علاقات الشيخ خزعل مع الحكومة الايرانية ‏

jaber-ahmadتاريخ  الاهواز(عربستان )  منذ عصر الافشار حتى الوقت الراهن – تأليف الاستاذ موسى سيادة- عرض وترجمة الباحث الاستاذ جابر احمد-

اصدر  الملك  القاجاري  مظفر الدين  شاه بعد مقتل  الشيخ مزعل امر ملكيا  اقر بموجبه  بولاية الشخ خزعل على امارة  عربستان ، رغم ذلك كانت الدولة المركزية  تعين من قبلها واليا على عربستان ،  الا انه  واليا اسميا وفاقدا لاي صلاحيات  وان تصريف شؤون الامارة كله كان  يتم تحت اشراف  حاكمها الفعلي الشيخ خزعل  ابن الشيخ جابر الكعبي .

وكان  لدى لشيخ خزعل على الدوام اشخاصا ثقة  مقربين منه موجودين في طهران  يراقبون الاوضاع  هناك عن كثب  ، فاذا حدث طاريء اواشكال  يتعلق بامارته  عليهم التدخل  لدى اصحاب  القراربسرعة وارضائهم عن طريق شراء ذممهم  وارشاءهم بالكثير من الاموال ، ونتيجة لهذه السياسة  كان  رجالات الدولة في ايران  طيع امره ،  وكان  من بين هؤلاء الساسة  البارزين  شخص يدعى ”  علي اصغر اتابك ” ، ولم يكتفي الشيخ خزعل بذلك و حسب وانما تزوج   بأثنين  من بنات  اصحاب النفوذ في الدولة المركزية ،  الاولى  بنت ” نظام السلطنة مافي ” والي عربستان الاسمي  المعين من قبل الدولة المركزية ، والثانية  بنت  اخت  ” عين الدولة ”  وبذلك ازال  اي مانع يمكن ان يقف في طريقه .ونتيجة لهذا السياسة حصل  على لقب ” امير نوبان ”  بدل من ” امير تومان ”  وتمكن من فرض سيطرته الكاملة على مدينة  الاهواز وكل الاراضي  الواقعة على طرفي ساحل  نهر كارون  ، اما البريطانيين  بما انهم حصلوا على امتياز استخراج البترول في عربستان  فقد كانوا ميالين  الى ان يعم الامن والاستقرار  في هذه الاقليم .  ولاستتباب هذا الامن  لم يجدوا افضل من الشيخ خزعل ، لذلك بذلو قصارى جهدهم من اجل  دعمه وتقوية مكانته .

وعليه  يمكن القول  ان جميع العراقيل التي كانت  تعتري الشيخ خزعل قد  ازيلت و اصبح الحاكم الفعلي  لاقليم عربستان دون منافس .   بعد ذلك اخضع جميع قبائل الاقليم  لسلطته ، وفي سبيل الحافظ  على اماراته كان  يحول  كل عام مبالغ من المال كدفعا للشر  الى طهران ، كما كان   بدوره  يفرض ضرائب على رؤساء القبائل العربية   لانفاقها على شؤؤن امارته .

وعندما ناصرت الدولة المركزية عام 1911 زعماء  البختياريين في احتلالهم  لمدينتي شوشتر ودزفول  امتنع الشيخ خزعل عن دفع الضرائب  الى الحكومة المركزية  لمدة عامين  احتجاجا منه على  هذا الفعل ، وقد بذلت بريطانيا جهودا حثيثة لثنيه بالعدول عن قراره  الان  هذا الامر  استمر حتى انتهاء الحرب العالمية  الاولى . وعندما اعلنت الدولة المركزية  الايرانية  في الحرب العالمية الاولى  حيادها  ،على العكس من ذلك اعلن الشيخ خزعل وقوفه ولاسباب عدة الى جانب البريطانيين .  و بعد  انتهاء الحرب  كرًم   الملك  احمد شاه القاجار في  احدى سفراته الى مدينة المحمرة  الشيخ خزعل  . وفي  هذه السفرة بالاضافة الى تأكيده على  تعهدات مظفر الدين شاه على دعمه المطلق  للشيخ ، اهداه خلعة ” التاج  الكياني ” ، والبس   ولديه الشيخ كاسب و الشيخ عبد الحميد  لباس ” التمثال الهمايوني ” من الدرجة الثانية  وقد طلب من الشيخ خزعل ان يوفي بتعهداته و بمساندته ضد تهديدات اعدائه .

