تاريخ الاهواز ( عربستان ) منذ عصر الافشار حتى الوقت الراهن الفصل الثامن – الحلقة الخامسة ‏

jaber-ahmad

التواجد الروسي في منطقة الخليج وشط العرب-

تاليف : الاستاذ  موسى سيادة -عرض وترجمة:  الباحث الاستاذ جابر احمد– كما قلنا  في الحلقات السابقة ان  الصراع الروسي البريطاني في عهد مظفر الدين شاه  القاجار  قد وصل الى اوجه ، فأينما تحرك الروس تجد هناك تحركا معاكسا لهم  من قبل البريطانيين ، لذلك  سافر في الفترة الواقعة ما بين اعوام  1904 – 1905 وفدان  تجاريان  روسيين الى ايران  وقد تسنى لهما  ان يزورا طهران واصفهان و بعض المدن الايرانية الاخرى .

وفي المقابل كان الاسطول البحري  التجاري  البريطاني  الذي  تديره اسرة ” لينج ”  يجوب مياه الخليج طولا وعرضا واضعا كل شيء تحت الانظار ، وقد قامت بريطانيا  وازاء التحركات  الروسية  في ايران  ان تعزز تواجدها في اقليم عربستان ، وفي السنوات الواقعة ما بين عام  1903 – 1904   قدم مهندسا هولنديا  اقتراحا يقضي بتنفيذ  مشاريع زراعية واسعة  على امتداد ضفتي نهر كارون الا ان هذا المشروع لم  يرى النور .

في نوفمبرمن عام  1903  سافر المندوب السامي البريطاني في الهند ” اللرد كرزن ”   الى منطقة الخليج  وذلك من اجل طمأنت اماراتها وحمايتها من اي اعتداء خارجي وقد تمكن خلال هذه السفرة من عقد اتفاقيتين  تجاريتين مع ايران .

واثناء   سفر  ” اللرد كرزن ” الى ايران ودخوله عن طريق المحمرة  ، حمل  الشيخ  خزعل بشدة على  سياسات الدولة المركزية الموجهة ضده واتهمها بتجاهل الاتفاقية المعقودة بينه  وبينها بشأن كيفية  ادارة الجمارك في مدينة المحمرة ، وتسأل قائلا رغم  الخدمات التي  قدمتها  للانجليز لماذا  لا يدافعون  عني كدفاعهم  عن ساير حكام امارات عرب  الخليج   كالكويت والبحرين على سبيل المثال ؟ .

وعقب هذا التصريح  كتب ” هاردينك ” الوزير المفوض البريطاني  في طهران الى وزير خارجيته قائلا : ”  ان الروس  يحاولون استمالت الشيخ خزعل الى جانبهم وقد ارسلوا له  الوسام العالي  الروسي ” ويوصي في رسالته انه على الدولة  البريطانية ان تفي بتعهداتها ازاء الشيخ خزعل  وتطورها . و قد قبلت توصيات ” هاردينك ”  من قبل وزارة الخارجية البريطانية على الفور وان كانت هذه التعهدات محدودة  وليس بالمستوى الذي يطمح  اليه الشيخ ،  الا  انها تضمن  حماية بريطانية  واضحة  و قد اعطوه الحق ان يقف بوجه اي مبادرة من جانب الدولة المركزية   تتنكر للأتفاقية  الجمركية  المعقودة بينه وبينهم .

وهنا نرى من المناسب  ان نعطي نبذة مختصرة  عن المصالح البريطانية في اقليم عربستان  التي كانت الى درجة من الاهمية  بحيث ان الانجليز  اضطروا الى الموافقة على منح الضمانات الآنفة الذكر الى  الشيخ خزعل ،  ولعل  هذه المصالح هي :

اولا : المصلحة التجارية ، فقد بلغت  قيمة الصادرات و الواردات البريطانية في الفترة الواقعة ما بين 1889 -1899 م 482 , 210 جنيه استرليني ، ارتفعت الى  452,688 جنيه استرليني وبلغت حصة التبادل  التجاري  البريطاني لعام 1899 مع اقليم عربستان وحده ما مقداره 295,008 جنية استرليني .

ثانيا :  المصلحة  الامنية ،  فقد كان البريطانيون راضين عن استباب  الامن  في المناطق الواقعة تحت السيطرة  المباشرة لحكم الشيخ خزعل ،  لان اي تعكير لصفو الامن  من شأنه  ان  يلحق اضرارا  حسيمة  بالتجارة  البريطانية .

ثالثا : المصلحة الاستراتيجية ،  ويمكن  تقسيم هذه المصلحة الى قسمين  ، هما الدفاع والهجوم ، اما  بالنسبة  للهجوم  فيعود ذلك للأهمية ” الجيوبوليتيكية ”  لاقليم عربستان  وذلك اذا اتخذت بريطانيا منه قاعدة  لها او ممرا لمواجهة اعدائها كما هو الحال  بما حدث  في الحرب العالمية  الاولى .

