بقلم : يونس شاملي – ترجمة : الباحث جابر احمد-
النظرة الاحادية الجانب ام المتعددة الجوانب ؟
طرحت مؤخرا نظرية جديدة في مجال علم الاجتماع كثيرا ما تهتم هذه النظرية بمواضيع تنمية الفهم التحرري للمرأة وقد عرفت بنظرية ” انتر سكشناليسم ” (intersectionalism) وهي تعني بالعنصرية و بالتميز بين الجنسين وتوضح ممارسات الطبقات في الاساليب المستخدمة للضغط على النساء . على سبيل المثال ، ان ظروف حياة المرأة لا تقاس من خلال جنسها كونها أمرأة وحسب وانما هناك عوامل ضاغطة اخرى مثل ، العرق او القومية ، الطبقة و غيرها من الممارسات
النظرية المشار اليها اعلاه توضح كيف ان العوامل المختلفة القائمة في المجمتع تلعب دورا بارزا في تشكل هرم السلطة ، كما ان انتقال هذه النظرية الى المجال السياسي لا يعني الا شيئا واحدا وهو النجاح في كشف الحقائق و الاهتمام بها و التي من المفترض ان تتسع مظلتها لتحيط بمختلف جوانب الامور . كما بامكان اي حركة سياسيةالاستفادة منها في استراتيجيتها الاعلامية والدعائية . فاي حركة بدلا من ان تركز على مصالحها الذاتية الضيقة فقط ، عليها ان تبذل جهدا مضاعفا في شرح فوائد ومصالح حركتها الى جماهير الشعب و كذلك معارضيها المحتملين . على سبيل المثال اذا كانت الحركة الوطنية الديمقراطية الاذربايجانية( اذربايجان ايران ) تناضل ضد ا التمييز العنصري و الاستعمار الداخلي ، يجب لا تكتفي بشرح مكتسبات و فوائد هذا النضال الى شعبها وحسب وانما عليها ان توضح فوائد هذا النضال الى الشعب الفارسي ايضا . وهي بذلك تستطيع ان تخفف من وطئة الضغوط المستخدمة ضد حركتها الوطنية ، المثال الاخر هو اذا كان الهدف الاساسي للحركة الوطنية الاذربايجانية هو تـاسيس دولة وطنية ، يجب ان يشمل هذا الهدف مصالح النساء ، العمال و الفئات و الطبقات الاخرى وان تعطي تصورا ديناميكيا متعدد الجوانب وايجابي لهذا المفهوم الامر الذي يمكنها من توسع الدور الجماهيري الداعم للحركة الوطنية .
من هنا فان معرفة النظرية المشار اليها اعلاه والغوص في اعماقها ” اينتر سكشناليسم ” وتطبيقها مع الاطروحات النظرية للحركة الوطنية الديمقراطية الآذربايجانية من شأنه يكون مفيدا جدا لحركتنا في المجالين النظري و الاعلامي.
الدولة الايرانية ام الدولة الفارسية الايرانية ؟
تسعى الحركة الوطنية الديمقراطية الاذربايجانية الى ابتكار اساليب جديدة في ادبها السياسي ، الامر الذي من شأنه ان يوسع هذه الحركة ويعمق نظرتها ويزيد من عدد المصطلحات و المفاهيم الجديدة المستخدمة في هذا المجال و يحكي عن تشكيل افكار جديدة في المجتمع ، افكار تبنى على بقايا الافكار و النظريات السياسية البالية ، وان كان تقبلها في مراحلها الاولى من قبل الرأي العام قليلا ، الا ان اتساع الحركات الوطنية من جهة و استمرارية الاصرار على اشاعة تلك الافكار من جهة اخرى من شأنه ان يوفر الارضية الصالحة لايجاد هذه التغييرات في اذهان العامة من الجماهير .
فيما مضى فان مفاهيم مثل ، الشعب الفارسي ، الدولة او النظام الفارسي ، العنصرية الفارسية ، الاستبداد الحكومي الفارسي ، البديل الفارسي ، القوميون المتطرفون الفرس ، الشعوب غير الفارسية ، الاستعمار الداخلي في ايران ومفاهيم من هذا القبيل ، اما لم يستفاد منها في الخطاب السياسي الاذربايجاني ام انها استخدمت بشكل محدود جدا . الا اننا ومن حسن الحظ نشاهد اليوم ان الكثير من هذه المفاهيم قد اخذ يستخدم بشكل شفهي او في الادبيات المكتوبة من قبل الادباء و الباحثين في الحركة الوطنية الآذربايجانية وباقي الحركات التي تنتمي للشعوب غير الفارسية ، ولكن حذاري من عدم استخدام هذه المفاهيم بشكل اكثر دقة في الادبيات السياسية وذلك منعا لسوء الفهم او سوء التعبير غير الضروري الذي قد يحصل من جراء ذلك .
