الصراع الروسي البريطاني للسيطرة على الجمارك :
تاليف : الاستاذ موسى سيادة- عرض وترجمة: الباحث جابر احمد – تعد اتفاقية عام 1901 و التي وقعت في عهد مظفر الدين شاه حول السيطرة على الجمارك الواقعة في الشمال الايراني بين روسيا وايران من اهم الاتفاقيات التي عقدت بين الجانبين ،
فبموجب هذه الاتفاقية لا يحق لايران اجراء اي تغيير على تعرفتها الجمركية ، كما لايحق لها ان تفرض رقابتها على زيادة او نقصان الواردات والصادرات الى ايران ، وكذلك لا يحق لها دون رغبة من روسيا ان تسن اي نظام للجمارك .
وبعد ان تم كشف الغطاء عن هذه الاتفاقية وبانت اسرارها اصيب الانجليز بالدهشة والذهول ، الامر الذي جعلهم يمارسون الضغوط على مظفر الدين شاه ليوقع معهم اتفاقا مشابها للاتفاق الروسي حول كيفية ادارة الجمارك في الجنوب .
وفي المقابل لم يقف الروس مكتوفي الايدي ، وفي سبيل كسب ود الملك منحوه عام 1902 قرضا آخر بقيمة 100 مليون روبل و قد اتضح فيما بعد ان الغاية من وراء منح هذا القرض هو عدم فرض اي ضرائب جماركية على البضائع الروسية المصدرة عبر المواني ء الى ايران ، الامر الذي اعتبره البريطانيين تهديدا مباشرا لمصالحهم في عموم المنطقة وجعلهم يفكرون بالهجوم العسكري علي روسيا و احتلال كل المناطق الايرانية . وقد بينت الوثائق السرية التابعة لوزارة الدفاع البريطانية ( 1890 – 1914 ) ان البريطانيين اخذ وا يعدون العدة لتنفيذ مثل هذا الهجوم ، حيث يبدأ بالاستيلاء على اقليم عربستان اولا ، التي يوجد فيه مصالح كبرى لبريطانيا ومن ثم الهجوم على عموم ايران ، ومن هذه الجانب اذا اقتضى الامر فان الاسطول البحري البريطاني كان على اهبة الاستعداد للتدخل العسكري ، وذلك عن طريق ميناء بوشهر و ميناء ” بندر “عباس .
تسليح العرب والبختياريين :
و بعد الاطلاع على الرسالة السرية التي بعثها بها السيد ” لرد كززن ” وزير الخارجية البريطاني بتاريخ 12 نيسان من 1896 الى االسفير البريطاني في طهران السيد ” مور تيمر دوراند” والتي تناولت الاوضاع السياسية و العسكرية في ايران ، تقرر ان تدخل بريطانيا الحرب ضد روسيا و بكل ما تعني هذه الكلمة من معاني وذلك من اجل وضع حد لأي توسع عسكري لها في ايران ، وقد اتخذت بالفعل بعض المبادرات من اجل تدريب البختيارين و الشعب العربي في عربستان على استخدام السلاح ، حتى تستطيع بريطانيا وعبر هذه المنطقة ” الاستراتيجية ” التي تعد من اهم المناطق الاقتصادية الوقوف في وجه الروس . والدفاع بشكل جيد عن عربستان . وعلى اثرها عقد البرلمان البريطاني الكثير من الجلسات ليتدارس السبل و الوسائل التي يمكن من خلالها منع الروس من تنفيذ برامجهم السياسية والاقتصادية في ايران . وقد جاءت مثل هذه القرارت بعد فوات الآوان حيث اصبح انذاك الروس مسيطرين على الاوضاع والشؤون الداخلية في ايران دون منازع .من جهة اخرى شجعت الحكومة البريطانية الشيخ خزعل بالخروج عن طاعة الدولة المركزية حتى تستطيع من خلاله تأمين مصالحها في المنطقة .
وكما تطرقنا سابقا واستنادا الى تفاهمات عام 1901 بين الشيخ خزعل و الحكومة المركزية القاضية بوجود مشرفين بلجيك على ميناء المحمرة برأسة الشيخ خزعل ، تعهدت بريطانيا بدورها عام 1900 و بعد اغلاق القنصلية الروسية في مدينة المحمرة ان تدافع عن الشيخ خزعل وعن المحمرة ازاء اي هجوم بحري تتعرض له من قبل الاعداء وقد تمثل هذا التعهد البريطاني في ثلاث نقاط وهي :
اولا: اعطائه تعهد يشبه التعهد الذي اعطته لامير الكويت .
ثانيا: تعهدت بالدفاع عنه في حال تعرضه للهجوم من الدولة المركزية
ثالثا : الدفاع عنه في حال تعرضه لأي هجوم روسي محتمل .
