بقلم : مصطفى تاج زادة ترجمة الاستاذ جابر احمد – مقدمة المترجم : مصطفى تاج زادة هو احد اعضاء جبهة المشاركة الاصلاحية وهومن السجناء السياسين للاحداث التي وقعت بعد اجراء الانتخابات الاخيرة التي اتت بأحمدي نجاد للسلطة ،
وقد كتب هذه المقالة اثناء قضاء اجازة مؤقتة قضاها خارج السجن وذلك قبل اندلاع الثورة المصرية و اسقاط حسني مبارك بعدة اسابيع مبينا موقفه من حقوق القوميات في ايران معتبرا ان ما طرح في عهد الاسرة البهلوية و الذي عرف به ” الروح الايرانية ” هو بحد ذاته كان ” من صنع المستشرقين الاستعماريين الذين اخترعوا لنا موجودا ميتافيزيقيا باسم ” الروح الايرانية “، باعتباره ذات ازلية و ابدية في معادتها لحقوق الانسان و للعربي والتركي والكردي ومؤيدة للقهر والاستبداد” . وهي بالتالي نظرة عنصرية بامتياز.
كما يحًمل تاج زاده في هذه المقالة الخميني عدم ايجاد حل للمعضلة القومية المزمنة في ايران ، حيث يرى انه عندما اتيحت الفرصة و لأول مرة لفك الارتباط مع الايدلوجية العنصرية الشاهنشاهية وجد من يفرض علينا تعريفا آخر ” للتقدم ” و ” الايرانية ” وهذا التعريف بطبيعته يتجاهل الغير وينتقص من حقوقهم الانسانية وقد جاء هذا التعريف على لسان الخميني عندما اعتبر الامة في خطبه على انها ” الشعب الموجود بالفعل معطيا مفهوما و تعريفا ” مبهما ” وغير قابل للتفسير و التأويل للتنوع القومي و الديني في ايران وذلك جريا على اساليب تعاريف الديكتاتورية عن الامة .
وتكمن اهمية هذه المقالة كون كاتبها كان من اهم النشطاء السياسين في الحركة الاصلاحية في ايران وهو الآن ونتيجة لمواقفه المعارضة للنظام قابع في السجن ، من هنا يجب لا ننظر الى الاصلاحيين في ايران في مواقفهم من المسالة القومية على انهم كتلة واحدة ، بل انهم طيف واسع ومواقفهم متفاوتة ومتباعدة، بين مؤيد ومعارض للمسالة القومية ، وفيما يخصنا نحن العرب فقد تسربت في عهد الاصلاحيين وثيقة تدعي الى تكثيف الهجرة ” الفارسية ” الى اقليم عربستان بغية تغير النسيج السكاني للشعب العربي الاهوازي.
واخيرا ان هذه المقالة لاتعبر بالضرورة عن موقف المترجم حيال ما يطرحه الاصلاحيين ازاء المسالة القومية وانما الهدف من وراء ترجمتها ونشرها هو اطلاع القاريء العربي على معاناة الشعوب الايرانية في العهد الشاهنشاهي البهلوية و التي لاتزال مستمرة في العهد الاسلامي بل اشد ضرواة وفتكا . يبدأ الكاتب مقالته بجملة من التسألات وفيما يلي النص الكامل لها .
القوميات الايرانية ، الهوية و الوحدة الوطنية
هل الوصول الى الوحدة و الهوية الوطنية تستوجب اخلاص اي من مواطني ايران بأن لا يكون لدينا اتراك وعرب و اكراد وبلوج و تركمان واللر و الفرس ؟ وهل المطلوب من الايرانيين بدل الحفاظ على قوس قزخ اقوامهم ومذاهبهم ان ينصهروا في لغة و لباس و عادات و تقاليد واحدة ؟ او هل على العكس من ذلك فان الواقع في ايران منفصل عن هذا التنوع ؟ وهل العولمة في الظروف الراهنة من شأنها ان تسمح بالعيش الى جانب هذا التنوع القومي والاستفادة من مواهبه و طاقاته ؟.
من جهة اخرى هل التنمية العلمية و الاقتصادية تستوجب انتهاك الحقوق الثقافية و السياسية لعموم الايرانيين ؟ و لماذا لا نستطيع الوصول الى مجتمع صناعي الا ب” التنمية المفروضة ” ؟ ويا ترى على العكس من ذلك فانه بالتنمية الشاملة وفي جميع ابعادها ومن بينها التنمية السياسية هل بالامكان الوصول الى التنمية الاقتصادية و العلمية ؟ و هل بامكان العدالة الاقتصادية و تقديم ” الخدمات ” للمجتمع ان تحل محل الاحتياجات المنزلية ، الهوية , حقوق للمواطنيين القاطنين في ايران على اختلاف تنوعهم اللغوي و القومي و الثقافي ؟
الم تثبت تجربة عصر الاصلاحات ان الاعتراف بجميع حقوق الايرانيين على اختلاف معتقداتهم و اتحادهم الديمقراطي هو ضمانة للتعايش بين كل مكونات الوطن ؟ وان التنمية الاقتصادية و العلمية والصناعية وكذلك السلام الاقليمي هو نتاج هذا التعريف الديمقراطي للهوية و الوحدة الوطنية ؟، الم تبين التجربة بان الوصول الى العدالة الاجتماعية و الرفاه الوطني ايضا ليس باعطاء الصدقات و تقسيم قليل من عائدات النفط على ابناء المجتمع بل من خلال التخطيط الصحيح و المديرية الصائبة و جلب مشاركة الجميع و تامين حقوق المواطنيين و التي تم التعبير عنها بهذا الشكل اوذاك صراحة في الدستور؟
افلا تستطيع الدولة المركزية وعبرطريق الاعتمادعلى هؤلاء المواطنيين ومشاركتهم بغض النظر عن هويتهم اللغوية والدينية ان تقوي قوتها الدفاعية و الوطنية وان تقوم بعملية بناء شاملة للبلاد؟ .
