كمال الحزباوي
أكاديمي أهوازي | أستاذ الفلسفة وفهم الأديان.
المقدمة:
يعتد مفهوم النخبة (= Elite) من المفاهيم المترابطة بالعلوم الاجتماعية، مفهوم مطلق وتوظيفه يتطلب تخصيص المدلول في المتسع المراد البحث فيه. وهذا ما أدى إلى أن تبدو المواقف حوله متنوعة ومتعددة في البحث عنه بعد أن ظهر في نهايات القرن التاسع عشر بأدبيات السيوسيولوجيا.
وبناء على ذلك تهدف الدراسة إلى تحليل المفهوم في مدلوله العام أولا ثم التكريس لمدوله الخاص المتعلق بالنخبة الأهوازية ثانيا في السياق الوطني بناء على اعتبار وهو أنني أسس لتعريف النخبة على مستوى التضاد مع التعريف الإيراني ــ الفارسيزمي المعادي لنا ما يعني أن بالبحث عن النخبة الأهوازية هنا سيكون برصادة تطبيقية من خلال العمل الثقافي والأداء لكل من هو نخبة. وكنت أسعى أن أكشف للمثقف الأهوازي عن بينة النخب الأهوازيين ( = The structure of the Ahwazi elite) لكي يبان له أن النخب لا يكونوا من عداد ما تم تقريبهم من السلطة والدولة والنظام ويتداول الإعلام الإيراني نشاطهم! ومن الممكن أن يكون فيهم مثقفين لكن ليسوا بنخب أهوازيين أكيدا.
وموقفي في البحث يتبنى واقع المجتمع الأهوازي ومتعلقاته على أن بين البنية الوطنية وأداء النخبة ترابط أخلاقي وإلزام وواجب وطني، ومن يرى غير ذلك فلا يزال في دوامة الفكر المؤيرن. ومما يضاف إلى هذا أن التواجد في قائمة النخب الأهوازيين يتطلب الكثير من الأداء فلا يشمل من هو عديم الأداء في التنظير والقابلية في المجال الأكاديمي والإعلامي والسياسي والثقافي.. بل المراد من له إنتاج نوعي في دعم أو تأسيس ما له صلة بالشعب الأهوازي بصفة العموم.
وبناء على ما تقدم فالدراسة سوف تحلل عينات أهوازية في السياق النخبوي بالإضافة إلى النتاج الثقافي المنشور لها؛ عينات تم تقسيمها: إلى (عربية ــ عربية)؛ (عربية ــ فارسية) في اهتمام هذه الدراسة.
مدخل إيجازي:
يمكن اعتبار المجتمع الأهوازي مجتمعا تقليديا كما ببنا في دراسات سابقة، ويعاني من تخلف ثقافي واضح، وبالإمكان البرهنة على ذلك من واقع المواقف والأحداث التي تعم غالبية شرائح المجتمع؛ لا يعترف هذا المجتمع بالمؤسسات والعمل المؤسساتي وهذا في حد ذاته موقف
إيجابي؛ لأن النظام ومؤسسات الدولة لا تتعامل مع الأهوازي كمواطن ولا تعتبره عربيا، فبالتالي يلزم على الشعب الأهوازي أن يعدّ الدولة الإيرانية كدولة تصريف أعمال مفروضة وهذا أولا، ثم إنه نجد من خلال المقارنة المنطقية بين ظواهر المجتمعات الحديثة وبين المجتمع الأهوازي نشهد أن هذه الظواهر غير مكرس لها في حياتنا، بمعنى أن الاهوازي لا يتصرف بناء على اعتبارات حقوقية ولا ديمقراطية ولا مدنية ولا يهتم بقضية حقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة ونسبة الأمية كثيرة. ولم تخف الأسباب الواقفة وراء هذا التصرف حيث مشروع الفرسنة والأيرنة التي تمارس ضدنا. والأسباب الموجبة لهذه التأخر الثقافي والاجتماعي والاقتصادي تقف وراءها ثلاث فترات معادية: البهلوية الأولى والثانية وجمهورية إيران. ومن وجهة استباطية لا أتفق مع التصور الساذجة التي ترى يمكن تجاوز التخلف ولو في فترة الجمهورية الإيرانية! وهنا أؤكيد أن التجاوز لا يكون عموميا وميسورا لكل آحاد المجتمع، هناك دول مع أنها مختارة من قبل شعوبها لكنها لا تستيطع التخلص من التخلف، فما بالك بالأهواز التي تعاني من إيران في التنمية (= Development) في المجال الحضاري والثقافي؟ ولنسلم أن بعض قادر على اجتياز مرحلة التخلف، إلا أننا نعني الغالبية وعموم المواطنين الذي لا يقدرون على التجاوز. ومن تجاوز ذلك من خريجي الجامعات في عهد جمهورية إيران والمعاهد العليا معظمهم من يفتقد مقومات الهوية الوطنية العربية الأهوازية، وفي الوقت الراهن لا نفرز منهم إلا من يحمل موقفا أهوازيا تجاه الوطن الأهوازي العربي، مغايرا بذلك موقف النظام الإيراني. فتعريف النخب الأهوازيين غير شامل بالضرورة لكل مثقف أو خريج تعليم عال أو جامعة.
