تاليف : الباحث موسى سيادة عرض وترجمة: الاستاذ جابر احمد-
الصراع على ميناء المحمرة –
الصراع الروسي البريطاني للسيطرة على ايران دفع الحكومة المركزية و من وراءها الروس الى المطالبة بوضع يدها على جمارك ميناء المحمرة ، و لكن هناك عدة عقد قانونية تعتري طريقها ، منها ان اسرة الشيخ خزعل وقبل عام 1900 وزاء احكام سيطرتها على هذا الميناء كانت تدفع للدولة المركزية سنويا 8000 آلآف جنيه استرليني و قد قدرت التخمينات ان الميناء كان يدر على شيخ خزعل ما يساوي نفس المبلغ الذي يدفعه ، وبالاضافة الى الموارد المالية التي كان يجنيها الشيخ خزعل من وراء هذا الميناء هناك منافعا اخرى كان يحصل عليها ايضا ، وهي ان شيوخ القبائل الذين تحت سيطرته يستطيعون ادخال بعض البضائع دون ان يدفعوا عليها اي ضرائب ، بالاضافة الى ذلك فقد أجر الشيخ خزعل جمارك مدينة الاهواز الى شيخ الباوية ، كما كان بمستطاع التجار من رؤساء القبائل تصدير ما لديهم من حبوبات وخاصة القمح عبر ميناء المحمرة سرا دون دفع اي رسوم جمركية .
و بما ان هناك حظرا قد فرض على تصدير السلاح الى ايران ، فكان باستطاعة الشيخ خزعل ان يصادر عبر ميناء المحمرة وبحجة هذا الحظر اسلحة جميع منافسيه السياسين بشكل مشروع ، وان يوزع هذه الاسلحة المصادرة على اتباعه ، ولعل بسبب هذه الاسباب كان الشيخ خزعل يعارض بشدة ايجاد اي تعديلات على الاعراف السابقة المرعية في ادارة ميناء المحمرة بينه وبين الحكومة المركزية ، وبما ان الشيخ خزعل قد احتكر جميع عائدات الميناء لصالحه ، لذلك فان ممثل الدولة المركزية في اقليم عربستان وعلى ضوء ملاحظاته السياسية كان يعتقد ان ادارة الجمارك يجب ان تخرج من يد الشيخ خزعل باي صورة من الصور
وفي عام 1897 قررت الحكومة المركزية ان تفصل جمع الضرائب الجمركية عن الضرائب المفروضة على الارض وان تطرد من الخدمة مجموعة من المشرفين على جمع هذه الضرائب ، و بما ان الحكومة المركزية قد حققت نجاحا في هذا المجال ، قررت على ضوئه ان تلغي الاعراف السابقة التي كانت قائمة في ادارة جمارك ميناء المحمرة بينه وبين امير الاقليم و ان تقوم هي مباشرة بهذه المهمة . و لتحقيق هدفها استخدمت عدد من المستشاريين البلجيكين كمفوظفين لديها ليشرفوا اشرافا مباشرا على جمع الضرائب.
ان قانون الاشراف المباشر على الضرائب في ايران طبق لاول مرة في آذربايجان سنة 1898-1899 ، كما تقرر ان يطبق في السنة المالية لعام 1900 – 1901 في عموم البلاد .
وجراء هذه السياسية المتبعة من قبل الحكومة المركزية حصل خلافا شديدا بين الشيخ خزعل امير عربستان والملك مظفر الدين شاه القاجار. وكان سبب هذا الاختلاف هو اعتراض الشيخ خزعل على ارسال اثين من الموظفين من البلجيك للاشراف على اخذ الرسوم الجمركية في ميناء المحمرة . ، الا ان ” ماكدوال ” ممثل القنصليىة البريطانية في المحمرة اقترح على الشيخ خزعل ان الاشراف على الجمارك سيبقى برئاسته وان احد البجيكين سيكون معاونا له ، الا ان الشيخ خزعل رفض هذا المقترح ، وفي معمان هذه الخلافات والاخذ والعطاء حول كيفية الاشراف على ميناء المحمرة عينت روسيا قنصلا لها في مدينة بوشهر الامر الذي اثار حفيظة الوزير البريطاني المفوض في طهران ، بعد ذلك ارسلت روسيا ممثلا لها يسمى ” امير دابيجا ” الى المحمرة لمقابلة الشيخ خزعل و التباحث معه حول فتتح ممثليه سياسية لها في مدينة المحمرة ، الا ان الشيخ خزعل قد رفض هذا الاقتراح نكاية بروسيا التي ايدت الملك القاجاري في ارسال مستشارين بلجيك للاشراف على جباية الضرائب في ميناء المحمرة بشكل مباشر ، الا ان روسيا تمكنت فيما بعد من فتح هذه الممثلية بعد حصولها على اذن من الحكومة المركزية .
