الرئيس الأميركي يراجع تجربة «الفصل الأول» في الحكم قبل الانتخابات النصفية المفصلية للكونغرس
صباح أحد الأيام المكتظة بالعمل في «الجناح الغربي» بالبيت الأبيض، بدت مشاعر الاسترخاء والهدوء على الرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء جلوسه على مقعد جلدي بني اللون في المكتب البيضاوي. كان الرئيس قد عاد للتو من «الغرفة الشرقية»، حيث وقع على قانون الشركات الصغيرة الصادر عام 2010 – مستخدما في ذلك ثمانية أقلام بحيث تتاح له فرصة إهداء أكبر عدد ممكن منها. ومن المقرر أن يكون هذا القانون آخر تشريع اقتصادي مهم تقره إدارته قبل أن يعلن الناخبون حكمهم على أول عامين له في الرئاسة. بوجه عام، من الواضح أن الفصل الأول من رئاسة أوباما انتهى. وفي يوم الانتخابات (النصفية في الكونغرس)، سيبدأ الفصل الثاني.
وبينما كان يرحب بي، أخبرته أنني يروق لي ما فعله بالمكان، حيث اختفى من على أرض المكتب البساط الأصفر بلون ضوء الشمس الذي كان موجودا في عهد جورج دبليو. بوش وكان يقول عن «البساط» إنه يعكس شخصا متفائلا. والآن، تحمل الجدران صورة، واستبدلت بالطاولة التي تستخدم في وضع أقداح القهوة، أخرى مصنوعة من خشب الجوز والميكة، مما يجعلها مقاومة للاتساخ بسبب أكواب المياه، حسبما أوضح أوباما. أيضا، استبدل بالتمثال النصفي لونستون تشرشل آخر لمارتن لوثر كينغ. كما كانت الأرائك الجديدة. وأخبرني الرئيس بأنه سعيد بإعادة تنظيم ديكورات المكتب. وأضاف مازحا: «أعلم أنه لا يروق لأريانا، لكن يعجبني اللون الرمادي».
الواضح أن تولي أريانا هفنغتون مراجعة ديكور المكتب، لم تكن عملية المراجعة الوحيدة التي واجهها الرئيس مؤخرا، حيث تعرض لمراجعات أسوأ بكثير. وعلى ما يبدو فإن الرئيس الذي تمكن بقوة من تمرير أكثر الأجندات الداخلية طموحا على مدار جيل عبر الكونغرس، يجد الآن نفسه هدفا لمحاولات للحط من قدره من قبل اليمين، بينما يتعرض لانتقادات قاسية من جانب اليسار، في الوقت الذي تخلى عنه تيار الوسط. ويتحرك أوباما الآن نحو الفترة الأخيرة في موسم الحملات الانتخابية المرتبطة بانتخابات التجديد النصفي (الكونغرس) ويقف في مواجهة رفض عام محتمل، مع استعداد الناخبين لإعطائه كونغرس، حتى في حال إبقاء الديمقراطيين على سيطرتهم عليه، فإنه من المؤكد سيكون أقل ودا تجاه الرئيس عن الكونغرس السابق الذي قضى الرئيس العامين الماضيين يصارعه.
ورغم فخره بسجله، شرع أوباما بالفعل في التفكير فيما وقع فيه من أخطاء – وما يحتاجه لتغيير المسار خلال العامين القادمين. وقد قضى أوباما ما وصفه أحد المساعدين «كثيرا من الوقت في الحديث حول ( أوباما 2) خلال العامين القادمين»، مع الرئيس الجديد المؤقت لفريق العمل المعاون له، بيت راوز، ونائب رئيس فريق العاملين، جيم ميسينا. خلال الساعة التي قضيناها معا، أخبرني أوباما أنه لا يساوره ندم حيال التوجه العام لرئاسته، لكنه حدد ما وصفه بـ«دروس تكتيكية.» وقد بدا أوباما شبيها للغاية بـ«الليبرالي الديمقراطي القديم المعني بالضرائب والإنفاق». وأدرك أوباما في وقت متأخر للغاية أنه «ليس هناك ما يمكن وصفه بمشروعات يمكن الشروع فيها فورا»، فيما يتعلق بالأشغال العامة. ربما لم يكن ينبغي أن يقترح أوباما إقرار تخفيضات ضريبية كجزء من خطة التحفيز الاقتصادي، وبدلا من ذلك «السماح للجمهوريين بالإصرار على التخفيضات الضريبية»، بحيث يتمكن من الظهور بمظهر من توصل لتسوية بين رغبات الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
الأهم من ذلك، أنه تعلم، رغم كل خطاباته المناهضة للمؤسسة السياسية التقليدية بواشنطن، أنه يتعين عليه اللعب وفقا لقواعد اللعبة التي تفرضها واشنطن إذا ما رغب في الفوز بداخلها. وليس من الكافي أن يكون متيقنا تماما من أنه على صواب إذا لم يوافقه الرأي أي شخص آخر. وفي حديثه معي، قال أوباما: «بالنظر إلى حجم الأعمال التي كانت تلقى على عاتقنا، ربما قضينا وقتا أطول بكثير في محاولة صنع السياسة الصحيحة عن محاولة إقرار توجهات سياسية صائبة. ربما يكون هناك شعور بالكبرياء المتحفظ في إدارتي – وأنا أتحمل المسؤولية عن ذلك. لقد جاء هذا الأمر من أعلى – وهو الإصرار على فكرة أننا سنفعل الأمر الصائب حتى ولو كان مفتقرا إلى الشعبية على المدى القصير. وأعتقد أن أي شخص يتولى هذا المنصب عليه أن يتذكر أن النجاح يعتمد على التقاطع بين السياسات والشؤون السياسية وأنه من غير الممكن إهمال التسويق والعلاقات العامة والرأي العام».
