03/05/2024

العقوبات لشَلِّ الاقتصاد وتغيير سلوك النظام الإيراني

ما تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية من عقوبات على المؤسسات والشخصيات والقطاعات الإيرانية كانت ولا تزال آلية فاعلة لتعديل سلوك النظام الإيراني ذي الهجانة السياسية (=hybrid regime) وفي الوقت ذاته تكشف هذه العقوبات للعالم واقع النظام منذ عام 1979م بعدما احتل طلاب راديكاليون السفارة الأمريكية في طهران، ثم إن تكثيف العقوبات المدروسة حتى اللحظة على أداء النظام الإيراني المستخف بمادئ النظام العالمي والأعراف الدولية تهدف أولا: السلوك اللامتناسق مع الأعراف الدولية (= دعم المنظمات المصنفة إرهابيا)، وثانيا: الأنشطة الخبيثة الرامية إلى امتلاك أسلحة نووية (= التصنيع النووي)، وثالثا: الشخصيات الآمرة والمخططة والمنفذة للانتهاكات في حقوق الإنسان.

وأما العقوبات فقد بدأت بتطبيقات اقتصادية كتجميد الأصول المالية وحظر عملية التصدير والاستيراد والشحن وصناعة السفن وإدارة الموانئ وشل أعمال شَرِكَتَي النفط وناقلات النفط الوطنيتين، والخدمات المالية للبنك المركزي في مجال الاقتصاد (= التجارة والصناعة والتكنولوجيا). وثمة عقوبات طبقت نتيجة سلوك وأداء النظام للامتناسق مع الأعراف السياسية على الصعيد الداخلي الإيراني والدولي والإقليمي والخليج العربي كالدعم للإرهاب من قبل جهاز الاستخبارات والحرس الثوري الإيراني ووزارة الدفاع وقطاع دعم القوات المسلحة ومقر الإعمار المسمى بخاتم الأنبياء ضمن الأنشطة العابرة للحدود إلى جانب الصناعة الذرية الخبيثة.

وأخيرا ثمة عقوبات تتعلق بمسألة حقوق الإنسان بمخططي ومنفذي انتهاكات مبادئ هذه الحقوق العالمية في المجال إيراني وفرضت على شخصيات كالمرشد الأعلى للدولة الإيرانية ومكتبه (= الدولة الموازية = الكيان الموازي) ومحمد علي جعفري القائد السابق للحرس الثوري ومحسن أيجه رئيس القضاء ومصلح حيدري وزير الاستخبارات السابق والإرهابي قاسم سليماني قائد فيلق القدس، ونقدي قائد قوات التعبئة (= الباسيج) بحسب ما أوردته وكالة تسنيم التابعة للحرس الثوري الإرهابي.

وفي غضون قمع احتجاجات «المرأة، الحياة، الحرية» التي تعم محافظات إيران بعد مقتل مسها أميني في 16 سبتمبر 2022م على يد شرطة الأخلاق، لقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا عقوبات شملت كلّ مِن: (شرطة الأخلاق) و(قيادات الشرطة) و(الحرس الثوري الإيراني الإرهابي) و(قوات التعبئة) إلى جانب عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة في 12/09/ 2022م على قامعي للمظاهرات.

ويصر النظام الإيراني أن العقوبات لا أثر لها على الوضع الاقتصادي ولم تؤثر على أداء الشخصيات المشمولة للعقوبات، إلا أن إلقاء نظرة فاحصة على سعر صرف عملة الدولار

الأمريكي وما يعاني منه قطاع التجارة والصناعة والتكنولوجيا كفيلة في تقييم الأوضاع المتدهور للاقتصاد والهلع الإيراني.

(ألف): العقوبات الاقتصادية

إنقاص قوة الاقتصاد البترولي

من المعلوم أن الاقتصاد الإيراني يتوكأ على عائدات البترول، وأن العقوبات تقلص العائدات بما لا يحتمل الشك وكُشف عن ذلك في عامي 2011 ـ 2012م حيث تدهور الاقتصاد الإيراني بشكل بيّن؛ ولأن البترول على اتصال بالأسواق العالمية فإن العقوبات يجب أن تستمر في جعل الأولوية على البترول وكذا الغاز ومنتجاتهما كونهما في حاجة ماسة إلى الاستثمار الدائم والوصول إلى تكنولوجيا متطورة، ما يعني لا استثمار لا تكنولوجيا.. إنما هو التدهور الحتمي عينا كما حدث في 2012 وكذا 2013م إذ رُصد تقليص غير مسبوق في قسم التصدير وتراجع في الاستثمار وارتفعت أزمة امتناع شركات البترول الدولية عن مواصلة العمل والاستثمار. وفي عام 2016م فترة ولاية أحمدي نجاد حيث الاحتيال الإيراني على العقوبات نهض الاقتصاد على قدميها من جديد بفضل زيادة تهريب البترول وتصدير السلع غير البترولية وكثرة الإيرادات الضريبية وصفقات المقايضة وصفقات سرية لبافي المنتوجات، فعاد الانتعاش إلى قطاع الاقتصاد.

إنقاص قطاع الصناعة

لا بد من أخذ هذه الملاحظة أن قطاع الصناع في الاقتصاد الإيراني سرعان ما يتأثر بالعقوبات بخاصة تلك المتعلقة بالاستيرادات وسلع الاستثمار والآلات ضمن القطاعات المتآزرة مع الشركاء غير الإيرانيين وقد سببت العقوبات شبه إنهيار فتوقفت عجلة تصنيع السيارات والمقطورات ومعدات النقل فانقلب معدل نمو الصناعة والتعدين إلى ناتج سلبي.

