تسببت مشاكل مثل الانخفاض المستمر لقيمة العملة الوطنية والعقوبات الأمريكية الجديدة والتضخم إلى تزايد القلق لدى الرأي العام الإيراني وبخاصة لدى المحللين والسياسيين حول مستقبل بلادهم من جهة ، والقرارات التي اتخذها المسؤولين في طهران والهادفة لمنع وقوع أي أزمة اجتماعية وسياسية وتفادي تكرار الاحتجاجات الشعبية الواسعة المناهضة للنظام والتي كانت قد عمت البلاد سابقا من جهة أخرى .
ويعد صدور قرار مجلس مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير ضد إيران وقرار واشنطن بمعاقبة قبطان ناقلات هذا البلد نتيجة تصديرهم للبنزين إلى فنزويلا، حصل انخفاض شديد لقيمة التومان حيث وصل إلى ما يقارب 20 ألف تومان إزاء الدولار ألأمريكي الواحد.
إضافة إلى ذلك فأن لا يمكن تجاهل القلق من تأثير المباحثات الإستراتيجية الأخيرة بين العراق وأمريكا على مستقبل الاقتصاد الإيراني. وكتب صباح زنغنة، سفير طهران الأسبق في منظمة التعاون الإسلامي في مقاله له في موقع “مركز الدراسات السياسية والدولية لوزارة الشؤون الخارجية الإيرانية (IPSC) في هذا المجال، بأن الأساس الرئيسي في هذه المحادثات يجب أن يكون كبح النظام الإيراني وفي هذا المجال إذا لم يتعاون العراق مع أمريكا فانه سيواجه المزيد من الضغوط والعقوبات الاقتصادية.
ويعد العراق الثاني بعد الصين كوجهة للبضائع الإيرانية المصدرة وأحد المصادر الرئيسية لتأمين الدولار الأمريكي لطهران. وقال حميد حسيني المتحدث باسم اتحاد مصدري المنتجات البترولية الإيرانية في يناير السابق بأن خلال الأشهر العشرة الماضية، تم تصدير بضائع بقيمة 8 مليار دولار أمريكي إلى العراق. وأضاف حسيني بأن يتم تحويل قيمة عائدات الغاز والكهرباء المصدر إلى العراق إلى حساب البنك المركزي الإيراني، إلا أن العقوبات الأمريكية حالت دون تحويل هذه الأموال وحالياً توجد 5 مليار دولار أمريكي منها عالقة في البنك المركزي العراقي.
إن أسباب أخرى مثل هبوط قيمة العملة الوطنية وانخفاض عائدات البترول والتي وفقاً لما قاله إسحاق جهانجيري، المساعد الأول للرئيس الإيراني، انخفضت من 100 مليار دولار إلى 8 مليار دولار، بالإضافة الى كساد السوق والناتج عن أزمة فايروس كورونا (كوفيد-19) كانتا السبب في ارتفاع معدل التضخم وتزايد القلق من ارتفاع البطالة ومشاكل اقتصادية أخرى، حيث وجه النشطاء السياسيون حتى الداعمين منهم للدولة انتقادات شديدة للحكومة الإيرانية.
وفي هذا الخصوص، قال سيد مصطفى تاج زاده، نائب وزير داخلية حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي، والشخصية البارزة في التيار الإصلاحي المدافع عن حكومة روحاني، “أن المشكلة الأساسية في إستراتيجية (لا حرب – لا مفاوضات) هي تجاهل العقوبات التي سرقت امن البلاد وعدم تقديم حل لإنهاء هذه العقوبات ” ،مضيفا، بأنه يعتبر” إستراتيجية لا حرب – لا مفاوضات ازدواجية خاسرة، وتسببت بضغط كبير على الشعب الإيراني ،كيف يمكنني انتقاد هذه الإستراتيجية دون اتهامي بمعادة ولاية الفقيه “.
ودفعت زيادة الاستياء العام وتأثيرها المحتمل على تجدد اندلاع الاحتجاجات العامة بين أوساط الفئات الفقيرة والعاطلة عن العمل ،الامر الذي دفع بعض الشخصيات مثل د. عباس آخوندي أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة طهران وكذلك حجة الإسلام سيد محمد موسوي خويني ها أحد زعماء جناح اليسار في السلطة إلي توجيه تحذيراتهم للقيادات الحاكمة في إيران.