والافتراض بأن ما فعله هو الأمر الصائب، هو أمر محل جدال كبير. فمن ناحيته، يعتقد اليسار أن أوباما لم يبذل سوى القليل للغاية من الجهود، بينما يرى اليمين أنه بذل جهودا مفرطة. لكن الأمر اللافت حيال التوصيف الذي وضعه أوباما أنه تبعا له فإن الشخص الذي شكل مصدر إلهام خلال عام 2008 أهمل هذا الإلهام بعد انتخابه، ولم يبق على اتصال بالشعب الذي رفعه للرئاسة من البداية. بدلا من ذلك، أثار أوباما خيبة أمل من اعتبروه تجسيدا لحركة تقدمية جديدة ومن انتظروا منه التواصل عبر الصدوع السياسية لإعلان انطلاق حقبة جديدة، حقبة ما بعد الانقسامات الحزبية. خلال الحملة الانتخابية مؤخرا، واجه أوباما صدمات أفاقته من غفلته – المرأة التي «أنهكت» في الدفاع عنه، الأم التي نظم ابنها حملة لصالحه، لكنه يبحث الآن عن فرصة عمل. حتى شيبارد فيري، الفنان الذي صمم ملصق «الأمل» الشهير، اعترف الآن بأنه بدأ يفقد أمله.
ربما لا ينبغي أن يشكل أي من ذلك مفاجأة، فعندما فاز أوباما بترشيح الحزب الديمقراطي له في يونيو (حزيران) 2008 لخوض الانتخابات الرئاسية، أخبر حشدا من معجبيه بأنه في يوم ما «سنتمكن من النظر إلى الوراء وإخبار أطفالنا بأن تلك كانت اللحظة التي بدأنا عندها تقديم الرعاية للمرضى والوظائف الجيدة للعاطلين، وتلك كانت اللحظة عندما بدأ مد المحيطات في الانحسار وبدأ كوكبنا في التعافي، وتلك كانت اللحظة التي أنهينا عندها الحرب وضمنا أمان أمتنا واستعدنا صورتنا كآخر وأفضل أمل على وجه الأرض».
قرأت هذا السطر في اللقاء على أوباما وسألته كيف بدا هذا الخطاب خلال هذه الأيام. ووافقني أوباما الرأي بأن هذه الكلمات «بدت طموحة». لكنه قال: «هل تعلم؟ لقد حققنا إنجازا على كل من هذه الأصعدة». وأشار أوباما إلى سطر من كتابات ماريو كوو حول تنفيذ الحملات الانتخابية اعتمادا على لغة الشعر والحكم اعتمادا على لغة النثر. واستطرد قائلا: «لكن النثر والشعر يتوافقان. من الصعب للغاية أن ينظر الناس للخلف ويقولون (لم ينجز أوباما ما وعد به). أعتقد أنهم ربما يقولون (ما يزال على عدد من الأصعدة لم يكمل ما وعد به). لكنني أحتفظ بقائمة بما وعدنا بإنجازه، وربما نكون قد حققنا 70% من الأشياء التي تحدثنا عنها خلال الحملة الانتخابية. وآمل طوال فترتي في الرئاسة، أن أحصل على فرصة العمل على إنجاز الـ70% الأخرى».
لكن ماذا عن إنقاذ الكوكب؟ إذا وعدت بإنقاذ الكوكب، فربما يفكر الناس أنك بالفعل قد تنقذ الكوكب؟ ضحك أوباما، قبل أن يتحول إلى الحديث عن الأمل والإلهام. وقال: «لا أعتذر عن وضعي توقعات عالية لنفسي وللبلاد، لأنني أعتقد أن بإمكاننا تلبية هذه التوقعات. الآن، هناك أمر واحد سأقوله – وربما يكون عسيرا – وهو أنه في الحقيقة في ديمقراطية ضخمة وفوضوية كهذه، تنفيذ أي شيء يستغرق وقتا. وثقافتنا لا تقوم على الصبر».
الملاحظ أن الانتقادات الموجهة إلى أوباما قد تكون مربكة وتنطوي على تناقض عميق – فهو ليبرالي متحمس، من منظور اليمين، ومتصالح ضعيف، من منظور اليسار. ويراه البعض اشتراكيا مناهضا للرأسمالية متساهلا للغاية تجاه وول ستريت، أو شخصا ضعيفا يميل للاعتذار دوما عن أميركا التي انتهجت تكتيكات بوش القوية المكافحة للإرهاب على حساب الحريات المدنية.