النخبة (= Elite) في الموروث العربي:
الأصل في مفهوم النخبة (= Elite) أن يرصد في متسع سوسيولوجيا السياسة؛ لأنه يقصد أقلية من المجتمع تتمتع بقدرات طبيعية أو مكتسبة إضافة إلى مؤهلات مساندة، إلا أننا نطبقه إلى ما أبعد من السياسة لكي نوظفه فيما نحن فيه وهو تحديد النخبة واشتراطاتها في الإطار الوطني الأهوازي ولا مانع من التوظيف مادام له مقبولية في غالبية البحوث السيوسيولوجية.
تشتق مفردة النخبة من الفعل الثلاثي المتعدي، وأصله: انتخب الشيء: اختاره؛ والنخبة: ما يختار من شيء. ونخبة القوم : صفوتهم، ومنهم: أهل الحل والعقد أو ما يطلق عليهم أهل الشورى من منظور الحاكم والرعية في التراث اللغوي والعرفي.
النخبة (= Elite) في الدراسات الإنسانية الحديثة:
يعرف معجم أكسفورد (= Oxford) مفهوم النخبة للدلالة على شرائح اجتماعية متميزة ولم يتحقق إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، إلا أن المفهوم نفسه كرس له في بريطانيا والولايات المتحدة عام 1930م، بعد شيوع مواقف النخبة كموقف فلفريدو باريتو
وتشتبهه معه بشكل وآخر حاليا مفاهيم: الأنتيليجينسيا في المنظور الذي نحن فيه دون الاختصار على المعنى السياسي. وعليه فيراد من النخب اليوم: أشخاص لهم قوة مؤثرة وسيطرة في شؤون المجتمع، حيث يمكن تمييزهم عن الطبقة المحكومة وذلك بسبب ما تمتلكه هذه الأقلية من مميزات القوة والخبرة في داخل المجتمع الأمر الذي يؤهلها لقيادته .
تعريف النخبة الوطنية الأهوازية :
عندما نعرف النخبة بناء على الهوية الأهوازية يلزم أن نفكها عن معايير الهوية المعتمدة إيرانيا، أي يجب أن تكون على تناقض مع الهوية ومعايير إيران الاجتماعية والثقافية والبنية البشرية.. كونها من منظورنا النخبوي الأهوازي الوطني تعد خطورة علينا.
والآن إذاً منطلق النخبة الأهوازية هي أساس ما ينقض الهوية الإيرانية ومعاييرها في كل عمل ثقافي أو أكاديمي أو حضاري. وعليه يمكن أن نعرف النخب الأهوازيين في أن: مَن له شخصية ـــ لا الشخص في حذ ذاته ــ ذات أداء مؤثر في إنتاج وإتساع العلم والمعرفة والفن والتثقيف ويتمتع بالنبوغ والفكر في متسع الوطن الأهوازي وله إمكانية التنظير ضد كل ما هو إيراني.
وبديهي أن الشخصية النخبوية بهذا المستوى يراد منها امتلاك القدرة على الدراسة أو التحقيق الأدكاديمي والبحث على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإعلامي والوطني والدولي والتقدم بموقف حلاني في صالح شعب الأهواز. وبناء على هذه الاعتبار فإننا لا نقتصد من النخبة ما يتمايز بالنسب (= الأفضلية والتميز والأرستقراطية والانتقاء..). عينا كما يقول جايتانو موسكا = Gaetano Mosca (الذين يشغلون قمة المواقع في الترتيب الهرمي للقيادة). ولو أن القيادة والقوة تمنحان مفهوم النخبة مدلولا سياسيا عمليا بكل تأكيد. ومن هنا، يتضح أن الأمر لا يتعلق بالنخبة السياسية فقط، بل بمجموع النخب الموجودين داخل المجتمع. فالانتماء إلى نخب معينين مشروط بالانتماء إلى الحقل العام الذي توجد فيه النخب، بمعنى أنه لا يمكن مثلا، أن ينتمي شخص بعيد عن مجال الفكر والثقافة إلى النخب الفكريين.
