بقي الخلاف و الجدل قائم بين الأدباء بكل أطيافهم حول علاقة الأدب بالسياسية ، فالبعض أراد أن ينأ بالأدب عن السياسة ، والبعض الأخر يرى انه لا مناص من فك الارتباط بين الأدب و السياسية ، من هنا وخلال قراءتنا لرواية ” كوت عبدالله” نرى السيد عمار تاسائي قد أقام رباطا محكما و بأسلوب أدبي خلاق بين الأدب و السياسة فركزت روايته على مجمل القضايا التي يعاني منها الشعب الاهوازي في شتى المجالات الوطنية والسياسية و الاقتصادية والاجتماعية الخ .. . و ما يميز هذه الروية أيضا كونها الرواية الأولى لروائيين عرب أهوازيين تصدر باللغة العربية .
و يقدم عمار تاسائي الاهوازي في رواية كوت عبد الله وكما يقول الناشر ” صورة لمعترك أنساني ما يزال غائما بالنسبة للكثير من قراء العربية ، كما أنه لا يكتب على أي حال عملا نضاليا من اجل إلقاء الضوء على المأساة الاهوازية و لكنه يرسم ملامح إنسانية في غاية من الشفافية لطبيعة الحياة ولمناخ التمييز والعزل و الفقر التي يعانيه الاهوازيين ، كما ترسم رواية ” كوت عبد الله خطوطا مؤثرة لغربة طاحنة يعيشها أبطال الرواية في وطنهم .”
اتخذعمار تاسائي في معالجته لقضايا الشعب الاهوازي من حي كوت عبد الله وهو حي قديم يقع على مسافة عشرة كيلومترات جنوب مدينة الاهواز وقد توسع هذه الحي وعلى مدار اكثر من ستة عقود بفعل الهجرة الوافدة من الريف إلى المدينة ، كما ازداد كثافة سكانية بسبب مهجري الحرب العراقية الإيرانية وما يعانيه أهالي هذا الحي من فقر حرمان وإهمال يعتبر نموذجا حيا و شاهدا على معاناة شعب باسره .
يقول المؤلف في مقدمته لراويته ” أن الشعب العربي الاهوازي عانى طوال العقود التسعة الماضية من انتهاك صارخ لحقوقه الثقافية والسياسية ، حيث حرم بشكل كامل من التعليم بلغته العربية ، إذ يجبر الطفل العربي الاهوازي على التعلم باللغة الفارسية في أول يوم من الدخول إلى المدرسة الابتدائية ، حيث لا يخفى من هذا الفرض العنصري في التعليم من اثر سلبي مدمر على مستقبل التلاميذ و قتل لمواهبهم وقدراتهم الإبداعية .
تحتوي رواية السيد عمار تسائي على سبع عشر فصلا ومجموع صفحاتها ما يقارب 228 صفحة وفيما يلي نبذة منها :
في مجال مصادرة الأراضي العربية وتغيير النسيج السكاني:
تولي رواية كوت عبد الله اهتماما كبيرا بموضوع مصادرة أراضي الفلاحين العرب لصالح مشاريع قصب السكر وما نتج عنها ، كونها مشاريع ذات دلالات سياسية و ليس اقتصادية ، الهدف منها جلب الأيدي العاملة من مختلف المناطق الإيرانية الأخرى بغية تغيير النسيج السكاني و تغير المعادلات السكانية بحيث يصبح العرب اقليه أمام أكثرية غير عربية وقد ورد ذلك وعلى لسان بطله في اغلب فصول الرواية اعرض جزءا منها :
تذكر ناجي ما يدور حول مشروع قصب السكر من احاديث كاغتصاب الأراضي من العرب و توظيف فرس قادمين من مدن إيرانية أخرى فأراد أن يعرف رأي محدثه في الشأن فسأله وعلامات الاستفسار بادية على ملامحه . ونقرأ أيضا: أنا سمعت مرارا مثل هذا الكلام وفي بدية تعيني لامني بعضهم بحجة أن المشروع استعماري يستهدف العرب لكن لم اعد اهتم بتلك الأقاويل لأنها كانت هراء لا جدوى منه وأنصحك أن لا تكترث لمثل هذا الكلام لأنه لا يسمن و لا يغني من جوع ، اعمل عملك و استلم راتبك وعش حياتك وليكن شعارك في الحياة ” مصلحتي أنا أولا و قبل كل شيء ” الفصل الثالث ، ص ، 46 و 47 من الرواية . و نقرأ أيضا حول أساليب السطات الإيرانية حول تغير النسيج القومي للشعب العربي الاهوازي ما يلي :