اما في الادبيات السياسية ، فالفارسي هو انسان ينتمي الى الشعب او القومية الفارسية في ايران ، تماما كما هو الحال بالنسبة للشعب التركي في هذه البلاد ، اللغة الفارسية او الشعب الفارسي او القومية الفارسية كلها مفاهيم ايجابية لانها توضح حقيقة شعب يعيش اليوم في مناطق جغرافية معينة من ايران ، حيث يتعرض هذا الشعب شأنه شأن الشعوب الايرانية الاخرى الى الاستبداد السياسي الديني التي تمارسه الجمهورية الاسلامية ضدهم . و لا نستطيع اعتبار مفهوم ” الدولة الفارسية ” ، العنصرية الفارسية ” ، الاستعمار الداخلي الفارسي ” مع اللغة الفارسية او القومية الفارسية شيئا واحدا ، لانه من الممكن ان يتعارض مفهوم الدولة الفارسية مع الشعب الفارسي ، كما هو حاصل في الوقت الراهن في ايران و المتجسد بالحركة الخضراء التي هي نتاج ذلك الشعب في نضاله ضد الدولة او السلطة الاستبدادية الفارسية في ايران .
ان طبيعة النظام الحاكم في ايران هو نظام استبدادي ، ولكن الاستفادة من مفهوم الاستبداد من اجل وصف النظام الايراني لا يكفي وانما يقتضي الامر شرح هذا المفهوم بشكل جلي وتوضيح القواعد التي يستند عليها هذا الاستبداد الذي يقوم على ثلاث اسس وهما الاستبداد الديني ” الشيعي “، الاستبداد العرقي ” الفارسي ” “و الاستبداد الطبقي” ، حيث بامكاننا اعطاء الجانب” العرقي” اضطهاد الشعوب غير الفارسية في ايران من قبل النظام الايراني صفة استعمارية .
وبما ان احد الاهداف الهامة للحركة الوطنية الديمقراطية الاذربايجانية ، هو النضال ضد الاستعمار الداخلي و اقامة الدولة الوطنية ، لذلك لا يمكننا غض الطرف عن اظهار النسيج الاثنيكي لدولة الجمهورية الاسلامية الاستبدادية و الاستعمارية ، لان الاستبداد الديني و الطبقى و العرقي يشكل الجوهر الاساسي لهذا النظام . من هنا فان اجتناب الاستفادة من المفاهيم التي باستطاعتها ان تكشف المضمون الاساسي للجمهورية الاسلامية الايرانية و فضحه امر لا مفر منه .
وعليه فان الاستفادة من مفاهيم الدولة الايرانية او الدولة الاستبدادية الايرانية محل الدولة الفارسية او الاستبداد الفارسي في الادب السياسي يعتبر امرا خطيرا للغاية بالنسبة للحركة المنتمية الى الشعوب غير الفارسية في ايران ، لان عدم الاستفادة من هذه المفاهيم تفقد معنى مضمون النضال المناهض للاستعمار داخل ايران .
وبعبارة اخرى هناك نوعان من النضال موجودين في ايران :
الاول : النضال الديمقراطي للشعب الفارسي من اجل دمقرطة الحكم في ايران وهي دولة او نظام فارسيا ، ويسعى هذا النضال جادا الى ازاحة و نفي الاستبداد السياسي ومن اجل الديمقراطية السياسية ، طبعا ان هذا النضال يشمل اصلاحات اخرى ، ولكن ما يدعو الى الاسف ان هذا النضال لا يولي اهمية الى الجانب العنصري و الاستعماري للنظام الحاكم في ايران ، لان نظام الحكم بعد التغيير سوف يبقى قائما على اساس الدولة ذات القومية الواحدة ” الفارسية ” و سوف تسير على نهجها السابق .
