صلاح أحمد من لندن
يبدو أن احتجاجات الشعوب العربية تجبر حكّام المنطقة الآن على إعادة النظر في مناهجهم، حيث أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن الأحداث في تونس ومصر واليمن أتت بحقبة جديدة الى الشرق الأوسط. ووعد الأسد بالإصلاح السياسي في بلاده.
لا مراء في أن ثورة مصر تجبر حكّام المنطقة الآن على إعادة النظر في مناهجهم وبرامجهم. وها هو، على سبيل المثال، الرئيس السوري بشّار الأسد يعد بالإصلاح السياسي في حوار أجرته معه “وول ستريت جورنال” ووصفته بأنه “نادر”.
يقول الرئيس السوري إن الأحداث في تونس ومصر واليمن أتت بحقبة جديدة الى الشرق الأوسط، وإن الحكام العرب صاروا بحاجة الآن لفعل المزيد من أجل تحقيق تطلعات شعوبهم السياسية والاقتصادية المتنامية. ويضيف: “إن لم تكن مدركا للحاجة الى الإصلاح “قبل” حدوث ما حدث في تونس ومصر، فقد فات الأوان عليه الآن”.
وتبعا للصحيفة فإن الأسد، الذي ورث السلطة من أبيه في نظام يمتد على مدى 40 عاما، ظل يحكم بلاده بقبضة من حديد ولا يسمح بأي قدر من إبداء التذمر دعك من المعارضة العلنية. كما ان نظامه يتمتع بعلاقات لصيقة مع إيران وجماعات يعتبرها الغرب متطرفة مثل “حزب الله” و”حماس”.
يتميز وعد الأسد بالإصلاح بمغزى خاص لأنه يعني ان القلق تجاه ما يدور في مصر ليس حكرا على الأنظمة العربية الموالية لواشنطن فقط، وإنما يتعداها ليشمل تلك المعادية لها أيضا. وداخل هذا الإطار فإن ردة الفعل السورية تتخذ أهمية خاصة لأن علاقات دمشق بواشنطن ليست على النحو الذي تريده هذه الأخيرة التي تسعى لجرّ النظام السوري في اتجاهها وبعيدا عن نفوذ طهران.
حسني مبارك
لكن حوار الأسد مع الصحيفة يوحي بأن أماني واشنطن هذه قد تكون بعيدة المنال. فقد أشار الرئيس السوري الى أنه يملك من الوقت لإحداث التغيير أكثر من الذي كان متاحا للرئيس المصري حسني مبارك. وقال إن هذا يتأتى لأن المشاعر المعادية لإسرائيل والولايات المتحدة وسط أفراد شعبه تجعله في وضع أفضل من وضع مبارك.
وقال الرئيس السوري إن الأوضاع في بلاده “مستقرة. والعامل الرئيسي في هذا الاستقرار هو ان تكون (كحاكم) لصيقا بما يؤمن به الناس. هذا هو جوهر المسألة. عندما تسير في طريق مختلف عن ذلك الذي يسير عليه الشارع يحدث الفراغ الذي يقود الى القلاقل”.
من أين سيبدأ التغيير السياسي؟ يقول الأسد إنه سيطلق مجموعة من الإصلاحات تتعلق بإجراء الانتخابات البلدية، وتعزيز ساعد المنظمات غير الحكومية، وسن قوانين جديدة للإعلام. ويضيف أن حكومته أجرت، سلفا، تعديلات تهدف للتخفيف من نوع الأعباء الاقتصادية والمعيشية التي أججت القلاقل في تونس والجزائر.
وفي هذا الصدد رفعت حكومته بدلات الوقود للعاملين في القطاع العام- بعكس نواياها السابقة الهادفة لسحب دعم السلع الذي يسهّل الحياة على المواطنين لكنه يستنزف خزانة الدولة. وليُذكر هنا أن الحكومات في تونس والجزائر والأردن حاولت ايضا الالتفاف على الاحتجاجات عبر خفض أسعار المواد الغذائية.
ربما كان مع معروفا أن نظام بشار الأسد – مثله مثل نظام ابيه – يواجه اتهامه بأنه أحد الأكثر شراسة وقمعا في المنطقة ولا يتورع عن الإلقاء بالمتذمرين والمعارضين في غياهب السجون بدون تهمة. وقد أججت هذه الحقيقة تكهنات واسعة النطاق في عواصم الغرب مفادها أن سوريا مرشحة قبل غيرها لانتفاضة شعبية على غرار التونسية والمصرية. لكن هذا قد يكون من الصعوبة بمكان نظراً الى سيطرة الحزب الواحد الكاملة وإحكام الدولة قبضتها على الإعلام في سوريا مقارنة بتونس ومصر.
