احتواء النفوذ الايراني وترسيخ شبكة تعاون اقليمي كنتيجة للسلام الشامل هما من ضمن الأهداف غير المعلنة للاستراتيجية الأميركية في المنطقة حالياً، والتي تعبر عنها محطات حاسمة هذا الأسبوع باستكمال انسحاب القوات القتالية من العراق يوم الثلثاء واطلاق المحادثات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين في واشنطن الخميس.
وتستعد الإدارة الأميركية عبر تكتيكات مختلفة في العراق حيث تطوي صفحة العمليات القتالية، في الحرب الأكبر التي خاضتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، للتأسيس لواقع في بغداد يحد من نفوذ ايران، ويحفظ لواشنطن تأثيرها السياسي في المرحلة المقبلة. ويؤكد مسؤول في الخارجية الأميركية لـ «الحياة» أن واشنطن تتطلع الى «دور ايجابي للعراق في المنطقة … كشريك كامل فيها، عبر تعزيز الروابط الاقتصادية والديبلوماسية والمؤسساتية مع دول الجوار».
وتريد واشنطن من أي حكومة عراقية مقبلة دوراً اكثر فاعلية في اصلاح العلاقات مع جيرانها، خصوصاً سورية. وهذا ما أكده السفير الجديد لدى بغداد جيمس جيفري في شهادته أمام الكونغرس. ويشدد المسؤول على أن الانسحاب ليس فكاً للارتباط، وعلى أن فتح قنصليتين اميركيتين في أربيل والبصرة وفروع للسفارة في كركوك والموصل يعكس الرغبة في التواصل مع كل فئات المجتمع العراقي وتأكيد أن «العلاقة لا تنحصر في بغداد»، مع ما يعني ذلك من دور أميركي في مناطق النزاع المحورية في المرحلة المقبلة في العراق، خصوصاً كركوك (بين الأكراد والعرب) والموصل (الوجود الأكبر لتنظيم «القاعدة» في البلاد).
ورغم التأثير الايراني الواسع في جنوب العراق وعلاقة طهران وتمويلها لمجموعات شيعية، يبدي المسؤولون الأميركيون ثقة بأن طهران غير قادرة على الهيمنة على بغداد وأنها «أحرقت بعض أوراقها» بالمبالغة في اللعب فيها أكثر من مرة في الانتخابات المتلاحقة، مجلس المحافظات والانتخابات التشريعية.
وفي عملية السلام في المنطقة، تضع واشنطن حيث تستعد الادارة لاستضافة القمة الشرق أوسطية الأكبر منذ وصول الرئيس باراك اوباما الى البيت الأبيض، جهودها للاسراع في حل الدولتين والتقليص من دور «الرافضين في المنطقة»، كما وصفتهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وفي مقدمهم ايران و «حزب الله» وحركة «حماس».
و تهدف القمة، في المدى المنظور، الى اطلاق مفاوضات مباشرة برعاية أميركية، يكون من شأنها احتواء الوضع الحالي ومنعه من الانفجار مع اقتراب انتهاء تجميد الاستيطان الجزئي في 26 من الشهر المقبل، والوصول الى اتفاقات أولية حول الحدود والأمن وهي القضايا الأقل صعوبة من مسائل الحل النهائي الأخرى، أي القدس واللاجئين. وحرصت واشنطن هذه المرة على توفير غطاء عربي للمفاوضات، وهو ما غاب عن جهود كامب ديفيد مع الرئيس السابق بيل كلينتون. ويتمثل هذا الغطاء بموافقة الجامعة العربية على خيار هذه المفاوضات وحضور كل من الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وممثل اللجنة الرباعية توني بلير في القمة.
ويؤكد مسؤول في البيت ألأبيض معني بهذا الملف لـ «الحياة» أنه في المدى الأبعد ترى واشنطن فرصة استثنائية في الظروف الاقليمية الحالية للتوجه نحو السلام الشامل وترسيخ آلية تعاون واسعة بين دول المنطقة أشبه بالجهود التي تم اطلاقها في مؤتمر مدريد وشملت ملفات المياه والأمن والتعاون الاقتصادي والدفاعي بين دول المنطقة لمكافحة تهديدات تعتبرها واشنطن مشتركة مثل ايران.
وفي حين يبدو اتفاق حل الدولتين بين الفلسطينيين والاسرائيليين في نهاية 2011 أول بوادر هكذا استراتيجية، تشير مصادر رفيعة المستوى في الإدارة الى أن المسارات الاخرى في عملية السلام (لبنان وسورية) ستلحق المسار الفلسطيني في وقت قريب. وتؤكد أن تصرف ايران في المنطقة يوفر فرصة أكبر لتحقيق السلام، وليس فقط في ضوء «التهديد المشترك» في النظرة الى طهران، بل أيضا بسبب عامل المقايضة على الملف الايراني بين واشنطن وتل أبيب وضمان الولايات المتحدة سياسات اكثر صلابة حيال ايران تريح اسرائيل، في مقابل تنازلات من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في عملية السلام.