من ناحيته، قال كين دبرستاين، رئيس فريق العمل السابق داخل البيت الأبيض في إدارة ريغان والذي صوت لصالح أوباما عام 2008: «عندما تحدث عن كونه رئيسا سيحدث تحولا، كانت الفكرة تدور حول استعادة إيمان الشعب الأميركي بمؤسساته الحاكمة. وما نعلمه الآن أن ذلك لم ينجح. في الواقع، لقد أصبح الناس أكثر تشككا حيال جميع مؤسساتنا، خاصة الحكومة. وبذلك نجد أنه على هذا الصعيد، لم يفلح الجانب التحولي. وبصراحة أعتقد أن علينا أن ننسى مسألة الرئيس الذي سيحدث تحولا، ونفكر بدلا منها في رئيس قادر على إبرام الصفقات، شخص بمقدور الناس التعامل معه. على ما يبدو، هناك جمود أيديولوجي لم يستشعره الشعب الأميركي في وقت مبكر».
على الجانب الآخر، هناك رغبة في مزيد من الجمود الأيديولوجي. مثلا، أعرب نورمان سولومون، الناشط التقدمي البارز ورئيس «معهد الدقة العامة» (إنستيتيوت فور ببليك أكيوراسي)، عن اعتقاده بأن أوباما «أهدر تماما هذه الفرصة العظيمة» لإعادة اكتشاف أميركا كدولة أكثر تقدمية حيال قضايا مثل خيار الرعاية الصحية العامة. ويشعر ليبراليون آخرون بالأمر ذاته إزاء قضية انضمام المثليين إلى المؤسسة العسكرية أو سجن غوانتانامو.
وقال: «لقد نكص على عقبيه بصورة بالغة منذ انتخابه، واكتفى بتقديم تنازلات واحدا تلو الآخر. إذا لم نطلق عليه (ضعيفا)، وهي كلمة قد تكون خاطئة، فإنه يبدو متقهقرا». واستطرد قائلا: «هذا الأمر يثير الغضب في نفوس الناس، وربما يجعلهم معتادين على ذلك. ويبدون وكأن لسان حالهم يقول: لقد آمنا بهذا الشخص حقا، لكن خطابه الآن مختلف للغاية عن أسلوب ممارسته الحكم».
ومع تعرضه للهجوم من كلا الجانبين، تظهر على أوباما بوضوح أمارات الإحباط، وفي بعض الأحيان يتخذ موقف الدفاع. خلال احتفال عيد العمال في ميلووكي، اشتكى من أن أصحاب مصالح خاصة يعاملونه على نحو سيئ. وقال: «إنهم ليسوا دائما راضين عني. إنهم يتحدثون عني كما لو كنت كلبا – لم يرد هذا القول في تعليقاتي المعدة سلفا، لكنه حقيقي».
إلا أن النيران الصديقة ربما تثير ضيقا أكبر في نفس أوباما، على سبيل المثال، قال أوباما خلال حفل لجمع التبرعات في غرينوتش بكونيتيكيت الشهر الماضي: «ربما يميل الديمقراطيون بالفطرة إلى النظر إلى نصف الكوب الفارغ. إذا ما نظرنا إلى تمرير مشروع قانون الإصلاح المالي – حسنا، أنا لا أدري أمرا عن قاعدة المشتقات على وجه التحديد. ولست على ثقة من أنني أشعر بالرضا حيال ذلك. وحتى الآن، لم نحقق السلام العالمي. وكنت أنتظر أن يحدث ذلك في وقت أسرع».
مجددا، نعود لأوباما نفسه، وليس فقط أنصاره، حيث يعمد إلى تصوير فترة رئاسته بألفاظ بالغة الفخامة والقوة. مثلا، عندما كان يناشد الديمقراطيين التحلي بالصبر خلال مناسبة أخرى لجمع التبرعات في واشنطن بعد أسبوعين، قال: «لقد استغرق الأمر وقتا حتى يتحرر العبيد. واستغرق الأمر وقتا حتى تنال المرأة حق الاقتراع. واستغرق أيضا وقتا ليحصل العمال على حق التنظيم».
صباح أحد الأيام قرب اليوم الـ100 لأوباما في السلطة، اجتمع الرئيس وكبار مساعديه في اجتماعهم الصباحي داخل المكتب البيضاوي. وبينما كانوا في انتظار وصول ديفيد أكسلرود، الذي تأخر عن موعده، أشار أحدهم إلى اقتراب عمر الإدارة من اليوم الـ100، وسأل أوباما عن أكثر ما أثار دهشته منذ توليه الرئاسة. وأجاب أوباما ساخرا: «عدد الأشخاص الذين لا يسددون الضرائب الواجبة عليهم».
منذ البداية، انتابت أوباما الدهشة إزاء جميع أنماط التحديات التي جعلت من العسير بالنسبة له ممارسة الحكم – ليس فحسب المشكلات الكبرى التي كان يعلم بشأنها، مثل الاقتصاد والحروب، مجموعة أخرى صغيرة أكثر تنوعا أعاقت تقدمه، مثل الضرائب غير المدفوعة. لقد وثق أوباما في حكمه وبدا أنه يفترض أن الأفراد المثيرين للانبهار داخل حزبه لا بد وأن يتمتعوا بشعور أساسي بالاستقامة والنزاهة – وأن الأفراد المبهرين بالأحزاب الأخرى لا بد وأنهم سيرغبون في العمل معه.