أشكال النخبة:
لقد تمت الإلماعة على أن بنية المجتمع الأهواز تقليدية ما يعني أن التقليديات كالتمسك بظواهر الدين وتقديس المرجعية الدينية مثلا والأعراف التريباليزمية (= القبلية ــ العشائرية الأهوازية = Tribalism) لها تأثير أكثر من باقي الظواهر وأن طيال فترات تقويض الحكم العربي ثم فترة الجمهورية الإيرانية في أربعة عقود سعت إلى منع تبني غير البنية التقليدية وأساسا إبعاد المجتمع عن أحداث العالم الحديث وخطاباته الحديثة التي أثبتت بالتجربة نجاحها كخطاب العلمانية في تحقيق مطالب الإنسان. وفي النهاية هناك تفاعل بين البنية العشائرية وقبلية
ــ التريباليزيمية كالعشيرة والشيخ ورجل الدين ما يعني أن بنية المجتمع الأهوازي حتى قبيل حكم الملالي الجديد قائمة على ثقافة الرعي والفلاحة والقبلية والقبائلية أو كل ما هو موروث وبحاجة إلى تحديث وإعادة بناء وتأسيس.
وقد أدى ذلك (= البنية الأهوازية وتأثير الأنظمة الإيرانية السلبي) إلى تراجع ظهران النخبة حيث فقدان مقومات الإنتاج النخبوي مثل التعليم العالي بلغة الأم والشعور الذاتي بالأهواز كوطن ذي مقومات ومعايير عربية بإمارة مستقلة والاعتزاز بالتراث الثقافي والفكري والأدبي والعلمي والسياسي. ومن هذا المنطلق في فقدان ذلك كله من البديهي أن تطفح على المستوى الثقافي عينات ثقافية غير سليمة فاقدة لمعايير المثقف العربي والنخبة، إلا إذا تم الاستثناء لعينات جادة تستحق الإدراج في قائمة النخبة الأهوازية.
ونعني بالعينات غير سليمة تلك التي لا تحوز على مقومات التصنيف العربي الأهوازي أي أن الانتماء والشعور الذاتي والإنتاج الثقافي والموقف العربي الأهوازي.. غير صريح وواضح فيما لها من نتاج ثقافي ولم تتخلص من كل ما هو مورث إيراني مناقض لنا.
ألف) نخبة: عربية ــ عربية
أعني من النخبة العربية العربية في هذا المصطح تلك النخبة التي لا تتفق مع المواقف والفرضيات المطروحة في الصعيد الإيراني بأي شكل من الأشكال. ومن هنا يبني النخبوي موقفه على أساس المعاداة لإيران في الأعمال الكتابية والإنتاج الثقافي صراحة من واقع الانتماء إلى الأهواز ومتعلقاته الثقافية والموروثية؛ موقف لا يتفق مع تفكير النخب الإيرانية بتاتا. ويمكن التمثيل في هذا السياق بالبحاثة في مجال التراث وإحياء الموروث الوطني الأهوازي السید هادی بن ياسين باليل الموسوي، حيث حاول في أعماله إحياء تاريخ العِلم وإعادة أسماء المدن والأمكنة والشخصيات العلمية وتحقيق مخطوطات تراث الأهواز العلمي والفكري وكتابة جوانب من تاريخ السلطنة المشعشية بمعزل عن الفكرانية الإيرانية.. وهناك العشرات وهم أحياء بكل تأكيد ليس من الضروري ذكرهم الآن.
هذا البحّاث جسد النخبة العربية ـ العربية الأهوازية بأدق التفاصيل وكان انتماؤه للأهواز خالصا بالمعايير التي تمت الإشارة إليها وبشعور ذاتي لصالح الأهواز والسلطنة المشعشية. إذاً، يتحصل أن منظورنا من النخبة العربية ـ العربية الأهوازية وجود الانتماء والشعور الذاتي والإنتاج الثقافي والموقف العربي الأهوازي في الأعمال الكتابية أو النتاج الثقافي العام.
باء) نخبة: عربية ــ فارسية :
في هذ الجزء من البحث من الضروري أن ندرس ظاهرة أخرى أقرب إلى الهوية الإيرانية منها إلى العربية الأهوازية وأعني من العربية ــ الفارسية غياب الانتماء والموقف العربي الأهوازي تجاه الأهواز العربية وشؤونها الوطنية وهذا ما نشهده عند النخبة العربية الفارسية.
