شكا من أن العراقيين يترددون في الإبلاغ عن المسلحين بعد سحب القوات الأميركية من المدن
تعرضت المنطقة الخضراء، شديدة التحصين، في بغداد خلال الأسابيع الأخيرة لوابل كثيف من الهجمات الصاروخية، واتهم مسؤول عسكري أميركي بارز، أول من أمس، الميليشيات المدعومة من إيران بالوقوف وراء الهجمات في محاولة للتأثير على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وقد أثارت الهجمات الـ23 خلال الشهر الماضي، انزعاج المسؤولين الأميركيين وأثارت تساؤلات حول قدرة القوات الأمنية العراقية على وقف الهجمات ضد مركز العاصمة الدبلوماسي والحكومي. ولم تكن الهجمات دقيقة أو مميتة على نحو خاص، برغم مقتل شخصين الأسبوع الماضي في حي الكرادة، الحي الذي يقع على منعطف حاد على نهر دجلة قبالة المنطقة الخضراء، أو المنطقة الدولية، حيث تتركز مكاتب الحكومة العراقية والسفارات الأجنبية. لكن كثافة الهجمات أحدثت شعورا بالقلق سواء في بغداد أو في واشنطن في الوقت الذي يعيش فيه العراق أزمة سياسية بعد ما يقرب من سبعة أشهر من الانتخابات البرلمانية.
وكان صاروخ قد أصاب منزل رئيس مجلس النواب العراقي السابق محمود المشهداني ليصيب الكثير من الأفراد. وفي السفارة الأميركية أصبحت صفارات الإنذار أمرا مألوفا بصورة يومية. كانت الهجمات الأخيرة مثيرة للقلق حتى أن البنتاغون والقادة العسكريين تحدثوا بشأنها الأسبوع الماضي. فقد أصاب صاروخان مجمع السفارة الأميركية المترامية الأطراف في أواخر أغسطس (آب)، لكن لم تقع هجمات قاتلة منذ يوليو (تموز)، عندما قتل صاروخ ثلاثة حراس أمن أجانب وأصاب 15 آخرين من بينهم مواطنان أميركيان.
وخلافا للمجازر المتكررة التي نفذها تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وغيره من الجماعات السنية المسلحة، تحمل الهجمات الصاروخية بصمات الجماعات الشيعية المتطرفة، بعضها مرتبط بأحزاب سياسية تتنافس الآن على السلطة السياسية. وتشمل هذه الجماعات لواء اليوم الموعود، المتحالف مع رجل الدين المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر، الذي فاز تكتله بـ39 مقعدا في البرلمان الجديد وكشفت عن نفسها ككتلة لا يستهان بها في المفاوضات السياسية. وانضم التيار الصدري إلى تحالف هش مع الأحزاب الشيعية الأخرى وكتلة رئيس الوزراء نوري المالكي، لكنهم يعارضون انتخاب المالكي لولاية ثانية. وقد انقضى الموعد الزمني النهائي الذي فرضته الكتل العراقية على نفسها لاختيار مرشح موحد داخل الائتلاف، وقالوا إنهم بحاجة إلى مزيد من الوقت.
ويرى البريغادير رالف بيكر المسؤول العسكري الأميركي البارز في بغداد، أن هناك هدفا سياسيا وراء الهجمات غير المباشرة، وذلك باستخدام أدوات الجيش من الصواريخ وقذائف الهاون. فقد حاول المالكي الترويج لنفسه باستخدام ورقة تحسن الأوضاع الأمنية، ويمكن تصور أنه إذا وصلت الصواريخ إلى أرض المنطقة الدولية، فإن ذلك يسيء إلى برنامجه الأمني ويجعله مهددا بالفشل من الناحية السياسية والمفاوضات أيضا.
ويلقي البريغادير بيكر وقادة آخرون هنا باللائمة على إيران لتدريب وتجهيز الميليشيات الشيعية، وفي مقابلة يوم الثلاثاء، عزا البريغادير جنرال جيفري بوكانان، المتحدث باسم الجيش الأميركي، الهجمات إلى بعض العناصر في إيران، إن لم تكن الحكومة بصورة مباشرة، فهم قادرون على العبث بالأوضاع في زيادة التوتر أو التهدئة.
والهجمات الأخيرة كانت تثير قلق الموجودين داخل المنطقة الخضراء أو في الأحياء التي تقع على مسار الطيران، حيث ترتفع وتيرة الهجمات وتنخفض من دون نسق واضح، على الرغم من أن المنطقة الخضراء تبدو هدفا عندما يزور نائب الرئيس جوزيف بايدن المنطقة. وتنطلق معظم الصواريخ من الأحياء ذات الأغلبية الشيعية على الجانب الشرقي من بغداد، على الرغم من انطلاق صاروخ أول من أمس من منطقة الكاظمية، الواقعة غرب نهر دجلة وتضم واحدة من أقدس المزارات الشيعية في العاصمة. وقد سقط منذ بداية العام 134 صاروخا أو قذيفة هاون في بغداد، وفقا للأرقام التي قدمتها قيادة الجنرال بيكر، وكان يستخدم في كل هجوم صاروخ واحد أو أكثر، من بينها سقوط 49 خلال الـ90 يوما الماضية، وقد طالت الصواريخ وقذائف الهاون أيضا القواعد الأميركية في جميع أنحاء البلاد مما أسفر عن مقتل جندي أميركي في البصرة يوم 22 أغسطس. ويمكن للرادارات الأميركية المتطورة تتبع الهجمات إلى مصدرها حتى قبل سقوط صواريخ، ولكن مع انسحاب القوات الأميركية من المدن، بات اصطياد مطلقي الصواريخ وقتلهم التي أوكلت إلى قوات الأمن العراقية، ذا نتائج مختلطة.
وتكيف المتمردون أيضا مع انسحاب القوات الأميركية، ففي كثير من الأحيان توضع أنظمة الصواريخ في المناطق النائية مع مجموعة أجهزة توقيت لإطلاق صواريخ بعد مغادرتهم، وقال الجنرال بيكر: «يمكن أن تكون بسيطة مثل جهاز توقيت الغسالة». وقال إن ذلك نتاج المأزق السياسي الذي طال أمده والذي تسبب في تراجع الثقة بين العراقيين، الذين أظهروا قدرا أكبر من الاستعداد في وقت سابق من العام لتقديم معلومات عن المتمردين للسلطات، وأسفر ذلك عن بعض المعلومات التي أدت إلى سلسلة من الاعتقالات في صفوف المتطرفين المرتبطين بـ«القاعدة» وغيرها من الجماعات في فصل الربيع. وقال الجنرال عن العراقيين: «أعتقد أن مستوى الثقة لا يصل إلى الدرجة التي يمكن القول فيها توقفوا عن دعم الجماعات المتمردة بشكل كامل. لكنهم يقفون موقف المتفرج في محاولة لمعرفة ما ستؤول إليه الأوضاع. وعندما يقومون بذلك فإن رغبتهم في مشاركة المعلومات التي تحتاجها قوات الأمن لتكون فعالة للغاية تنخفض إلى حد ما».
* خدمة «نيويورك تايمز»