بقلم: حسن راضي
إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلابد أن يستجيب القدر .. و لا بد لليل أن ينجلي .. ولا بد للقيد أن ينكسر.. هذه الأبيات الشعرية, التي قالها أبو القاسم الشابي من تونس, تعتبر من أعظم ما قاله العرب, لما فيها من معاني عميقة تجسد إرادة الشعب الحقيقية و الروح الثائرة و النفوس المتمردة التي لا تقهر, أمام أعنت الآت القمع و البطش التي تستخدمها جبابرة التأريخ لإذلال الشعوب و قهرهم. صارت هذه الأبيات فيما بعد أناشيد و أغاني يتغني بها الشعب العربي من سبتة إلى الأحواز, لتغذيهم الإيمان بالنصر الحتمي و ترفع من معنوياتهم في معارك التحرير من الإحتلال و الطغاة .
إنتصار ثورة تونس التي أبهرت العالم أجمع, لعدة إعتبارات, كانت ترجمة و تطبيق حقيقي لأبيات أبو القاسم الشابي تلك. حيث أراد الشعب التونسي الحياة, فإستجاب له القدر وأنجلى عنه الليل و أنكسرت القيود أمام رغبته و إرادته في التغيير. و أصبح الشعب التونسي بثورته المنصورة, رافعا شعلة الأمل بالنصر و التغيير ليس في لوطن العربي فحسب بل للعالم الثالث برمته. أقذف الشعب التونسي بثورته المنصورة, في هذه الأيام, كرة توازن الرعب و اليأس من ملعب و ساحة الشعب العربي, إلى ملعب الحكام و الأنظمة الديكتاتورية التي أصبحت مهزلة و مخجلة, لما جلبت للوطن العربي العار و الهزائم و الهوان. تحرك العالم العربي بعد إنتصار ثورة تونس, و خرج بمظاهرات إحتفالية و أخرى لتطبيق النموذج التونسي الناجح, في الأوطان العربية التي تحكم بعضها رؤساء منذ عشرين و ثلاثين و أربعين سنة.
جعل الشعب التونسي, جميع العالم بهذه الأيام التي نعيشها أن يراقب بكل حذر لما ستؤدي إشعاعات و إصداء ثورة الجياع في تونس, بالأقطار العربية الأخرى. و تعتبر الأيام المقبلة حبلى بكثير من المفاجئات و التداعيات و التحديات للانظمة العربية, حيث ما حصل في تونس هو أكثر من جرس إنذار, بل هو درسا مهما لحكام الدول العربية و تجربة غنية للشعوب المقهورة. إستطاع الشعب التونسي بثورته الشعبية, أن يخطف الأنظار و يربك التوقعات و التحاليل السياسية و الإستراتيجية في إحتمال وقوع ثورة الجياع و البطالة في تونس المستقرة نسبيا, مقارنة بشقيقاتها في الوطن العربي المضطربة سياسيا والتي تعاني من أزمات إجتماعية و إقتصادية و من أم الأزمات, أزمة الشرعية. لكن جاء ” محمد بو عزيزي” الشاب الجامعي, ليغير المعادلة التقليدية في حسابات المحلليين و حتى الفلكيين. حيث لم يشعل النار “بو عزيزي” بنفسه فقط, بل أشعلها بنفوس التونسيين و قاد الثورة و هو في المسشتفى و حتى بعد وفاته, إلى النصر العظيم و تمكن من الإطاحة بالرئيس التونسي. و لم تشفع للرئيس زيارته لـ” محمد بو عزيزي” و هو في المستشفى قبل أن يتوفى الأخير بأيام قليلة, لإحتواء الأزمة و الحيلولة دون تطورها قبل أن تحرق نار “بو عزيزي” النظام التونسي برمته و على رأسه زين العابدين.
دخل تونس منذ بداية العقد الثاني من القرن الواحد و العشرين, بعهد جديد, تتمناها كل الشعوب العربية في الوطن العربي. لم يكن أحد يتوقع ثورة في تونس و إنتصارها بهذه السرعة المبهرة, التي سميت بثورة “الياسمين” أو الثورة “الوردية” نظرا لسقوط ضحايا قليلة بالأرواح, (78 قتيلا و 94 جريحا حسب تصريح وزير الداخلية التونسي في الحكومة المؤقتة) مقارنة بحجم المكاسب و التغيير الكبير, الذي دفع الشعب العربي الآلاف من القرابين في الأقطار العربية الأخرى في سبيل تحقيق نصف ما حققه الشعب التونسي في هذه الثورة التي أثبتت للعالم العربي مدى هشاشة الأنظمة العربية, مقابل غضب و صرخة الجماهير الجائعة, التي يمكن أن تغيير اليأس و الجوع و الخوف, إلى أمل و نصر أذا ما تحركت و رفضت الخنوع و الأمر الواقع و آمنت بقدراتها و إرادتها الجماعية, فحينها تتكسر القيود , و تشرق شمس الحرية و يطل فجر الإنتصارات التي طالما إنتظرناه طويلا.
تدل المؤشرات في الدول العربية التي تغلي على نار “بو عزيزي” على إنها إما تتراجع كثيرا أمام الشعب و تقوم بكثير من الإصلاحات السياسية و الإقتصادية و إما ستحرقهم لهيب نار “بو عزيزي” التي أمتدت الى الكثير من الدول العربية. المظاهرات التي أنطلقت في عدد من الدول العربية و إحراق عدد من الشبان العرب أنفسهم في مصر و الجزائر و موريتانيا ما هي إلا شرارت نارية حارقة ستنتشر كالنار بالهشيم في الأنظمة الديكتاتورية في الوطن العربي.