وبتعبير أكثر إحاطة أن هذه النخبة لا يمكن إثبات موقف لها فيما بينا بل هناك أحيانا هشاشة في مسألة الشعور الذاتي العربي الأهوازي. ويمكن التمثيل في هذا الجانب في أكثر أشكال الثقافة تعاطيا في الأهواز وهو الشعر على أمل فرصة أخرى لدراسة العمل الفكري غير
الأدبي في المستقبل. يعد الشاعر مجيد زماني أصل وهو شاعر يتقن الفارسية كلغة أم ولا يجيد العربية بقدر ما يجيد الفارسية والشعرية وأدواتها الإبداعية، نخبة أدبية وثروة شعرية كبيرة إلا أن المشكلة أنه لا يكرس كثيرا على الأهواز في شعره الفارسي.
وفي غياب اللغة والانتماء والموقف العربي لا منتفع منه حاليا، ولكن في مراحل قادمة تخص الوضع المستقبلي الأهوازي أعني تقرير المصير الوطني العام لشعب الأهواز، تبقى إمكانية إحالته إلى شاعر عربي مرموق غير معدومة. ولكن بناء على ما تقدم يبقى غير مجدي في هذه المرحلة الحرجة والحساسة من حرب الهويات بين اللغة والثقافة العربية الأهوازية والثقافة المؤيرنة والمنتجات الإيرانية الثقافية.
ومما دعانا إلى تصنيفه كنخبة عربية فارسية في المجتمع الأحوازي التمسك ببعض أسس الهوية العربية الأهوازية والتي تنعكس في شعره على الآتي:
نترس از دو سوي كوره راه
تا راندن سگها و گرگها
با من
با اين (جنايه)ي خيزراني كه در دست دارم
من دهاتي ام از عشيره كعب
هم قوم و خيش حته
و زندگي ساده ام در ني چوپان و رمه
ترجمه
لا تخف مطاردة الكلاب و الذئاب
بكلا طرفي منعرج الطريق علي عاتقي
بعصي الخيزران هذه التي بيدي
انا قروي من عشيرة كعب من اقربا حته و حياتي بسيطه
تختزل في عود الراعي و قطيع الاغنام
المحصلة:
نستبط مما سبق أن النخبة الأهوازية (النخبة العربية ــ العربية) مصطلح لا يتحقق مدلوله على كل خريج تعليم عال ولا مثقف.. ما لم يتأطر بالمتطلبات الأهوازية ومنها الإنتاج الثقافي المعنوي والمادي بكل مشتقاته العلمية والأدبية، ثم الانتماء والشعور الذاتي والإنتاج الثقافي في الدعم أو التأسيس ضد مواقف الأيرنة على أن هذه النخبة تحافظ في النتاج الثقافي على الموقف والانتماء العربي الأهوازي.. وتأتي النخبة العربية ـــ الفارسية بما لها من حمولة كالشعور الذاتي بالأهواز لكن دون موقف، وما يميزها أنها عادة ما تنشغل بالإنسانيات والهواجس العامة بلا تكريس واضح ومتكرر على الأهواز. إذاً فكل مثقف لا يكون نخبويا ومن البديهي أن النخبوي يمثل أعلى مستوى من صنف المثقف. وما هو مطلوب في السياق الوطني الأهوازي أن يقف من له إمكانية نخبوية على معايير النخبة الأهوازية والبدء بالإنتاج الأكاديمي أو الثقافي العام وفقا لما بيناه وأن يلتزم الاشتراطات والواجب الوطني في المضي إلى الأمام من أجل التقدم والتنمية.. العربية الأهوازية قبال ما يمارس ضدنا في فرضية الإيرانيزم والإيرانة وغيرهما من محاولات على صلة بطمس الهوية الأهوازية والتغيير الديمغرافي وحرماننا من حق تقرير المصير.
المصادر:
1 انظر، دراسة الباحث: (مفهوم القبلية = Tribalism والسيدية الأحوازية).
2 انظر: يوسف صايغ، مقررات التنمية الاقتصادية العربية، الجزء الثالث، بيروت 1985، ص 95- 97).
3 ابن منظور: لسان العرب، حرف النون، مادة نخب، الجزء الرابع عشر، دار صادر، بيروت، لبنان، طبعة 2003م.
4 المختار بن عبدلاوي: (إنتاج النخب وتدويرها في المغرب)، نخب مغاربية: الخلفيات، المسارات والـتأثير، أعمال المنتدى المغاربي الثاني، منشورات مدى، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2012م، ص:9.
5 توم بوتومور: النخبة والمجتمع، ترجمة: جورج جحا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية سنة 1988م، ص:5.
7 فئة تعنى بالإبداع وممارسة الفكر من المثقفين والتنويريين.
8 – جون سكوت: علم الاجتماع المفاهيم الأساسية، ترجمة: محمد عثمان، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية سنة 2013م، ص:362.