الاستبداد الايراني طبيعته و سماته ‏

الاستاذ جابر احمد نظرية الاستبداد الايراني-jaber-ahmad

لقد تحدث  عن هذه النظرية  الكثير من علماء الاجتماع  الايرانيين و غيرهم  ومن بينهم الدكتور محمد همايون  كاتوزيان  في كتابه ” الاقتصاد السياسي الايراني ، من ثورة  الدستور  حتى سقوط الاسرة  البهلوية ” و الكتاب الف بالاساس باللغة  الانجليزية  و ترجم  من قبل كل من  محمد رضا نفيسي  وكامبيز عزيزي  الى الفارسية و قد اعتمد المؤلف  في وضع نظريته  على مجموعة من الاسس   يمكن  تلخيصها وترجمتها  على النحو التالي :

1-    ان الاقطاع في ايران  لا يشبه  لا من بعيد ولا من قريب  الاقطاع الاوروبي  لان القسم  الاعظم من الارض هي  اراض  اميرية  اي اراضي  تعود ملكيتها للدولة ، اما ما تبقى من الارض فتمنحه الدولة  طواعية  لمن تشاء و تسترجعها ممن وهبته له  بنفس السرعة وتهبها الى شخص اخر  ، من هنا  فان صاحب الارض  لايحق له  تملك الارض كما هو الحال في اوروبا  ،  لان ماحصل عليه هو  امتياز وهبته له  الدولة و سوف تسلبه  منه متى تشاء .

2-    خلافا لما هو عليه في اوروبا  فان الطبقة الارستقراطية  في ايران  لا تستطيع  توريث  ملكيتها  الى ابناءها  بينما  يستطيع المالك  الاوروبي توريث ارضه  لابنائه من بعده جيل بعد جيل ،  لان في ايران السلطة الاقتصادية والسياسة  لاصحاب  الارض مرهونة  بارادة الدولة  و سماحها .

3-    الدولة في ايران  لا تمثل اي طبقة   بدء   من التاجر والكاسب والمهني والى الرعية،  فان هذه الطبقات بغض النظرعن   كونها واقعة تحت سلطة  الطبقات العليا ، الا  ان  الجميع واقع  تحت سلطة  الدولة  وعلى ضوء ذلك ليس لهذه الطبقات اي حقوق  ازاء  الدولة .وهذا لا يعني  ان  في ايران ليس هناك استغلال ، في الحقيقة  فان الدولة كونها تحتكر  ملكية الارض  فانها تستغل الجميع .

4-    على كل حال كانت الدولة في اوروبا تعتمد  على  الطبقات ، في حين في ايران  فان الطبقات  تعتمد على الدولة وفي اوروبا كلما كانت  الطبقة تحتل مكانا متقدما  كانت الدولة تستند عليها اكثر ، في حين ان في  ايران على العكس من ذلك  كلما كانت الطبقة تحتل مكانا متقدما كانت تعتمد على الدولة .

5-    الدولة في ايران هي فوق  الطبقات ” يعني فوق المجتمع  وليس فقط في قمته.

6-    وفي النتيجة ليس للدولة  خارج اطارها اي شرعية   دائمة وتستمر شرعيتها من قوتها  في ادارة البلاد .

7-    لذلك لا يوجد  اي قانون  او دستور  بامكانه  ان يحدد صلاحيات الدولة  و القانون هو وجهة نظر الدولة ورائيها   التي بامكانها ان تغيره في اي  لحظة  وهذا هو المعني الدقيق للاستبداد . وليس الديكاتورية  لأن الديكتاتورية  في  المجتمعات  الاوروبية هي  نتاج  مجتمع سياسي  يستند على الطبقات  الحاكمة ، اما الاستبداد في  دول مثل ايران لا يستند لا على الطبقات و لا  يحدده دستور او قانون .

8-    بما ان الدولة  في الاساس تحتكر كل  الحقوق  فان كل  الواجبات  تقع   على عاتقها  ، وايضا على العكس من ذلك  بما ان  المواطنين ليس لهم اي حقوق ، فلا يرون انفسهم ملزمون باي واجب تجاه الدولة ، وان افراد المجتمع بغض النظر عن تنقاضاتهم  واختلاف المصالح فيمابينهم  كانوا” كمجتمع ” غرباء عن الدولة  ورغم ذلك  فانهم  في تناقض معها  ، من هنا  فان الجميع  اثناء ضعف الدولة  اما ان يحطمونها  او لا يدافع عنها على الاطلاق  .