الشيخ خزعل  شخصية مهمة :

يصف البريطاني  ” السير آرنولد ولسن ”   الشيخ خزعل على انه شخصية عربية مهمة ، كما يليق بأن يكون حاكما  للقبائل العربية  في اقليم عربستان ،  ويضيف ان بريطانيا ومن خلال تعاونها  مع الشيخ خزعل تمكنت من ان تصل الى نتائج مثمرة  في المنطقة ، كما يمكن  اعتباره من اكبر اثرياء المنطقة ،  ومن الناحية السياسية   اقام علاقات طيبة مع بلدان الجوار ” العراق ونجد و الكويت ”  وخلافا  لوالده الشيخ جابر واخيه  الشيخ مزعل  تعاون مع بريطانيا  حول عقد اتفاقية الملاحة في نهر كارون  ، وتقديرا لهذه الخدمات كانت البواخر البريطانية  اثناء العبور  من شط و اقترابها من قصر الفيلية  تطلق مدافعها احتراما وتحية له ،  وهذا ان  دل على شيء انما يدل على نوع من الاعتراف  الضمني  بأمارته  على  اقليم عربستان .

معاهدة  الاستانة ” اسطنبول ” :

معاهدة الآستانة  التي ابرمت  في 17 من تشرين الثاني  من عام  1913  بالاضافة  على تأكيدها  على معاهدة ارضروم الثانية ( 1847 م 1263 هج )  اكدت ايضا  على ان ملكية  جميع الاراضي  العائدة للشيخ خزعل  والتي تقع  بالقرب من البصرة   تعود اليه ، وهذا ما وقعت عليه  الدول الاربعة وهي كل من  بريطانيا ، روسيا ،  ايران ، والدولة  العثمانية .

المستشارون  و الجهاز الاداري :

ان الشيخ خزعل بالاضافة الى كونه  زعيم قبيلة كعب  كان حاكما  لعموم اقليم عربستان ، بيده جميع  الصلاحيات التنفيذية  ، كما انه  يشرف  بشكل مباشر على الامور المالية ،  وكان مسؤلا عن الوارادت والصادرات المالية   التي تدخل خزينته   وكان يستعين  باحدى الشخصيات المعروفة  وهو السيد ” محمد علي البهبهاني  امير التجار ”  وفي الواقع كان احد مستشاريه المقربين ،  و  في الحقيقية يعد احد وزراءه ،  ، كما ان هناك شخصيات اخرى  يعملون  في اطار تسير امور اماراته منهم ” ميرزا حمزة جواد الشريفي ”  مستشاره لشؤون العشائره  القاطنيين  في  حوالي البصرة  وكذلك ” سليمان فيضي ”  مستشاره  لشؤون البريد وايصال الرسائل  الى شيوخ وامراء المنطقة  ، و السيد ” ابو الحسن  البهبهاني ”  مستشاره  للامور التجارية المحلية  والخارجية ،  والسيد ” عبد الصمد حمزة ”  مستشاره لشؤون تسوية الخلافات العشائرية ،  ، كما انه عين عام 1904  ولده الاكبر  الشيخ ” جاسب ”  وليا للعهد و حاكما عاما للمحمرة .  وفي عام 1921 واثر خلافا نشب بينه و بين ولده  عزله عن ولاية العهد  وعين مكانه ولده الثاني ” الشيخ عبد الحميد ” ،  كما اصدر مرسوما بتعينه حاكما لمدينة الاهواز  وبقي في هذا المنصب حتى اسر الشخ خزعل  الى طهران .  ، كما عين  احد اولاده وهو الشيخ “عبد المجيد”  حاكما  لمدينة الفلاحية ،  ومن ثم حاكما لمدينة المحمرة  ، كما كان  احد اولاده وهو الشيخ ” عبد الله ”  حاكما لمدينة هنديجان ،  وبعد اسر الشيخ خزعل  عين الشيخ ” عبد الله ” كحاكما لاقليم عربستان  خلفا لوالده .