ميشيل فوكو و روح الجماعة
كان الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو من بين اولئك الاشخاص المعجبين بالثورة الايرانية وقد ساندها في بداية انطلاقتها و كان قد قدم تحليلا جميلا عن الثورة الايرانية وذلك على ضوء مشاهدته للمظاهرات بكل ابعادها. وعند عودته من طهران الى باريس قال “اننا كيف رأينا في طهران اناس يتظاهرون كأمة واحدة يعبرون كامة واحدة عن المطالب والرغبات الجمعية ” . ويضيف فوكو” قبل مجيئي الى ايران كنت افكر مثل الكثير من المفكرين الغربيين بان مصطلحات مثل ” الارادة الجماعية ” و ” المطالب الجماعية ” هي مجرد مقولات نظرية ” و حسب تعبيره ” يبقى مثلها كمثل الروح التي بأمكاننا ان نتحدث عنها لكننا لا يمكن لنا مشاهدتها “.
واذا كان المستشرقون الاستعماريون الذين اخترعوا لنا موجودا ميتافيزيقيا باسم ” الروح الايرانية “، باعتبارها ذات ازلي و ابدية في معادتها لحقوق الانسان و للعربي والتركي والكردي . و لكن كان لميشل فوكو نظرة مختلفة كليا عن هذه التعابير فقد شاهد في شوارع طهران ” روح ” و ” ارادة جمعية ” و شاهد كيف ” امة “ورغم الاختلافات اللغوية ، القومية ، الطائفية والدينية تصرخ وتستعرض وحدتها غير آبهة بأزيز الرصاص وقد جاء “فوكو” الى ايران في اطار خطة ” تدوين التاريح الراهن ” ولم يكن يهتم بامور الاستشراق لاستخراج ” الروح الايرانية ” الموهومة من قلب الظلام و المفقودة في غياهب التاريخ ، حيث لا ترتبط بما يسمى الروح الآرية ” بالزمن الراهن للهوية الموجودة للايرانيين ، واثناء مشاهدته في ايران استنتج فوكو ان الاسلام ليس الافيون الذي تفتقده ” روح العالم ” وان امتزاج هذه ” الروح ” مع المعنويات الثورية للجماهير الايرانية تجسمت امامه الهوية الوطنية الايرانية ليس في عبادة” الارية ” التي كان يتصورها في مشاهدته لللافتات شوارع ايران ،وانما شاهدها و بكل ضوح في ارداة جماعية تعم طهران وكل الانحاء الاقليم الايرانية ” .
ان اتساع وسائل الاتصال الجمعي ودورها العالمي المتعاضم في كل ابعادها ،جعل من صهر الهوية والوحدة الوطنية و التنمية في هذه المرحلة بالذات عملا غير ممكنا على الاطلاق ، و في الواقع هناك حقيقة ماثلة للعيان ولا يمكن لنا اغماض العيون عنها وهي ان الديمقراطية شئنا أم ابينا اخذت تغزوا البلدان واحد بعد الآخر، حيث نشاهد اليوم كيف ان المناضلين الايرانين المدافعون عن حقوق الانسان اصبحت لديهم قنواتهم الفضائية الخاصة بهم ، وان الكثير منهم ومن يؤيدونهم يشجعون اجراء انتخابات حرة ونزية وهم يحثون ابناء وطنهم الاتراك ، العرب ، و الاكراد وغيرهم الانخراط بها ، وقد تجاوز الحديث محليته ووصل الى الفضائيات وقد ادرك الجميع ان الحقوق الاساسية “للامة ” الايرانية من بينها حقوق الحريات السياسية و المادة 15 من الدستور بالاضافة الى كونهما انتهكتا ، فهل من المصلحة الوطنية ان نجعل من موضوع وطنيا “داخليا” موضوعا خارجي ” وعالمي، الامرلذي من شأنه ان يقع تحت تأثير مصالح الآخرين . ان هذا الطريق هو عكس ما يحدث اليوم في الكثيرمن بلدان المنطقة والعالم .
كان الجيش في تركيا والى وقت قريب يعد نفسه للانقلاب في اي لحظة ، كما كان ينكر بشكل مطلق الهوية الكردية ، لا بل كان يفرض رقابة شديدة حتى على كلمة ” الاكراد ” وكردستان ، الا انه ما ان حلت نوع من الديمقراطية في هذا البلاد حتى تم تخصيص فضائية حكومية تبث برامجها على مدار ال 24 ساعة باللغة الكردية والثقافة الكردية ، كما ان الاحزب العلمانية والاسلامية تتنافس فيما بينها في الدفاع عن حقوق الانسان واجراء انتخابات حرة ونزيهة ، حتى ان الحزب الحاكم واثناء الانتخابات المحلية كان منافسه حزب كردي في المناطق الكردية وقد سلم للعبة القواعد الديمقراطية في منافسة ذلك الحزب .
اما العراق فقد شهد تطورا كبيرا في مجال الديمقراطية ، فهناك حرية الصحافة و الاحزاب ، كما ان الاكراد و العرب سنة و شيعة ممثلون في الحكومة، وهم امام طريقين لا ثالث لهما ” الديمقراطية ” او ” الحرب الاهلية ” وبذلك يكونون قد طووا حقبة الاستبداد .
اما في افغانستان فان النخب الافغانية والتي ذاقت ذرعا بالفساد الحكومي، فقد قبلت بالتنوع القومي الموجود في البلاد و هي اليوم تتحدث عن مشاركة الجميع في السلطة باعتباره الطريق الوحيد الذي من شانه ان يبدل الاختلافات و اعمال العنف الى مصالحة وطنية و يطالبون بتنفيد هكذا خطة رافيعن شعار ” التنوع القومي ثروتنا ” .
اما الهند والتي تعتبر اكبر دولة ديمقراطية في العالم تعج بطيف واسع من التنوع القومي و اللغوي و الديني و الثقافي ، حيث استطاعت النخبة الهندية ان تستخدم العلم وتكنولوجيا الاتصال و المعلومات والاقتصاد لصالح مصالحها الوطنية دون ان تعتبر ان مئات اللغات والاقوام في بلادها عامل يخل في وحدتها و تنميتها و تقدمها و بذلك بدلت الهند الى بلد من شأنه ان يصبح في المستقبل القريب يمتلك حق الفيتو في مجلس الامن الدولي .