وعندما احتدم الخلاف بين الشيخ حزعل و الحكومة المركزية حول موضوع ادارة ميناء المحمرة تدخل الوزير البريطاني المفوض في طهران ” السير ما تيمر ديوراند ” مطالبا الجانبين بحل خلافاتهما عبر المباحثات و بالطرق السلمية . ، مضيفا اننا لا نستطيع ان ندعوا الشيخ خزعل الى الانتفاضة و لا نستطيع القول للحكومة المركزية بأن تصرف فكرتها الرامية الى فرض سيطرتها على جمارك ميناء المحمرة ، لان مشروع تنظيم الجمارك امر ضروريا للاستقرار المالي في ايران ، الا اننا بمقدورنا ان ننصح الجانبين ان يتفاهموا فيما بينهما ، بهذا المعنى بان الاصلاحات الجمركية المقترحة يجب ان تنفذ بطريقة من شأنها ان تحفظ السلطة الخارجية للشيخ . رغم ذلك لم يكن ل” ديوراند ” اي اقتراح في كيفية تنفيذ هذا التفاهم . ومع انتهاء مهمته في طهران ومغادرته لها في السابع من مارس عام 1900 اوكلت مهمة متابعة امور القضية الى معاونه ” سيسيل اسبرينك رايس ” الذي اعرب بدوره هو الآخر على انه يشعر ان الممثلية البريطانية يجب ان لا تتدخل في مثل هذه الامور ، لان اقل تعاون مع الشيخ ” لا يعني الا تشجيعه على الانتفاضة ” و على الرغم من وجود رغبة من قبل الممثلية البريطانية في طهران للوساطة لصالح خزعل الا ان ” رايس ” قد كلف من قبل وزارة الخارجية البريطانية ان يتصل بالحكومة البريطانية و يعلمها عن قلق الحكومة البريطانية من الاصلاحات الجمركية المنوي تطبيقها ، لانها تخشى ان يؤدي هذا العمل الى بروز اضطرابات في عربستان ، الامر الذي من شأنه ان يعرض المصالح التجارية في هذا الاقليم الى الخطر،وعلى ضوء هذه التوجيهات رفع السفير البريطاني في طهران مذكرة الى الحكومة المركزية سلمت الى وزير الخارجية الايرانية تحتوي على الكثير من العبارات التي تؤكد على نقض المعاهدات الدبلوماسية التي من شأنها ان تلحق الاضرار بالمصالح التجارية البريطانية في المنطقة مطالبا خلالها الحكومة الايرانية ” بحق التشاور ” ، مشيرا انني تلقيت رسالة من ” اللرد ساليسبوري ” لكي اسلمها الى الدولة الايرانية ، التي عليها تراعي مصالح حكومة صاحبة الجلالة ملكلة بريطانيا التجارية في المحمرة وفي الملاحة في نهر كارون وتصر انه قبل المبادرة في اتخاذ اي قرار لاحداث تغييرات في ادارة الجمارك او تمس مكانة الشيخ عليها ان تتشاور مع الحكومة البريطانية .
مع اقترب السنة المالية 1901- 1902 وضع موضوع الاصلاحات الجمركية مرة ثانية على جدول الاعمال ، ورغم ان ظهور هذه الخلافات ادت الى اضعاف سلطة الشيخ خزعل ، الا انها لم تحد من عزيمته لاظهار معارضته الشديدة لها ، اما السبب الرئيسي لهذه المعارضة وهذا ما بينه ” مك دوال ” من خلال رسالة مطولة بعثها الى القنصل البريطاني حيث جاء فيها مايلي ” الموضوع الذي ضغط علينا به الشيخ هو ان العشائر العربية تعارض بشدة تاسيس اي نوع من الجمارك يشرف عليها الايرانيين وهذه هي عين الحقيقة ، فالكثير من العرب لايرون انفسهم مواطنيين تابعين للملك ، انما يرون انفسهم انهم من اتباع الشيخ خزعل ، وعندما يطلعهم الشيخ على اوامر الملك يقولون ، لا تربطنا اي رابطة مع الملك ! و سلطة الشيخ مقرونة بالحافظ على مصالح قبائله ، واذا لم يحافظ عليها فانه يكون تخطى الاعراف العشائرية،وفي مثل هذه الحالة اما ان يستقيل او يتأهب لمواجهة الموت ، لذلك فان الشيخ يقول انه لا يجرأ ان يوافق على فتح جمارك ايرانية وفرضها بالقوة ” .
رغم ذلك لم يرغب البريطانيين باعطاء الشيخ خزعل اي تعهد طالما لم تنتهي بعد المباحثات بشأن الجمارك بينه وبين الدولة المركزية ، وعلى العكس من ذلك انهم يبذلون قصاري جهودهم للضغط على الشيخ خزعل من اجل حل مشاكله مع الدولة المركزية ، عند ئذا يفكرون الالتزام بوعودهم وهو عدم السماح لاي تهديد من قبل السلطة المركزية من شأنه ان يحاول اضعاف سلطته السياسية على الاقليم وفي الوقت الذي كانت تجري فيه مثل هذه الامور بين الشيخ خزعل و البريطانيين ، كانت الدولة المركزية منهمكة لدراسة الوسائل التي من خلالها تتمكن من اقناع الشيخ خزعل وحمله على القبول بالاصلاحات الجمركية ، وفي الحقيقة ان المعضلة الرئيسية التي تواجها الدولة المركزية هي فقدانها للقوة العسكرية الضرورية لكي تمكنها من تنفيذ قراراتها ، وبعد دراسات مستفيضة وشاملة توصلت الى نتيجة مفادها هومن اجل تنفيذ هذه الاصلاحات لابد من محاصرة المحمرة عن طريق البحر وذلك بالاستفادة من البارجة او ” الطراد برسبوليس ” ، كما يجب اقناع البختياريين وحثهم بالهجوم على المحمرة .
يتبع في الحلقة الثالثة من الفصل الثامن