حينما صوتت الحكومة الكويتية على سحب الجنسية من رجل الدين الشيعي ياسر حبيب مؤخرآً، قال بعض المحللين إن سبب ذلك «أعماله المشينة» التي تمت بتشجيع من إيران عندما دأب على توجيه الإهانات للسيدة عائشة زوجة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم التي يحترمها المسلمون السّنة على نحو خاص.
وكانت السلطات الكويتية قد احتجزت في مايو الماضي أشخاصاً عدة، واتهمتهم بالتجسس على منشآت البلاد لصالح الحرس الثوري في إيران.
من الواضح أن القلق من إيران بلغ مستويات عالية جديدة لدى دول الخليج العربية لدرجة دفعت هذه البلدان للتوقيع على صفقات سلاح ضخمة مع الشركات الأمريكية بلغت قيمتها 122.8 مليار دولار.
فمن الكويت الى البحرين والمملكة العربية السعودية، يثير نفوذ إيران السياسي والعسكري المتوسع توتراً متزيداً بين السلطات والمجتمعات الشيعية المحلية في هذه الدول، كما يثير أيضاً مخاوف مبالغاً بها برأي بعض المحللين.
وفي هذا الإطار، بدأت السعودية حملة ضخمة بقيمة 67 مليار دولار لتحديث قواتها المسلحة بكل أنواع الأسلحة، بدءاً من الطائرات النفاثة الى العربات المدرعة والبوارج البحرية. كما تنفق الإمارات العربية المتحدة الآن أكثر من 35 مليار دولار لتعزيز قدرتها العسكرية لتضيف بذلك ما يصل الى 80 طائرة مقاتلة من طراز رافيل الى قوتها الجوية الكبيرة.
بصمات إيران
يقول عبدالله الشايجي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت: ثمة قدر كبير من الخشية، ليس فقط في أوساط النخبة والأكاديميين بل وأيضاً بين الناس العاديين الذين يرون بصمات إيران في كل مكان.
الحقيقة أن الكويت ليست الوحيدة في الإعراب عن قلقها مما تعتبره طموحات إيرانية خطيرة، فهذه المخاوف تزايدت في أماكن اخرى بعد عزم الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق بنهاية العام المقبل.
إذ لما كانت بعض مناطق إيران لا تبعد عن دول الخليج العربية سوى 29 ميلاً فقط، تشعر هذه الدول بقلق متزايد من سعي طهران لامتلاك أسلحة نووية، ومن تأييدها للجماعات الشيعية المسلحة في لبنان والعراق.
لذا، تسعى طهران عادة للتقليل من أهمية مشاعر القلق في المنطقة بالقول إن الوجود الأمريكي فيها هو مصدر التوتر الحقيقي.
كما دعا المسؤولون الإيرانيون لإجراء ترتيب أمني اقليمي ما يسمح برحيل الجنود الأمريكيين.
لكن من المعروف أن سفير الإمارات العربية المتحدة في أمريكا يوسف العتيبي كان قد قال في تعليقات صريحة غير عادية في يوليو الماضي إن بلاده تشعر بالخوف من بروز إيران نووية، وان على الولايات المتحدة استخدام القوة لوقف برنامج إيران النووي.
غير أن وزارة الخارجية الإماراتية تحركت بعد ذلك لإبعاد نفسها عن تعليقات السفير هذه، فهي تريد، مثل دول الخليج الأخرى، المحافظة على علاقات ودية علنية مع إيران.
وبالرغم من أنها شريكاً تجارياً مهماً لإيران، لاتزال الإمارات على خلاف مع الجمهورية الإسلامية حول ثلاث جزر مُتنازع عليها في الخليج.
تدخل
يقول مصطفى العاني مستشار مركز أبحاث الخليج في دبي: إننا نشهد الآن تغييراً رئيسياً في إدراك الناس بمنطقة الخليج اذ تشكل سياسة التدخل الإيراني مصدر قلق كبير في الشرق الأوسط بدءاً من لبنان الى فلسطين.. العراق وربما اليمن أيضاً.
وهنا نلاحظ أن الأسرة الحاكمة في البحرين تتخذ إجراءات صارمة ضد بعض عناصر مجتمع الشيعة في البلاد قبل الانتخابات البرلمانية في الشهر المقبل. وتبرر الحكومة هناك هذه الإجراءات بالقول إن ثمة مجموعات من الشيعة تتلقى تمويلاً من الخارج.
وبدورها، تريد دول مجلس التعاون الخليجي الست من بريطانيا ان تعالج بجدية مسألة المجموعات الإرهابية البحرينية التي اتخذت من المملكة المتحدة ملاذاً آمناً لها.
غير أن بعض دول المجلس تحاول انتهاج خط تصالحي توفيقي، ومنها سلطنة عمان، إذ لهذه الدولة الواقعة قرب مضيق هرمز علاقات أوثق مع إيران أكثر من بقية الدول الأعضاء الأخرى في مجلس التعاون، كما يعيش عدد كبير من الإيرانيين في دبي العاصمة التجارية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
غير أن القلق من استعداد إيران الآن لملء الفراغ الذي سينشأ عن الانسحاب الأمريكي من العراق هو شعور سائد وملموس في المنطقة.
تعريب نبيل زلف