من ناحية أخرى، فإن أربعة من خمسة رؤساء سابقين لأوباما كانوا حكام ولايات قبل وصولهم لمقعد الرئاسة متعهدين بإصلاح سير الأمور في واشنطن، ليفاجأوا بعد ذلك بأن واشنطن تستعصي على الخطابات اليسيرة، والجوفاء غالبا، حول التغيير. عندما كان أوباما سيناتورا لدى شروعه في حملته الانتخابية الرئاسية، أطلق نفس الوعود وواجه نفس الواقع. وأخبرني أحد كبار مساعدي أوباما أنه: «هذا شخص خاض حملته الانتخابية كشخص من خارج واشنطن يرمي لتغييرها، ثم أدرك فجأة أنه من أجل تناول القضايا التي يواجهها يتحتم عليه العمل مع واشنطن».
من جانبها، ترجع جاريت التوازن الذي يتميز به أوباما إلى تربيته، مضيفة: «إنه مختلف حقا. إن الأمر يضرب بجذوره في شعوره بالذات وكيف أنه ترعرع في كنف أم معيلة وعاشا في بعض الأحيان على الإعانات الغذائية، وعمل بمجال التنظيم الاجتماعي». ومثلما شرح غيبس (المتحدث الرئاسي)، فإن أوباما «يتميز بأسلوب رائع في التركيز على الصورة الكبيرة وعلى المدى الأبعد. لا يعني ذلك أنه يتمتع بحصانة ضد النقد، لكن بإمكانه تحديد الاختلاف داخل ذهنه بين ما يعد انتكاسة، وما يشكل عثرة على الطريق وما هو مجرد ضوضاء».
قطعا، هناك الكثير من الضوضاء، لكن مع عودة أوباما للمشاركة في الحملات الانتخابية، لاحظ مساعدوه استعادته روحه القديمة من جديد. والواضح أنه يستمتع بشكل خاص بالجلسات في الأفنية الخلفية على المروج مع أنصاره. وقال أحد مساعديه: «هذه أكثر لحظة رأيته فيها سعيدا منذ وقت طويل». بعد واحدة من هذه اللقاءات، أخبر أوباما أحد مساعديه أن «هذا يذكرني بأيوا أثناء استقلالي الحافلة». الحنين إلى الأيام الجميلة في الحملة يؤثر سلبا على أي إدارة مضطربة. وفي النهاية فإن تلك اللحظات الوردية التي يصبح فيها كل شيء ممكنا عندما يتجمع عشرات الآلاف من الناس في غراند بارك للبكاء على الوعد الذي سيتحقق. لكن أوباما يدرك في لحظات السكينة كيف يمكن أن تكون الذكريات انتقائية، فقال لي: «أثبتت المنهجية أننا خضنا، إلى حد ما، حملة لا تخلو من الأخطاء وأنني لم أرتكب خطأ على الإطلاق وأننا كنا أساتذة في فن الاتصال، وأننا كنا نعمل بخطوات منتظمة. وأن الأوضاع الآن يشوبها إلى حد ما نوع من الخلل وأنها لا تجري وفق ما خططنا له وما أفتتن الناس به فينا. بيد أني لا أنظر إلى الأمور بهذه الصورة لأني أتذكر ما كانت عليه الحملة من التخبط والصعوبة، فهناك لحظات كثيرة فقد فيها مناصرونا الأمل وبدونا وكأننا لن ننتصر، وسوف نمر بهذه اللحظات هنا».
خلال تغطيتي للرؤساء الثلاثة السابقين، راقبت كلا منهم وهو يتعرض لاختبار تلو الآخر، حتى في أحلك الظروف – اتهام الرئيس كلينتون بالحنث في اليمين بشأن علاقته بمتدربة البيت الأبيض، وكذا حملة بوش لشن حرب ستستمر لسنوات وستكلف الولايات المتحدة مبالغ طائلة وصراع أوباما لمواجهة أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير. كانت تلك أزمات متنوعة بشكل واضح، لكنها احتوت على بعض الديناميكيات المألوفة: الرؤساء الذين يلقون التأييد أو تنحسر شعبيتهم في استطلاعات الرأي يصرون على أنها غير مهمة عندما يفشلون، ويقولون إنهم يركزون على المبدأ لا السياسات، وعندما يكون الأمر مزيجا من كليهما، يعترفون بالصعوبات لكنهم يؤكدون أنهم قادرون على تجاوز المشكلات. وهم يصورون أنفسهم على أنهم شجعان عندما يعارضون الرأي العام، ويشكون من وسائل الإعلام بأنها تحرف الحقائق وتثير الفرقة، ويلومون الخصوم على المشاركة في سياسات التدمير والممانعة.