بريطانيا تعقد معاهدة دفاعية مع الشيخ خزعل :
ان هذا الضمانات التي قدمت للشيخ خزعل جاءات بعد المعاهدة الروسية الايرانية التي عقدت في نيسان من عام 1899 ، وقد اثارت الصحافة الصادرة في بريطانيا ، و كذلك الصحافة التابعة لها في الهند و في مقدمتها صحيفة ” التايمز أف اينديا ” سلسلة من المقالات فضحت من خلالها المعاهدات السرية التي عقدت بين روسيا القيصرية و ايران ، متطرقة الى خططهم الرامية في بناء خطط للسكك الحديدية من الشمال الايراني الى جنوبه و كذلك اصرارهم على فتح قنصلية لهم في مدينة المحمرة ، وفي هذا المجال كتب الوزير المفوض السامي البريطاني في الخليج رسالة الى وزير خارجيته محذر اياه و قائلا له اننا من خلال القيام بمناورات عسكرية لصالح الشيخ خزعل نستطيع منعه من الارتماء في احضان الروس . و في غير ذلك فان اضرارا جسيمة تتهدد المصالح التجارية البريطانية ، وقد ادعى وزير الخارجية البريطاني ” لانسدون ” وجوابا على الرسالة التي بعث بها ” هاردينك ” انه سيبذل قصارى جهده وعبر شتى السبل للوقوف بوجه السياسة الراهنة للملك القاجاري فيما يتعلق بميناء المحمرة . الا انه في الوقت نفسه لايرى ان وجود ممثل للروس في المحمرة يعتبر خطرا جديا يهدد المصالح البريطانية، لكن في حال وقوع اي طارئ فان التعهدات التي اعطيت للشيخ خزعل سوف تنفذ بالحرف الواحد . في المقابل بذلت الحكومة المركزية قصارى جهودها لمنع بريطانيا من تقديم اي نوع من الدعم للشيخ خزعل في حال فتح القنصلية الروسية في المحمرة وفي سبيل كسب ود البريطانيين منحت ايران بتاريخ 28 ايار من عام 1901 احد التباع الدولة البريطانية يدعى ” ويليام ناكس دارسي ” حق التنقيب عن استخراج البترول في اقليم عربستان وقد منح هذا الامتياز من قبل ” مظفر الدين شاه القاجاري ” ولمدة 60 عاما مقابل 200 الف جنيه استرليني بالاضافة الى تعهد الاخير بدفع 16% من فائض الارباح الى الدولة المركزية .
في السابع من كانون الاول من عام 1902 عقدت بريطانيا معاهدة مع الشيخ خزعل نصت على مايلي:
تتعهد بريطانيا بالحفاظ على امارة المحمرة من اي هجوم خارجي . وتحت اي ذريعة كانت ، شريطة ان يتبع الشيخ الملك الذي يحكم ايران ، وان يتشاور مع الدولة البريطانية في مختلف المجالات ، و ستعمل بريطانيا بدروها بمد يد الصداقة اليه وتسعى الى تحكيم اواصر التعاون معه .
وعلى اثر ذلك اصدر مظفر الدين شاه القاجار في عام 1903 وعبر فرمان ملكي اوكل الى الشيخ خزعل حكومة المحمرة و ادارة كل من الفلاحية وهنديجان وقد ايدت بريطانيا بدورها هذا القرار.خلافا لذلك فقد ازعج مثل هذه القرار روسيا القيصرية ، لانها رأت فيه ما يهدد مصالحها في جنوب ايران . وقد قام عامي 1902 و 1903 السيد ” برنس دابي زا ” القنصل الروسي في اصفهان بزيارة الشيخ خزعل و كذلك منطقة البختياريين لكي يقنع الشيخ خزعل باخراج المستشارين البلجيك من جمارك المحمرة وان يعين احد التجار الهولنديين كنائب للقنصلية الهولندية في مدينة الاهواز،بالاضافة الى ذلك فقد قام عدد من المسستشارين الزراعيين و التجاريين الروس بزيارة الى اقليم عربستان . على ضوء ذلك فان اوضاع الشيخ خزعل السياسية وتفاهمه مع الدولة المركزية انذاك ارتبط بالصراع القائم بين العملاقين الاستعماريين الروس و البريطانيين ، فاذا حصلت روسيا على امتيازات اكثر من ايران ، فأن بريطانيا سرعان ما تعقد معاهدة جديدة مع الشيخ خزعل من اجل تدعيم قواعد حكمه الذاتي في عربستان ، و تمارس السياسة الازدواجية وبامكانها ان تتنصل بسهولة عن تعهداتها ازاء كل الطرفين ، وفي الوقت نفسه تتخذ خطوة للتآمر عليهما ، وكل ما يهمها تأمين مصالحها ونفوذها الاستعماري في المنطقة،وعليه فان ضعف وتردد الدولة المركزية القاجارية قد اعاق اقامة اي استقرار سياسي واقتصادي في البلاد الامر الذي فتح ابواب ايران على مصرعيها للتدخل الاجنبي في شؤون البلاد .