وقد رافق الشيخ خزعل في رحلة الاسر عام 1925  الى طهران كل من  ولده الشيخ   ” عبد الكريم ” و بعض وجهاء المنطقة  المقربين منه من امثال ” الشيخ موسى ” امير مدينة عبادان ،  وابنه عمه الشيخ ” يوسف ” قائم مقام  مدينة  الفيلية .

من جهة اخرى  كان الشيخ خزعل قد عين  السيد ” صالح  بن غضبان الجرفي ”  كممثل له  في منطقة الحويزة وشط بني طرف ” دشت ميشان ”  كما عين ايضا   ” خلف بن محمد الناصري ”  المعروف  به ” اخليف ابو حالا” ممثلا له في مدينة الشوش و قلعة سحر  ، وفي مجال القضاء والبت  في الامور” الشرعية  و العرفية ”  استدعى  عدد من  علماء الدين  من النجف الاشرف الى مدينة المحمرة  ليعالجوا كل المخالفات و الجرائم  وفقا  للاحكام الدينية  الشرعية .

وكانت مدينة المحمرة في عهد الشيخ خزعل تتكون من  ثلاث مناطق ،وهي على النحو التالي:

1-   مركز المدينة .

2-    الفيلية .

3-    الخزعلية .

وكان مركز المدينة يضم السراي الحكومي او ” دار الحكومة ” ،  سراي   الحاكم ،  بناء ادارة الجمارك .

وامر الشيخ  بتأسيس الاسواق وتنظيمها على  مستوى مدينة المحمرة وبعض المدن الاخرى ، وقام بفتح الشوارع من بينها الشارع المركزي في مدينة المحمرة  الذي اطلق عليه اسم  “شارع  الخزعلي ” ،  كما اسس  ادارة للبلدية ،  لتقوم بتنظيف المدينة وانارتها ليلا . ،وقام بعد  انتهاء الحرب العالمية الاولى  بتأسيس مراكز للشرطة ” البوليس ”  مهتها حفظ الامن  الداخلي  في كل من مدينتي المحمرة ومدينة الاهواز ،  اما الفيلية  فقد كان يتوسطها  قصر الشيخ خزعل المعروف به ” قصر الكمالية ” ، وكان هذا القصر بمثابة المقر الدائم لاعضاء حكومته ،  ويشرف هذا القصر على  ضفة الساحل الشرقي لشط العرب ، وهو ينقسم  الى عدة اقسام  في احد اقسامه تقع  صالة  الاجتماعات  و  المؤتمرات ، و صالة اخرى للضيافة ،  لقد كان الشيخ خزعل شخصية عصرية  وهو  يماشي الثقافة  الغربية  الجديدة .

ولاول مرة وتحديدا في عام  1911  تم ايصال الكهربا الى  قصر الفيلية  بالاسلوب الغربي  ، كما شكل الشيخ اول نواة  للحرس ” الجيش ” وهم من ذوي البشرة السوداء ،  واوكل قيادته الى  شخص يدعى ” عبود العبد الله ”  اما   المهام  الذي يضطلع بها هذا الحرس  هو الحفظ على الامن والاستقرار ، و الحفاظ على سلامة وارواح واموال المواطنيين  ، كما  كان لديه جيشه الخاص ” المغاوير ”  ويبلغ تعداد هذا الجيش ما يقارب  ال400  شخص ، كما كانت لديه فرقة لعزف النشيد الاميري  ، وهي  تعزف  اثناء الاحتفالات وفي استقبال وتوديع  الضيوف

اما  مدينة الخزعلية  التي بنيت بأمر من الشيخ  خزعل   فهي تقع    بين مدينة المحمرة  و الفيلية  . ان هذه المدينة تمتد على امتداد نهر كارون  الى شط العرب  وقد بني له  الشيخ  قصرا في هذه المدينة ،  ثم  تم بناء منازل كبار رجالات الدولة و الوجهاء حوله .

