العقوبات على إيران.. خيار عسكري مؤجل

إيرانية تسحب خرطوم البنزين من سيارتها عند محطة وقود في طهران (رويترز)

واشنطن – هشام ملحم
iran_sanctions
أعربت مصادر اميركية مسؤولة معنية بالملف الايراني عن ارتياحها للاجراءات العقابية التي اعتمدها في الاسابيع الماضية مجلس الامن الدولي، والتي اعقبها اجراءات اضافية اتخذتها الحكومة والكونغرس الاميركيان، اضافة الى الاتحاد الاوروبي، ورأت ان هذه العقوبات التي تدعمها للمرة الاولى الصين وروسيا «وضعتنا في افضل موقع في مواجهتنا مع ايران لمنعها من التحول الى دولة نووية، منذ وصول الرئيس اوباما الى البيت الابيض».

اضافت المصادر التي تحدثت معها القبس ان البيت الابيض لا يزال، في هذه المرحلة على الاقل، يرى ويأمل ان تؤدي العقوبات التي فرضت على ايران في الوقت الذي يعاني فيه اقتصادها من ازمة سيئة من المرشح ان تتفاقم أكثر اذا استمرت الاضرابات العمالية وشكاوى «البازاريين»، الى ارغام النظام على العودة الى المفاوضات مع مجموعة «الخمسة زائد واحد» للتوصل الى حل للازمة عبر التزام طهران بتعهداتها الدولية وبشروط مجلس الامن ووفقا لمطالب وكالة الطاقة النووية الدولية.

العقوبات غير كافية
المفارقة ان هذا الموقف الرسمي تزامن مع ارتفاع جوقة من الاصوات، معظمها من خارج الحكومة وان كانت تجد صدى ايجابيا لدى بعض المسؤولين، تدعو الى التحضير لتوجيه ضربة عسكرية، في السنة المقبلة ضد المنشآت النووية الايرانية، لان العقوبات حتى ولو طبقت من قبل الدول الكبرى لن تؤدي وحدها الى وقف البرنامج النووي الايراني. ويستشهد المتشددون باعتراف مدير وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي ايه) ليون بانيتا من ان العقوبات وحدها لن توقف البرنامج النووي.
ايضا، كان من اللافت مؤخرا ان وزير الدفاع روبرت غيتس الذي اتخذ في السابق هو ورئيس هيئة الاركان العسكرية المشتركة الاميرال مايك مالن مواقف معارضة وعلنية للخيار العسكري ضد ايران، يعرب الان عن مواقف متشددة أكثر: «لا اعتقد اننا مستعدون حتى للتحدث عن احتواء ايران نووية.. نحن لا نقبل فكرة ان يكون لدى ايران اسلحة نووية».

الرغبة في استئناف المفاوضات
المفارقة الاخرى، ان المصادر الحكومية كشفت ان واشنطن تلقت في الاونة الاخيرة من طهران «مؤشرات» او «رسائل» ( لم توضح المصادر ما اذا كانت مباشرة او عبر اطراف ثالثة) تفيد ان ايران تريد استئناف المفاوضات حول برنامجها النووي. المصادر رأت في ذلك اعترافا ضمنيا ان النظام قد ارتكب خطأ كبيرا حين اساء تقدير مواقف روسيا والصين، حين اعتقد ان الدولتين لن تقبلا بسلة العقوبات في مجلس الامن، وان طهران تدرك الآن ان لهذه العقوبات (الدولية والاحادية الجانب) اسنانا حادة ومؤلمة. النبرة التي استخدمتها المصادر اتسمت بالتشكيك، فليس من الواضح ما اذا كانت هذه الرسائل تحظى بتأييد القيادة الايرانية بما فيها آية الله خامنئي، ام انها من عناصر داخل النظام لكنها غير قادرة على الزام النظام ككل، او ما اذا كانت «الرسائل» محاولة جديدة للعودة الى طاولة المفاوضات لكسب الوقت وقتل فرص وصول المفاوضات الى أي حل.

عقوبات لها أسنان
على الرغم من اهمية السلة الرابعة من العقوبات التي فرضها مجلس الامن مؤخرا، فانه يعتقد ان العقوبات الاميركية الجديدة الاحادية الجانب اضافة الى عقوبات الاتحاد الاوروبي ستكون موجعة لانها ستمنع المصارف والشركات الدولية من التعامل مع ايران، فاذا فعلت ذلك ستتعرض لاجراءات عقابية تخرجها من السوق الاميركي. احكام الطوق المالي والاقتصادي على عنق النظام الايراني كان المهمة الرئيسية لوكيل وزارة المالية الاميركية ستيوارت ليفي خلال جولته الاوروبية الاخيرة. وبعد ان حظرت واشنطن التعامل المالي مع عدد من المصارف الايرانية، اضطرت مصارف اوروبية لاتخاذ اجراءات مماثلة.
وبما ان ايران تستورد 40 في المائة من احتياجاتها من اوروبا، فان امتناع مصارف اوروبية كبيرة من التعامل المالي مع الشركات والمصارف الايرانية سيؤدي الى تعقيدات ومضاعفات تجارية ومالية جديدة لايران.