لكن كل ما يقال حق فإن مشروع قصب السكر مشروع استعماري لسلب أراضي العرب وتغير ديمغرافية المنطقة وتغير نسيج الاهواز السكاني . الفصل الرابع ، ص ، 55
وتتكرر هذه الصورة في الفصل الثامن ، ص ، 113 حيث ينقل على لسان بطله قائلا :
– أننا ضحايا ، جميعنا ضحية المستعمر ألذي جاء بمشاريع شتى لسلب الأرض التي هي الجسد والان يردي منا سلب الروح التي هي الهوية العربية ، الحكومة تبرمج بشكل منهجي لسلب كل ما يرتبط بتلك الأرض من تراث وثقافة وأدب وتقاليد وثقافة وكل شيء بنم عن عروبة الأرض .
سلبيات المجتمع القبلي والأبوي:
تعالج الرواية أيضا سلبيات المجتمع القبلي و ما ينتج عنها من مشاكل اجتماعية حيث نقرأ :
كان العم شريف الأخ الأكبر لسرحان الصقر والد ناجي وكان يعمل موظفا بسيطا في شركة النفط ألا انه كان يحتل مكانة مرموقة بين وجهاء وشيوخ القبائل و له مكانة اجتماعية خاصة باعتباره الابن الأكبر للشيخ صقر ، انفراده بما تركه من ارض وأموال وعدم أشراك أخيه الأصغر لم يمنعا الأخير من أن يبقى مطيعا ومواليا لأخيه الأكبر الذي يعده سندا وعونا له في الملمات ! لهذا السبب لم ينصع لإصرار زوجته أم ناجي التي كانت تحثه على المطالبة بحقه في ميراث أبيه حتى انه عندما علم أن أخاه الأكبر باع قطعة ارض واسعة قرب نهر كارون لشركة الغاز بميلغ كبير، بقي في صمته ولم يحرك ساكنا للمطالبة بحقه بالميراث وهذا الأمر أدى إلى تدهور علاقته بزوجته أم ناجي لكنه فضل السكوت والانتظار حفاظا على أواصر الأخوة والعلاقة مع أخيه .الفصل الرابع، الصفحة 51
في مجال العمل السياسي :
كما قلنا في المقدمة أن السيد عمار تاسائي تطرق من خلال رواية ” كوت عبد الله ” إلى شتى الأوضاع السائدة في إقليم عريستان – الاهواز أو الأحواز ، حيث نقرا في المجال السياسي ما يلي :
كان الشاب من المتحمسين للقومية العربية و أفكارها وشارك في مظاهرات شعبية للدفاع عن أبناء شعبه في أيام دراسته الثانوية ، لكنه سرعان ما تراجع عن الاستمرار في النشاط السياسي والمشاركة فيه بعد ما سمع عن اعتقال متظاهرين وأخرين أعضاء في تنظيم سياسي و كان تراجعه ناجما عن خوف وهستريا تكونت عند معظم الناس خلال السنين الماضية كان سببها قصصا وحكايات تحكي عن الأساليب التي يعذب بها السجناء السياسيون و الإعدامات الرهيبة ولكنه رغم ذلك بقي يحب ويؤيد الأفكار القومية و يتابع تطورات القضية الاهوازية . الفصل الرابع ، ص ، 54
ونقرأ أيضا
هذه الأمور اعرفها أنا جيدا، فعندما كنت في الكويت جاءني احد هؤلاء وطلب مني أن انضم إلى تنظيمهم الذي كان يعمل لتحرير الاهواز حسب زعمهم / عرفت بعد ما شرح لي تفاصيل من التاريخ و السياسة ، أن مثل تلك الأمور لا تنتهي بعاقبة حسنة ، فاعتذرت منه وقلت له أنا لا اعمل في السياسة وبعد فترة اعتقلوا في المحمرة و اعدم من اعدم و الباقون اودعوا في السجون لسنوات طويلة و الشاه بسافاكه كان ارحم من هؤلاء أنصحك أن تنتبه و لا تفرط بوظيفتك وحياتك . الفصل الرابع ، ص ، 56
احتلال العراق للكويت
كما نرى في رواية كوت عبد الله صد لاحتلال العراق لدولة الكويت وذلك على شكل حوار بين أبطال الرواية .