شلّ قطاع التجارة والخدمات المصرفية

يعد قطاع التجارة من أهم قطاعات الاقتصاد الإيراني وقد استجاب بحساسية بالغة للعقوبات وأظهر مستو متدهورا أكثر من غيره في مقاييس رصد العقوبات وآثارها، حيث انخفاض سعر العملة الإيرانية، وتوقف المعاملات المصرفية والمدفوعات في 2012 – 2013م في المجال العام للتجارة الخارجية الإيرانية. وحيث إن حوالي 75٪ من إجمالي استيرادات إيران مخصصة للسلع

الوسيطة ومواد الإنتاج والآلات والسلع الاستثمارية، فإن هذا الانخفاض أثر سلبا على الإنتاج المحلي الإيراني.

ويعتمد أداء القطاع التجاري بشكل كبير على أداء الصناعة والتعدين والزراعة والتجارة الخارجية وكل تطورات التجارة تتطلب منصة للخدمات المصرفية وشبكة التبادلات المالية التي يتم مواجهتها بقيود صارمة جراء العقوبات. واستمر الانهيار في القطاع التجاري من 2010 حتى 2015م وبعد ذلك استطاع قطاع التجارة الخارجية من الاحتيال على العقوبات وإعادة حالة الإنعاش إلى ما قبل العقوبات.

إن انخفاض قيمة العملة الإيرانية وتراجع المقايضة التجارية مع بعض الدول المحددة وفق الاشتراط القانوني العقوباتي المعترف به دولي على إيران، فقد أثر سلبا على نمو الاقتصاد وقطاعاته المهمة مثل الزراعة والبناء والاستثمار الأجنبي، وسبب التغيير في أولويات الاستثمار للقطاع العام للحكومة والمستثمرين المحليين في مشاريع الاستثمارات جديدة أو التأكيد على استمرار الخطط المحددة مسبقا، فظهرت تجارب خيبت الآمال للإيرانيين خلال ذروة العقوبات فلم يرصد النمو ولا التحسن الاقتصادي.

(باء): العقوبات الحقوقية

عقوبات تستهدف انتهاكات مسألة حقوق الإنسان

عندما نرصد مسار إقرار هذه العقوبات نجدها تفرض بناء على انتهاكات في مسألة حقوق الإنسان من قبل النظام الإيراني، وتتنوع الانتهاكات وأهمها المضايقة والتعذيب والسجن والإعدام حتى لمن كان دون السن الرشد ومواجهة النشطاء المدنيين والأقليات الدينية بالإخافة والتوعد بالعقوبة وقضية قطع الإنترنت حيث يعاني منها بالوقت الحاضر الشعب الإيراني لنقل مشاهد احتجاجات «المرأة، الحياة، الحرية» المتواصلة حتى اللحظة؛ هذه العقوبات بدأت في أبريل 2011م عندما أدرج 32 مسؤولا إيرانيا بقائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي.

وفي شأن الاحتجاجت الراهنة فقد فرضت المملكة المتحدة عقوبات على خمسة مسؤولين سياسيين وأمنيين مهمين أدينوا بانتهاكات في حقوق الإنسان وهم: غلامرضا سلیمانی رئیس قوات التعبئة والمسؤول عن الأمن الداخلي الإیراني، وحسن کرمي قائد وحدة قوة الشرطة للرد السريع ووحدات أخرى، وحسین أشتري قائد كل شرطة إيران، ولیلى واثقي بمنصب سابق لقاطعة  في طهران، وحسن شاهواربور قائد الحرس الثوري الإرهابي في إقليم الأحواز. وفرضت الولايات المتحدة الإمريكية من جهتها عقوبات على أحمد وحیدي زوير الداخلية، وعیسی زارعبور وزیر الاتصالات، وحسین ساجدي نیا مساعد كل وحدات قوات الشرطة، ویدالله جواني المساعد قسم السياسية في الحرس الثوري الإرهابي، ووحید مجید رئیس الشرطة السيبرانية، وحسین نجات قائد مقر ثأر الله، وحسین رحیمي رئیس شرطة طهران. والعقوبات على هذه الفئة من الأسماء لم يقتصر على المسألة المشار إليها فهناك أنشطة ومصالح اقتصادية متعلقة بشخصياتها قد توفرت إما من خلال الفساد المستشري في أركان النظام أو الريع أو تنفيذ قرارات تسببت في ظاهرة الفقر والتضخم الاقتصادي والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في السنوات الأخيرة، ناهيك عن التأكد من هذه الأسماء بأنها الأبرز والأظهر في مجال انتهاكات حقوق الإنسان المحلية والدولية ضمن وظائف ومناصب كالتعذيب والاختفاء القسري والمصادرة للأموال تحت ذريعة لا ملكية للأقليات الدينية والفارين من التهم الملفقة، والقمع العنيف للاحتجاجات الشعبية، فلم تتم محاكمة أي منهم فحسب، بل تمت ترقية معظهم إلى مناصب أعلى ونال أغلبهم حظوة التقرب من المرشد الأعلى.

إن هذه العقوبات النوعية الرادعة لإيران والضاغطة عليه لتعديل السلوك، في تصوري يلزمها ضمان تنفيذي دولي، ثم إن التكثيف منها سوف يحسن مجال حقوق الإنسان في الوقت الحاضر ويؤسس لمنظومة حقوقية بمعايير دولية لمؤسسات ما بعد الإطاحة بالنظام الجمهوري الإسلاموي.

كمال الحزباوي

أكاديمي وباحث بالسياسة والشأن الإيراني

@KmalBenS_Hazbvi تويتر