عادت الحركة الطبيعية الى شوارع وأحياء المناطق اللبنانية التي شهدت احتجاجات الغضب على إبعاد الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة بفعل انقلاب موقف حلفاء له رشحوا خيار المعارضة بدعم الرئيس نجيب ميقاتي، الذي بدأ اتصالاته غير الرسمية لتأليف الحكومة بجولة بروتوكولية على رؤساء الحكومة السابقين على أن يبدأ اليوم مشاوراته الرسمية مع الكتل النيابية، لغربلة مطالبها السياسية والتوزيرية، فيما واصلت «قوى 14 آذار» وقيادات «تيار المستقبل» اتهامه بأنه مرشح «حزب الله» وأن الأخير هو الذي يقود الحكومة .
وبينما عكست أجواء التوتر، التي شهدها يوم الغضب أول من أمس، عمق الأزمة السياسية التي يمر بها لبنان، يتهيب المتابعون لمشوار تأليف الحكومة الجديدة، وكذلك بعض الذين أيدوا خيار الرئيس ميقاتي، عملية التأليف نظراً الى أن الأزمة سترخي بثقلها عليها. لكن الأوساط المعنية بالقرار الذي أدى الى إسقاط الحريري تتوقع ألا يطول الوقت لرسم شكل الحكومة لأنها لا تنوي إعطاء فرصة للمعارضة الجديدة للإفادة من عقبات التأليف وتخطط لإزالتها في أسرع وقت كي تتبلور التشكيلة الجديدة التي أخذت أسماء عدة تتردد على أنها ستضمها.
وفيما أبلغ الرئيس ميقاتي «الحياة» مساء أمس أنه سيواصل خلال المشاورات التي يبدأها اليوم، سياسة الانفتاح والحوار وأكد أنه «مرتاح عربياً ودولياً»، رداً على توقعات خصومه بأن تتعاطى معه دول غربية وعربية بسلبية، أخذت المعارضة الجديدة المؤلفة من قوى 14 آذار، تتهيأ للمرحلة المقبلة بالإعلان عن أنها ستواصل تحركها الاعتراضي على ما تعتبره انقلاباً على الحريري ولكن بالطرق السلمية، بدءاً بالتجمع في شكل يومي السادسة مساء كل يوم أمام ضريح الرئيس رفيق الحريري في بيروت، وهو ما حصل أمس أيضاً.
وعلمت «الحياة» أن قوى 14 آذار ستعلن تباعاً عن سلسلة تحركات تتجنب الشغب الذي حصل أول من أمس والذي اعتبرت هي و «تيار المستقبل» أنه أساء إليها. وكان الحريري تولى شخصياً الاتصالات مع القيادات المحلية في تياره في كل من طرابلس وعكار والمنية والضنية والبقاع وإقليم الخروب، لمطالبتها بالخروج من الشارع ووقف عملية قطع الطرقات بدءاً من ظهر أول من أمس، لأن بعض ما حصل شوّه الموقف والتوجهات السياسية للتحرك الاحتجاجي.
وهو ما أدى الى الهدوء الكامل بدءاً من ليل أول من أمس على رغم الاحتقان الشعبي الذي ظهر. كما طلب الحريري من قيادات «المستقبل» التنسيق مع القيادات المحلية في الأطراف الأخرى منعاً لأي احتكاك معها. وطلب كذلك سحب بعض الشعارات المتطرفة التي ظهرت خلال تحرك أنصاره.
وكان ميقاتي بدأ مشوار تأليف الحكومة بالاجتماع أمس الى الرؤساء السابقين رشيد الصلح، عمر كرامي، ميشال عون، فؤاد السنيورة والحريري. وعلمت «الحياة» أن الرئيس المكلف جدد قوله خلال لقاءاته مع بعض هؤلاء، إن وقف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لم يعد قراراً لبنانياً، وإن أحداً لم يشترط عليه شيئاً في شأن المحكمة أو غيرها، وإن أي موقف يتعلق بإلغاء المحكمة أو إبطال مفاعيلها رهن بالحوار اللبناني – اللبناني.
وأكد ميقاتي أمام بعض من التقاهم من رؤساء الحكومة السابقين أن «أي طلب بوقف تعاون لبنان مع المحكمة الدولية يحتاج الى إجماع لبناني»، وأنه يشترط «الإجماع اللبناني على كل ما يتعلق بالمحكمة الدولية على أن يتوافر له غطاء عربي ما أمكن».
وبالنسبة الى تصوره لتركيبة الحكومة الجديدة، نقل عن ميقاتي قوله إنه يتطلع الى التعاون مع الجميع لتحقيق أوسع مشاركة سياسية فيها، وإن لديه كل النيات الحسنة للاستماع الى وجهات النظر والحوار للوصول الى تصور مشترك، وبالتالي فهو ضد إقصاء أي طرف أو إلغائه.