ما ذا يقول الراديو ؟ ما أخبار صدام حسين؟
– رد بحماس
– جيدة جدا
– رد العم باستهزاء
– أي بطل هذا الذي يغزو أخيه الذي سانده و دعمه طويلا
– ازداد اندفاع الشاب وانبرى للدفاع
– تقصد الكويت فهم الذين غدروا بالعراق والأمة العربية .
– رد العم ساخرا :
– وهل الأمة العربية افضل حالا حتى الآن ؟
– لم يجب الشاب ، و قال ربما مؤامرة صهيونية ، الفصل الرابع ، ص ، 53 وتتكرر مثل هذه المشاهد في اغلب فصول الرواية ألا أنها في الفصل العاشر ، ص ، 142 تكون اكثر وضوحا . حيث نقرأ ما يلي :
– التنظيم بابه مفتوح لدخول الأخوة والأخوات المؤهلين الذين يريدون الدفاع عن وطنهم وان شاء الله أنت واحد من افضل شبابنا لذلك يسرنا ان نطلب منك الانضمام الينا . كما يتكرر هذا المشهد اكثر من مرة 150 و 151
في مجال استخدام الدين كوسيلة :
هناك مقاطع كبيرة وردت في الرواية تعالج المحسوبية و الولاءات الكاذبة واستخدام الدين كوسيلة من اجل تحقيق أهداف سياسية وشخصية حيث نقرأ :
أمام مسجد الحي يسعى لتوطيد علاقاته بالحاج حيث يمدحه بكلمات فصيحة و يرد على مديحه بإطراء مشهود حتى يعوض افتقاره للكلمات الفصيحة ، كم ان المندوب يسعى لخب ود الأمام حتى لا يخلو اجتماع حملته الانتخابية من أصحاب العائم ” الفصل من الرواية ، ص ، 8 . ، المهم أن يلتزم المندوبون بنهج ولاية الفقيه والإسلام الأصيل المحمدي فان فعلوا ذلك فليبارك الله في مساعيهم و يوفقهم فيما يرون. الفصل الثاني، ص، 36 . ونقرأ أيضا الدين والعمائم شيء وهذه الحكومة شيء أخر، فهذه العمائم لا تمثل الإسلام الصحيح، و الدين و العمائم الحقيقة بريئة من أعمال هذه الحكومة التي تدعي الإسلام فقبل أن تأتي الثورة هذه كان الناس يصلون ويعبدون الله بإخلاص لكن اصبح الدين مزورا نتيجة لتدخل الدين في جميع شؤون الحياة وربط المصالح بالأيمان والدين ، الفصل الخامس، ص، 63 من الرواية.