عندما تحدثت إلى أوباما ومساعديه كان من الغريب سماع أصداء ما كرره كلينتون وبوش من قبل. فيقول أوباما القضايا السهلة لا توكل إليه أبدا بل لا يواجه القضايا الصعبة، وهو ما كان يردده بوش من قبل. ويقول أوباما إن حربنا مع الإرهابيين لن تنتهي باحتفال استسلام، وكان بوش دائما ما يردد الكلمة ذاتها. ويقول أوباما أيضا إنه لا يرغب في اختلاق المشكلات لتحقيق انتصارات حزبية، وهو ما كان يقوله بوش أيضا. وخلال الأيام التي أدت إلى انتخابات التجديد النصفي في عام 1994 سخر كلينتون من الجمهوريين على وعودهم بموازنة الميزانية خلال خفض الضرائب، فقال: «إنهم ليسوا جادين». وفي محادثاتنا استخدم أوباما أربعة مرادفات لعبارة «ليسوا جادين»، مشيرا إلى خطط ميزانية الجمهوريين.
هذا لا يعني القول إن الرجال الثلاثة متشابهون، بل هم مختلفون إلى حد بعيد. لكن بغض النظر عن الأيديولوجية التي ينتهجها كل منهم، يبدو أوباما في بعض الأحيان مزيجا من سابقيه. فمثل كلينتون يغوص أوباما في الأسس العقلية لقراره السياسي ويدرس التقارير ويسعى إلى الحصول على مجموعة مختلفة من الآراء. ويعبر بعض المساعدين عن إحباطهم من أنه قد يترك بعض القضايا دون حل لفترة طويلة. لكنه أيضا مثل بوش في أنه عندما يتخذ قرارا نادرا ما يتراجع عنه. ويشبه بوش أيضا في أنه أحيانا ما يقوم بخطوات جيدة التنظيم عندما أجرى مقابلة لمدة نصف ساعة قبل الموعد المقرر كما فعل بوش. من ناحية أخرى كان كلينتون يجري المقابلات متأخرا فقبل أسابيع قليلة تأخر عن موعد مقابلة مع صحافيين آخرين ست ساعات. أما العامل المشترك بين الثلاثة، فهو أن الأمر تطلب بعضا من الوقت من كلينتون وبوش حتى يتمرسا في الحكم.
وعندما ينظر أوباما إلى التجارب الرئاسية لكل من كلينتون وريغان اللذين نجوا من محنة انتخابات التجديد النصفي ليعاد انتخابهما مرة أخرى، يرى أن الدروس مختلفة. ففي حالة ريغان كان مجلس النواب يخضع لهيمنة الديمقراطيين بالفعل، لذا قام بعقد تحالفات مع الجمهوريين والمحافظين الديمقراطيين، وبعد أن اشتدت المعارضة في انتخابات عام 1982 لم تعد هناك إمكانية لاستمرارها، بدأ ريغان في العمل بصورة أكبر مع قادة الديمقراطيين. وبالمثل قام كلينتون بتغيير المسار بعد انتخابات عام 1994 مؤكدا على ضرورة زيادة التغيير خطوة بخطوة بدلا من المقترحات الشاملة والسعي لتحقيق أهداف مثل الرفاهية وميزانية متوازنة عندما استطاع التوافق مع أغلبية نويت غينغريتش الجديدة.
بيد أن كلينتون يعتبر أكثر وسطية من أوباما، ونجاحه في الفوز بفترة رئاسية ثانية يرجع إلى العديد من العوامل لعل أهمها نجاحه في السيطرة على الأوضاع بعد تفجيرات أوكلاهوما سيتي وموقفه المتحفظ من غينغريتش بشأن الميزانية خلال محاولة موازنة الإنفاق الحكومي. ويرى البعض أن أوباما ربما يكون أفضل حظا مع سيطرة الجمهوريين على إحدى غرفتي الكونغرس، من ثم ربما يتمكن من الانتصار كما فعل كلينتون من قبل. لكن لم يتضح بعد ما إذا كان أوباما سياسيا سريعا البديهة مثل كلينتون وريغان. ويقول جوي غايلورد، كبير مستشاري غينغريتش: «إنه ليس مثل بيل كلينتون عندما يتطرق الأمر إلى القدرة على المراوغة أنا أجد نوعا من الصرامة في أوباما تأتي من حياته الليبرالية». ويؤكد كين دوربرستين الشكوك في قدرة أوباما على التكيف بالقول: «إنهم أفضل في فن خوض الحملات أكثر منهم في فن الحكم».
ربما كان النموذج التاريخي الأجدر بالدراسة هو أن الرؤساء الأربعة الأخيرين الذي فشلوا في الفوز بفترة رئاسية ثانية كانوا يواجهون بتحديات من داخل أحزابهم، فليندون جونسون خرج من السباق في عام 1968 بعد خسارة الترشح أمام إدوين مكارثي، وأقصى جيرالد فورد ريغان عام 1976 لكنه خسر في الانتخابات العامة أمام كارتر، الذي اضطر إلى هزيمة مرشح في الانتخابات التمهيدية بعد أربع سنوات، هو تيد كنيدي قبل الخسارة أمام ريغان. وجورج بوش الأب الذي اضطر إلى التغلب على باتريك بوكانان قبل الخسارة أمام كلينتون عام 1992.
