أسامة مهدي
طالباني والمالكي خلال جلسة البرلمان الأخيرة
علمت “إيلاف” أنّ محاولات تجري من قبل ساسة عراقيين للالتفاف على رئيس الوزراء نوري المالكي وحرمانه من رئاسة الحكومة
الجديدة من خلال استخدام فقرات المادة 76 من الدستور العراقي الجديد التي ترسم طريقاً محدداً للتكليف بتشكيلها ومددا لابد من الالتزام
بها لانجاز هذه المهمة وبعكسه اناطة الامر بشخصية اخرى في وقت ينتظر ان يكلف الرئيس جلال طالباني المالكي بمهمة تشكيل الحكومة منتصف الاسبوع المقبل وحيث باشرت الكتل السياسية مبكرا نقاشات لطرح مرشحيها للمناصب السيادية والوزارية.
أكدت مصادر سياسية عراقية تحدثت الى “إيلاف” اليوم ان سياسيين وقياديين عراقيين بدأوا يتحركون لاستغلال البنود الخمسة للمادة 76من الدستور العراقي التي تنص على تكليف الكتلة البرلمانية الاكبر عددا بتشكيل الحكومة الجديدة من خلال ترشيح احدى شخصياتها لتولي هذه المهمة. وأشارت المصادر التي فضلت عدم ذكر اسمها الان لان بعضها لايريد ان يبدو “خائنا للمالكي” بعد دعمه له او ربما يخشى من مواقف خارجية قد تقف ضد طموحه في الحصول على منصب رئاسة الحكومة الرفيع له او لكتلته او حزبه الذي ينتمي اليه أو تفسد طموحه في تشكيلها بعد ان يفشل المالكي في ذلك كما تعتقد.
ولاحظت المصادر ان تنفيذ الفقرة (اولا ) من المادة 76 من الدستور العراقي المتعلقة بتكليف شخصية لرئاسة الحكومة قد استلزم اكثر من ثمانية اشهر وبعد قرار للمحكمة الاتحادية لتحديد الكتلة الاكبر التي تحظى بحق تشكيل الحكومة.
وقالت إن الجدل حول رئاسة الحكومة لن يحسم بهذه الفقرة فقط فالمادة ذاتها تتضمن 5 فقرات يجب عدم اهمالها وهي فعلا بدأت تغري متربصين اخرين للانقضاض على المالكي وانتزاع مقعد رئاسة الحكومة الجديدة منه بعد ان يكلفه بذلك رسميا منتصف الاسبوع المقبل الرئيس طالباني الذي عاد الى السليمانية من باريس اليوم.
وأوضحت المصادر في هذا المجال ان من بين هذه الشخصيات زعيم تيار الاصلاح الوطني رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري والقيادي في المجلس الاعلى الاسلامي باقر جبر الزبيدي ورئيس المؤتمر الوطني احمد الجلبي.
وتنص المادة الدستورية 76 هذه بفقراتها الخمس على “يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، ويتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف، تسمية اعضاء وزارته، خلال مدةٍ اقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف، فيما يكلف رئيس الجمهورية، مرشحاً جديداً لرئاسة مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوماً، عند اخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة، خلال المدة المنصوص عليها في البند ثانياً من هذه المادة، ويعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، اسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالاغلبية المطلقة، في حين يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشحٍ آخر بتشكيل الوزارة، خلال خمسة عشر يوماً، في حالة عدم نيل الوزارة الثقة”.
محاولات لاقناع أطراف داخلية وخارجية
ابراهيم الصميدعي
وطبقا للمصادر هذه فأن المتربصين الثلاثة واخرين لم تفصح عن اسماءهم يعمل كل منهم بشكل فردي بعيدا عن الاخر متوقعين عدم تمكن المالكي من الحصول على ثقة مجلس النواب بحكومته الجديدة التي سيعرضها عليه بنهاية فترة الشهر المحددة دستوريا في ظل صراع وتنافس مرير للحصول على اعلى قدر من المكاسب والحصص في التشكيلة الحكومية والمناصب العليا والهيئأت الخاصة.
وتشير بهذا الصدد إلى أنّ هناك اربع كتل رئيسية تتصارع على الحصول على اعلى ما تتمكن من مناصب وهي لم تحسم الامر في داخلها حتى هذه الساعة بالأضافة الى كتلتي التغيير الكردية والوسط التي تضم جبهة التوافق وتجمع وحدة العراق الصغيرتين اللتين ابديتا دعما مبكرا للمالكي والزمتا عنقه بدين لايمكن ان يفر منه قد لاتقبل به كتلته ولا يستطيع اقتطاعه من الاخرين.