وكتب آخوندي الذي شغل لمدة عشر سنوات وحتى حكومة روحاني الأولى، منصب وزير الطرق والتنمية العمرانية، حول الفقر واستياء المجتمع في حسابه على تلغرام قائلا :” أن الواقع الجيوسياسي للمنطقة والإحداث المتصلة بإيران تثبت أن ما يهدد الأمن القومي الإيراني هو ندهور الاوضاع الاقتصادي والاستياء العام الناتج عنه ولبس إي شيء أخر” .
وكان موسوي خويني ها الزعيم الروحي “للطلاب الجامعيين الموالين لخط الأمام”، ورئيس تحرير جريدة “سلام” المحظورة، من بين أولئك الذين كانوا يصرحون دائماً بأن الضغوط الأمريكية هي سبب المشاكل التي تعاني منها ايران، وكان ينتقد أي تقارب معها. ولكن وفي رسالته الأخيرة التي خاطب فيها قائد بلاده، وصف مشاكل الناس بأنها ناتجة عن السياسات الخاطئة للجمهورية الإسلامية وصرح بأن مما يدفع المواطنين لانتقاد بعض قادة البلاد انما بنم عن مدى فقدان الثقة بهؤلاء المسؤولين والقادة ، لان هناك جمهرة من المواطنين تعاني من مشاكل معيشية لا تطاق، وأصبحوا غير راضين عن الأوضاع الثقافية والسياسة ومتورطين بسبب فقدان العدالة الواضح كما إن المواطن بات يدرك ، أن الأساليب التي يتم من خلالها إدارة البلاد وفي اعلي المستويات قد استنفذت ولم تعد تلعب دور رئيسيا في إدارة اغلب شؤون البلد.
كما تمت الإشارة في البداية، فقد تسببت هذه القضايا بأن تقوم السلطة الحاكمة في إيران ( الحكومة والدولة)، باتخاذ خطوات لمواجهة أي نوع من الأزمات الجديدة وتفاديا لعودة تكرار الاحتجاجات الواسعة. على سبيل المثال، قام البنك المركزي الإيراني قبل عدة أشهر برفع قيمة الفائدة على الودائع 2% لتصبح 12%، وذلك من اجل الحفاظ على قيمة العملة الوطنية وتقديم مساعدة لنمو اقتصادي.
وفي هذا المجال، صرح خبيران اقتصاديان في مقابلة مع وكالة أنباء الأناضول حول أسباب وعواقب قرار البنك المركزي الإيراني برفع الفائدة على الودائع. حيث قال د. جمشيد أسدي أستاذ الإستراتيجية في الاقتصاد في جامعة باريس ” إن الوضع الاقتصادي الإيراني متأثر من ارتفاع العجز في الميزانية الاستثنائية للحكومة، والتي كانت قبل ظهور جائحة كرونا تواجه عجز بنسبة 50%، ونظراً لهذه الأزمة وتصعيد العقوبات، سترتفع نسبة العجز في الميزانية بشكل كبير، لذلك قام البنك المركزي برفع قيمة الفائدة ليتمكن من جذب الودائع وتوجيهها إلى البورصة، ليعرض أسهم الشركات الحكومية مقابل جمع السيولة لان الحكومة مفلسة بحاجة ماسة للمال”.
وحول تداعيات رفع نسبة أرباح البنوك في إيران قال: “بان إفلاس الحكومة وافتقارها للمال يعد العنصر المؤثر على كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، ومن المخيف جداً ألا تتمكن الحكومة من الاستيراد لتقديم المعونة، الامر الذي سيدفع المواطنين مجدداً النزول الى الشوارع كما ما حدث في فبراير2017 وأكتوبر 2019. لذلك فإن نقص السيولة يعد العنصر الحاسم في الاقتصاد الإيراني وليس زيادة الودائع التي تتأثر هي بإفلاس الحكومة نفسها “.
بدوره تحدث الكاتب ومحلل الشؤون الاقتصادية سيد سعيد بلند-نظر حول ما يعانيه الاقتصاد الإيراني من أزمات وقال ” بان غياب السيولة النقدية بعد أحد العناصر المسببة للتضخم في أي بلد ولهذا الامر عواقب وخيمة، وتحاول الحكومة عبر رفع فوائد البنوك القيام بتشجيع المواطنين على الإيداع النقدي مقابل الربح من البنوك، وهذا يظهر تحكم الحكومة بالسيولة”.