ويقر الأسد بأن وتيرة الإصلاح في بلاده لم تأت بالسرعة التي كان يتمناها لدى تسلمه السلطة بعد وفاة أبيه في 1999. لكنه يصر، مع ذلك على أنه لن يركن الى هذا الإصلاح بنوع السرعة التي طالب بها التونسيون ويطالب بها المصريون الآن في مظاهراتهم.
وقال إن بلاده تحتاج الى الوقت من أجل بناء مؤسساتها وتحسين مستواها التعليمي قبل فتح بوابة الإصلاح السياسي على مصراعيها. وبرر هذا بأن تحقيق المطالب بالتغيير السريع قد يأتي بنتائج عكس المرجوة إذا كان المجتمع السوري – والمجتمعات العربية عموما – ليس مستعداً ومهيأً لها. وتساءل: “هل سيأتي عهد جديد من الفوضى أم عهد جديد من سيادة المؤسسات. هذا هو السؤال الذي يشير الى ان الختام ليس واضح المعالم”.
يعتقد الكثير من الدبلوماسيين والمراقبين أن سوريا هي المعيار البارومتري للتوجهات المقبلة في منطقة الشرق الأوسط عموما.
وخلال يناير / كانون الثاني من هذا العام، تتوجت سوريا بإكليل النصر في معركتها التي دامت قرابة ثمانية أعوام مع الولايات المتحدة من أجل بسط النفوذ في لبنان. وكان أهم منعطفات هذه المعركة على الإطلاق اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005. ويعتقد العديد من المسؤولين الغربيين أن اغتياله تم بأوامر من الرئيس السوري الذي ينفي هذا جملة وتفصيلا.
ولاشك في أن تأثير دمشق نما مجددا خلال السنوات الأخيرة بفضل تحالفها مع إيران وحزب الله وحماس. فقد فتح لها تحالفها مع هاتين الجماعتين الأخيرتين الباب لفرض نفوذها في لبنان وغزة علي التوالي، وهذا بالإضافة الى ما تتمتع به من نفوذ في العراق.
ويقول الأسد: “ما يسعدني هو ان النقلة الجديدة، للحكومتين السورية واللبنانية، تأتت بشكل سلس، إذ كان يمكن للبديل أن يكون من نوع الصراع الذي يقود الى حرب شاملة”. وفي يناير أيضا أعادت الولايات المتحدة سفيرها الى دمشق للمرة الأولى منذ اغتيال الحريري.
ويقول الأسد إن سعيه لتقارب مع واشنطن لا ينطوي على أي تضارب مع تحالفه مع طهران. ومع انه يتفق مع وجهة الرأي الأميركية التي ترى في تنظيم “القاعدة” والجماعات المتطرفة الأخرى شرا مستطيرا، فهو يرى أن ايران تبقى حليفا بالغ الأهمية بالنسبة له “إذ ليس بوسع أحد أن ينكر مكانتها، سواء شاء أم أبى”. ومع كل هذا فإن افتقار نظام الأسد لأي قدر من المرونة قد يضعفه كثيرا أمام الدعوة لإحلال الديمقراطية.
يشدد الرئيس الأسد، في ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي، على أن بلاده تظل راغبة في حوار مع عدوها من أجل استرداد هضبة الجولان. لكنه يعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أقل استعدادا من جهته لحوار كهذا مقارنة بسلفه ايهود اولمرت الذي اقترب معه من اتفاق للسلام في 2008. ويقول: “لا، عملية السلام لم تمت إذ لا خيار غيرها. لا بديل آخر. وأي حديث عن أن عملية السلام لفظت أنفاسها الأخيرة يعني بالضرورة أن تتهيأ لحرب مقبلة “.
يقر الأسد بأن الأرجح هو أن يظل الخلاف على القضايا الاستراتيجية الرئيسية صبغة لعلاقات بلاده مع الولايات المتحدة. فقد اتهمت الإدارات الأميركية المتعاقبة دمشق بتهريب السلاح المتطور الى حزب الله، بما في ذلك الصوريخ بعيد المدى القادرة على الوصول الى معظم الأراضي الإسرائيلية.لكن الرئيس السوري ينفي أن حكومته تسلّح الجماعة اللبنانية بشكل مباشر.