شاكر النابلسي
-1-
مهما حاولت السلطة السياسية في دمشق أن تفعل، فلن تستطيع أن تخطف الثورة السورية، المندلعة الآن في خشب السلطة السياسية العتيق المنخور، الذي يأكله (سوس) الفساد والطغيان .
وعود هذه السلطة، تتدفق كل يوم، وهي كلها وعود كاذبة.
وعود الحرامية، تسعى إلى اختطاف السلطة، في ليل أرادته هذه السلطة دامساً، لا بصيص نور فيه.
ولولا نار الثورة الشعبية السورية، لما تحركت هذه السلطة، وقدمت الوعد الكاذب تلو الآخر، وطلبت من الثوار الأحرار العودة إلى بيوتهم، لتعتقلهم بزوار الفجر، وترميهم في صحراء بادية الشام، بعد سلخهم في “سجن تدمر” الصحراوي الشهير، لتفترسهم الضواري، كما افترست من قبلهم زعماء سياسيين معارضين، خدعتهم السلطة، فاستسلموا لها، ولاقوا حتفهم.
-2-
أيها الثوار السوريون: الاستسلام للسلطة، يعني نهاية الثورة الشعبية، وستلقون بعدها حتفكم، حيث ستمضون سنوات طويلة في “سجن تدمر”، دون محاكمة، ثم يُرمى بكم في صحراء بادية الشام، لكي تفترسكم الضواري.
فلا تستسلموا، واستمروا في ثورتكم المباركة، أحراراً منتصرين.
-3-
يا ثوار سوريا الأحرار.. استمروا.
فأنت روح العرب والعروبة.
سوريا “بيضة قبَّان” العرب.
إذا صلُحت صلُح العرب، وإذا خرُبت خرُب العرب.
وعندما خرُبت سوريا منذ 1970، ومنذ أكثر من أربعين عاماً، خرُب العرب.
اختُطفت سوريا من قبل إسرائيل وإيران.
واختُطف لبنان من قبل إسرائيل وسوريا.
واختُطف العراق من قبل سوريا وإيران.
وعمَّت الفوضى في العالم العربي.
-4-
وعود السلطة بالتغيير والإصلاح، قيلت لكم – كذباً وبهتاناً – منذ عام 2000 أي منذ عشر سنوات.
فماذا تمَّ منها حتى الآن؟
والسلطة معها الحق كل الحق في الكذب والتدليس.
فالتغيير يعني نهايتها.
والإصلاح يعني كشف مؤخرتها القبيحة.
فكيف نريد من السلطة الإصلاح والتغيير؟
لقد قال لنا في الأمس العفيف الأخضر:
“كان الاستبداد المستنير، يسترشد في سياسته بالفكر الفلسفي والاقتصادي لعصره، فوجد في فلاسفة التنوير سنداً ثميناً ساعده على تحقيق انجازات اجتماعية، حملت بذور زواله.”
فكيف نريد من سلطة فاسدة أن تحمل بذور زوالها؟
ولهذا فالسلطة في سوريا، وضعت التنويريين السوريين في السجون، وأحرقت زهور ربيع دمشق عام 2000، واستمر الحريق حتى 17/2/2001.
وتحوّلت سوريا من بستان للمشمش وحديقة للياسمين، إلى مزرعة لأبقار (آل مخلوف)، و(آل الأسد).
-5-
على السلطة في سوريا أن لا تقرأ نداء العفيف الأخضر، في بيانه إلى الحكام العرب، ودعوته لهم إلى “الفرار قبل القرار”.
فما الفائدة؟
فلا حياة لمن تنادي، يا أخضر!
وما لجرح بميت إيلامُ!
وماذا يصنع العطَّار (العفيف) فيما أفسده الدهر (السلطة)؟
يصرخ العفيف في واد، وينفخ في رماد، ويُقلِّب في الكتاب، ويقول:
“القرار الوحيد والشجاع حقّا هو الفرار، منذ أول مظاهرة جديّة، وبلا إراقة قطرة دم واحدة.