اما  بالنسبة  للمصلحة الدفاعية ،  فهذه المصلحة  يمكن تأمنها  عن طريق  عقد بعض الاتفاقيات السياسية  المناسبة مع الشيخ خزعل و التي من شأنها ان تمنع  الروس من الوصول الى المنطقة  المفتوحة . ولعل اهم تصريح ادلى به  الوزير المفوض البريطاني في طهران  السيد ” هاردينك ” عام 1903  حول  الاهمية الاستراتيجية  لاقليم عربستان  قوله :   الروس  يسعون الى احتلال  شمال ايران . ، ويضيف حسب اعتقادي الثابت  ان القوات البريطانية  بالتنسيق مع  القبائل العربية  الواقعة تحت امرة  الشيخ خزعل وكذلك الزعماء ” الخوانيين” البختياريين  بامكانها السيطرة على الزاوية الغربية من ايران ” عربستان ”  وحتى اصفهان .

وكانت المصلحة الاستراتيجية الدفاعية البريطانية  قائمة على الملاحظة التالية ، وهي  اذا لم تكن الضمانات المعطاة للشيخ خزعل  كافية للغاية ،  فانه من المحتمل ان يتوجه نحو الروس، لذلك  فان البريطانيين كانوا مضطرين  ان يدرسوا باستمرار مضمون تعهداتهم  تجاهه ،  من هنا فان  الموظفين  البريطانيين  في  الاقليم  يعتقدون  ان الوعود  التي تعطيها بريطانيا بالدفاع عن  الشيخ يجب تكون مغرية  لدرجة  حتى لا يفكر  برمي   نفسه  في احضان الروس  الذين يقدمون اليه مقترحات افضل من المقترحات البريطانية  ، وفي الوقت نفسه  فان موظفي  الدولة المركزية في الاقليم   يساندون   الفكرة التالية ، وهي كلما ازداد التنافس بين بريطانيا  والروس في عربستان فان حضهم  سيكون افضل  من اجل الحفاظ  على سلطتهم في المنطقة .

اما بالنسبة  لوزير الخارجية البريطاني  فانه ابلغ  في خريف 1907  خليفة  الوزير المفوض البريطاني  في طهران ، ان يؤكد  على التوجيهات الصادرة عن وزاة  الخارجية البريطانية  عام   1903 و المتضمنة  تعيلمات اخرى  وهي ان حكومة صاحب الجلالة  ملك بريطانيا  وافق على احترام  استقلال ايران و سيادتها ووحدة اراضيها  و انها  سوف تدافع عن هذه البلاد  في حال تعرضها لأي اعتداء خارجي  ، من هنا فابموجب المعاهدة التي انعقدت بين بريطانيا وروسيا  تم ضمان وحدة الاراضي الايرانية و استقلالها وسيادتها الوطنية . ولكن  بريطانيا في الوقت نفسه  كانت تدافع عن  الشيخ خزعل ، ولكن ضمانات من هذا القبيل لم تعطي للبختياريين ،الامر الذي حمل بعض  المسؤولين البريطانيين  انتقاد مواقف حكومتهم.

وكان الانتقاد الموجهة لزعماء  البختياريين ” الايلخاني و الايليكي ”  من قبل  قنصل صاحب الجلالة ملك بريطانيا  في مدينة الاهواز  هو  على  البختيارين ان يكونوا مسؤولين  عن افعالهم وسلوكياتهم ، فانهم وخلافا للعقد المبرم معهم تركوا مهامهم و  تخلوا عن حراسة المنشأة  النفطية  و ان مثل هذا الفعل  يعتبر مغايرا لمصالح وعلاقات حكومة  صاحب الجلالة ملك بريطانيا .

بريطانيا تعلن مرة اخرى دعمها  للشيخ خزعل:

و بعد اكتشاف البترول و انتاجه  بكميات كبيرة عام  1908  اخذ القائمون على الامر  التخطيط  لايجاد مصفاة لهذا البترول  في ميدنة  عبادان و ربطها  عبر انابيب  بحقول  البترول  المكتشفة  في مسجد سليمان ، وقد اقترن  هذا الحدث  مع قيام ثورة  الدستور و تعرض السلالة القاجارية الى السقوط ، الامر  الذي دفع بريطانيا  الى  اعادة حساباتها  السياسية .وفي سبيل  الحفاظ على مصالحها  في اقليم عربستان قررت ان تعلن مرة اخرى دعمها ومساندتها لحاكمهاِ الشيخ خزعل . وقد جاء في احد الوثائق الرسيمية العائدة لوزارة الخارجية البريطانية  ما يلي :

اولا :   يجب على الشيخ خزعل ان يطمئن بان بريطانيا  سوف تدافع عن  شخصه و مكانته ، و خلافائه من  بعده  وكذلك  عن استقلاله ووحدة الاراضي الواقعة تحت سيطرته  ازاء  الحكومة الايرانية .

ثانيا :  طالما  بقى الشيخ خزعل  يقوم بواجبات الصداقة  تجاه بريطانيا ، فان الحكومة البريطانية  سوف تبقيه في مكانه .

ثالثا : ان حكومة  صاحب الجلالة ملك بريطانيا  سوف تناضل ضد كل من يعارض هذا الاقتراح .

شاهد أيضاً

القضية الأهوازية وانتفاضة تغيير النظام في إيران

ورقة صالح حميد في ندوة ” لا ديمقراطية بدون حقوق القوميات في إيران” لندن – …