لذا فإن الأولوية الكبرى التي تقع على عاتق أوباما هي منع النزاع الداخلي في الحزب في عام 2012. لكن حتى اليوم، ورغم الانتقادات الموجهة إليه من اليسار لا يبدو في الأفق منافس قوي. وربما يكون اختيار هيلاري كلينتون في حكومته الخطوة الأكثر ذكاء لأنها لم تبعدها فقط كمرشح محتمل، بل ستبطل التخمينات بإمكانية ترشحها.
وكأول رئيس للولايات المتحدة من أصول أفريقية، يبدو أوباما أكثر إدراكا لتجارب الماضي، وقد قرأ ما يكفي من السير الذاتية للرؤساء السابقين ليعلم أنه يواجه أوقاتا عصيبة. وقد قال لي أوباما: «التاريخ لا يكرر نفسه على وجه الدقة، لكن هناك بعض الوقائع المتشابهة في الفترات الرئاسية الأميركية على الأقل في الفترات الرئاسية الحديثة. فأنت تدخل إلى البيت الأبيض مفعما بالنشاط ومحاطا بالإعجاب، أما الحزب الآخر، الذي تعرض للخسارة فيقول إنه يرغب في التعاون معك، وعندما تبدأ في تنفيذ برنامجك الذي وعدت به خلال الحملة يحاول الفريق الآخر الضغط بقوة وهو ما يسبب الكثير من الخوف والألم في واشنطن. والأفراد الذين يبدون سخرية وشكوكا تجاه واشنطن عادة ما ينظرون إلى ذلك ويقولون هذه هي ذات الفوضى القديمة التي اعتدنا مشاهدتها من قبل. تنخفض شعبية الرئيس في استطلاعات الرأي وحينها ينبغي عليك العمل على استعادة الثقة مرة أخرى لأن البرامج التي بدأت في تطبيقها بدأت تؤتي ثمارها».
لمحاولة فهم أفضل للتاريخ، ودوره فيه، دعا أوباما مجموعة من مؤرخي الرئاسة إلى مأدبة عشاء في البيت الأبيض في مايو (أيار). كان أوباما شغوفا بشأن عدة أشياء مثل حركة حفل الشاي. وهل كانت هناك أي حركات سابقة من هذا النوع من النقد للمؤسسة الرئاسية؟ وما الذي أدى إلى انطلاقها وكيف شكلت السياسات الأميركية؟ ذكر المؤرخون حركات مثل «لا أعلم شيئا» في خمسينات القرن التاسع عشر و«الاشتراكيون» تسعينات القرن التاسع عشر أيضا، وكذلك حركة الأب «تشارلز كوهلين» في ثلاثينات القرن العشرين. وقد أخبرني المؤرخ إتش دبليو براندز أن الرئيس «أنصت، لكني لم أعرف ما الذي استنتجه من هذه المواقف».
استنتاجات أوباما لا تزال تتشكل، فيقول أحد معاونيه إن الرئيس توصل إلى أن واشنطن أكثر انقساما مما ظننا. وقد تشبث برأيه، حيث رفض رأي مستشاريه المقربين بضرورة خفض الرعاية الصحية على مستويات مختلفة. ووجد أن مهاراته الخطابية ليست كافية لتغيير ديناميكيات الحكم. وكان أحد أبرز الدروس التي ينبغي عليه تعلمها تتمثل في الصورة الأفضل من التواصل مع الشعب الأميركي. وقد قالت لي المؤرخة دوريس كيرنز غودوين: «إنه يجيد الوصول إلى الجماهير وأنا اشعر بأنه بحاجة إلى الطاقة من الجمهور، لكن الحديث إلى وسائل الإعلام لا يحقق تلك النتيجة على الإطلاق».
وبينما نتحدث في البيت الأبيض اعترف أوباما بأن توالي العديد من المبادرات المكلفة، يثير ضيق الشعب الأميركي. فمع العديد من الإحصاءات التي نشرتها وسائل الإعلام خلال الشهور الستة الأولى من الرئاسة أخذت أفكر بعمق في الأفراد الذين تضرروا جراء هذه المبادرات. لقد بدأوا يشعرون بالخوف وأنهم موشكون على التقشف في الخروج لتناول الطعام خارج المنزل والاقتصاد في عضوية الأندية الرياضية وفي بعض الحالات الامتناع عن شراء ملابس جديدة للأطفال. وهنا بعض الأفراد في واشنطن ممن يبدو أنهم يجنون كميات هائلة من المال وفي الوقت ذاته ينفقونه بغير حساب.
وهو ما عزز الروايات التي رغب الجمهوريون في ترويجها بأن أوباما ليس نوعا مختلفا من الديمقراطيين بل هو نفس النوعية من الليبراليين الديمقراطيين الذين يبنون فكرهم على النظرية القديمة من جمع وإنفاق الضرائب.
