راجت صورة رئيس تونس المخلوع زين العابدين بن علي بعد رحيله، على أنه الرجل الوحش. والآن، هناك من يريد تقديم الرئيس المصري حسني مبارك أيضا بأنه غول مصر. ومن المبكر إطلاق الأوصاف لأننا في وقت يصنع التاريخ لا وقت يكتب فيه التاريخ. إنما الانطباع السائد أن التعامل المصري مع مبارك، حتى الآن، أقل عداء تجاهه على الرغم من صوره المشوهة والدمى المشنوقة في ميدان التحرير. فأقصى مطالب المعارضة هو تنحية الرئيس لا ملاحقته، ومعظم أحزاب المعارضة، التي خاضت حربا طويلة ضد مبارك، عبرت عن رغبتها في أن تحفظ كرامته في حال تنحيته. ولا أدري إن كانت تلك هي طبيعة الشخصية المصرية التي عاملت بلطف الملك فاروق بعد خلعه وعبد الناصر بعد هزيمته في 67، أم أنه إرث ثلاثين عاما في ما سمي حكم الأبوة .
وقائمة عيوب مبارك التي وصف بها طويلة؛ بينها عجزه عن إدارة البلاد داخليا وفشله في التعامل مع المعارضة. وحتى الموالون له يعترفون بأن مبارك فشل تماما في توسيع النظام السياسي ليستوعب الجميع، مع أنه أكثر الرؤساء الثلاثة الذين حكموا الجمهورية انفتاحا على أحزاب المعارضة، وفي عهده ارتفع سقف الحريات. مشكلته أنه كان في كر وفر مع المعارضة، مثل أن يوسع حريات الصحافة لكن يبقي على قانون الطوارئ.
سياسته الخارجية، بخلاف ذلك، كانت مسالمة. فقد عرف مبارك بأنه زعيم وديع نادر الانتقام، يبحث لمصر عن دور في كل قضية، لكنه يحذر المغامرات، ولا تعرف له مغامرة واحدة بخلاف سلفيه السادات وعبد الناصر. حتى عندما تعرض لمحاولة اغتيال كاد أن يقتل فيها في أديس أبابا، واتضح له لاحقا أنها دبرت من قبل أطراف في النظام السوداني، لم ينتقم، ولم يحرك ساكنا عدا الاحتجاج الدبلوماسي. في حين أن الرئيس السادات عرف بشراسته، حيث إنه بسبب خلاف طارئ نشب بينه وبين جارته ليبيا، دفع بدباباته فورا عبر الحدود، ولولا الوساطات لكان احتلها في لحظة غضب. وعبد الناصر كانت أصابعه في كل مكان، نشر قواته في أنحاء العالم تقاتل على جبهات ثورية مختلفة حتى جاءت نكسة 67.
أما مبارك، فقد عرف بأنه بطيء ومتردد وحذر، مثلا رفض إرسال قواته إلى العراق للمشاركة في الغزو، ورفض إرسالها للمشاركة في قوات سلام اقترحت عليه، ورفض مشاركة المصريين مع قوات الناتو في أفغانستان على الرغم من التلويح بقطع المعونات الأميركية. وحتى عندما أرسل حزب الله فريق تخريب قبض عليه في مصر، ودعا نصر الله إلى الانقضاض على نظام مبارك، لم يرد بأكثر من تصريحات هازئة. وعرف بأنه في كثير من خصوماته السياسية يعتمد أسلوب المقاطعة الشخصية كنوع من إعلان الغضب.
مشكلة الرئيس مبارك جلية للعيان، داخلية، في إدارته لبلد ضخم كمصر يواجه تحديات صعبة. فقد ورث الحكم لبلد في حالة انفجار سكاني بلا موارد كافية تصاحبه، وهذا حديث مهم سأتطرق إليه لاحقا، لأنه التحدي الحقيقي لمن يخلف مبارك، ومن دون حسمه ستبقى انتفاضات ميدان التحرير تحت مسميات مختلفة