الکاتب:عمار تاسائي
المطلع علي تاريخ منطقه الشرق الاوسط وخاصة دول الخليج والعراق وايران يعرف جيدا ان التطوروافرازات الحداثة والتقنيه لم تعم هذا
الدول الا بعد نهاية الحرب العالمية الاولي.
فترة الاستقرار التي حصلت في تلک السنوات بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، شهدت نهوض دول حديثة و تأسيس مدارس و مراکزصحية وجامعات وتدشين سکک الحديد ومحطات الاذاعة والسينما و لم تکن ايران و عربستان استثناءا عن هذه الدول و انها تزامنت هناک مع بسط الحکومة الايرانية سلطتها علي عربستان و شروعها في مشاريع اقتصادية و سياسية شتي کانت تحمل اهداف معلنة و غير معلنة!
شهدت ايران في هذه الحقبة تطورات جذرية غيرت الکثير من المعادلات السياسية داخل ايران، فنمط الحکم تحول من الممالک المحروسة، الذي کان نوع من الفيدرالية التقليدية، الي نظام ملکي يحکمه حاکم مستبد باساليب بوليسية و تحولت السلطة السياسية و مراکز صنع القرار الي العاصمة بصورة کاملة و قبل ذلک کان موزعة علي الاقاليم الايرانية التي کانت تتمتع حکوماتها بصلاحيات واسعة.
کما ارادت الحکومة ان تحول ايران من دولة متخلفة الي دولة متطورة و صناعيةعبر ما کان يعتقد به منظرو النظام الايراني ايام رضاخان اي انه علي الايرانيين استنساخ النمط الغربي للتطورو الحداثة بما فيه و تطبيقه في ايران لذلک تم استبدال الملابس التقليدية بالملابس الغربية و ُمنع الحجاب و بدأ استيراد الصناعة و بناء المدارس و الجامعات و المعاهد و غيره.
اهملت النخبة الايرانية و بتبعها الحکومة دور الفکر في بناء وترسيخ الحداثة و لم تعراي اهتمام لأسس الفکرالايراني الذي ينتظم عليها کل شئ او ربما من الافضل ان نقول انها اي النخبة الايرانية اخطاءات في معرفة الفکر الايراني و مرجعياته و تبعا لذلک لم يتم تعيين اي دور للفکر في مسيرة الحداثة و التنمية في ايران و ربما ارادت الحکومة بتلک الخطوة بناء دولة صناعية علي نمط المانيا المستبدة انذاک جاهلة او متجاهلة الفرق الشاسع بين المانيا و ايران من الناحية المعرفية و الفکرية!
اليوم بعد مضي اکثر من ثمان عقود علي بدء مشروع رضاخان و ابنه محمدرضا شاه لتطوير ايران و تحويله الي دولة صناعية، لم يعد يساورالشک اي مطلع علي الشأن الايراني ان ذلک المشروع فشل برمته و لم يحقق اي من اهدافه الا انه استطاع ان يحدث طفرة کبيرة في المجتمع الايراني ويخدش ملامحه الاجتماعية و الاقتصادية، فمثلا لا احد يستطيع ان ينکر التطور الذي حققه المشروع في قطاعات التعليم و الصحة و الطرق و المواصلات و غيره. کما ان هناک فرق شاسع بين ايران في العهد القاجاري و ايران ايام الشاه الاول و الثاني و لو ان التطور الذي حصل لا يخلو من اعراض جانبية کتدمير الزراعة التقليدية و تدمير القري و الارياف و هجرة اهلها الي المدن.
الذي يهمنا هنا و الذي نريد معرفته هو دور العرب الاهوازيين في مشروع تطوير ايران المنقوص الذي ُفرض عليهم و تبعاته عليهم بعدما قام بتنفيذه رضاخان و ابنه بعد تقويض الحکم القاجاري في ايران؟ و ما هي تبعات هذه المشروع علي الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية لعرب الاهواز و کيف غيّر نمط الحياة و السلوک الاجتماعي لدي الاهوازيين.
لاشک ان الاهوازي و العائلة الاهوازية و نمط الحياة تحول علي اثر تقويض الحکومة المحلية العربية و استبدالها قسرا بحکومة غير عربية! خاصة و ان هذه الحکومة الجديدة استهدفت المواطن الاهوازي و جاءته بطرق مدروسة للقضاء علي هويته.