اما في لبنان فان القبول بمبدأ الديمقراطية و التنوع القومي والديني و التعددية السياسية ، فأنه لم يلحق الضرر بصمود حزب الله في مقابل التوسع الصهيوني وحسب وانما منح ” طيف المقاومة ” قوة اكثر و السبب يعود الى كون اسلوب المقاومة ضد التوسع الصهيوني في لبنان لم يعزل نفسه عن اسلوب تنوع الحياة و التنوع القومي و الديني للبلاد وابتعد عن فرض ” اسلوب حياة ” معين على الناس ، من هنا، فأنك تشاهد اليوم في لبنان الفتيات السافرات و المحجبات يتظاهرن جنبا الى جنب ضد جرائم الاحتلال الاسرائيلي العسكرية .
كل هذه التوقعات تجري في بلدنا الذي تتمتع فيه ” الامة الايرانية ” وبما تملكه من رأسمأل تاريخي ، جغرافي ، ثقافي ، واسلامي ، بمزية خاصة لقراءة الديمقراطية و التنمية والوحدة الوطنية ، من هنا يمكن لها ان تكون سباقة في هذا المجال في المنطقة ، فالايرانيون بكل مكوناتهم الضرورية يتمتعون بامكانية ” التنمية الشاملة” و” وحدة الاراضي ” و ” الهوية والوحدة الوطنية ” وان التاريخ المشترك ، والارض المشتركة ، والديانة المشتركة ، كما ان العلاقات الاقتصادية والثقافية و العلمية الشاملة و العميقة الموجودة بين القوميات الايرانية، وكذلك العيش المشترك وايضا تقسيم العمل التاريخي بالامكان الاستفادة منها ، ان ايران لم تتكون تاريخيا على اساس قرارات القوى السياسية في القرن العشرين لذلك يكون خاطئا من يقول انها تتمزق اذا ما شملت برعايتها حقوق الانسان، واذا شاهدنا بعض الحركات التي تطالب بالانفصال أبان فترة احتلال قوى الحلفاء لايران فقد كان ذلك كرد فعل ضد التعصب القومي الذي اوجدته سياسة رضا شاه والذي ادى من خلاله انتهاك حقوق الامة الايرانية برمتها ومن بينها حقوق القوميات .
التبذير الاقتصادي ، الازدهار الانساني
الفهم التاريخي و الثقافي للامة الايرانية ( باستثناء المرحلة البهلوية يرينا ان ” الهوية القومية ” لم تقف في مواجهة ” الوحدة الوطنية “) ، كما ان فهمنا للامة في ثورة المعلومات و العولمة يستلزمان وجود ” التنمية ” و ” الديمقراطية ” وكذلك ” الهوية ” و ” الحرمان ” الى جانب بعضهما البعض .و لكي نضمن سلامة الامن الوطني ووحدة الارض و تقدم البلاد لابد من الحد من التبذير الاقتصادي في مجالي المصادر المادية و المعنوية و الوطنية . كما ان الابتعاد عن العنف و القهر الحكومي لايمكن ان يتحقق الا من خلال القيادة و الادارة الديمقراطية للبلاد . ان هذا التحليل – الدستوري ( نسبة الى ثورة الدستور او المشروطة المترجم ) اليوم ليس لا يرى ان رعاية حقوق المواطنين و التنوع القومي- اللغوي والديني مانعا بان يصبح “الايرانيون امة ” أو ” خميرة تهديد ” للوحدة الوطنية أو ” سد للتنمية ” في البلاد وحسب وانما تراه رأسمال وطني عظيم في ظل عولمة العالم ، و بعبارة اخرى ان تحقيق الامن والاستقرار الدائم لحدود الوطن و ضمان تعاضده الوطني يكمن في اكثر الامور انسانية ، ( الحقوق الاخلاقية والحد من التبذير الاقتصادي محاسبة الربح – الكلفة) ،كما يستلزم الاعتراف بحقوق المواطنيين وتنوعهم اللغوي ، القومي ، الثقافي و الديني . وانطلاقا من ذلك فان الاعتراف بالحقوق القومية للمواطنين والتطرق الى التنوع القومي و اللغوي وتنوع اساليب الحياة ليس امر كماليا و استعراضيا وليس مانع للتنمية ، و الهوية والوحدة الوطنية وحسب ، بل على العكس من ذلك فان تأمين حقوق الايرانيين واغتنام الفرص واستيعاب كل هذا التنوع يستلزم الحد من التبذير الاقتصادي والامني الكبير و المتعاضم .
ان تجاوز مرحلة الركود الاقتصادي العالمي الناتج عن الادارة الاقتصادية على مستوى البلاد من شأنه ان يكلف الامة مبالغ طائلة ، ولا يمكن للبيرقراطية الحكومية المتضخمة وماكنة الامن الكبرى ان تبعدنا عن الاهداف الوطنية الكبرى وتجرنا الى اهدافا فرعية منحرفة ، مثل اسلوب الحياة الخاصة واساليب الهوية الواحدة ، ان اسلوب الحياة الاسلامية القائم على اساس الثقة بالاعتقادات الاسلامية وايرانية الايرانيين هو لا يحتاج الى تقديم المواعظ . كما ان التنوع و الاختلافات اللغوية و الثقافية و الدينية والسياسية بصفتها فرصة وطنية عظمى تستوجب خفظ الانفاق الكبير في الاقتصاد على المستوى الامني و العسكري والسياسي و البوليسي ،هذا الخفظ يحرر الطاقة العظمى للناس وان هذه القوى المتحررة بدلا من من زجها في امور غير ضرورية وعلى هامش الحياة اليومية للمواطنيين ، بالامكان زجها بامور ضرورية تهم الامن الاجتماعي وبخاصة معرفة الاضرار التي تهدد الواقع الاجتماعي كشبكات تهريب وتوزيع المخدرات و جميع الجرائم المنظمة وكذلك الظاهرات الخطرة مثل ” الايدز ، ومنع هذه الظواهر لكي لا تلحق الضرر بعامة المواطنين ، ووضع هذا التنوع باعتباره ظرف وطنيا ومع الاخذ بعين الاعتبار الظروف الدولية الضرورية وعلى ضوء الظروفلاو المستجدات الجديدة .