9-    في ظل نظام كهذا لا يستطيع   الرأسمال بشقيه  الزراعي و التجاري ان ينمو  وليس هناك امكانية  لظهور صناعات جديدة ، فالتجارة الخارجية والداخلية  كانت موجود في ايران على نطاق واسع   قبل نمو الراسمالية في اوروبا  ، الا ان الراسمال  لم يستطع ان يتراكم   لان  تراكم  راسمال  شرط لظهور الراسمالية  ولم  يتحقق ذلك في ايران ، والسبب حق  الملكية  المفقود بسبب فقدان الامن و القانون .

10-  اوجدت مجموعة  سمات النظام الاستبدادي  حراك كبير للطبقات  الامر الذي سمح لمن هب ودب  ان يصبح وزيرا وحتى ملكا  يعمل بالامة  مايريد دون رادع من قانون . **

11-   وفي النتيجة  كان المجتمع  هو مجتمع  ما قبل ” القانون “و  قبل السياسة   التي كانت متدوالة في ايران  ولكن عندما ناضل انصار الدستور  في ايران من اجل وضع دستور كانوا  يعتقدون  انه على غرار الدساتير الاوروبية وهو ما  ليس موجود في ايران  من هنا اعتبروا مصطلح سياسة مصطلح قديم . لان استخدامه  في اوروبا  يختلف عما هو عليه في ايران  لذلك في بدايات  القرن التاسع عشر استعيض بدلا عنه بمصطلح  ” بليتيك ”  الا ان  تمت ترجمته فيما بعد الى سياسة .

12-  سقوط الدولة  الاستبداية لا يؤدي بالضرورة  الى سقوط الاستبداد  لانه ليس هناك  تصور  لبديل  للنظام  المراد اقامته و ليس هناك ضوابط او ميكانيزمات  لانتقال السلطة ،  لان حادثة من هذا القبيل  والتي تقع اثر فتنة  او انتفاضات  او ثورات  او اضطربات داخلية  او تدخلات خارجية  سوف تؤدي الى الفوضى  و الى  الاقتتال و النهب  حتى يزيل احد اصحاب السلطة الاخر  و يضع محله دولته  الاستبدادية .

13-  ان نظرية ” المؤلف ”   باختصار قائمة  على ان ايران اراض واسعة  وما عدى منطقة او منطقتين منها   فان اغلب اراضيها قاحلة وتعاني من شحة المياه ، يعني  في الواقع عامل  ضعف الانتاج هو  المياه  وليس الارض و في النتيجة  فان قراها . اولا:  ليس لديها  فائض من الانتاج .  وثانيا  بعيدة عن بعضها البعض  من هنا فان مجتمعها مجتمع  يعاني من العطش ” مجتمع جاف ” و متفرق ، و ليس بالامكان  انطلاق من وجود ملكية  القرية  او عدة قرى  ان ينشاء نظام  اقطاعي  مستقل،  من جهة اخرى فان قوة عسكرية  متحركة  تستطيع  ان  تجمع  فائض الانتاج  من قسم كبير من  الارض   ونتيجة لحجم الجباية  لهذا الفائض  ممكن تتحول هذه المجموعة الى دولة.

14- نأمل ان لا يقودنا الحديث  بأنه لا توجد طبقات في ايران ، هذ الطبقات هي موجودة  ولكنها خلافا لما هو موجود في  المجتمعات الاوروبية  واقعة تحت قبضة  السيطرة الحكومية بشكل كامل  و ليس لها  اي حقوق  قانونية اساسية  ثابتة ، فالملكية ليس حق مكتسب و انما امتياز  تمنحه الدولة  لمن تشاء و تسحبه ممن تشاء .

