إلى إيران في العام 1925; فهم يُعامَلون كمواطنين من الدرجة الثالثة متروكين لعيش حياة بدائية, ولا يتمتعون حتى بالحقوق السياسية الأساسية التي تحظى بها الأقلية الفارسية التي تم توطينها في الأحواز/الاهواز وتطلق هذه الأقلية على سكان الاحواز العرب اسم “الغجر”
في يونيو العام 2005, عبر مدير مؤسسة الأحواز للتعليم وحقوق الإنسان, كريم عبديان, عن محنة سكان الأحواز أمام الأمم المتحدة في جنيف, شارحاً أن الأحواز العرب مهمشون ويعانون من نقص في مياه الشرب والكهرباء والهاتف والصرف الصحي. وقال إن خمسين في المئة يعيشون في فقر مدقع, في حين أن 80 في المئة من الأطفال يتعرضون لسوء التغذية.
يعاني العرب الأحواز المحرومون من قلة في التمثيل في البرلمان الإيراني, ولا يحصلون سوى على عدد ضئيل من المناصب الحكومية ويتهمون النظام الإيراني بأنه, ومن منطلق عرقي, منحاز سياسياً واقتصادياً انطلاقاً من اعتبارات عرقية, ولذلك تطالب بعض المجموعات بتحرير الأحواز من القبضة الإيرانية واعتراف الأمم المتحدة بها دولة عربية مستقلة.
بيد أن الحكومة الإيرانية تحاول قطع الطريق أمام مطالبهم عبر إنشاء مستوطنات زراعية ذاتية الاكتفاء وإسكان إيرانيين من أصل فارسي في هذه المستوطنات للعمل فيها وتشغيلها في إطار ستراتيجية مدروسة لتغيير الطابع الديموغرافي للمنطقة.
وورد في تقرير لمنظمة العفو الدولية: “تشير التقارير والمعلومات إلى أن السلطات الإيرانية تصادر مساحات شاسعة من الأراضي بهدف حرمان العرب من أراضيهم. ويبدو أن هذا يندرج في سياق ستراتيجية غايتها نقل العرب بالقوة إلى مناطق أخرى مع تسهيل انتقال غير العرب إلى خوزستان”.
يُعتقَد أن الحكومة الإيرانية تنتهج سياسة تقوم على الاستيعاب القسري عبر محاولة القضاء على الثقافة العربية الأحوازية. فعلى سبيل المثال, تشترط السلطات الإيرانية إطلاق أسماء فارسية على المواليد الجدد العرب لإصدار وثائق ولادة لهم.
وقد وُجِّهت تعليمات إلى المدارس في الأحواز بعدم تدريس اللغة العربية التي يُمنَع أيضاً التكلم بها في البرلمان والوزارات. والإعلام العربي محظور في المنطقة. ويعتبر سكان الأحواز أن لهجتهم العربية الخاصة ببلاد ما بين النهرين والتي يتشاطرونها مع سكان جنوب العراق هي لغتهم الأم. أما الصحافيون الذين يجرؤون على انتقاد هذه البربرية الثقافية فيُزَجون في السجون.
العام 2007, مثل ستة عرب من سكان الأحواز أمام محاكم لا تراعي القوانين ومبادئ العدالة, وحُكِم عليهم بالإعدام بتهم اعتناق الإسلام السني وإطلاق أسماء سنية على أولادهم, ورفع العلم العربي الأحوازي الأبيض, واعتُبِروا بأنهم “أعداء لله” مما يشكل تهديداً للأمن القومي, وقد أدان المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي والأمم المتحدة والعديد من منظمات حقوق الإنسان بما في ذلك “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية, تلك المحاكمات وسواها من المحاكمات الصورية المماثلة التي انتهت بإعدام الأشخاص, ناهيك عن أحكام عاجلة أخرى بالإعدام.
ورغم المظالم الشديدة التي يشتكي منها عرب الأحواز على صعيدَي حقوق الإنسان والاقتصاد, بيد أنهم يظلون متمسكين بقوة بحقهم التاريخي في وطنهم الأم العربي. فقد كانت الأحواز إقليماً مزدهراً في بلاد ما بين النهرين طوال قرون, وكانت تنعم بالثروة بفضل زراعة قصب السكر. وتبين أيضاً أنها أرض خصبة للباحثين والشعراء والفنانين المسلمين.