الفساد الإداري :
لا تهمل الرواية الفساد الإداري والولاءات الكاذبة و التي باتت ظاهرة تهدد أركان المجتمع الاهوازي باسره وتزج بأبنائه إلى عالم البطالة و التشرد حيث نقرأ :
– الشركة بحاجة إلى خبرات الشباب المؤمن و الملتزم بنهج الأمام الخميني و الثورة الإسلامية الفصل الثاني ، ص ، 35
– من هذا الموظف الجديد
– فرد السيد هاشم باقتضاب :
– اذا لم يكن من جماعة الرئيس فهو أكيد من جماعة المدير واذا لم يكن من جماعة هذا أو ذاك فمن المؤكد انه احد أقارب اللذين لهم صلة بأحد المديرين والرؤساء التي تعج بهم الشركة . الفصل السادس ، ص، 76
حتى ابسط المناصب يتم منحها عن الواسطة ، الترقيات والدرجات كلها عن طريق الواسطة واذا لم يحظ احد بواسطة سوف يبقى في نفس الدرجة دون ترقية سنوات عديدة . الفصل السادس، ص، 80.
صور اخرى
ومن يقرأ رواية كوت عبد الله ربما تنتابه الدهشة حيث أن بطله لا يكتفي بما طرح أنفا بل يراقب بكل دقة وبأسلوب أدبي خلاق كل ما يجري داخل المجتمع الاهوازي فنراه هذه الصورة في الفصل الثامن ، ص ، 105 انقلها ما يلي :
كانت الضوضاء وصخب السيارات تملآن الجو ، غبار تسببه عجلات السيارات المسرعة يختلط مع الدخان المتصاعد منها إلى الجو الحار في انتظار ريح تدفعه غربا أو شرقا والا بقي معلقا فوق رؤوس الناس .. الخ ويضيف وحتى ذلك اليوم كان ناجي يفكر في الوضع ويحصي نسبة الناس الذين يرتدون الملابس العربية حتى تحولت هذه القضية إلى عادة يومية يمارسها كل يوم عندما يسند احد قدميه إلى حائط الكراج في انتظار حافلة الشركة .
في الفصلين الثالث عشر و الرابع عشر من رواية ” كوت عبد الله ” نفاجئ أن بطل الرواية ناجي ليس سياسيا ومثقفا يراقب كل ما يدور في مجتمعه من خطط وسياسات تهدف إلى تدمير بنيته السكانية وتغير هويته العربية وحسب وإنما محبا وعاشقا من الدرجة الأولى حيث نراه قد احب فتاته من النظرة الأولى حينما ذهب ليشتري الدواء من الصيدلية حيث يتحدث الراوي على لسان البطل قائلا : ” مع أن ناجي كان يعتبر نفسه متمرسا في الحب و كانت له علاقات غرامية كثيرة مع فتيات ونساء من مختلف الأعمار و عد يوما من افضل كتاب رسائل الغرام لجمال خطه وسلامة تعبيره وكانت له في أيام الثانوية مغامرات كثيرة مع فتيات المدارس ألا انه حين راي تلك الفتاة داهمه إحساس غريب لم يجربه في حياته من قبل … الخ ، ص 175
الفصل الخامس عشر و السادس والسابع عشر وهو الأخير يتناول الراوي مشاعر بطله في شتى المجالات الإنسانية والمناسبات الاجتماعية و السياسية كقوله ” اقترب عيد الفطر المبارك ومع اقترابه ازدادت حركة الناس في الاهواز وكان حي كوت عبد الله من بين الأكثر ازدحاما لأنه حي عربي والعرب فقط من يحتفي ويحتفل في عيد الفطر المبارك … الخ ، ص ، 199
أن رواية كوت عبد الله تعتبر التجربة الأولى للأخ عمار كما أنها أيضا الرواية الأولى التي تصدر بالعربية و من مؤلف عربي وهي رواية تستحق القراءة أما نقدها و التعليق عليها تبقى من مهام النقاد ، نتمنى كل النجاح و التوفيق لما فيه خدمة شعبه وخدمة الحركة الأدبية الاهوازية .
جابر أحمد