الثاني : النضال الوطني او القومي – الديمقراطي ونعني به نضال القوميات غير الفارسية الذي ينتهي بتأسيس واقامة دولته القومية ، وان هذا النضال ياخذ بالحسبان ازاحة الاستبداد السياسي من جهة والاستعمار الداخلي ونفي الدولة ذات القومية الواحدة من جهة اخرى ، وبما ان النضال الديمقراطي للشعب الفارسي ضد الاستبداد السياسي الحاكم يصب في مصلحة مصالح جميع الشعوب الايرانية ، من هنا فان الاتحاد والنضال المشترك من اجل ازاحة الاستبداد يصبح امرا ضروريا لا مفر منه اطلاقا ، ولكن علينا الاخذ بعين الاعتبار ان الاهداف الاساسية والاستراتيجة لكل النضالين ليس واحدا .
تصف الحركة السياسية للمجتمع الفارسي في ايران و احزابها السياسية المنتمية اليها في المعارضة النظام الايراني على انه نظام معادي للديمقراطية الا انهم ومع الاسف الشديد يتجنبون الحديث في نصوصهم السياسية من ابراز المضمون الاثنيكي ” القومي ” لهذا النظام ، لماذا لان احزاب وشخصيات المجتمع الفارسي لا تريد تغيير النسيج القومي ” الفارسي ” في ايران . و بما ان الشعوب غير الفارسية تشكل ما مجموعه 70 % من المجتمع الايراني ، من هنا فان الغالبية العظمى من الاحزاب والنشطاء السياسين في المجتمع الفارسي يؤيدون قيام دولة مركزية حتى يستطيعون عبر هذه الدولة المركزية السيطرة على كل حركة المجتمع ، و بالتالي تضييع الفرص على القوى السياسية غير الفارسية من الوصول الى حقوق متساوية ، بمعنى آخر ان القوى السياسية للمجتمع الفارسي سواء بعلم منها او دون علم فانها تقرع الطبول لاستبداد آخر بعد زوال الجمهورية الاسلامية ، و لكن القوى السياسية للشعوب غير الفارسية ومن اجل تحقيق آمالها في العدالة و المساواة تنشد وتساند قيام دولة غير مركزية فيدرالية في ايران ، لانها تعتبر قيام مثل هذه الدولة يشكل اكبر مانع في تكوين ديكتاتورية جديدة غداة الاطاحة بالجمهورية الاسلامية . وعلى ضوء ذلك فاننا نشاهد السبب الرئيس للتحفظ الذي تبديه القوى الديمقراطية لبعض الاحزاب و الشخصيات السياسية المجتمع الفارسي الايرانية حيال اقامة دولة غير مركزية ” فيدرالية” في ايران .
الانفصال ام الاتحاد ؟
واليوم هناك نظريتان سياسيتان محتلفتان مطروحتان تفصلان المجتمع السياسي الفارسي عن المجتمعات السياسية للشعوب غير الفارسية في ايران ، حيث تعمق هذا الخلاف بفعل الاعلام الحكومي المناهض للقوميات غير الفارسية في ايران خلال ال 80 عاما الماضية والذي استطاع ان يخلق ظلال من الشك وعدم الثقة ويسمم اذهان المجتمع الفارسي حيال الاهداف النبيلة التي تسعى اليها الشعوب غير الفارسية . هذا السلوك القائم على عدم الاعتماد قد انجر بدوره على مصداقية وممارسات بعض الشخصيات السياسية الفارسية ، الا ان مؤتمر ايطاليا الاخير استطاع الى حد ما اذابة الجليد بين الجانبين، حيث وفر هذا المؤتمر فرصة مناسبة للطرفين في تبادل الآراء و الحديث عن المسائل الحادة التي يعاني منها المجتمع الايراني . من هنا فان مؤتمر ايطاليا الذي مر على انعقاده عدة شهور يعتبر حدثا هاما لفتح باب الحوار بين الجانبين ، لماذا لان نبذ الاستبداد السياسي بحاجة الى تقاربا و اتحادا لجميع القوى السياسية الناشطة على الساحة الايرانية .
ان تمركز الحركة الخضراء في المناطق المركزية دون الحضور الفعال لجميع القوميات غير الفارسية في ايران قد يؤخر عملية ازاحة نظام الجمهورية الاسلامية ويجعله غير ممكنا ، وان الطريق الصحيح لانجاز هذه المهمة هي العمل باسرع وقت على بدء علاقة جديدة بين الطرفين هو الاحترام والاحترام المتقابل للقوى السياسية في ايران وذلك عبر الاعتراف بالمطالب العادلة للشعوب غير الفارسية ، الامر الذي من شأنه ان يعبد الطريق للاطاحة بالاستبداد و يضع الخطوات الاولى نحو اقامة جمهورية فيدرالية وديمقراطية في ايران .
عنوان الكاتب :
Yunes.shameli@gmail.com