بقلم: حسن راضي
بدئت ثورة تونس التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي تلقي بظلالها على الدول العربية. و شكلت ثورة تونس نقطة إنطلاق عاصفة التغيير التي هبت رياحها نحو الدول العربية. حيث ظهرت آثار التصدع بالأنظمة العربية تظهر للعلن و التراجعات السياسية الكبيرة و الوعود المعسولة التي بدءت تقدمها الأنظمة العربية لشعوبها المقهورة للحيلولة دون وصول عاصفة التغيير الشامل لهم, جائت في وقت الضائع حيث عجلة التغيير التي تقودها الشعوب أكبر و أسرع بكثير من التنازلات المكوكية للأنظمة
.
بعد إنتصار الثورة التونسية التي غيرت موازين القوى لصالح الشعوب, إسترجعت الشعوب العربية هيبتها و أملها بقدراتها الذاتية في تحقيق مطالبها و حقوقها المشروعة و الإطاحة برؤساء قد حكمت الشعوب و أحتكرت السلطة لعشرات السنين, دون إستجداء العون في تغيير الأنظمة من الدول الأجنبية أو الإتكاء على قوة خارجية.
ثورة الشعوب في الوطن العربي التي أنتصرت في تونس و في طريقها للإنتصار في مصر و باتأكيد ستشمل معظم الدول العربية أذا لم نقول كلها, عاد إلى الأذهان زمن الثورات و الإنتصارات في الثلاثينات و الأربعينات و الخمسينات من القرن الماضي على الإستعمار الأجنبي. تعيش هذه الشعوب العربية في هذه الأيام أيام نهضة و صحوة و الثقة بالنفس و النزول إلى الشارع و مواجهة الأنظمة و المطالبة الصريحة و الجرئية برحيل الرؤساء و الإطاحة بالأنظمة دون خوف و رعب منها.
ثورة التغيير التي حطت رحاها هذه الأيام في مصر العروبة, بدئت تسجل إنتصارات ومكاسب كبيرة و مهمة لصالح الثورة و تراجعات ملموسة للنظام الحاكم منذ العشرات السنين. نزول الشعب المصري إلى الشارع للتظاهر المستمر و المنظم و إزاحة الخوف و اليأس و المطالبة الجرئية و الصريحة برحيل الرئيس حسني مبارك ,هو أول مكسب للثورة الفتية في مصر التي أخذت معالمها تظهر رويدا رويدا. و سجل النظام المصري أول تراجعاته الكبيرة أمام الضغط الجماهيري المتواصل,الذي رفض الرضوخ لها منذ ثلاثين عاما و هو تعيين نائبا للرئيس. جائت هذه الخطوة المهمة للنظام بتعيين نائبا للرئيس و من خارج العائلة الحاكمة, لها مدلولاتها السياسية حيث الغت فكرة توريث الحكم في مصر التي شكلت نقطة هاجس مهمة لدى الشارع المصري و كانت إحدى مطالبه في الفترة الماضية. و لم تعد اليوم من مطالب الثورة, حيث الثورة تجاوزت هذه المطالب و وضعت سقفا عاليا من المطالب, كانت بعيدة عن حسابات و توقعات النظام المصري. خطوات النظام المصري في إقالة الحكومة و تشكيل حكومة جديدة و الإعلان عن تحديد أولويات تلبي مطالب الجماهير المصرية و فتح حوار مع المعارضة حول كافة القضايا المثارة و الإعلان بإعادة الإنتخابات التشريعية في بعض الدوائر المطعون فيها, بهدف مص غضب الجماهير الثائرة, لن تجدي نفعا لإنها جائت في الوقت الضائع.