الاستبداد النفطي  :

يقول المؤلف لا احد يستطيع   نكران التحولات  الاقتصادية و السياسية التي شهدتها ايران في القرن العشرين ، فعلى سبيل المثال بعد انتصار ثورة الدستور ، واعترافها بحق الملكية  حصلت  الطبقات المالكة للارض  والتجار  من الناحية الاجتماعية  على سلطات اكثر  الا ان نظام  رضا شاه الاستبدادي بانقلابه على هذه الثورة وخاصة بعد عام 1913  هجرية قمرية  1924  ميلادية   اوقف هذه السلطات .  و بعد   ان تبوء الشاه الابن   قويت  شوكة  الطبقات  المالكة للارض ( الاقطاع )  وازاد نفوذها  السياسي و الاجتماعي  اكثر من اي  طبقة اخرى  ولكن بعد  الثورة  البيضاء التي قام بها الشاه محمد رضا البهلوي في الستينات اضمحل  نفوذ  هذه الطبقة  و الفئات المتربطة بها  نهائيا،  ومرة اخرى عادت الدولة  لتكون فوق المجتمع ،  و لم يكن لاي طبقة  اجتماعية دور في المشاركة في السلطة  وهكذا  ظهر الاستبداد النفطي  منذ عام 1342 هجرية قمرية الموافق  لعام 1963 ميلادية حيث لعب النفط  من الناحية  الاقتصادية  دورا مهما  خلال تلك المرحلة ،  رغم  ذلك لم تساعد عائدات البترو دولار  النظام  الشاهنشاهي ان يخطوا خطوة واحدة  جادة على طريق  تصنيع البلاد  وقد اعتمدت  البلاد كليا على واردات البترول  التي  كانت تصرف  على الجيش و التعليم و الصحة وعلى جهاز الدولة البيروقراطي   ناهيك  عن تذبذب  اسعاره ، اما الاسعار الصافية  غير النفطية  فهي الاخرى  تراجعت  في الستينات و السبيعينات  الى درجة كبيرة   وفقد وصلت  عام  1356  الموافق 1977  الى 2%  فقط . ان مايقارب  98% من صادرات ايران في عهد الشاه  في تلك الفترة كانت   تؤمن من النفط والغاز  اما ما تبقى وهو 2%    فهو من الصناعات  التقليدية و بعبارة اخرى ان الصناعات الحديثة  من كل الصادرات الايرانية  لا تشكل الا 05% .

ويضيف المؤلف لم تبقى هذه المعادلة على حالها  فقد شهدت ايران بعد عام  1977 بل شهدت    بعضا من التحولات، حيث شكل النفط والخدمات  ما يقارب  70%   من ميزانية الدولة   اما  30 % الباقية  فكانت تؤمن من  المنتجات الصناعية  سواءا التقليدية منها او الحديثة وخاصة المنتجات الصناعية الحكومية  . وفي الفترة  من عام  1342 – 1953 م الى  1356 – 1977 م ازداد  كل الاستهلاك  الخاص  ما يقارب  ستة مرات  في حين وخلال نفس المدة  ازداد كل  الاستهلاك  الحكومي 25 مرة .

و من خلال ما  تقدم  يرى المؤلف ان عائدات البترو دولار  لم يعد بوسعها  ان تراكم  شيئا من الراسمال والذي هو حسب المعادلات الاقتصادية  السبب  الرئيسي في نشوء النظام الرأسمالي وما رافقته من تطورات،ان الفرق بين  ديكتاتورية   هتلر و استالين و استبداد  الشاه  كون الاول  خلق  اكبر ثاني دولة عظمى في العالم و الثاني  جعل من المانيا  اكبر  بلد صناعي -عسكري  في حين  نظام  الشاه  دفع البلاد الى ازمة خانقة شملت كافة جوانب المجتمع الايراني  الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية والاخلاقية ، اي بفضل استبداده دفعها الى حافة الافلاس  الامر الذي نتج عنه  تمرد الجماهير على نظامه  الفاسد .

خاتمة المترجم  :

لقد كانت الثورة الايرانية من اهم الثورات  التي وقعت في نهاية القرن العشرين  الا ان هذه الثورة  لم  تحقق الا  القليل  من اهدافها وفي  لغة السياسة ان اي ثورة  لا تحقق اهدافها فهي ثورة فاشلة وبذلك  تحولت  ايران  من الاستبداد  الذي كان يستمد قوته  من  النفط الى الاستبداد  الذي  يستمد قوته من  النفط و الدين معا  .

