منذ عدة أشهر تتعرض القرى الحدودية القريبة من إيران إلى قصف مدفعي مكثف ومستمر يشرد المئات من العوائل القروية التي تسكن المنطقة وتعمل للحصول على أرزاقها من خلال تربية المواشي والزراعة وتربية النحل. ويقول أحد مواطني قرية «بشت آشان» الحدودية الذي يسكن وعائلته في مخيم مؤقت بوادي «شهيدان»: «نحن
نعيش في جحيم، الخوف من القصف المتكرر، وافتقاد الخدمات الأساسية، وقصر اليد، حتى التعويضات التي قررتها الحكومة العراقية لم تصلنا، ما عدا بعض المساعدات الإنسانية لمنظمة الصليب الأحمر».
ويستطرد خدر عبد الله «إذا سارت الأحوال هكذا، سنضطر إلى هجر مناطقنا للأبد، وترك مهنتنا الأساسية وهي الزراعة، والنزوح إلى المدينة، ولا ندري هل سنحصل هناك على عمل شريف نعيل به عوائلنا، أم لا؟». ويقول «لحقت خسائر فادحة ببساتيننا ومزارعنا تقدر بعشرات آلاف الدولارات، والحكومة العراقية قدمت تعويضات بمبلغ 400 مليار دينار وبواقع مليون دينار لكل عائلة أي 800 دولار، ولكن حتى هذه المساعدة البسيطة حرمنا منها بسبب توزيعها على بعض المحسوبين والمنسوبين لمسؤولي المنطقة، فلم تكن هناك عدالة في توزيع تلك المساعدة التي لا تشكل سوى نسبة 10% مما خسرناه جراء القصف الإيراني المتكرر، هناك قرية تسكنها 50 عائلة لم تحصل سوى عشر عوائل منها على تلك المساعدة، وبدلا من أن تسهم تلك المساعدة في التخفيف عن آلامنا، تسببت بالكثير من المشاكل لنا». وحول كثافة القصف المدفعي الإيراني يقول «تصور أنه في ليلة واحدة فقط وجهت المدافع الإيرانية 15 قذيفة مدفع لقرية واحدة وهي قرية (سركريان)، وواحدة منها تسببت في هلاك 70 خلية نحل تنتج 30 كغم من العسل».
ويقول المواطن علي محمود «إن القصف الإيراني تسبب في نزوح سكان 12 قرية على سفح جبل قنديل تتبع ناحية سنكسر بقضاء قلعة دزة». ويدعو هذا المواطن حكومة الإقليم إلى وضع حد لهذا القصف ويقول «يجب على حكومة الإقليم أن تسعى مع الحكومة العراقية لإرغام إيران على وقف هذه العمليات التي تتكرر كل سنة مما يهدد مصدر معيشتنا الوحيد، وهو الزراعة وتربية المواشي». ويضيف «فيما عدا منظمة الصليب الأحمر لم نتلق المساعدة من أي جهة كانت، رغم معاناتنا الإنسانية جراء النزوح وترك بيوتنا ومزارعنا، حتى مياه الشرب لا نحصل عليها في مثل هذه الظروف، ورغم هذه المأساة فإننا سوف لن نعود إلى قرانا من دون الحصول على ضمانات كاملة بعدم تعرضنا للقصف الإيراني مرة أخرى».
ويشكو محمد إبراهيم خدر قائلا «منذ أكثر من شهر تقصف إيران قرانا الحدودية، وفي المنطقة التي نعيش فيها قصفت لحد الآن 20 قرية بحدود قضاء بشدر ألحق أضرارا بليغة بممتلكات المواطنين في تلك القرى، إلى جانب مقتل فتاة وجرح ثلاثة آخرين». ويتابع «عندما تعرض مسكني إلى قذيفة مدفع لم نلحق سوى بالهرب واللجوء إلى هذا المخيم، تركنا كل شيء وراءنا ونجونا بأنفسنا، واليوم أحوالنا سيئة للغاية، ففي هذا الفصل الحار لا يمكننا العيش داخل المخيمات، ونريد العودة إلى ديارنا، لكن كيف.. لا أدري؟». ويشير هذا المواطن إلى أن «850 عائلة من مختلف القرى الحدودية التابعة لقضاء بشدر قد نزحوا من مناطقهم، وهناك من يعيش داخل المخيمات المؤقتة، فيما هناك من لجأ إلى أقربائه في المدن القريبة بانتظار الفرج».
ويقول المواطن رسول حمد عبد الله «نحن 21 عائلة من سكان قرية (كوتة) التي تبعد 20 كيلومترا عن مركز قضاء قلعة دزة بمنطقة بشدر، وتشردنا بسبب القصف الإيراني، وأنا عن نفسي تضررت بما يعادل عشرة آلاف دولار، ولحد الآن لم أتلق أية مساعدة من أي طرف كان، ولا أدري لمن ألتجئ لطلب التعويض، خصوصا أن عائلتي تعتمد عليّ في معاشها، وها أنا هنا تحت المخيم لا شغل لي ولا عمل، أنتظر رحمة الله، ورحمة حكومتنا الإقليمية».
وفي الوقت الذي أعلن فيه القنصل الإيراني في أربيل قبل أسبوعين عن قرب وصول وفد إيراني رسمي برئاسة نائب وزير الداخلية الإيراني إلى الإقليم لبحث تداعيات القصف المدفعي مع المسؤولين المحليين، ولكن هذا الوفد لم يصل بعد، وما زالت العوائل المشردة تخاف من العودة إلى مناطقها السابقة بسبب تكرار عمليات القصف لقراهم بذريعة وجود عناصر حزب بزاك الكردي المعارض لإيران هناك». ولكن المواطن محمود رحمان يشير إلى أن «إيران اخترقت الحدود العراقية عبر قرى (كانيا رش وأومر خيات وبردوناز وبيرلول) بذريعة وجود قوات بزاك، ولكن إيران تعرف قبل غيرها بأنه لا وجود لأي من مقاتلي هذا الحزب في تلك المنطقة، وأن كل ما تفعله هناك هو إطلاق النار على رعاة المواشي والمواطنين المدنيين من سكان القرى». ويقول «القوات الإيرانية على الحدود لا تبعد سوى بضع مئات من الأمتار عن القرى الحدودية التي نسكنها، وهي ترى تحركاتنا، ولذلك فهي تعرف جيدا بعدم وجود أي مقاتلي حزب بزاك في مناطقنا، فلماذا تستهدفنا وتتذرع بوجودهم بيننا»؟
يذكر أن 400 قرية منتشرة في كل من المناطق التابعة لأقضية بشدر وجومان وسوران التي تؤوي 20 ألف مواطن تتعرض إلى قصف مدفعي إيراني وقصف بالطائرات التركية ما يهدد باستمرار نزوح العوائل القروية من الحدود، ويقول معظم مواطني تلك المناطق، وبعضهم تشردوا إلى المخيمات المؤقتة، بأنهم سوف لن يعودوا إلى قراهم من دون حل مشكلتهم مع القصف الإيراني المتكرر، ويقول أحدهم «على مدار السنة نعمل داخل بساتيننا وحقولنا ومزارعنا، وحين يأتي موسم الحصاد نخسر كل شيء بسبب القصف الإيراني الذي يحرق محاصيلنا ويشرد عوائلنا، ونسأل الحكومة الإقليمية والحكومة العراقية: متى تتحركان لوضع حد لمأساتنا وإنقاذ عوائلنا»؟