لماذا؟
لأنه، كلما طال الصراع مع شبابكم المتميّز غيضاً وغضباً، تجذّر، واتّسع، وتعاظمت حظوظ الاحتمالات الكارثية، التي قد يُسفر عنها رحيلكم كارهين. فليكن شعاركم الوحيد :
“بيدي لا بيد عمرو”.
فالشجاعة أيضاً، هي أن يعرف القائد البعيد النظر، كيف يفرُّ من هزيمة محتومة، للحدّ من الخسائر.
وإصراركم على شجاعة اليأس، سيعطي شرعية لأكثر الشعارات راديكالية، ولأكثر خصومكم تطرّفاً.”
ويضيف العفيف، محذراً الأنظمة العربية الباقية، من رشوة العامة، بالوعود الكاذبة، وبسلال المُشمُش والتين المليء بالدود، وعلى رأسها النظام السوري:
” التنازلات الظرفية المتأخرة، لن تقطع الطريق على الأرجح على الانتفاضة. التنازل الوحيد المطلوب منكم، هو التنازل عن كراسيكم.”
-6-
السلطة السورية، منذ عام 1970، وخلال أكثر من أربعين سنة، كانت تدير الأزمات في سوريا، ولا تتصدى لحلها. والسبب في ذلك أنها سلطة غير قادرة على حلِّ الأزمات، بل وجودها هو سبب الأزمات.
فالسلطة القادرة على حلِّ الأزمات، يجب أن تكون سلطة منتخبة انتخاباً نزيهاً وشفافاً من الشعب، وتؤمن، وتنفذ تداول السلطة، وتتبنى التعددية وقرار المؤسسات الدستورية، وتفصل السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية عن بعضها فصلاً تاماً.. الخ.
فأين سلطة دمشق من هذا كله؟
وكيف نريد من هذه السلطة، أن تتصدى لحل المشاكل، وهي السلطة المشكلة بحد ذاتها، التي جاءت بمشاكل لسوريا ولبنان معاً، وربما أيضاً بمشاكل لفلسطين كذلك.
يقول المفكر التونسي العفيف الأخضر:
“في الدولة السلطوية autoritaire خاصة، تقوم شرعية الانجازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كبديل مقبول مؤقتاً للشرعية الديمقراطية الغائبة . ولكن عجز الدولة السلطوية – كما هو الحال في سوريا – عن حل النزاع العربي – الإسرائيلي، أصاب شرعية انجازاتها في مقتل.
لماذا؟
لأن الشعب انتظر تخليصه من عقدة الدونية، التي تؤرقه جرَّاء هزائمه الجارحة، أمام إسرائيل. فلم يتم تخليصه.
ولا يمكن لأي حكم أن يدوم بلا شرعية.”
-7-
منذ أكثر من أربعين عاماً، وحزب البعث يحتكر السلطة. فسوريا تعمل بخمسة أجهزة أمنية على الأقل، ومحكمة عسكرية، ومحكمة لأمن الدولة. والمادة (16) تعفي عناصر الأمن من المحاسبة عن الجرائم التي يقترفونها بحق المعارضة، كما يجري الآن في الثورة الشعبية السورية، التي يحاول النظام بالوعود الكاذبة، وبمعسول الكلام المُسمم اختطافها، ودسها في إسته.
وبدون استمرار ونجاح الثورة الشعبية السورية، سيظل النظام قائماً.
وسيظل حزب البعث، الحزب الأحد، والوحيد، والأوحد، والمتوحد، يحكم سوريا بالحديد والنار، وبالصوت الواحد، والسوط الجالد، لكل معارض، وخارج.
ويا ثوار سوريا الأحرار .. الشرفاء.. استمروا.. تقدموا، فبدمائكم يُكتب الآن تاريخ العرب الجديد.
السلام عليكم