ولم تقف طموحات الشيخ خزعل الى هذا الحد  بل  كان قد اسس عام  1908  نواة  لجيش نظامي   قوامه 20 الف  فرد ، كما شكل جيشا احتياطيا  من العشائر بلغ تعداده  40 الف  شخص  وهو من  الخيالة والراجلة ،  وهم على اهبة الاستعداد  للقيام بواجباتهم اثناء نشوب اي  الحرب ،  ويعتبر شيخ كل عشيرة بمثابة القائد لهذه العشيرة ، كما  يعتبر الشيخ خزعل  القادئد العام   لجميع هذه القوى  وقد جهز جيشه وجيشه الاحتياطي  بالمدافع وبشتى انواع الاسلحة الخفيفة الاخرى .

وحول الخصائص السياسية و  الادارية لمدينة  الاهواز  يكتب السيد  محمد على محمدي الموسوي  في كتابه ”  120 عاما  الاخيرة من تاريخ  مدينة الاهواز ”  و في الصفحات  37 و 38  قائلا : اسست مدينة  الاهواز  الجديدة ” الناصرية سابقا ”  على يد الشيخ خزعل  وكانت الاعمال القانونية  في هذا المدينة تدار من قبل  رجال الدين وكبار  القوم ،  اما  الامور التنفيذية فقد كان يتولاها حرس ” شرطة ”  الشيخ خزعل  ، كما ان مكتب الشيخ خزعل  والذي كان بمثابة مقر حاميته العسكرية  يقع الى جانب جسر نادري الحالي ، مشرف على نهر كارون ، وهو بناء يتكون من طابقين   تقابله حديقة عامة  تمتد على ساحل نهر كارون ، كما ان هناك تمثالين ضخمين يقعان عند البوابة  الرئيسية لهذا المكتب، وكان جنود الشيخ خزعل وموظفيه  يمارسون الرياضة الصباحية في باحة  القصر الخارجية و هم يرددون ” عاش  خزعل  عاش خزعل “

وكانت بلدية مدينة الاهواز والتي اسسها الشيخ خزعل  تنار  ليلا من قبل موظفين  خصصوا لهذا العمل  حيث كانوا يحملون  سلالمهم  ويقومون بأيقاد الفوانيس  المعلقة على الابنية و المنتشرة في الاماكن العامة والاسواق .  وعند الصباح  يقومون باطفئها وتزويدها  بالزويت .

كما كان قصر الشيخ خزعل  يقع في مركز المدينة بالقرب من الضفة الشرقية لنهر كارون ،  وقد قامت الحكومات المتعاقبة على دفة الحكم في ايران سواءا في عهد رضا  بهلوي وابنه  محمد رضا  بتدمير الكثير من هذه الابنية التاريخية الهامة ، اما ما تبقى من قصر الشيخ خزعل في مدينة  الاهواز   فقد دمر  في عهد الجمهورية الاسلامية  وبدل الى مرآب  لسيارات النقل العام  ولم يبقى  له اي اثرا  يذكر .

ان هذه الابنية التاريخية  تلعب على المستوى  العالمي  دورا هاما  في التعريف  باقليم عربستان حضاريا   وثقافيا  ، كما من شأنها  ان تساعد في جذب السواح  سواءا على المستوى  الخارجي او الداخلي ومن شأنها ايضا ان تساهم في دعم اقتصاد هذا الاقليم  المنكوب ، من هنا  فان ازالة  الاثار التاريخية لقوم او شعب يعتبر خسارة  كبرى  لا تعوض ، و لن يغفر التاريخ  لمرتكبيها  قط .

انتهت  الحلقة  التاسعة وتليها الحلقة العاشرة

شاهد أيضاً

القضية الأهوازية وانتفاضة تغيير النظام في إيران

ورقة صالح حميد في ندوة ” لا ديمقراطية بدون حقوق القوميات في إيران” لندن – …