لقد بدأت ايران ثورتها الوطنية  و الديمقراطية  منذ اوائل القرن العشرين الا ان  هذه الثورة واثناء مسيرتها  اعترها الكثير من الهبوط والنزول و لم تستطيع انجاز مهماتها  حتى يومنا هذا  والسؤال  الذي يطرح نفسه متى وكيف تستطيع هذه الثورة  تحيق اهدافها  ؟ هذا ما سوف تجيب عليه  التطورات التي سوف تحدث في    المستقبل .

هامش :

* قادني  الحديث مع احد الاخوة   من ابناء الشعب العربي الاهوازي  الى  استفحال ظاهرة الاستبداد  في منطقتنا وذلك على ضوء الاحداث  الجارية  في كل من ايران و بعض البلدان العربية ،  حيث  تحدث اثناءها الاخ المذكور عما  اسماه ”  بثقافة الاستبداد في الشرق  الاوسط  ”  وقد راي المتحدث  ان مجتمعاتنا  تروج  لاصحاب  هذا الاستبداد   و تطلق عليهم   اسماء متنوعة  مثل  ”  الامام ” و ” السيد ” و الشيخ ” و”الزعيم ”  وغيرها من الالقاب  سواءا  اكانت هذه الالقاب ذات دلالات دينية  او   سياسية  اواجتماعية  ، واثناء حوارنا  بينت له  ان ما تحدث عنه  يرجع مرده الى شكل نمط الانتاج القائم في هذه البلدان الذي اسماه منظري الاشتراكية الاوائل ” بنمط الانتاج الاسيوي ” ، و شكل الدولة  المنبثقة  عنه و التي تمثلت  بالقوة و السطوة  من اجل  فرض اراداتها على المجتمع ، وان هذا الاستبداد هونتاج الظروف المناخية  والطبيعية الصبعة  السائدة في هذه البلدان ، حيث  جعلت  على  الانسان الدخول  منفردا في تعامله مع الطبيعة  واستغلالها امرا مستحيلا ، الامر  تطلب   تنظيم  المجتمع  وبالتالي ومع مرور الوقت  ادى هذا التنظيم  الى  قيام دولة  استبدادية قوية   ،  على سبيل المثال تطلب   بناء  حضارات بلاد ما بين النهرين وعيلام  والاهرامات  واقامة  الجسور و شق الطرق و حفر القنوات وغيرها  زج الكثير من افراد المجتمع  في العمل  واي عمل انه عمل السخرة  و الاعمال الشاقة الاخرى .

الاستبداد ظاهرة عالمية :

من وجهة نظري  ان الاستبداد ظاهرة عالمية ولا تخص  قارة  دون اخرى  و قد عانت منه تاريخيا  الكثير من  شعوب  العالم  ، وما يعرف بالاستبداد الايراني  لا يختلف  في شكله ومضمونه عن “الاستبداد الشرقي ” ،   لكن  يبقى  اقسى انواعه  هو ذلك  الناتج  عن  الاحتلالات  التي شهدتها  بلدان العالم ، حيث مارس المحتل اشد  انواع الاستبداد و احطها اشكالا  على مواطني  هذه البلدان، حيث بقي هذا    الا ستبداد  فترة  طويلة وقد زال عن البعض  الا انه ما زال جاثما على صدور البعض لآخر  و لعل  ابرزمظاهره بالنسبة لنا نحن ابناء   الشعب العربي في عربستان – الاهواز –   هو ما عانيناه على يد الانظمة المتعاقبة على دفة   الحكم  في ايران

**رضا شاه  من  جندي بسيط  في الجيش الى  رئيس للوزراء  و من ثم نصب نفسه فيما بعد ملك على ايران، و الخميني اثناء اختلافاته مع خصومه  قال انا سوف اعين  الوزراء .

شاهد أيضاً

القضية الأهوازية وانتفاضة تغيير النظام في إيران

ورقة صالح حميد في ندوة ” لا ديمقراطية بدون حقوق القوميات في إيران” لندن – …