كما تحدث السيد بلند-نظر عن العواقب المحتملة لقرار الحكومة القاضي بزيادة الفوائد وقال: “إذا لم تستطع أي مؤسسة او مجموعة مالية من الإعلان عن مواردها بالشكل المطلوب وبالاستثمار الصحيح، فانها ستواجه مشاكل على المدى البعيد، لان المؤسسات التي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية في إيران عبر الواسطة ودون أي تصريح رسمي، لم تقم بإدارة صحيحة لأصولها ،حيث الامر الذي دفع أصحاب الودائع الى الاحتجاجات واستخدام مختلف أساليب لاسترجاع أموالهم “.
بدورها قامت حكومة حسن روحاني مؤخرا باتخاذ قرار حساس ومهم آخر وهو”التصديق على المعاهدة الإيرانية – الصينية التي تصل مدتها إلى 25 عاماً”، والتي تدارسه مجلس الوزراء برئاسة روحاني قبل عدة أسابيع المسودة النهائية لها وتأييدها، حيث صدرت تعليمات لوزارة الخارجية الإيرانية بالتوقيع على هذا البرنامج خلال المفاوضات النهائية مع الجانب الصيني.
كما تحدث الرئيس الإيراني حول هذا المشروع قائلاً:” يعد هذا التعاون فرصة للشراكة بين إيران والصين في المشاريع الرئيسية وفي مجالات تطوير البني التحتية والتي من ضمنها مشروع طريق الحزام الكبير، كما سيكون فرصة لجلب الاستثمارات في مختلف المجالات الاقتصادية ،الصناعة، السياحة، التكنولوجيا، والاتصالات”.
وواجهت هذه الاتفاقية انتقادات المحللين الاقتصاديين والشخصيات السياسية من التيارين الإصلاحي والأصولي للنظام الإيراني ،كما قام موقع “تابناك” الأصولي التابع لمحسن رضائي أمين سر مجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد العام السابق للحرس الثوري بإعلان معارضته لهذا الاتفاقية قائلاً: ” لم يتم الإعلان حتى ألان عن تفاصيل مسودة هذه الاتفاقية، لذا لا يمكن تحليلها او الحكم على محتواها. كما لم يتضح بعد متى سيوافق الصينيون على هذه الاتفاقية ومتى سيتم تنفيذها لان المصادقة لنهائية على هذه الاتفاقية من قبل الجانب الصيني وتنفيذها يعد بمثابة تحول كبير نحو الشرق و في الواقع، قد يعني ذلك الاختيار النهائي، والتفضيل النهائي بين الشرق والغرب”.
كما تحدث في هذا المجال الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد قائلا: “سمعت أنهم يتفاوضون على عقد جديد مدته 25 عامًا مع دولة أجنبية، وقد إخفائه حتى الآن عن الجميع، متسائلا هل يملكون البلد، حتى يمنحون الآخرين من خزينة الأمة دون علم الشعب؟ مضيفا: ” قمنا بثورة حتى لا نخفي أي قضية عن الشعب، ولا يعتبر احد نفسه مالكاً لهذه الأمة”.
بدوره انتقد عبد الله رمضان زاده، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران والمتحدث باسم حكومة الرئيس الأسبق سيد محمد خاتمي، هذه الاتفاقية وقال: “ألا يوجد هناك أحدا يشرح لهذه الأمة الصابرة محتوى هذه الاتفاقية المزمع عقدها مع الصين ؟”. كما كتب د. بدرام سلطاني، العضو والنائب السابق لرئيس غرفة التجارة الإيرانية وعضو المجلس العام للاتحاد الدولي للغرف (ICC)، عبر تويتر قائلا: “من دواعي القلق الشديد أننا وفي ذروة الضعف والتحدي، نوقع عقدًا مع قوة عالمية لا تنبعث منها إي روائح طيبة”.
(*) تمت الترجمة عن الفارسية للعربية نقلا عن المصدر التالي :https://www.aa.com والمنشور تحت عنوان : “جالشهاي عمده اقتصاد ايران از كسري بودجه تا سند 25 ساله با ايران ”
جابر احمد