يوكسيكوفا (تركيا) – رويترز
جيل كامل يكبر في المعتقل
“متين” فتى كردي يبلغ من العمر 16 عاما ترتسم على وجهه ابتسامة خجولة تزيد من ضيق عينيه وقد بات ذا خبرة بسجون تركيا بعد اعتقاله في اتهامات تتعلق بالإرهاب. ذات صباح في العام الماضي كان متين في طريقه إلى المدرسة عندما اعتقلته الشرطة في هذه البلدة الواقعة بجنوب شرق تركيا واتهمته بأنه عضو في حزب
العمال الكردستاني الإنفصالي. انتظر “متين” المحاكمة 5 أشهر في سجن حصين مكدس حيث كان يشترك في فراش واحد مع طفلين أو ثلاثة آخرين أطلق قاض سراحه بعد ذلك لكنه أودع السجن مرة أخرى بعد بضعة أشهر هذه المرة في اتهامات بالمشاركة في احتجاج. وقال “أروني صورة شخص يلقي الحجارة لكنه لم يكن أنا لم أشارك في احتجاج قط”، وأضاف “كانت ظروف المعيشة صعبة جدا كان الجو قارس البرودة في الشتاء ولم يكن يمكننا الاستحمام في الصيف رجال الشرطة عاملونا بقسوة
وضغطوا علينا لنعترف بأننا من أنصار حزب العمال الكردستاني”. وقد حاكمت السلطات الكردية التي تقاتل المتمردين الأكراد في جنوب شرق البلاد مئات من الأطفال يقول محامون أكراد إن بعضهم لا يتجاوز عمره 11 عاما وتقول منظمات عالمية مدافعة عن حقوق الإنسان إن قوانين مكافحة الإرهاب التركية تنتهك معاهدات الأمم المتحدة الخاصة بالأطفال. ويقول نشطاء إن الأطفال يودعون سجون الكبار بعد تلقيهم أحكاما طويلة في محاكم مكافحة الإرهاب حيث تتسم الملفات بالسرية ويتعذر على المحامين الاتصال بموكليهم.
جيل كامل في السجون
“متين” الذي ترك المدرسة وأصبح من أطفال الشوارع يرى نفسه محظوظا لأنه أفرج عنه مرة أخرى لكن مازال من المحتمل أن يقضي فترة عقوبة تصل إلى 15 عاما إذا أدين في ثلاث محاكمات منتظرة.
وقال اسماعيل دورغون نقيب المحامين في هكاري والذي دافعت نقابته عن العديد من “أطفال الحجارة” كما يطلق عليهم في تركيا “هناك جيل كامل يكبر في السجون”.
وأضاف “الدولة لا تعاقب الأطفال بل تعاقب نفسها عندما يدخلون السجون يكونون مجرد أطفال لكن عندما يغادرونها يكونون مقاتلين”.
وقال دوردو كاواك كبير ممثلي الادعاء في دياربكر أكبر مدينة في جنوب شرق تركيا أنه غير مصرح له بالحديث عن القضايا ما لم يحصل على إذن خاص من وزير العدل في أنقرة.
وتقول حكومة رجب طيب اردوغان التي أقرت قوانين تدعم حقوق الأكراد على أمل إنهاء الصراع المستمر منذ عقود مع حزب العمال الكردستاني انه يتعين تغيير مثل هذه العقوبات.
مشروع قانون لتخفيف العقوبات
ويناقش في البرلمان حاليا مشروع قانون يخفف العقوبات على الأطفال المتهمين في قضايا الإرهاب وينص على محاكمة القصر أمام محاكم خاصة بهم.
وقال وزير العدل سعد الله ارجين “لا نريد أن نخسر أطفالنا بل نريد أن نكسبهم من جديد لكن يتعين أن تدرك الأسر عواقب أفعال أطفالها” مكررا خطابا رسميا شائعا بأن حزب العمال الكردستاني يستغل الأطفال.