وأكد ميقاتي أنه سيتجنب إقحام الحكومة في القضايا الخلافية لأن من الأفضل أن تكون موضع حوار، وقال إنه ضد التشفي أو الكيدية والنكايات، وإنه لن يلجأ الى ذلك لأنه ليس من هذا النوع. واعتبر أن هناك ضرورة للمجيء بحكومة مقبولة وترضي أكثرية اللبنانيين. وقال إنه لا يحبّذ المجيء بوزراء يسهل التصويب سياسياً عليهم، أو التشكيك بقدراتهم ومؤهلاتهم.
وعاد ميقاتي الى التأكيد أنه لا يفضل المجيء بحكومة «فضفاضة» وأنه يطمح الى حكومة «متوسطة العدد وتحقق المشاركة السياسية» وإلا فإنه لن يكون ضد تشكيل حكومة مختلطة من تكنوقراط وسياسيين. وقال إنه سيبقى على تشاور مع الجميع.
وعلمت «الحياة» أن بعض الأسماء التي أخذت تظهر لعضوية الحكومة الجديدة تشمل الوزير السابق ناجي بستاني لحقيبة الداخلية وهو من مرشحي المعارضة للنيابة في قضاء الشوف وعلى خط التواصل بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان وبين دمشق، والقيادي في حركة «أمل» ومستشار رئيس البرلمان نبيه بري علي حمدان لحقيبة الخارجية، والوزير السابق يعقوب الصراف الذي كان محسوباً على الرئيس السابق إميل لحود لحقيبة الدفاع، والوزير محمد الصفدي لحقيبة الاقتصاد والمالية، والوزير السابق دميانوس قطّار لواحدة من الحقيبتين، كما تردد اسم فريد باز للمالية. وأشارت المصادر الى أن النائب طلال أرسلان سيتولى حقيبة في إطار التمثيل الدرزي، إلا إذا تقرر أن يمثله قريبه مروان خير الدين، إضافة إلى تمثيل «جبهة النضال الوطني» التي يتزعمها النائب وليد جنبلاط. كما تردد اسم نقولا نحاس وهو من المقربين من الرئيس ميقاتي، إلا أن حسم مسألة بعض الحقائب يتوقف على مطالب العماد عون، فضلاً عن مطالب الرئيس ميشال سليمان الذي تقول أوساط مطلعة إن توزير محسوبين عليه يجعله نقطة توازن في ظل الأزمة.
ومساء أمس قال ميقاتي لـ «الحياة» عن النتائج الأولية لاجتماعاته مع رؤساء الحكومة السابقين، إنها «كانت جيدة» وإنها تناولت الوضع السياسي «وتطرقنا الى بعض التفاصيل خلال لقاءاتي مع كل الرؤساء كرامي وعون والسنيورة، أما مع الرئيس الحريري فهي اقتصرت على البروتوكول واللياقة والصراحة».
وعلمت «الحياة» أن لقاء الرئيس المكلف مع الحريري كان قصيراً جداً ولدقائق معدودة، وأن الأخير قال له: «إنني تعاملت معك في المرحلة الماضية بصدق وصراحة وفي شكل منفتح في كل الأمور وطوال الوقت. أما أنت فلم تكن صريحاً معي». وهذا ما أنهى الاجتماع سريعاً.
ودعا الرئيس كرامي في تصريح عقب اجتماع ميقاتي به، الى تأليف حكومة مختلطة من تكنوقراط وسياسيين. ولفت تعليق كرامي على قول الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله إنه عرض عليه ترشيح المعارضة له لرئاسة الحكومة وإن جوابه كان أنه بات كبيراً في السن وإنه يفضل البحث عن غيره، فقال كرامي إن جوابه كان أنه «في هذه الظروف والأزمات المعقدة يستدعي من رئيس الحكومة العمل 15 الى 16 ساعة متواصلة». وأضاف: «أنا في الحقيقة أصبحت متقدماً في السن… واستمعت الى خطاب السيد نصرالله الذي رثاني فيه وأنا اليوم أمامكم (الصحافيين) فهل ترونني مريضاً؟». كما انتقد كرامي التحرك الاحتجاجي الذي قام به أنصار «تيار المستقبل» واصفاً إياه بأنه «حفلة جنون».
أما العماد عون فقال إن أجواء لقائه مع ميقاتي «كانت أجواء تفاهم ونحن رشحناه». وأضاف: «نعطي الأفضلية للوحدة الوطنية أما إذا لم يريدوا المشاركة فهذا شأنهم لكن بالتأكيد السنّة سيشاركون معنا».
وقال السنيورة إنه تناول مع ميقاتي «الضغوط والتهويل اللذين مورسا خلال الفترة الماضية ودفعانا لاتخاذ الموقف الصادر عن كتلة «المستقبل» إزاء ترشيح ميقاتي». واعتبر أن «من ملابسات ما حصل لا يمكن الرئيس ميقاتي أن يقول إنه في موقع وسطي. فعلياً هو مرشح ومؤيد من قبل «حزب الله»».