الازمة الاقتصادية في ايران
وتزامنت العقوبات الجديدة مع تفاقم الازمة الاقتصادية في ايران، وخاصة في اعقاب انحسار عائدات النفط، وحدوث اضرابات عمالية في مدينة قزوين احتجاجا على عدم حصول العمال على رواتبهم بشكل منتظم، مع تململ عمالي في تبريز، اضافة الى شكاوى واضراب «البازاريين» في طهران. وترى الباحثة باربرة سليفين انه ليس من الواضح الآن ما سيكون عليه وقع العقوبات على الاقتصاد خلال سنة، الا انه من المؤكد ان العقوبات ساهمت في خلق مناخ من انعدام اليقين بالاقتصاد، وضع القيادة الايرانية في موقع صعب وحرج.

من يقرع طبول الحرب؟
برزت في الاسابيع والايام الاخيرة اصوات تقول ان العقوبات يجب ان تكون مقدمة لضربة عسكرية توجهها الولايات المتحدة مطلع السنة المقبلة ان لم يكن قبل ذلك. بعض هذه الاصوات هي ذاتها التي دعت ودفعت وشجعت الغزو الاميركي للعراق في 2003. وفي الاسبوع الماضي نشر السيناتور الديموقراطي السابق تشارلز روب والجنرال المتقاعد تشارلز والد مقالا في واشنطن بوست جاء فيه «نحن لا نستطيع ان ننتظر الى ما لا نهاية للتحقق من فعالية الدبلوماسية والعقوبات». واضاف الكاتبان انه على ادارة الرئيس اوباما ان توضح لايران انه اذا لم تنجح الاساليب الدبلوماسية والاقتصادية، فان للولايات المتحدة «القدرة، وهي مستعدة لشن هجمات فعالة ضد المنشآت النووية والعسكرية الايرانية». وجاء في تقويم كتبه مستشار الامن القومي السابق ستيفن هادلي (في عهد بوش الابن) والجنرال الاسرائيلي مايكل هيرتزوغ انه في الفصل الاول من السنة المقبلة سوف يتبين ما اذا كانت العقوبات ستكون فعالة ام لا، ولذلك «يجب على الحكومة ان تبدأ بالتخطيط من الان لاجراءات بديلة.. والخيار العسكري يجب ان يبقى على الطاولة كوسيلة لتعزيز الدبلوماسية، وايضا لاستخدامه خلال أسوأ سيناريو».

بولتون وكريستال
ويعتبر جون بولتون المسؤول السابق في ادارة بوش الابن، واكثرهم تشددا، من ابرز دعاة استخدام القوة. بعض المحافظين الجدد الذين دفعوا للخيار العسكري ضد العراق قبل 2003 مثل وليام كريستال هم في طليعة من يقرع طبول الحرب ضد ايران اليوم. وكما كتب كريستال مؤخرا «من الواضح اكثر ان التهديد الجدي بتوجيه ضربة ضد النووي الايراني هو الاجراء الوحيد الذي يمكن ان يقنع النظام بضبط طموحه».

الدخول في حوار جدي
ومقابل هذه الاصوات المتشددة، هناك اصوات ترى ان واشنطن يجب ان تستخدم العقوبات كمقدمة للدخول في حوار جدي ومفاوضات جديدة. ويقول اندرو بارازيليتي، مدير «المؤسسة الدولية للدراسات الاستراتيجية» في واشنطن ان ادارة اوباما اخطأت في رفض الاتفاق الثلاثي بين ايران وتركيا والبرازيل، وانه كان عليها ان تتفاوض بشأنه مع هذه الدول. ويرى بارازيليتي انه يمكن ان تعتمد واشنطن على استراتيجية دبلوماسية تشمل مزيجا من المفاوضات المباشرة مع طهران، او استخدام موفدين ايرانيين او شخصيات اميركية موثوقة لاجراء اجتماعات خارج ايران، وزيادة التنسيق بين واشنطن وتركيا والبرازيل وغيرها من الوسائل لايجاد حل دبلوماسي.

التصعيد في السنة الثالثة من ولاية اوباما
ومن المتوقع ان ترتفع الاصوات الداعية للحرب، وان تتحول الى جوقة قوية في النصف الاول من السنة المقبلة، بعد ان يتبين ان العقوبات لم توقف البرنامج النووي. وسوف يستخدم هؤلاء لتعزيز طروحاتهم تعهد اوباما في 2009 «استخدام جميع عناصر القوة الاميركية لمنع ايران من تطوير الاسلحة النووية». ومن المتوقع ان يتحول الخيار العسكري في السنة الثالثة من ولاية اوباما، أي السنة التي سيبدأ فيها بالتحضير لمعركة اعادة انتخابه في 2012 الى قضية انتخابية يستخدمها الجمهوريون للضغط على اوباما لتنفيذ تعهده واستخدام القوة ضد ايران.
الرأي السائد في اوساط المحللين هو ان أي هجوم اميركي سيؤدي الى ردود فعل ايرانية عسكرية «غير تقليدية» كما يقولون في واشنطن، أي ارهابية، تبدأ بالانتقام من القوات الاميركية المرابطة في العراق وافغانستان، وتمر بفتح جبهة على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، وتنتهي بايقاظ خلايا ارهابية موجودة داخل الولايات المتحدة.

شاهد أيضاً

القضية الأهوازية وانتفاضة تغيير النظام في إيران

ورقة صالح حميد في ندوة ” لا ديمقراطية بدون حقوق القوميات في إيران” لندن – …