ان المشاريع التي قامت بها الحکومة الايرانية في عهد رضاخان شملت قطاعات عدة، کان مشروع تدشين السکک الحديدية اهم مشروع قامت به الحکومة الايرانية لانه ربط المدن الايرانية بالاضافة الي عربستان بالعاصمة طهران وقبل ذلک حسب ما ورد في کتب التاريخ کان السفر الي المدن الايرانية و خاصة العاصمة غاية في الصعوبة نظرا للطريق الوعرة بين عربستان و طهران.
يبدو ان حکومة رضاخان تقبلت القيام بمثل ذلک المشروع بايعاز من النخبة الايرانية التي کانت تمد رضاخان بالافکار و الاراء لبناء الدولة الايرانية و من المؤکد ان توحيد ايران و دمج الشعوب الايرانية کان احد اهم اهداف مشروع سکک الحديد الايرانية. سهل القطار السفر و نقل البضائع من و الي عربستان و بذلک تمکنت الحکومة من بناء المشاريع الاخري و نقل الموظفين و العمال من و الي الاقليم.
بناء المدارس وتدشين جامعة الاهواز و الجسر الهلالي و مخزن القمح الکبير في الاهواز و دوائر اصدار الهويات المدنية و التجنيد القسري بالاضافة الي المعسکرات و مخافر الشرطة کانت اهم مشاريع الحکومة الايرانية في عهد رضاخان.
بالطبع ان هذه المشاريع تتطلب عمال و موظفين و العرب الاهوازيين غير قادرين علي العمل في هذه الاماکن لعدم تمکنهم من اللغة الفارسية، لذلک اوفدت الحکومة عدد غير قليل من الفرس من طهران و المدن الايرانية الاخري الي عربستان و وزعتهم علي الدوائر و الشرکات و المخافر و المعسکرات، الامر الذي غيّر الترکيبة السکانية في عربستان. کانت الترکيبة السکانية في عربستان(اي الجزء الجنوبي لما يعرف اليوم بخوزستان) تکاد ان تکون مئة في المئة لصالح العرب اذ استثنينا مدن دسبول و تسترو بهبهان و قبل بسط الحکومة الايرانية سيطرتها علي عربستان کان من النادر ان تري غير عربي في عربستان.
اهملت الحکومة الايرانية العرب الاهوازيين و ترکتهم لوجه الله يواجهون تحديات خطيرة فرضتها هي عليهم بجعل اللغة الفارسية اللغة الرسمية و شطب اللغة العربية بصورة کاملة من التداول الرسمي کما و انها لم تسعي الي تعليمهم اللغة الفارسية.
ربما کان ذلک احد اهم اسباب فشل مشروع تطوير ايران و جعله دولة صناعية لان ما ذکرنا من اساليب اتخذت ايضا من قبل الحکومة للتعامل مع باقي الشعوب الايرانية. فلا يمکن لحکومة ان تطور بلدا مادامت تهمل عدد کبير من الذين يسکنون في المناطق التي تريد تطويرها!
حرمان الاهوازيون من تعلم لغه تمکنهم من استخدام التقنيه الحديثة و موکبه تطورات العصر کان له ايضا تبعات اجتماعية و الاقتصادية جمة سوف نقوم بسردها واحدة تلو الاخري نظرا للاهمية التي تحظي بها هذه المسألة. الاهوازيون الذين حرموا من امتلاک لغة تواکب العصر تعرضوا لمشاکل عدة و هذا الامر هو السبب الرئيسي لتخلف الشعب الاهوازي حيث اليوم اذا عقدنا مقارنة مع اي الشعوب الاخري المجاورة داخل او خارج ايران تجد الکفة تميل لصالح الغير. والحال هنا يشبه أن يجبر عداء علي الوقوف حتي يقطع باقي المتسابقون اشواط طويله ثم يسمح له بالجري ورائهم.
فحال الشعب الاهوازي تشبه تماما هذا العداء لانهم توقفوا تماما عن مواکبة التطورات في تلک الفتره نتيجه لمنع لغتهم التي کانت مستخدمة في عربستان من التداول الرسمي وعدم اهتمام الحکومة الايرانية بتعليمهم اللغه الفارسيه لکي يتمکنوا من مواکبة تطورات العصر والاستفادة من امکانيات الدوله ومرافقها.
و ربما کان فرض هذا التخلف علي الشعب الاهوازي بدوافع مُبيته و مدروسة تهدف القضاء عليه و استئصاله لانه اليوم يشکل التخلف عند الاهوازيين احد اهم اسباب هروب الاهوازي من هويته و ذاته العربية کما انه دافع قوي لقبول ثقافة الاخر.
13 اذار 2011
amrtas1@gmail.com