النظرة الاحادية الجانب للهوية والوحدة الايرانية :
النظرة القائمة على ” تنمية الأوامر ” وبعبارة اخرى البعد الواحد ” للهوية و الوحدة الايرانية ، منذ عهد البهلوي الاول وحتى اليوم كانت على الدوام تتجاهل الاختلافات الفردية ، اللغوية ، الدينية ، القومية ، التاريخية ، التقليدية و الثقافية للايرانيين و تؤكد على بعد واحد للهوية يعرف بأسم ” الروح الوطنية ” اي ” الروح الواحدة التي لا تعترف بالتنوع الايراني ” وقد اختارت هذه النهج بحجة تحديث البلاد و الحفاظ على ” الهوية والوحدة الوطنية ” منتهكة حقوق الجميع، وان نهج كهذا كانت نتيجته انزواء انجازات الحركات الاصلاحية للأيرانيين منذ ثورة الدستور- المشروطة – وحتى اليوم . و بعبارة اوضح ان النظرة الاحادية الجانب الى ” التنمية ” و ” الهوية ” كانت على الدوام تتم تحت عناوين شتى منها تأمين الامن والوحدة الوطنية وسلامة ووحدة الاراضي وتقدم البلاد , واليوم تنفذ نفس السياسية وتحت عنوان اسلمة المجتمع حيث معارضة الحريات السياسية ، المدنية و الثقافية وبخاصة الحريات الاعلامية و الانتخابية التي تعد ام جميع الحريات الاخرى في ايران .
كلنا يعلم ان حرية التعبير في بداية ثورة الدستور كان حرا وقد اسست مجالس الايالات و الولايات ” الاقاليم ” الى جانب المجلس الوطني ” مجلس شوراي ملي ” وقد كفل الدستورآنذاك هذه الحريات ، مع ذلك فان رضا شاع وباعتماده على الدعم الخارجي وعبر استخدام القوة سعى جاهدا و على المكشوف وتحت ستار تأمين الامن و من ثم التقدم و التطور ان يصادر المنجزات الديمقراطية للحركة الدستورية مثل ، حرية الصحافة ، الاحزاب ، الاتحادات و التجمعات و الانتخابات بالاضافة الى تلك الوقائع التاريخية و انكار التنوع القومي في ايران و ان يدفعها الى الزاوية ، وقد رأي ان استقرار الامن في ايران يتطلب ” نظاما فرديا ” وان يكون لكل الناس لباسا واحدا ولغة واحدة و سلوكا مشابها واحدا . والنتيجة بانه تجاهل كليا ” حقوق الايرانيين و” تنوعهم وهويتهم ومكانتهم ” و اقام استبداد اسودا اكثر مما كان قائم في عهد القاجار ، يعتمد على نظرة مصطنعة قائمة على معاداة القوميات الايرانية ونافية لحقوقهم .وان كنا لا ننكر مبادرات رضا شاه فيما يخص الحداثة والتنمية وتاسيس البنية التحتية الاجتماعية و الاقتصادية و العلمية و التعليمية والفنية ولكن في كل الاحوال كانت تحولات غير ديمقراطية .
لقد كتب احد المثقفين حول تلك المرحلة قائلا : ” منذ عهد رضا شاه ومع بدء اعادة اعمار و تحديث ايران فاننا بحاجة اكثر الى “التاريخ العظيم ” ، هذا التاريخ الذي يجب بعد ” تطهيره ” و ” و ازالة” العفونة ” التي لحقت به من اثار الهجوم العربي و المغولي ، يجب ربطه مع مظاهر الحياة الحديثة ، المعمل ، و الجامعة و المعهد و بناء المدن و العمارة الحديثة مع المؤسسات الاقتصادية و العسكرية الحديثة حيث لابد ان يرتبط مجددا بالتاريخ الماضي العظيم.
وبعبارة اوضح ان طريق ” التنمية المفروضة ” تستند بالاساس على” حربة البندقية ” مقرونة بانتهاك ونفي الكثير من حقوق المواطنين الثقافية ، المدنية و السياسية ،ومضمونه الكلي يتلخص في “حذف الآخر ودمجه ” وان هذا الموديل من النظام قائم على الاسس التالية :
1- نفي الحقوق والحريات السياسية .
2- الدمج الاجباري – العسكري للعادات والتقاليد وحتى لغة الاقوام او “الشعوب الايرانية – المترجم ” في ثقافة واحدة و لغة واحدة .
3- تغيير النسيج السكاني .
4- حرمان الشعوب ” الاقوام ” ووضع العراقيل في طريقها لمنعها من تبوء المناصب الدينية والعسكرية العليا ، وهذه الساسية بدلا من ان تفضي الى تأسيس دولة قوية تستند على الصناعات الدفاعية – العسكرية و السيادة و مجتمع صناعي ديمقراطي ادت الى سيطرة النظرة الامنية البوليسة على الحياة السياسية بمختلف ابعادها الاجتماعية ، الاقتصادية ، الثقافية و الفنية . والمطلوب من المجتمع ان يكون برمته ذا رؤية، احادية الجانب ، شبه غربية ، غير تقليدية ، صناعية ، اي بالظاهر ارتداءها للباس العسكري و “مايعرف بعسكرة البلاد – المترجم “
وفي الحقيقة رأى رضا شاه ان تأسيس وحفط ” النظام السياسي ” يرتبط فقط ” بعسكرة ” العلاقات السياسية والقمع الشديد للمؤسسات والجمعيات المستقلة ” ” التقليدية منها والحديثة “ولهذا الغرض قام وعبر حراب البنادق باجراء الانتخابات الصورية المزيفة لمجالس الشورى و ايجاد المركزية الشديدة والغى مجالس “الولايات والايالات ” – الحكم اللامركزي – المترجم ” من الحياة السياسية في البلاد . وفرض اجواء بوليسية مقرونة بمنع حرية التعبير ، الصحافة ، الاحزاب ، الاتحادات واخير ا مواجهة مكانة وجوه بعض من القوميات.وعمليا قام بمواجهة المنجزات الديمقراطية لحركة الدستور ،ومارس وعلى نطاق واسع سياسة عنصرية منظمة وواسعة النطاق معادية للعرب والاتراك و الاكراد و قد برر ذلك بحجة ضروريات الدولة الحديثة بغية الوصول الى ما اسماه ” بأيران الحديثة ” وكذلك الى الامن و التقدم .