لم يستسلم النظام المصري سريعا للجماهير و لم يقدم تنازلات و تراجعات مجانية إلا بعد ما جرب عدة محاولات لإجهاض الثورة بإستخدام تكتيكين مهمين: أولهما إستخدام القمع و القتل بهدف إرعاب و إرهاب الجماهير الثائرة. و ثانيهما محاولة إنحراف مسيرة الثورة و أهدافها النبيلة, بعد ما سحب النظام المصري, الشرطة و الأمن من حماية الأماكن العامة و الخاصة حتى تنحرف الجماهير الثائرة إلى الفوضى و النهب و السلب و الإضرار بالمصلحة العامة. و بالتالي تفقد الثورة مصداقيتها و تتلوث مسيرتها و تتحول من ثورة عارمة لإسقاط النظام و تغييره, إلى حركة من الغوغائيين و المخربين. و حينها تفقد الثورة حمايتها الدولية و تعاطفها الجماهيري في العالم و الوطن العربي و يتحول الدعم و الحماية و المناصرة للنظام المصري لحماية البلد من المخربين و العصابات الإرهابية. و بالفعل نجح النظام بشكل نسبي في تكتكه الثاني حين تعرضت الأماكن العامة و الخاصة الى النهب و السلب. و لم يسلم حتى المتحف المصري من السطو و التخريب على مدى يوميين متتاليين.
تشائمت الكثير من الجماهير و الشعوب العربية من الثورة المصرية, بعد ما شاهدت مظاهر النهب و السلب و الإضرار بالمصلحة العامة من خلال حرق و تدمير المراكز الحيوية للبلد. هروب الالاف من المجرمين من السجون, بفعل متعمد من النظام أو نتيجة الفوضى و الإنسحاب الأمني و الشرطة من أماكنها, كانت تصب في نفس الخطة و التكتيك هذا. لكن سرعان ما تصدت الجماهير الواعية و الشعب الثائر لهذه الخطة بعد ما عرفت أهدافها و إنعكاساتها الخطيرة على الثورة. و شكلت الجماهير فرق و لجان شعبية لحماية الأماكن العامة و الخاصة و حاربت بكل شجاعة تلك الظاهرة و نجحت في حماية ممتلكات البلد التي تعرضت للإضرار من قبل المخربين و اللصوص, الذي يقال إنهم ينتسبون إلى النظام نفسه ضمن الخطة المرسومة تلك, لإدخال الرعب و الخوف و التراجع من الثورة الشعبية.
إستمرار الثورة في مصر لليوم السابع على التوالي, تصاعد الغضب في الشارع, تحقيق مكاسب و إنجازات ملموسة لصالح المتظاهرين الذين ينظمون أنفسهم و مظاهراتهم يوم بعد يوم , التراجع الواضح للنظام مقابل الضغط الجماهيري المتصاعد, رفع يد الولايات المتحدة الأميركية و الإتحاد الأروبي عن دعم و مساندة النظام المصري و بالتالي سقوط هيبته أمام كل تلك العوامل, جعلت النظام المصري يعيش العد العكسي لأيامه الأخيرة. و قد أزالت تلك العوامل الضباب عن الصورة المستقبلية في مصر و ثورتها العارمة. و تدل المؤشرات على إن الثورة مستمرة و ستصل إلى أهدافها في نهاية المطاف.
و ستترك الثورة في مصر إنعكاسات واسعة و عميقة على المنطقة برمتها بشكل عام و على العالم العربي بشكل خاص, مهما كانت نتائج الثورة بعد اليوم, نظرا لأهمية مصر في العالم العربي من حيث ثقله السكاني و السياسي الرائد في المنطقة و تأثيره على العالم العربي. تنظر الشعوب العربية على أحر من نار لنتائج الثورة في مصر حتى تزيدها عزما و إرادة و ترفع من معنوياتها في تطبيق النهج التونسي و المصري في الدول العربية التي هي على قائمة الدول المرشحة للإنفجار. و الأيام القليلة المقبلة ستثبت إلى أين تتجه عاصفة التغيير حيث الجزائر و اليمن و سورية و السودان تعيش على نار “بو عزيزي” مفجر ثورة تونس, و إن قامت تلك الدول بتنازلات و فتحت الحوار مع المعارضة, فهذا لن يشفع لها, لأن الشعب العربي أراد الحياة و العزة و مستعد للتضحية لإسترجاع كرامته و القدر ينتظره حتى يستجيب له و القيود ستتكسر بإرادة الشعوب الثائرة. و غدا لناظره قريب.