وطبقا للمصادر فأن على القياديين الثلاثة التودد لزعيم القائمة العراقية اياد علاوي للحصول على دعمه لاقناع سنة العراق والمحيط العربي والاقليمي وربما الاكراد والاميركان ايضا طالما ان الثلاثة ليسوا بعيدين عن طهران كثيرا أو هم ضامنون لدعمها في حال اخفق المالكي بمهمته.
وتشير المصادر إلى أنّه في هذه المرحلة التي يمر بها العراق فأنه لم تعد هناك قوة سياسية عراقية مهتمة بالتأسيس لمشروع دولة دينية لمعرفة الجميع ان مثل التوجه سيؤدي الى خسارة الشارع المدني العراقي انتخابيا كما حدث للمجلس الاسلامي الاعلى في انتخابات مجلس المحافظات والبرلمان الاخيرتين بالرغم من احتفاظ الاسلامين بواجهة المشهد. وتقول المصادر ان اي مبادرة للتقريب بين الجلبي وعلاوي ستشكل انجازا كبيرا سيمنع المالكي من الانفراد بالسلطة ويزيد من الضغوط عليه للالتزام بوعد “مسعود – اوباما” في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع الكتلة العراقية بعد نجاح مبادرة بارزاني لتقاسم السلطة بين جميع الكتل الفائزة في الانتخابات وبحسب الاستحقاق الانتخابي.
تشكيل المالكي للحكومة ليس نهاية المطاف
وتستطرد المصادر موضحة انه حتى في حال نجاح المالكي بتشكيل الحكومة خلال مدة التكليف فأن ذلك لا يعني نهاية المطاف فقد يحاول المالكي نفسه سحب الثقة من رئيس مجلس النواب رئيس تجمع عراقيون ضمن الكتلة العراقية أسامة النجيفي الذي كان من اكثر صقور العراقية تشددا ضد ولاية ثانية لرئيس الوزراء.
كما ان النجيفي من جهته قد يحاول حشد الاغلبية البسيطة للاطاحة بالمالكي بطلب من خمس اعضاء البرلمان (325 نائبا) طبقا للمادة61 /ثامنا /ب/2 حيث ان ثمة اكثر من احتمال يغري الكثيرين بالتربص لكن في كل الاحوال ستكون العملية السياسية عرضة لهزات من نوع جديد على القوى السياسية ان تستعد لها وتكون بمستواها لتستطيع التعامل معها.
وقد توجهت “ايلاف” الى المحلل السياسي العراقي ابراهيم الصميدعي لمعرفة رأيه بهذه المعلومات وأمكانية حصول هذه التداعيات السياسية في المشهد السياسي العراقي فأشار إلى أنّه على الرغم من انه لا يستطيع ان يسبر اغوار نفوس القادة الثلاثة او غيرهم لكنه لا يستبعد ان تكون مهمة المالكي شاقة جدا في تشكيل الحكومة خاصة مع مع سباق التنازلات التي قدمها لاطراف متناقضة في رؤيتها السياسية فهو عليه ان يفي بالتزماته تجاه الصدريين التي قد تتناقض كثيرا مع تعهداته بالموافقة على الورقة الكردية.. وكذلك فيما يتعلق بحجم ما يجب ان يقدمه من وزرات ومناصب للكتل السياسية وفي مجمل الاداء الحكومي حتى لو استطاع ان يتجاوز شهر التكليف بنجاح سيما وان العراقية وزعيمها الذي يستند الى وعد “مسعود – اوباما” بان يحظى وبدون اقتطاع نقاط من حصة قائمته بمنصب رئيس المجلس الوطني للسياسيات العليا الذي يرى انصار المالكي انه ينتزع الكثير من صلاحياته لصالح علاوي.
ويوضح الصميدعي انه طبقا لقاعدة اقرها الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق بول بريمير خلال فترة مهمتة بين منتصف عام 2003 ومنتصف عام 2004 فأن عدد مقاعد مجلس النواب الذي حازته اية كتلة من الكتل سيحتسب نقاطا لها في تقسيم التشكيلة الحكومية كما حدث في حكومة المالكي الحالية التي تشكلت في أيار/ مايو عام 2006 ولاتزال تدير البلد بتصريف اعمال لحد الان.