كما ان ثورة الدستور التي كانت من المقرر ان تلزم الحكومة القاجارية الرجعية و المستبدة بمسؤولية الالتزام بسلطة القانون ، تم حرفها الى درجة بحيث لم يبقى من الدستور الى شكله الظاهري ، فقد تم احياء الديكتاتورية وسيطرة الحكومة على الكثير من المجالات الاجتماعية و الثقافية ، والتي كانت حتى الدولة الاستبدادية التفليدية و بسبب ضعف الدولة المركزية لم يكن بمقدورها التجاوز عليها . واصبحت الدولة تتدخل في شتى مجالات حياة المواطنين . وحسب اعتقادي ان بعضا من اقدامات رضا شاه كانت من ضروريات ومستلزمات الدولة الحديثة . رغم ذلك كانت نتائج هذه السياسية ذات” البعد الواحد” هي انتهاك الحقوق المدنية و السياسية والاجتماعية للافراد و للقوميات على حد سواء وليست نابعة من ارادة الايرانيين وهي تتعارض مع الهوية والوحدة الوطنية و وحدة الاراضي الايرانية و الحداثة ، ناهيك عن مصادرة افضل الاراضي الصالحة للزراعة لصالح رضا شاه و التي لا ترتبط بأي شكل من الاشكال بتقدم الزراعة وتطورها في البلاد .
وفي تلك المرحلة وضع بعض المثقفين الحكوميين كل امكانياتهم “التاريخية ” و ” العلمية ” و ” العرقية ” تحت امرة النظام . و قد اعطوا عملية تعطيل الاحزاب ” لضرورات التقدم والتطور ” وجهة ثقافية ، وعليه فان الطريق العسكري المقرون بالأوامر الذي سار عليه رضا شاه في سبيل تحقيق ” التقدم المفروض ” و الغاء منجزات ثورة الدستور التحررية تم تبريره من قبل المثقفين المنظرين ” لايران الحديثة ” وذلك تحت عنوان ” تطهير ” المجتمع الايراني من ” عفونة ” الاثار العربية و التركية و المغولية .من هنا فان ما يسمى قرار ” تحديث ” ايران قد تم تنفيذه بواسطة ” العسكريين القوزاق ” حتى يحرروا ايران والايرانيين من “رواسب الهجمات التركية و العربية ” التي جعلتهم يعيشون الاغتراب من انفسهم وبالتالي فان الهوية والوحدة الوطنية التي كانت سائدة في عهد ثورة الدستور و التي تجلت في هيكلية مجلس مقتدر وحرية الاحزاب والصحافة و المجالس البلدية و الولايات والايالات ” الاقاليم ” تغيرت في عهد رضا شاه تغيرا جذريا و اخلت هذه المنجزات نفسها الى دولة عسكرية حديثة متسلطة ومتشددة .
في ظل هذه النظرة ” الاندماجية – المعادية للغير ” ، فان منجزات ثورة الدستور التحررية حل محلها ” الامن و الوحدة الوطنية ” وكذلك اصبح الحديث عن ” التقدم العلمي و الفني و الاقتصادي ” التنوع اللغوي و الثقافي و القومي للأيرانيين وكذلك المعتقدات الدينية للمواطنيين تعدان امر ” مخجلا ” لأبائنا و امهاتنا بين ” الشعوب الحرة المتقدمة ” .
الاستبداد المتخلف والمتنوع المقرون بديكتاتورية الاندماج
حكومات عصر القاجار الفاسدة و الاستبدادية وجريا على العادات التقليدية السابقة لم تهتم بهوية القوميات الايرانية و لا بالأ[ختلافات اللغوية و الثقافية ، وفي الاساس فانها تستمد مشروعيتها من الفوارق القبلية و العشائرية القائمة بين مختلف القوميات الايرانية ، وفي النتيجة اعطى عدم التدخل في بنية التنوع القومي في ايران الفرصة الى الدستوريين لاعطائه تنوعا و ترتيبا حديثا وذلك في اطار ماكان يعرف به ” الممالك المحروسة ” الذي بينه الدستور وكذلك في مجالس ” الولايات والايالات – الاقليم والمقاطعات لكل مملكة ” حتى تؤسس للتنوع القومي و الديمقراطي .
وبعبارة اخرى دخلت ايران و بهمة ثورة الدستور و رغم وجود كل الايرانيين و الاضطرابات التي كانت قائمة في تلك المرحلة والتي رأسمالها ميراثها مرحلة الابتعاد عن التمركز و “الوحدة” و اكدت في نفس الوقت على التنوع اللغوي و القومي و الديني ” عصر الحداثة ، دون ان ترى نفسها بحاجة الى اذابة الغير ، سعيا منها الى اعطاء صورة جديدة لطبيعة اللامركزية ” الفيدرالية- المترجم ” التي تتالف من قوميتها . ان مشروع الامة ” امت سازي ” الديمقراطي في ايران في عهد ثورة الدستور – المشروطة – كان يشبة الى حد كبير البلدان الذي كون النطام اللامركزي فيها الارضية الصالحة للمصالحة بين القومية و الديمقراطية .
في المقابل عرًض رضا شاه وثيقة التفاهم بين الامة و الاسلام و الديمقراطية و والمتمثلة في الوثيقة التاريخية للدستور الى عملية جراحية تم التعبير عنها” بالحداثة المفروضة ” من قبله وقد سعى الى تكوين نوع من القومية ” العسكرية المفروضة التي تعتبر غريبة عن المجتمع الايراني ، لقد حرم رضا شاه ” ايران الحديثة ” من امكانية رأسمال الديمقراطية و التعددية ” ايران الحقيقية ” وذلك تحت تأثير نموذج ” تركية الحديثة” و بقية الدول – الامم الديكتاتورية والمصطنعة كانت دولته مولود هجين وناقص و وبذلك تم تبديل ” الاستبداد المتخلف القاجاري و لكن المتعدد ” الى ديكتاتورية رضا شاهية حديثة وموحدة دون تعددية ” و لم يحرم بلادنا من تراثه الديمقراطي الدستوري وحسب وانما من تراثه التاريخي المعروف بالممالك المحروسة و النظام اللامركزي والذي اصبح عرضة لاعتداءات وهجمات القوزاق العسكريون الذين يرون انفسهم طلائع لمشروع القومية المفروضة وبذلك قمعوا ثورة الدستور التي كانت راسمالنا للدخول الى العالم الحديث بعيد عن ” رجعية ” رضا شاه و” حداثته” المفروضة بالقوة .