وقد أخبرني رام إيمانويل (كبير موظفي البيت الأبيض الذي استقال) أن الأزمات المتتالية في الأيام الأولى لباراك أوباما أسفرت عن خسائر طويلة الأمد، فقال: «إن بذور الصعوبة السياسية التي يعاني منها اليوم، زرعت خلال القيام بتلك المبادرات. ويتفق مسؤولو البيت الأبيض أنهم ما كان ينبغي لهم السماح بإطالة أمد عملية تقديم الرعاية الصحية، في الوقت الذي ينتظرون فيه الدعم الجمهوري الذي لم يأت على الإطلاق». ويقول مساعد بارز للرئيس: «إن الأمر لا يتعلق بما شعر به الناس أنهم أوصلوا أوباما إلى واشنطن للقيام به لأن يكون كبيرا للمشرعين، فقد اعتقد الأميركيون أن الرئيس لم يقم بأي شيء تجاه الاقتصاد». ويقر بلوف بالذنب في عدم التعاون مع المشرعين الديمقراطيين، فقال: «عندما تخوض في هذه السياسات ستتأثر بذلك، وأعتقد أنه دفع ثمنا سياسيا إلى حد ما على التزامه بالكونغرس».
بيد أن ما لا تسمعه في البيت الأبيض هو الكثير من التساؤلات عن العناصر الأساسية لبرنامج الرئيس – مساعدو أوباما من الليبراليين والمعتدلين على السواء يرفضون الشكاوى من اليمين بأن خطة التحفيز لم تساعد الاقتصاد وأن الرعاية الصحية قامت بتوسعة الحكومة بصورة أكبر من اللازم، إضافة إلى الشكاوى من اليسار بأنه ما ينبغي له السعي إلى إقرار خطة تحفيز أكبر أو اللجوء إلى خيار الرعاية الصحية. وقال لاري سومرز، المستشار الاقتصادي البارز في حديث لي: «طالبنا بمزيد من التحفيز الاقتصادي لأكثر مما انتهينا إليه، لكننا حاربنا قدر المستطاع وأعتقد أننا حصلنا على نفس القدر الذي كان من الممكن أن يمنحنا إياه الكونغرس في ذلك الوقت».
ويقولون إن أي خطأ أثر على أشياء هامشية وحسب. ويقول دان بفيفر، مدير الاتصالات: «يوجد كلام – مثل لو أننا أنجزنا الطاقة قبل الرعاية الصحية ولو ركزنا بدرجة أكبر على الشركات الصغرى ولو جعلنا البيت الأبيض يركز على الاقتصاد أكثر من العراق، سيكون الحال أفضل». ولكنه يضيف: «لا أؤمن بذلك. دائما ما يمكننا أداء الأشياء بصورة مختلفة، وهناك الكثير من الأشياء أتمنى لو قمت بها. ولكن لا أعتقد أنها كانت ستغير من الاتجاه العام».
ويتولى روز في الوقت الحالي إدارة تعديل بطيء داخل البيت الأبيض. وبنهاية العام سيكون هناك رئيس جديد للطاقم ومستشار جديد للاقتصادات الوطنية ومدير جديد للميزانية ورئيس جديد لمجلس المستشارين الاقتصاديين ومستشار جديد للأمن القومي إلى جانب آخرين. ومن المتوقع أن يغادر أكسلرود وميسينا بحلول الربيع لبدء مشروع إعادة انتخاب أوباما. وفي حكم المؤكد تقريبا أن بوف سيعود إلى البيت الأبيض ولكن في منصب أبرز.
ويقول أحد المساعدين على اطلاع بجلسات نقاش قادها روز وميسينا: «توجد الكثير من الدروس التي تعلمناها خلال العامين الماضيين فيما يتعلق الطريقة التي يمكننا من خلالها تحسين الاتصالات الداخلية وتعزيز مقدار أكبر من المحاسبة من دون الحد من المبادرات الفردية». لقد شعر أوباما بغضب بسبب الشقاق بين مستشاريه. ويقول المساعد: «يشعر بمقدار قليل من الإحباط بسبب الاختلال الوظيفي الداخلي». ويضيف: «إنه لا يحب المواجهة». ولكن خياراته الأولية لملء الأماكن الشاغرة تعتمد بدرجة كبيرة على إدارته، مما يوحي بالاستمرارية أكثر من التغيير.
ويرى روز وميسينا أن هناك مساحات للتوافق بين الحزبين، مثل إعادة تنظيم قوانين التعليم داخل الولايات المتحدة كي تحتوي على إجراءات إصلاحية يفضلها المحافظون والوسط وتمرير اتفاقات تجارية واستصدار تشريع عن الطاقة صغير الحجم. ويقول مسؤول بارز في البيت الأبيض: «ستسمع عن الصادرات أكثر من الإنفاق. وستسمع الكثير عن المبادرات والقطاع الخاص والقليل عن وزارة الطاقة. وستسمع الكثير عن الحكومة كممول والقليل عن الحكومة كمؤجر».
وقد أعرب لي أوباما عن تفاؤله، وقال إنه يمكنه تحديد قضية مشتركة مع الجمهوريين بعد انتخابات التجديد النصفي. وأضاف: «ربما يحدث ذلك بغض النظر عما يحدث بعد هذه الانتخابات. سيشعرون بمقدار أكبر من المسؤولية. أما لأنه لم يكن أداؤهم جيدا بالصورة التي توقعوها. كما أن استراتيجية رفض كل شيء والجلوس على الهامش وإلقاء القنابل لم تثمر بالنسبة لهم أو أن أداءهم كان معقولا، وفي هذه الحالة فإن الأميركيين سيتحولون إليهم لتقديم مقترحات جادة والعمل معهم على نحو جاد».