ويخشى نشطاء أن يقع مشروع القانون رهينة المشاعر القومية بعد تصاعد أعمال العنف من جانب حزب العمال الكردستاني في الآونة الأخيرة ومع إجراء انتخابات بعد 12 شهرا أو أقل.
ومع تصاعد عنف الانفصاليين انتقد أعضاء في المعارضة توقيت التشريع واتسمت مناقشته بالتوتر.
وقال دورغون أن مجرد التواجد أثناء احتجاج لمناصرة حزب العمال الكردستاني يعتبر أساسا لتوجيه اتهامات بالانتماء لمنظمة إرهابية والترويج لأفكارها والحزب مدرج في قوائم المنظمات الإرهابية في تركيا والاتحاد الأوروبي وواشنطن.
وقال دورغون “هؤلاء الفتيان لا يلقون محاكمة عادلة الملفات سرية لذلك لا يمكننا التحضير للقضية وفي بعض الأحيان لا تكون هناك أدلة الأطفال لا يفهمون حتى سبب سجنهم”.
مشكلات جنوب شرق تركيا
وتلقى قصة الأطفال الأكراد السجناء الضوء على المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها جنوب شرق تركيا والتي تعوق منذ فترة طويلة آمال الدولة المسلمة في الانضمام للاتحاد الأوروبي.
فمعدل البطالة 70 بالمئة في العاصمة الإقليمية هكاري حيث يقل عمر نصف السكان البالغ عددهم 256 ألفا عن 19 عاما.
والاستياء من الدولة شديد في المنطقة كما تشيع الاحتجاجات العنيفة المؤيدة لعبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون.
متشددون صغار
ويقول محللون إن أسلوب تعامل السلطات يزيد من عمق المشكلة إذ يجعل المناخ مواتيا لنشأة متشددين صغار.
ديلجيز على سبيل المثال أصبح بعد سجنه مع نزلاء أكبر منه سنا يتحدث بحماس عن الصراع الكردي والعفو والحقوق السياسية وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة بعد.
قال إنه كبل بالأغلال وعلق من السقف لإجباره على الاعتراف بهجوم لحزب العمال الكردستاني أكد أن لا صلة له به.
ويساعد التشدد في تطبيق القانون على تدعيم صفوف حزب العمال الكردستاني الذي يعتبره كثيرون من سكان المنطقة المدافع عن حقوق الأكراد مع تبدد آمالهم في التوصل لحل سياسي.
ولات (17 عاما) شاب طويل ونحيف يكسو وجهه النمش وقد اعتقل أثناء الليل في مارس( آذار) من منزل أسرته البسيط بينما كانت طائرة هليكوبتر عسكرية تحلق فوق المكان.
وقالت قدرات والدة ولات وهي تغالب دموعها وتحمل صورة لابنها في فناء السجن “الشرطة قالت إنه شارك في احتجاج وأخذته”.
وأضافت “إنه ولد صالح لم يدخل في مشاكل قط لا يذهب إلى المدرسة لأنه يعمل منذ أن بلغ العاشرة ليعيل أشقاءه الصغار ووالده المعوق”.
وانتقلت الأسرة إلى يوكسيكوفا بعد أن أخرجها الجيش من قريتها في الثمانينات عندما أخليت مئات القرى وقت ذروة أعمال العنف التي كان يقوم بها حزب العمال الكردستاني.
وقالت إن ولات ينتظر المحاكمة في سجن يبعد مسافة 300 كيلومترا عن منزلهم وقالت قدرات التي لا تفهم اللغة التركية إنها غير قادرة على التعامل مع النظام القضائي التركي المعقد.
وقال جار لها إن 32 شابا غادروا البلدة في الآونة الأخيرة للانضمام لحزب العمال الكردستاني على الجانب الآخر من الحدود مع العراق وأضاف “ذهبوا إلى الجبال والأهل لا يعرفون”.