معاداة الحقوق و اللامبالاة العامة :
بما ان نظرة رضا شاه الى التنمية ، الهوية و الوحدة الوطنية نظرة غير طبيعية ومغايرة للتعدد القومي في ايران ، فقد قام بتدمير وقمع روح التعاون بين ” المواطنين ” حيث وضع فواصل كبيرة بين الدولة والامة وفي الوقت نفسه قلل من مشاعرها الوطنية تجاه الاعداء الى درجة كبيرة ،ولهذا السبب ما ان دخلت جيوش الحلفاء ايران حتى انهار في عدة ساعات “الجيش الحديث ” و ” ايران الحديثة ” الذي اسسهما رضا شاه .
كان الايرانيون واثناء الحرب العالمية الاولى – بعد ثورة الدستور – و من ثم مجيء رضا شاه – لديهم القدرة لتنظيم المقاومة المحلية ضد الاجانب ، ولكن في الحرب العالمية الثانية وحينما كان رضا شاه ظاهريا في اوج قوته لم يبدو منهم اي رد فعل جدي ضد المحتلين وما عدى استثناءات قليلة فان الغالبية العظمى من الايرانيين استقبلوا بحفاوة الجيوش الاجنبية ، والسبب كونهم راودتهم الآمال بالتخلص من ديكتاتورية رضا شاه الفاسدة الجاثمة على صدورهم ، تماما كما هو الحال عندما غزت الجيوش الاجنبية العراق فان الغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي رحب باحتلال بلادهم ، لانهم كانوا تواقين للتخلص من نظام صدام حسين الفاشي القمعي .
الاندماج الهاديء:
وخلافا لعهد رضا شاه فقد خف في عهد محمد رضا بهلوي الدمج الاجباري المقرون بالقوة العسكرية والذي كان يمارس في عهد والده ، وفي نفس الوقت ازداد الاندماج ” الثقافي “او مايسمى ” الهاديء ” وقد وصل الى أوجه مع ازدياد اسعار البترول و انتاجه حيث وصل معدل الانتاج الى مستوى 6 مليون برميل باليوم ، وكان البهلوي الثاني يعتقد ان عائدات البترو دولار سوف تهيء له الظروف اكثر فاكثر لاستقرار سلطة الدولة المركزية و انتهاك حقوق الايرانيين و بالتالي سوف تمكنه من المضيء في شعاره باتجاه ” الحضارة الكبرى ” ومواجهة ” الحقوق و المكانة و التنوع” وكان الشاه من اجل تنفيذ سياسته هذه يعتمد على العائدات البترولية التي ازدادت عام 1972 الامر الذي مكنه من التجاسر على تحقير الديمقراطية ونفي الحريات السياسية و المدنية و الثقافية و حقوق المواطنة ، معتبرا اياها ظواهر غربية لا تنسجم مع الواقع المحلي ومن وجهة نظره ان التنمية الاقتصادية تسهل السياسة المشابهه” للاندماج ” الثقافي الهاديء .
” واستمر هذا الاعتقاد في عهد محمد رضا شاه ، الذي كان يسعى انذاك الى تطعيم ” التاريخ الماضي المجيد ” حسب تعبيره مع معجزة ” البترودولار ليصبح ” خامس قوة بالعالم “، وان جنون العظمة هذه وما رافقها تشكل في كل الاحوال جزء من تاريخنا وهي صفة قائمة في علم النفس الاجتماعي لنا نحن الايرانيين ، نعم كانوا في تلك المرحلة يريدون ربط الماضي العظيم بالمستقبل العظيم لكي ينجوننا من ” النكبة الراهنة ” وكانوا يعتقدون اننا على الدوام بحاجة ماسة الى علم الاستشراق لكي يذكرنا بماضينا العظيم ،حيث وجد بين المستشرقين من فعل ذلك ، خاصة في مرحلة الطفرة النفطية وما وفرته من اموال التي تسمح للمستشرقين الكبار والصغار منهم لكي يذكروننا اكثر واكثر بتاريخنا” الماضي العظيم ” .
ونطلاقا من ذلك اخذت مجموعة من المستشرقين وعبر ابتداع عناوين براقة يعرفون من خلالها ” الروح الايرانية ” ، وهي نظرة احادية الجانب غير واقيعة عن تنوع الهوية غير المركزية للأيرانيين ، وكان الهدف من وراء ذلك الانفراد في السلطة و في النتيجة انتهاج سياسة قمعية ومعادية لحقوق الانسان .
ان المثقفين الحكوميون المنظرين ” لأيران الحديثة ” ادخلوا ايضا هذا التعريف الاحادي الجانب واستخدموه لصالح الماكنة العسكرية و من ثم العسكرية – البترولية – وكانت نتيجة جهودهم تقديم التعريف الذي يسعى الى صهر الآخر في بودتقته وهومشروع غير ديمقراطي عن الهوية و الوحدة الوطنية للأيرانيين فا ” الروح الايرانية ” حسب تعريف هؤلاء المستشرقين هي المرحلة التي سبقت الاسلام والتي تقدر به 1000 عام وهي مرحلة عظيمة ، هذا من جهة ومن جهة اخرى اعتبروا تسمية المرحلة الراهنة كونها تتسم بتنوع الايرانيين على انها ” نكبة ” ، وسار محمد رضا شاه على هذا النهج حيث اعتبر العلاقات والمؤسسات الديمقراطية بالاضافة الى التنوع القومي واللغوي كارثة تهدد ” الامن ” القومي الايراني واعتبر عائدات البترول وسيلة مناسبة تمكنه من خنق الحريات و الديمقراطية ومصادرة كافة الحقوق الاخرى .