وبإلقاء نظرة تاريخية على الأحواز, فإننا نجد أن منذ منتصف انه القرن السابع حتى منتصف القرن الثالث عشر, حكم الخلفاء الأمويون والعباسيون شعبها, وقد ازدادت أعداده بقدوم القبائل العربية المترحِّلة من شبه الجزيرة العربية. وأسفر اجتياح قام به المغول بقيادة جنكيز خان عن تدمير الجزء الأكبر من الأحواز ثم احتلها لاحقاً مؤسس الامبراطورية التيمورية, تيمورلنك, وخلفاؤه حتى مطلع القرن السادس عشر عندما سقطت تحت سيطرة السلالة الصفوية الفارسية.
باتت الأحواز تُعرَف بمنطقة عربستان التي تتمتع بحكم شبه ذاتي نحو أواخر القرن السادس عشر عندما تدفقت إليها القبائل العربية من جنوب العراق كما وصلتها عشيرة من بني كعب النافذين الذين تعود أصولهم إلى المنطقة الوسطى في الجزيرة العربية, حارب بنو كعب بقيادة الشيخ جابر الكعبي لدرء عمليات الغزو البريطانية والعثمانية. وكان الشيخ جابر حاكماً حكيماً أرسى القانون والنظام وحول مدينة المحمرة الساحلية مرفأ حراً يعج بالحركة.
في مستهل القرن العشرين, اكتُشِف النفط حول المحمرة, فلم يهدر البريطانيون وقتهم وبادروا على الفور إلى تأسيس شركة النفط الإنكليزية-الفارسية وأبرموا معاهدة للتنقيب عن النفط مع خزعل, ابن الشيخ الراحل جابر الكعبي. وقد ضمنت المملكة المتحدة أمن عربستان ووافقت على تسديد دفعات للشيخ خزعل وشاه إيران على السواء.
النفط الذي كان يجب أن يشكل نعمة لعرب الأحواز تحول في الواقع نقمة. فعندما أدرك الشيخ خزعل أن أطماع رضا شاه تمتد إلى عربستان وثروتها النفطية, تحالف مع معارضي الشاه وطلب من البريطانيين الدفاع عن شعب الأحواز ودعم انفصال المنطقة المحق واستقلالها عن بلاد فارس لتصبح دولة عربية.
لكن عندما وجدت بريطانيا نفسها مضطرة إلى الاختيار بين عربستان وطهران, نكثت بمعاهدتها مع خزعل ودعمت الشاه, لا سيما وأن لندن أرادت استقطاب إيران إلى صفها لتكون بمثابة حصن موالٍ للغرب في وجه انتشار الشيوعية السوفياتية.
العام 1924, رفع خزعل الذي تعرض للخيانة على يد إنكلترا التي طبقت نهجاً ازدواجياً, قضيته أمام عصبة الأمم لكنها رُفِضت في غياب الدعم من المملكة المتحدة. ونظراً إلى أن بلاد فارس كانت قد أصبحت عضواً في عصبة الأمم قبل ضم عربستان, ومما يترتب عليه أن طهران كانت ملزمة بالتالي بالتقيد بقوانين تلك العصبة التي تُحظر الغزو, وعليه يجب إعادة النظر في ذلك القرار غير العادل
بعد عام, أصدر الشاه أمراً بخطف الشيخ خزعل وسجنه وقتله. وبمساعدة من بريطانيا, حقق رضا شاه سيطرة مطلقة على المنطقة الغنية بالنفط وغير اسمها إلى خوزستان بعدما عُرِفت بعربستان طوال خمسة قرون. وفي المرحلة الممتدة من العام 1928 إلى 1946, أشعل سكان الأحواز تسع انتفاضات لم تتكلل بالنجاح, ومنذ ذلك الوقت رأت حركات انفصالية عدة النور, لكن الحكومة الإيرانية قضت عليها معتبرةً أنها تفتعل الشغب أو أنها تؤدي دوراً تجسسياً لمصلحة بلدان أجنبية.
اليوم, تنتج الأحواز أربعة ملايين برميل نفط في اليوم, أي 87 في المئة من الإنتاج النفطي الإيراني, إلا أن السكان الأصليين لا يُفيدون كثيراً من العائدات النفطية لناحية التوظيف والبنى التحتية والرعاية الاجتماعية. فخمسة عشر إلى عشرين في المئة فقط من العاملين في الصناعة النفطية هم من العرب, ويشغلون في شكل أساسي وظائف يدوية.
يملك نحو ثمانية ملايين عربي في الأحواز بطاقات هوية إيرانية لكنهم ليسوا فرساً. ويسري في عروقهم دم عربي مثلهم مثل العرب في دول مجلس التعاون الخليجي. لذلك أناشد الدول العربية دعوة الجامعة العربية إلى دراسة أوضاعهم ورفع حقهم في تقرير مصيرهم إلى مجلس الأمن الدولي. فالتخلي عنهم هو وصمة عار على جبين الأمة العربية التي ينتمي إليها عرب عربستان بكل فخر واعتزاز.