ويقول ان الكتل السياسية لم تكتف انذاك بقبول طريقة النقاط هذه في تشكيل الحكومة وانما نزلت بها الى درجة وكلاء الوزرات والدرجات الخاصة وحتى درجة المدير العام. وارجع الصميدعي هذا الامر الى “غياب شبه كامل لمفهوم المؤسسة في الدولة خلال الولاية الاولى لحكومة المالكي وحيث تحولت انقاض المؤسسات الحكومية الرسميه الى اعشاش حزبية بأمتياز الى درجة اصبحت معها قدرة الحكومة على ادارة الدولة واهنة كثيرا وطبعت المرحلة السابقة بالفساد والفشل الى درجة بعيدة”.
المادة الدستورية 76 مع وضد المالكي
وأشار المحلل السياسي الصميدعي إلى أنّه بالرغم من ان رئيس الجمهورية جلال طلباني قد كلف شفويا بعد انتخابه في جلسة مجلس النواب الخميس الماضي مرشح الكتلة الاكبر نوري المالكي بتشكيل الحكومة الا ان هذا التكليف لن يصبح رسميا الا باصدار مرسوم جمهوري لاحقا في غير الجلسة الذي انتخب فيها الرئيس وهو مايراه مراقبون منح المالكي فرصة 15 يوما المنصوص عليها في المادة 76 لتكون فترة التكليف 45 يوما منها الثلاثون يوما المحددة في ذات المادة بفقرتها الثانية. وطبقا للمادة نفسها بفقرتها الثالثة فأن رئيس الجمهورية يكلف مرشحا جديدا لرئاسة مجلس الوزراء خلال 15 يوما عند اخفاق المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة خلال مدة الشهر المنصوص عليها في الفقرة ثانيا من المادة نفسها.
وفي هذه الحالة وطبقا لتفسير المحكمة الاتحادية للمادة 76 سيكون على رئيس الجمهورية تكليف الكتلة العراقية بتشكيل الحكومة اذا بقيت العراقية على حالها ولم تتفتت هي الاخرى بسبب صراع اقطابها على مناصب السلطة التنفيذية. وبما ان العراقية قد اخفقت في ان تقترب من حشد الدعم لمرشحها رئيسها علاوي ومرشح المجلس الاعلى الذي تبنته عادل عبد المهدي خلال 8 اشهر مضت فعليها ان تجد مرشحين اخرين.
ويضيف الصميدعي ان “الوصول الى تكليف المالكي استغرق 8 اشهر وقرارين من المحكمة الاتحادية الزم الثاني منهما البرلمان بالانعقاد لذلك فأن احدا لا يتوقع ان تكون مهمة المالكي بعرض اسماء اعضاء تشكيلته الوزراية منفردين على البرلمان وكذلك برنامج حكومته للحصول على الاغلبية البسيطة امرا سهلا خلال 30 يوما فقط.
ويشير إلى أنّه لذلك فان اعادة حرارة العلاقة بين الجلبي وعلاوي ستعطي دفعة مهمة جدا للحركة الليبرالية في الساحة السياسية العراقية التي انتكست كثيرا بسبب الخلاف الشخصي بين الشخصتين الشيعيتين ذاتي الاصول الارستقراطية العريقة واللذين قادا الجزء الاكبر من جهد المعارضة العراقية التي اسهمت في حشد الجهد الدولي لاسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين.
وكان علاوي قال في تصريحات امس انه لا يتوقع ان يتمخض الاتفاق الاخير بين القوى السياسية عن حكومة مستقرة وأشار إلى أنّ الحكومة الجديدة المقرر تشكيلها ليست حكومة اقتسام للسلطة كما اعلن عنها. وأضاف علاوي ان صيغة اقتسام السلطة قد شوهت وقضية التداول شوهت أيضا “لذلك لست واثقا اذا كان من الممكن تشكيل حكومة متماسكة”.
وأضاف “لا يزال لدينا بعض الوقت لمناقشة القضايا ولرؤية اذا كان ذلك سيحدث ام لا”. وعما اذا كانت الحكومة ستستمر طويلا قال “لا”. وأشار إلى أنّه لن يشارك في الحكومة الجديدة مؤكدا “لن اكون جزءا من مجلس الوزراء على اي حال وهذا الامر ليس مطروحا او معروضا حاليا او ان قائمة العراقية تريدني أن أكون عضوا.” وأضاف انه لم يقرر ان كان سيقبل دورا كبيرا جديدا عرض عليه يفترض ان يكون رئيس المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية الذي لم يتشكل بعد.