الثورة الاسلامية ، الهوية و المطالب القومية :
في ظل هذه الاجواء السياسية انتصرت الثورة الايرانية وتداعت اسس النظام القديم و وجدت الفرصة متاحة و لأول مرة لفك الارتباط مع الايدلوجية ” العظيمة الاندماجية” ، بشكلها الاحادية الجانب الفاشي السلطوي و بالتالي اعطاء تعريف جديد لمفهوم التنمية و الهوية والوحدة تماما مثل ما كان يرغب الايرانيين ولكن وخلاف ذلك وجد من يفرض علينا تعريفا آخر ” للتقدم ” و ” الايرانية ” وهذا التعريف بطبيعته يتجاهل حقوق الغير وينتقص من حقوقهم الانسانية ، وهو ذو مفهوم ” افيوني” عن تعريف الامة والتنمية وقد عبر عن هذا التعريف قائد الثورة عندما اعتبر الامة في خطبه له على انها ” الشعب الموجود بالفعل ” وهم ” ابناء الازقة والاسواق ” و ” نفسها الشيع الايرانية” ، مما عقًد موضوع اعادة النظر في مفهوم تعريف الهوية واصبح موضوعا هامشيا و ” مبهما ” وغير قابل للتفسير و التأويل وذلك جريا على اساليب تعاريف الديكتاتورية عن الامة . حيث اعلن ان الميزان والحكم هو” راي ” الامة .
واذا دققنا بالتعريف الانف الذكر وفي الجهة المقابلة نراه تعريفا ” مجتزا ” و ” استبداديا ” لتعريف الامة، تعريفا يبسط ” ظلالا ” على ” ذهبية الماضي ” و ” آمال الاخوة المستقبلية ” و الراهنة للأيرانيين ، وهو بطبيعته ينتهك حقوق المواطنيين و يحقر حرياتهم بشدة
الاسلام المعادي للقوميات!
اذ اكان محمد رضا شاه يدعي انه برحيله سوف تتبدل ايران الى” ايرانستان ” فان هذا الحديث يفضح قبل كل شيء السمة الاصطناعية المقرونة بالعنف لتكوين الامة ألمتسلطة للشوفينية البهلوية و التي كانت قائمة على سلب حقوق المواطنيين وعلى تجاهل وانكار القوميات الايرانية و بذلك جعل حكومته في مواجهة مع الدين ومع الحقوق المدنية والسياسية، و النتيجة تعني لايمكن حفظ الامن ووحدة البلاد الا عبر حراب البنادق .
ان الحيث الانف الذكر هو عبارة عن فهما مجتزا ، فاشيا يحاول صهر اي هوية ومن بينها الهوية الاسلامية و الحد من جميع الابعاد الحقيقية للاسلام الى هوية محدودة ومغلقة ، و كانت نتيجة السلطة الاندماجية – هي الغاء للتنمية و الهوية والوحدة تحت اي مسمى كان . من هنا فأن الديكتاتورية في المنظور القريب سوف تؤدي الى انتهاك حقوق الايرانيين و في المنظور البعيد سوف تؤدي الى تخلف البلاد و بالتالي الى الانفجار الشعبي ـ كما انها سوف تمهد الطريق للأتجاهات الانفصالية وبعبارة اوضح، تجاهل الوحدة الوطنية عبر فرض الهوية الاحادية الجانب سوف يؤدي بالنهاية الى الاندماج و حذف ” الآخر ” عبر العنف ، وهذا ما لايتماشى مع رغبة الغالبية من الايرانيين .
ان النظرة القائمة على المواجهة العالمية وتقديم” الخدمة ” المقرونة ” بنفي الحقوق” و ” الهوية ” بأسم الاسلام هي نفسها تشبه الى حد كبير فكرة “التقدم “و ” الأمة” المسيطرة المبنية على ” معاداة الحقوق ” وتجاهل ” التعددية و التنوع و كثرة القوميات في ايران والتي كانت سائدة في مرحلة الحكم البهلوي . غافلة عن ان عائدات البترودولار لم تسطيع ان تحقق حلم محمد رضا شاه البهلوي القومي – العنصري نحو اقامة ما اسماها ” بالحضارة الكبرى ” التي كان يبتغيها .واليوم فان الدولارات النفطية لاتستطيع تحقيق اهداف اولئك الذين يسعون دون ان يذكرو اسم النظام الاستبدادي الشاهنشاهي ، الذين جعلوا من سياساتهم المعادية لأمريكا و واسرائبل و الحصول على السلاح الذري حجة لانتهاك حقوق الايرانيين و قمع اي صوت معارض في ايران وكما لا تستطيع ” الخدمة ” التي تقدم للقوميات ان تحل محل ” كرامتهم ، و تنوعهم القومي وحقوقهم ” ، وحسب اعتقادي المتواضع لا اقتصاد الصدقة – البترولى – الشاهنشاهي الذي خصص جزءا قليل من عائداته الكبرى لتغذية الطلاب ” بالمجان ” و لا اقتصاد الصدقة المتمثل بالبطاطة في عهد المتسلطين” المقصود الولي الفقيه وبطانته المترجم ) يكونون قادرين على تعويض وتوجية انتهاكات الحقوق و حريات المواطنيين الايرانيين و عزتهم وكرامتهم على اختلاف تنوعهم القومي و اللغوي و الديني و السياسيى .
ان الاستنفار ضد امريكا و الجهود المبذولة لتحقيق شعار ” لنجعل من جميع انحاء ايران لجان للدعم ” بدل ان شعار” ايران لكل الايرانيين ” لا يستطيع قط ان يكون طريقا للحوار الحضاري من اجل تلبية الاحتياجات المنزلية ، و الهوية و الديمقراطية للايرانيين . من هنا ولهذا السبب يجب البحث عن طريق يربط بين ” عظمة الايرانيين ” و ” حقوق الايرانيين “وكذلك ” تقديم الخدمات للمواطنيين ” و ” التنمية الشاملة ” و الهوية القومية ” و” الهوية الوطنية ” . ومن وجهة نظري لا يتسنى ذلك الا من خلال تحقيق “الديمقراطية في الداخل و السلام على المستوى العالمي ” و ان تحقيق مثل هذا الهدف يستوجب ضرورة العودة الكاملة الى اهداف الثورة الايرانية و تقديم قراءة ديمقراطية جديدة للدستور الايراني الراهن.
