زهير الدجيلي
بخطوات متعثرة وطوال ما يقارب الخمسة أشهر توصل الزعماء العراقيون الى فكرة عقد جلسة للبرلمان امس لانتخاب رئاسة مؤقتة للبرلمان وتحديد صفة الحكومة المنتهية ولايتها. ورغم ان فكرة رئاسة مؤقتة للبرلمان هي فكرة لاتتفق مع الدستور، لكن الساسة ارادوا بها حلحلة الوضع المستعصي امام تشكيل حكومة وتفعيل دور البرلمان المعطل.
لكن هذه الجلسة فشلت ايضا في تحقيق هدفها وقرر البرلمان ارجاءها الى اجل غير مسمى لعدم وجود اتفاق بين الكتل السياسية وفق ماقيل، لكن السبب الحقيقي وراء التأجيل هو وقوف نواب الموالاة لحكومة المالكي وراء الغاء هذه الجلسة بعد أن اقنعوا العديد من نواب الائتلاف الشيعي بعدم جدواها، مما يكشف ان نواب هذا الائتلاف، الذي تحمس زعيمه عمار الحكيم لعقد هذه الجلسة، منقسمون على انفسهم، مما يضفي المزيد من الانقسامات على المشهد العراقي.
وتأجيل الجلسة او بالأحرى عدم قدرة البرلمان على عقدها يعني بالمعنى السياسي ان هذا البرلمان الجديد كسلفه اثبت فشله في تثبيت العملية الديموقراطية وتداول السلطة سلميا وفق الاستحقاق الانتخابي، فالمفروض بالبرلمان ان يكون المؤسسة التشريعية التي هي بمنزلة صمام امان للعملية السياسية لكن إخفاقه أثبت مجافاته لهذه المهمة وخذلانه لثقة المواطنين به.
إن سبب استعصاء الوضع العراقي وتأزمه يعود بالدرجة الأولى الى انعدام الثقة التامة بين القوى السياسية في البلاد منذ عقود من الزمن. واذا كانت بعض الحكومات قد شكلت وبعض السياسات قد اتخذت في السابق فذلك بفعل الدور الأميركي الضاغط على النخبة السياسية في العراق، باعتبار اميركا دولة احتلال انيطت بها ادارة العراق بقرار من الأمم المتحدة، ومازال هذا القرار نافذ المفعول.
لكن اميركا تراجعت عن التزاماتها ازاء العراق وباتت تركز فقط على موضوع الانسحاب لكي تسارع في التخلص من الورطة العراقية التي صنعتها لنفسها. غير ان العديد من المراقبين يرون ان هذا التخلي عن الالتزامات من جانب اميركا وترك الشأن العراقي لدىالساسة العراقيين المغرقين بخلافاتهم اشبه بمن يترك زورقا مثقوبا في بحر متلاطم. ولايجوز لواشنطن ان تترك زورق العراق تتقاذفه امواج البحر السياسي الهائج حتى يغرق، وترتاح هي من هم العراق، فهذا ليس هو الحل.
ان الحل هو ان تعود واشنطن لتتولى زمام الأمر بالتعاون مع الأمم المتحدة وان تنتهز اجتماع مجلس الأمن في الرابع من أغسطس الذي سيبحث فيه تقرير السيد أد ملكرت ممثل الأمم المتحدة في العراق الذي سيعرض فيه صورة الوضع العراقي.
لقد حان الوقت وفق جهات سياسية استقصت القبس آراءها لان يتدخل المجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة في إخراج العراق من أزمته الحالية بعقد مؤتمر دولي تشارك فيه دول الجوار وجميع القوى السياسية العراقية لوضع ترتيبات سياسية ضامنة لمستقبل العراق وارساء حكومة وطنية فيه، لا سيما أن العراق ما زال تحت قيود الفصل السابع ومازالت الأمم المتحدة قيمة عليه.
اما اذا تركت الأمور الى دوامة القوى السياسية العراقية تلعب بأقدار البلد مثلما حصل طيلة ما يقارب خمسة أشهر مضت فان العراق سائر لامحالة نحو حرب اهلية طائفية. واول الغيث قطر نراه في تزايد التدهور الأمني هذه الأيام.