سألتُ عما إذا كان هناك أي جمهوريين يثق بهم بالقدر الكافي الذي يساعد على العمل معهم في قضايا اقتصادية. وكان أول اسم ذكره السيناتور جود غريغ من نيو هامبشير، الذي وافق مبدئيا على أن يكون وزير التجارة لأوباما قبل أن يغير رأيه. ولكن سيتقاعد غريغ. والاسم الجمهوري الوحيد الآخر الذي ذكره أوباما هو بول ريان، عضو الكونغرس من ويسكونسن الذي صاغ إطارا مفصلا ولكن به مشكلات سياسية لتقليل الإنفاق الفيدرالي. ويعد الرجلان قطبين فكريين منفصلين، ولكن ربما يرى أوباما نفسه في مفكر شاب موضوعي.
ولكن إذا ظهر هذا التحالف فإن العامين الاثنين المقبلين سيكونان في الأغلب مرتبطين بتعزيز ما قام به أوباما خلال أول عامين والدفاع عنه أمام التحديات داخل الكونغرس والمحاكم. وأخبرني أوباما: «حتى لو كان لدي نفس الكونغرس، وإذا لم نخسر مقعدا في مجلس الشيوخ ولم نخسر مقعدا في مجلس النواب، أعتقد أن وتيرة الأمور خلال العامين المقبلين ستكون مختلفة عن وتيرتها خلال أول عامين». وأضاف: «سيكون هناك الكثير من العمل لجعل الأشياء تسير على الوجه الصحيح داخل هذه الإدارة وللتأكد من أن القوانين الجديدة وفق المستهدف».
وكما قال مستشار بارز: «سيكون ثمة حافز قليل للقيام بأشياء كبرى خلال العامين الماضيين ما لم تحدث أزمة». ولكن، لا يزال أوباما ومساعدوه يحتقرون سياسة بيل كلينتون. وأخبرني بلوف: «من الإنصاف افتراض أنه لن نرى الاتجاهات الواحدة تلعب دورا كبيرا خلال العامين المقبلين.» وأضاف: «يرى أنه لا يمكن قضاء العامين المقبلين في العمل على كافة الأصعدة». وقبل أن يرحل، قال إيمانويل لي: «لست مع الرأي الذي يقول إنك لا تفعل شيئا. أعتقد أنه يجب أن تكون لديك أجندة».
ولكن ما نوعية الأجندة؟ ليست شاملة بهذا القدر ولا مثيرة بنفس الصورة، كما يقول بعض المستشارين. وأخبرني ديك دوربين: «يجب أن تكون محددة وتركز على الأشياء التي يمكن تحقيقيها والأولويات الأهم بالنسبة للشعب الأميركي». ويقول توم داشل إنه يجب على أوباما أن يتواصل مع المناوئين. وتابع قائلا: «نستفيد من العامين الماضيين دروسا ستكون هامة جدا، وكلمة السر هي (الدمج). عليه أن يجد وسائل كي يكون شاملا».
ويرى ديندل العكس. ويقول: «لا تكترث كثيرا إلى التعاون بين الحزبين إذا استمر الجمهوريون في رفض التعاون». وأضاف: «قم بما يجب عليك القيام به، وقاتل لترد على ذلك.» وأضاف أنه في نفس الوقت يجب التوقف عن الشكوى مما ورثه: «بعد الانتخابات، يمكن أن أقول إنه يجب التوقف عن الإشارة للماضي وإلقاء اللائمة على إدارة بوش. من الجيد اللجوء إلى ذلك خلال الانتخابات وبعد ذلك يتم التوقف عنه. ولكن اللجوء إلى ذلك كثيرا مثلما فعلنا، فإنه سيبدو مثل كلام مكرر. وبعد عامين، سيكون ذلك من نصيبك».
سيكون ذلك من نصيب أوباما لعامين آخرين أو ستة أعوام إذا تمكن من شق طريقه للأمام. وكمؤلف، يقدر أوباما إيقاع القصة الصاخبة. ولكن من يمثل الشخصية الرئيسية؟ في الواقع، لا يزال هذا الرئيس غامضا بالنسبة إلى أميركيين كثيرين. خلال الحملة الانتخابية، روج لنفسه – أو فكرة ذاته – أكثر من أي سياسة أخرى على وجه التحديد، وسار الناخبون على نفس النهج عند اختيارهم. وكما قال في ذلك الوقت فقد كان مثل اختبار رورشاخ.
وفي الوقت الحالي، فإنه من خلال كل خيار يتخذه أوباما، يعرِّف نفسه بصورة أفضل أو أسوأ في عقول الأميركيين. ويقول إنه يعرف الطريق الذي يتجه إليه ويحشد زخما على الرغم من العقبات الماثلة أمامه. وكما قال لمجموعة من الزائرين الربيع الماضي خلال الأسبوع الذي مرر فيه الكونغرس مشروع الرعاية الصحية وتوصلت إدارته إلى اتفاق بخصوص الحد من الأسلحة مع روسيا، «أبدأ ببطء وأنتهي بقوة».
سيكون عليه القيام بذلك، إذا كان التاريخ الذي يكتبه سيظهر بالصورة التي يفضلها.
* خدمة «نيويورك تايمز»