انتفاضات القرن الاخير و اتجاه صنع الامة
لقد اظهر الايرانيين اثناء حركاتهم التحررية المعادية للأستبداد و الاستعمار خلال القرن الماضي انهم بحاجة الى هويتهم ووحدتهم الوطنية ولم تكن هذه الهوية كما يدعي المستشرقين و ادعياء التشدد حول” الروح الايرانية “كروح معادية للعرب ، والاتراك و مؤيدة للأستبداد والقهر ” لأن سير الاحداث قد اثبت ان العرب و الاتراك والاكراد و البلوج و التركمن و اللر و الكيلكية و المازندرانية نزلوا الى الساحة متحدين ضد النظام وذلك من اجل تقرير مصيرهم وهم محافظين على وحدتهم وفي نفس الوقت ” على اختلاقاتهم القومية و اللغوية ” وممهدين الطريق للتنمية في عموم ايران . وفي هذا المجال يمكن ان نذكرمقاطعة التنباك ، ثورة الدستور او المشروطة ، النهضة الوطنية لتأميم البترول نهضة الخامس عشر من خرداد (ايار- مايو ) الثورة الاسلامية ، الحرب المفروضة ، اسطورة الثاني من خرداد – ايار – و الحركة الخضراء. هذه التحركات ليست بالاضافة الى كونها لها اهداف معينة وحسب و انما استعراضا لوحدة الجماهير وان كل حركة من هذه الحركات الكبرى قد تمت في اطار ايران مما يعتبر جزء من السجل التاريخي و الثقافي و السياسي المضيء لتكوين ” الامة ” و اعادة الانتاج المستمر للوطنية ” و بذلك فان لامة الايرانية لاتستعير معايير هويتها من مستشرقي القرون الاستعمارية الماضية او من القوميين الفاشيين وانصارهم ،ولا لحساسيات صنع الاسلام القومي – الفاشي ( بان اسلاميسم ) الذي يحاول تبديل الامة الى مسألة ” ذاتية ” .
ان تكون تركيا او عربيا او كرديا او تركمانيا او بلوجيا او فارسيا او للريا وفي الوقت نفسه ان تكون ايرانيا و تعيش من اجل ايران يطرحان على الدوام كونهما مرتبطان ببعضهما البعض و ليس في نفي الخصائص القومية للآخر كذلك لا يتنافى التقدم والرفاه الاقتصادي مع التنمية السياسية و ازدهار الثقافة وعلى العكس من ذلك فان التنمية الاحادية الجانب في ايران سوف تؤدي عاجلا أم آجلا الى الانفجار .
اليس الاتراك بقيادة ستار خان “و بمرافقة اللر و البختاارية الشجعان “اثناء ثورة الدستور هم من قاموا بحماية طهران و انجاح الثورة ؟ اليس الاتراك نفسهم واثناء الثورة الاسلامية في 29 من بهمن عام87 19 هم من ساندوا القائد الفقيد و بقية المراجع العظام في قم من امثال ” اية الله الشريعتمداري ، و الكلبايكاني و النجفي المرعشي ” ونزلوا الى الشواراع ألاف مؤلفة من اجل اسقاط نظام الاستبداد الشاهنشاهي ؟ الم يكن انفسهم من شارك في الحرب المفروضة دفاعا عن وحدة ايران و سلامة اراضيها ؟ واخيرا لماذا يجب ان نحارب حقوقهم القانونية ؟ .
واستنادا الى ذلك كانت تصريحات السيد محمد خاتمي في بيان العلاقة بين” الهوية ” و ” مطالب ” الايرانيين لها وقع ايجابي على القلوب ، الم يقل تكرارا ” ان الثورة الاسلامية كانت متطابقة مع الهوية التاريخية للايرانين و مطالبهم التاريخية ” من هنا فان الحقوق و المطالبات الراهنة والتي جاءات على السنة الناس لا يمكن فصلها عن الهوية الوطنية وعن المطالب التاريخية و يدعى ان الامة تفتقد الى حق تقرير المصير وعليها تأخذ هويتها من مكان بعيد عن مطالبها اليومية الواضحة .
الخوف أم “الاحترام ” :
ما يهدد اساس التضامن و الانسجام الوطني بين الايرانيين ليس تأمين حقوق المواطنة و الاعتراف بالتنوع القومي ، اللغوي ، الديني ، الثقافي و السياسي وانما التنمية المفروضة وانتهاك حقوق الايرانيين و دمجهم الثقافي و اللغوي و الديني ، و الامر الخطير الذي جعل الشا،ه يطرح ” ايران” ويبدلها الى “ايرانستان” هوليس منح تلك الحقوق و انما هو عندما تكون السلطة مستندة الى حرا ب البنادق ، هو الذي جعل محمد رضا شاه يعتبر التنوع اللغوي و القومي والديني على انه خطر ودفعه للتصرح انه في حال سقوطه فأن ايران سوف تتجزأ هو في الحقيقة كون المملكة البهلوية قد بنيت على الخوف والارعاب ، من هنا فانه يقيم ويربط بين انهيار الخوف و الاختناق مع تجزأ ايران عندما رفع الشاه يافطة باسم “ايرانستان ” كان ذلك انطلاقا من فهمه القائم على معاداة حقوق الانسان حسب المفهوم الايراني .حيث يرى انه عبر نهج هذه السياسة سوف يكون بمقدوره منع اي تحرك مناهض لفساد نظامه و ظلمه. في حين ان الجماهير عندما ثارت واسقطت النظام الشاهنشاهي الجائر لم تعر لمثل هذه التصريحات اي اهتمام وهكذا كان صمودهم امام الاعتداء البعثي صمودا غير مسبوق دفاعا عن وحدة الاراضي الايرانية .
اما قائد الثورة الاسلامية على العكس من السلالة البهلوية فقد كان وفي سبيل ابقاء حكومته كان بحاجة مستمرة الى الابتعاد عن سياسة الهروب و الخوف المحوري و المعادي الى التعدد وقد رأي ” ان” الوحدة في التنوع ” لا تتنافى كونك ايرانيا ولايرى ان التنوع القومي و اللغوي ان تحل المجالس والانتخابات المحلية والعامة محل الوحدة الوطنية وانما تعد جزءا من مفاهيمها لقد اثبت عصر الاصلاحات مرة ثانية بدل ان نغذي الخوف على مستوى البلاد وبدلا من ان ننفي المقولات القومية و الثقافية ، يجب ننمي نظرية ” الاعتماد ” على الشعب و في النتيجة مشاركته ونطالب بأن تكون ايران لكل الايرانيين .
جابر احمد صحفي عربي من عربستان – الاهواز